بعد الرئاسة يأتى الكونجرس موجة «حمراء» تجتاح واشنطن

مروة الوجيه
«موجة حمراء» لم تكتسح البيت الأبيض فحسب، بل وصلت توابعها إلى أروقة الكونجرس الأمريكى بغرفتيه، النواب والشيوخ، والمعروف بـ«الكابيتول هيل»، فاقتحمت مجلس الشيوخ ذا الأغلبية الديمقراطية، ليصبح تحت سيطرة جمهورية يزداد نفوذها كل لحظة مع سقوط مقاعد متتالية فى قبضة الجمهوريين، بعد أن انتزع حزب الرئيس الأمريكى «المنتظر» دونالد ترامب مقاعد حاسمة فى ولايات أوهايو ونيبراسكا وويست فيرجينا ومونتانا، ما قد يمهد الطريق أمامهم للسيطرة على المجلس فى عام 2025، فيما لا تزال السيطرة على مجلس النواب غير مؤكدة، وقد لا تكون معروفة لأيام أو حتى لأسابيع، إلا أنه وحتى الوقت الراهن نجح الجمهورى فى انتزاع 206 مقاعد من أصل 435 مقعدا، بينما نجح الديمقراطى فى حصد 191 فقط، فى حين يحتاج أى من الحزبين إلى 218 مقعدا للحصول على الأغلبية.
«تفويض» النصر
رغم أن الأرقام النهائية لم تتضح بعد، فإن المشهد لا يبشر الديمقراطيين بالخير، ما يوحى بأن اللون الطاغى على المرافق الفيدرالية فى واشنطن سيكون على الأرجح هو «اللون الأحمر» فى معادلة وقعت وطأتها كالصاعقة على رؤوس الديمقراطيين الذين تحطمت آمالهم الرئاسية والتشريعية بعد نتائج مخيبة للآمال دفعت بهم إلى إعادة النظر فى استراتيجياتهم السياسية وتقييمها.
وفى حال احتفظ الجمهوريون بالسيطرة على مجلس النواب، فسوف يكون ذلك مشهدًا مكررًا لما حدث فى انتخابات عام 2016. حيث فاز ترامب بالرئاسة وسيطر الجمهوريون على مجلسى النواب والشيوخ.
ومع أول خطاب له بعد إعلان نتيجة الاكتساح بأصوات الناخبين، قال ترامب إن الجمهوريين فازوا بمجلس الشيوخ، وأضاف: «يبدو أننا سنحتفظ أيضًا بالسيطرة على مجلس النواب... هذا نصر رائع للأمريكيين».
ووصف ترامب هذه الانتصارات الجمهورية فى سباقات مجلسى الكابيتول بأنها «تفويض قوى» من الشعب الأمريكى لتنفيذ أچندته.
وفى حين يعزز الجمهوريون قبضتهم على مراكز صنع القرار داخل واشنطن، فإنهم سيمهدون الطريق للرئيس المقبل دونالد ترامب لتنفيذ أچنتده الانتخابية وإقرار قوانين تعهد بها خلال حملته كذلك المصادقة على تعييناته الرئاسية من وزراء وسفراء، وصولًا إلى قضاة المحكمة العليا.
ومع انتظار تأكيد صورة «النصر» النهائية فإن الأغلبية الجديدة لن تتسلم الحكم قبل مطلع العام المقبل، حيث سيعقد الكونجرس بأغلبيته الجديدة، ويتم اختيار قيادات الحزبين قبل أيام من إعلان تنصيب الرئيس ترامب فى يناير المقبل، مما قد يعنى تغييرًا حتميًا فى قيادات مجلس الشيوخ الجمهورى، خصوصًا فى ظل إعلان زعيم الجمهوريين ميتش مكونيل تنحيه عن منصبه بعد علاقة متأزمة جدًا جمعته بالرئيس السابق.
ومما لا شك فيه أن نتيجة هذه الانتخابات ستعزز من موقع ترامب فى الحزب الجمهورى، وتبعث برسالة تحذيرية لمعارضيه داخل الكونجرس، خصوصًا فى صفوف حزبه الذى أعلنوا رفضهم لترامب بل وانضم البعض منهم لحملة كامالا هاريس خلال فترة الانتخابات.
وقد حقق الحزب الجمهورى مكاسب فى انتخابات مجلس النواب، بعد ضمانه السيطرة على مجلس الشيوخ بفضل انتصارات حققها مرشحوه فى ولايات مونتانا وأوهايو وويست فرجينيا، وفق ما أظهرته نتائج الانتخابات الأخيرة.
وضمن الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب السيطرة على مجلس واحد على الأقل من مجلسى الكونجرس فى العام المقبل، حيث يتجه الجمهوريون لتحقيق أغلبية بواقع 52 مقعدًا على الأقل مقابل 48 للديمقراطيين فى مجلس الشيوخ، فيما أضافوا 3 مقاعد إلى أغلبيتهم فى مجلس النواب التى تبلغ 220 مقابل 212.
ولكن نظرًا لعدم حسم 51 % من أصل 435 مقعدًا بعد، فلن يعرف الآن من ستكون له السيطرة النهائية على مجلس النواب، إذ إن معرفة النتيجة النهائية قد تحتاج إلى أيام أو أسابيع.
ويحتاج الديمقراطيون الآن إلى تغيير المسار فى 7 مقاعد على الأقل، للسيطرة على مجلس النواب، لكن فرصهم للقيام بذلك تتضاءل تدريجيًا حيث احتفظ الجمهوريون بمقاعدهم فى كولورادو وأيوا ونيو جيرسى وفرجينيا.
غرف عكسية
وفق «أسوشيتد برس» فإنه تم إنفاق مليارات الدولارات من قبل الأحزاب والجماعات الخارجية على المعركة الصعبة فى مجلسى النواب والشيوخ المؤلف من 435 و100 عضو، على التوالى.
وإذا انتقلت السيطرة على المجلسين إلى حزبين مختلفين، كما هو محتمل، فسيكون ذلك نادرًا.
ووفق أسوشيتد برس، تظهر السجلات أنه إذا سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب والجمهوريون على مجلس الشيوخ، فستكون هذه هى المرة الأولى التى تتحول فيها غرف الكونجرس إلى سيطرة حزبية معاكسة.
وإذا هيمن الجمهوريون فى نهاية المطاف على مجلس النواب، فسيكونون فى وضع يسمح لهم بفرض الخطط، ومساعدة ترامب على الوفاء بوعده بخفض الضرائب وتقييد الهجرة، على الأقل لمدة عامين، حتى انتخابات التجديد النصفى فى عام 2026.
وضمنت النتائج أن الجمهوريين فى مجلس الشيوخ سيكونون قادرين على مساعدة ترامب فى تعيين القضاة المحافظين، وغيرهم من الموظفين الحكوميين.
وعلى الرغم من ذلك، لن يتمكن الجمهوريون من نيل الأغلبية المكونة من 60 صوتًا اللازمة لإقرار معظم التشريعات فى المجلس.
صلاحيات مطلقة
وفق الدستور الأمريكى فإن مجلس الشيوخ يتألف من ممثلين عن كل ولاية (تختارهما الهيئة التشريعية فى تلك الولاية) لمدة ست سنوات، ويكون لكل منهم صوت واحد.
وعقب اجتماع أعضاء مجلس الشيوخ مباشرة نتيجة الانتخاب الأول، يتم تقسيمهم إلى ثلاث فئات متساوية قدر المستطاع. وتشغر مقاعد شيوخ الفئة الأولى عند انتهاء السنة الثانية، ومقاعد شيوخ الفئة الثانية عند انتهاء السنة الرابعة، ومقاعد شيوخ الفئة الثالثة عند انتهاء السنة السادسة، بحيث يمكن اختيار الثلث مرة كل سنتين.
ويكون نائب رئيس الولايات المتحدة رئيسًا لمجلس الشيوخ كذلك، لكنه لا يدلى بصوته ما لم تتعادل الأصوات.
ويختار المجلس مسئوليه الآخرين كما يختار رئيسًا مؤقتًا فى غياب نائب الرئيس أو عند توليه مهام رئيس الولايات المتحدة.
وإلى جانب مجلس النواب، يملك الشيوخ سلطة التشريع، عبر إنشاء وتمرير القوانين الفيدرالية، لكن يجب أن تتم موافقة المجلسين حتى يصبح مشروع القانون قانونًا.
ولمجلس الشيوخ سلطة فريدة فى تأكيد التعيينات الرئاسية، بما فى ذلك القضاة الفيدراليين (مثل قضاة المحكمة العليا) وأعضاء مجلس الوزراء والسفراء وغيرهم من المسئولين الحكوميين المهمين.
ومن صلاحياته، وفق الموقع الإلكترونى الرسمى، تصديق المعاهدات الدولية التى يتفاوض عليها الرئيس، بأغلبية الثلثين، الأمر الذى يمنح الشيوخ سلطة مهمة فى رسم السياسة الخارجية، كما يملك مع مجلس النواب سلطة إعلان الحرب.
وإذا عزل مجلس النواب مسئولا فيدراليا (بما فى ذلك الرئيس)، يقوم مجلس الشيوخ بعقد المحاكمة، ويتطلب التصويت بأغلبية الثلثين للإدانة وإقالة الشخص من منصبه.
بناء على ما سبق، فإن إمساك الجمهوريين بزمام الأمور فى مجلس الشيوخ سيكون له تأثير كبير، علمًا بأن هناك الكثير من القرارات المشتركة بينه وبين النواب.
وقد يستفيد الحزب الجمهورى من الأغلبية فى الشيوخ فى تعزيز أولوياته السياسية مثل مبادرات لإلغاء قانون «أوباما كير» للرعاية الصحية، والتخفيضات الضريبية للشركات، وتوسيع عمليات التنقيب عن النفط والغاز.
ويمكن أن يلعب دورا محوريًا فى تأكيد تعيينات القضاة الفيدراليين بمن فيهم قضاة المحكمة العليا، وأغلبية الجمهوريين فى مجلس الشيوخ قد تساعد على تعيين قضاة محافظين، الأمر الذى قد يؤثر على التوازن الأيديولوجى فى القضاء خلال سنوات سيطرة الحزب.
وبالطبع فإن وجود رئيس جمهورى وأغلبية جمهورية فى الشيوخ وربما النواب أيضًا، سيمنح فرصة لترامب من أجل الحصول على دعم كبير لسياساته الداخلية والخارجية على حد سواء.