السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«مؤشـــرات إيجابيـــة» للاقتصاد المصرى رغم التحديات

رغم التحديات التى تمر بها المنطقة والتوترات السياسية والأمنية التى تحيط بمصر من كل جهة، تضغط الدولة المصرية لإعادة النظر فى شروط برنامج قرض اتفقت عليه مع صندوق النقد الدولى، واهتمت م ؤسسات مالية دولية كبرى مثل مؤسسة «فيتش» برفع التصنيف الائتمانى على المدى الطويل بالعملة الأجنبية إلى B من «B-» مع نظرة مستقبلية مستقرة.



 

وأرجعت فيتش رفع التصنيف الائتمانى لمصر، إلى انخفاض المخاطر الخارجية وتعديل السياسات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة.

وأوضحت فيتش أن المالية الخارجية لمصر قد تعززت بشكل ملحوظ بفضل عوامل عدة، من بينها الاستثمار الأجنبى المباشر الضخم فى مشروع رأس الحكمة، واستثمارات الأجانب فى سوق الدين، بالإضافة إلى التمويلات التى قدمتها المؤسسات المالية الدولية.

وقالت إن هذه العوامل ساهمت فى تعزيز احتياطيات النقد الأجنبى، مما زاد من ثقة الأسواق فى قدرة مصر على مواجهة الصدمات الخارجية.

ولفتت الوكالة إلى الارتفاع الملحوظ فى الاحتياطيات الدولية لمصر خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، حيث زادت بمقدار 11.4 مليار دولار لتصل إلى 44.5 مليار دولار.

وأشارت الوكالة إلى تعافى صافى الأصول الأجنبية فى القطاع المصرفى المصرى بشكل كبير، حيث تحول من عجز بلغ 17.6 مليار دولار فى يناير إلى ما يقرب من التوازن فى الوقت الحالى.

وعزت فيتش هذا التحسن الكبير فى مؤشرات المالية الخارجية المصرية إلى عدة عوامل، أبرزها: استثمارات رأس الحكمة، حيث ساهمت الصفقة الضخمة لاستثمارات رأس الحكمة فى ضخ نحو 24 مليار دولار أمريكى من العملات الأجنبية الجديدة إلى الاقتصاد المصرى، مما دعم الاحتياطيات بشكل كبير. إضافة إلى حيازات غير المقيمين من الديون المحلية المصرية التى شهدت زيادة قدرها نحو 17 مليار دولار أمريكى منذ فبراير الماضى، فضلًا عن تحويل الـ11 مليار دولار المتبقية من استثمارات رأس الحكمة إلى ودائع بالعملة الأجنبية الإماراتية لدى البنك المركزى المصرى، مما أدى إلى تقليص الدين الخارجى المصرى.

 تطورات إيجابية

وأكدت فيتش أن هذه التطورات الإيجابية تعكس نجاح السياسات الاقتصادية التى تتبعها الحكومة المصرية، خاصة فيما يتعلق بتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحسين بيئة الأعمال.

كما أشارت الوكالة إلى أن المرونة التى أظهرتها مصر فى سعر الصرف، فضلًا عن الشروط النقدية الأكثر صرامة، قد ساهمت بشكل كبير فى تعزيز استدامة المالية الخارجية.

وعلى صعيد المالية العامة، لفتت فيتش إلى انخفاض المخاطر بشكل معتدل، وذلك بفضل التدابير التى اتخذتها الحكومة للحد من الاستثمار العام خارج الميزانية وتوسيع القاعدة الضريبية. كما توقعت الوكالة انخفاضًا ملحوظًا فى عبء الفائدة على الديون المحلية المرتفعة للغاية فى مصر.

وأضافت أن تمويل المؤسسات المالية الدولية الذى تم الإعلان عنه منذ مارس يشمل تسهيل الصندوق الموسع لصندوق النقد الدولى (EFF) المعزز بقيمة 8 مليارات دولار أمريكى ودعم الاتحاد الأوروبى بقيمة 7.4 مليار يورو لمدة ثلاث سنوات، يساهم بشكل كبير فى دعم الاقتصاد المصرى وتغطية احتياجاته التمويلية.

وأضافت الوكالة أن متوسط الاستثمار الأجنبى المباشر المتوقع يصل إلى 16.5 مليار دولار أمريكى خلال السنتين الماليتين المقبلتين، مدعومًا باستثمارات جديدة من المملكة العربية السعودية وفى مشروع رأس الحكمة. هذا التدفق الكبير للاستثمارات الأجنبية سيساعد فى تمويل عجز الحساب الجارى الذى اتسع خلال السنة المالية الحالية.

وتوقعت فيتش أن يتراجع عجز الحساب الجارى تدريجيًا خلال السنتين المقبلتين، ليصل إلى %5.2 من الناتج المحلى الإجمالى فى السنة المالية 2025 ثم %4 فى السنة المالية 2026. وعللت ذلك بالتعافى الجزئى لإنتاج الغاز وانخفاض عائدات قناة السويس.

وبالرغم من توقع انخفاض طفيف فى احتياطيات النقد الأجنبى، إلا أن فيتش أكدت أنها ستظل أعلى من متوسط تصنيف «B» عند 3.8 شهرًا من المدفوعات الخارجية الحالية.

 تحديات كبيرة

وعقب لقاء جمع الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، الأسبوع الماضى، مع كريستالينا چورچييفا، مدير عام صندوق النقد الدولى، فى القاهرة، أبدت مديرة الصندوق «تفهمها الكامل لحجم التحديات الكبيرة التى تواجه مصر فى ضوء المستجدات الإقليمية والدولية»، فيما شدد السيسى على «أولوية تخفيف الضغوط والأعباء» عن كاهل مواطنيه.

ووقَّعت مصر حزمة دعم مالى موسعة بثمانية مليارات دولار مع الصندوق فى مارس الماضى تلزمها بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، والسماح بتحرير سعر صرف الجنيه.

ونهاية أكتوبر الماضى، حذَّر السيسى من أن مصر قد تضطر إلى إعادة تقييم برنامجها مع الصندوق إذا لم تأخذ المؤسسات الدولية فى اعتبارها التحديات الإقليمية غير العادية التى تواجه البلاد، ضاربًا المثل بتأثر إيرادات قناة السويس بنحو 60 فى المائة، نتيجة التوترات الأمنية بالبحر الأحمر.

وخلال لقائه چورچييفا، أعرب السيسى عن تطلع مصر لاستكمال التعاون مع الصندوق خلال الفترة المقبلة، والبناء على ما تحقق بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية، وخفض معدلات التضخم.

لكنه أشار إلى ضرورة مراعاة المتغيرات وحجم التحديات التى تعرضت لها مصر فى الفترة الأخيرة بسبب الأزمات الإقليمية والدولية، التى كان لها بالغ الأثر على الموارد الدولارية وإيرادات الموازنة.

وشدَّد الرئيس على أن أولوية الدولة هى تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين، لا سيما من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار، مع استمرار جهود جذب الاستثمارات وتمكين القطاع الخاص لزيادة معدلات التشغيل والنمو.

وأعربت چورچييفا عن تقديرها البالغ لجهود الدولة المصرية خلال المرحلة الأخيرة، والبرنامج الإصلاحى الذى يتم تنفيذه بعناية مع وضع الفئات الأكثر احتياجًا فى مقدمة الأولويات، كما أشادت «بالتقدم الذى تحرزه مؤشرات الاقتصاد الكلى رغم التحديات غير المسبوقة فى الفترة الراهنة، وهى المؤشرات التى انعكست فى النظرة الإيجابية لمؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية ورفع تصنيف مصر الائتمانى وتزايد الاستثمارات».

وأكدت مديرة صندوق النقد الدولى «تفهمها الكامل لحجم التحديات الكبيرة التى تواجهها مصر فى ضوء المستجدات الإقليمية والدولية»، منوهة بسعى الصندوق- بالشراكة مع الحكومة المصرية- للتوصل لأفضل مسارات الإصلاح التى تراعى جميع الأبعاد ذات الصلة.

ورفعت مصر الشهر الماضى أسعار مجموعة كبيرة من منتجات الوقود للمرة الثالثة هذا العام، مع زيادة أسعار السولار (الديزل) والبنزين بما يتراوح بين 11 فى المائة و17 فى المائة.

وبدأت المراجعة الرابعة لبرنامج صندوق النقد الدولى مع مصر، يوم الثلاثاء الماضى، بحسب رئيس الوزراء مصطفى مدبولى.

وكان مدبولى قد قال الشهر الماضى إن الصندوق طلب تأجيل مراجعته الرابعة للقرض، التى كان من المقرر إتمامها بحلول 15 سبتمبر أو بعده، وهى واحدة من أصل ثمانى مراجعات فى البرنامج البالغة مدته 46 شهرًا، والذى تمت زيادة حجمه إلى ثمانية مليارات دولار.

وقال مدبولى إن مصر ملتزمة باستمرار تطبيق سعر الصرف المرن بالتنسيق مع البنك المركزى «للحفاظ على المكتسبات التى تحققت فى هذا الصدد».

وأكد مدبولى التعاون المتبادل مع صندوق النقد الدولى، مضيفًا أن مصر «تتوقع المزيد من الشراكة الناجحة والمثمرة فى الفترة المقبلة».

من جهتها، أشارت چورچييفا إلى أن مناقشات صندوق النقد الدولى مع مصر خلال أيام ستبحث أيضًا سبل دعم الأهداف المصرية فى مجال التحول للاقتصاد الأخضر ووصول مصر إلى تسهيل الصلابة والاستدامة فى السعى لتحقيق هذا الجهد.

 خمسة أهداف

وتحتاج مصر لاكتمال المراجعة الرابعة تنفيذ حزمة من الإجراءات المتفق عليها مع صندوق النقد لاعتماد المراجعة الرابعة ومن أهمها رفع الدعم على المحروقات وفق الخطة حيث أظهرت وثائق صندوق النقد الدولى أن مصر ستلتزم برفع الدعم عن أسعار البنزين والسولار بنهاية 2025، بهدف ضبط إجراءات المالية العامة وتخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة.

وكانت مصر رفعت أسعار البنزين بجميع أنواعه والسولار بين 7.7 % و17 % يوم الجمعة الماضية للمرة الثالثة خلال 2024 بعد أن رفعته فى أبريل ويوليو الماضيين.

والأمر الثانى هو مرونة سعر الصرف، حيث يرى الصندوق أن الحفاظ على مرونة سعر الصرف مقابل باقى العملات الأجنبية يعد حجر الزاوية فى استمرار التعاون مع مصر. وأكدت كريستالينا أمس أن مصر التزمت بمرونة سعر الصرف وتنفيذ إجراءات البرنامج.

وقد أعلن البنك المركزى تحرير سعر الصرف فى مارس الماضى ليرتفع الدولار بنحو 60 % مقابل الجنيه من 30.94 جنيه ليتخطى 49 جنيها فى البنوك اليوم، بهدف توحيد سعر الصرف.

والأمر الثالث هو تخارج الدولة، حيث أكد صندوق النقد الدولى فى برنامجه مع مصر على ضرورة مضى مصر بخطى سريعة لتنفيذ برنامج الطروحات أى تخارج الدولة من بعض الحصص المملوكة لها لصالح القطاع الخاص.

وكانت مصر تخارجت من برنامج الطروحات بنحو 5.6 مليار دولار من 2022 وحتى نهاية 2023، وفق ما قاله محمد معيط وزير المالية السابق فى وقت سابق.

وتسببت التوترات الجيوسياسية بالمنطقة فى عرقلة تنفيذ برنامج الطروحات ولكن أكدت الدولة على جديتها فى التخارج لإفساح المجال للقطاع الخاص.

وأعلنت الحكومة فى فبراير 2023 طرح 32 شركة فى برنامج الطروحات فى قطاعات مختلفة بنوك وبترول والغذائية وأسمدة وخلافه.

وكانت مصر نفذت فى فبراير الماضى أكبر صفقة استثمارية بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات لتطوير مشروع مدينة رأس الحكمة المطلة على البحر الأبيض المتوسط على مساحة 170 مليون متر مربع.

والهدف الرابع هو كبح التضخم، حيث يشدد صندوق النقد الدولى على ضرورة استهداف البنك المركزى لتقليل معدل التضخم، ما يستدعى الحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة حتى التأكد من تراجع التضخم بشكل مستدام.

ورفع البنك المركزى سعر الفائدة 19 % خلال آخر عامين ونصف قبل أن يبقى عليها فى آخر 4 اجتماعات له عند مستوياتها المرتفعة 27.25 % للإيداع و28.25 % للإقراض.

وكان معدل التضخم عاد للتسارع خلال آخر شهرين مسجلا 26.4 % فى سبتمبر من 26.2 % فى أغسطس تحت ضغط زيادة أسعار البنزين والسولار والكهرباء بعد أن تراجع 5 أشهر على التوالى.

وأخيرا ضبط المالية العامة، حيث يطالب الصندوق بضرورة ضبط الدين العام وتراجعه من إجمالى الناتج المحلى، وتقليل إنفاق الدولة على المشروعات بشكل لا يرهق الميزانية العامة للدولة.

وتستهدف مصر تراجع إجمالى الدين العام إلى 80 % بنهاية يونيو 2027، بهدف تخفيف عبء الدين، كما وضعت الحكومة لأول مرة حدودا قصوى للاستمار فى المشروعات بحيث لا تزيد على تريليون جنيه.