لم تردعها المناشدات والإدانات الدولية إسرائيل تدفع ملايين «الغزاويين» أمام شبح الموت الحتمى بحظر «الأونروا»
آلاء البدرى
دفع جنون نتنياهو إلى إقدام الكنيست على الموافقة على تشريع لحظر نشاط الأونروا فى غزة، فيما يعد تحديًا واضحًا للقوانين الدولية وقد تترتب عليه كارثة إنسانية غير مسبوقة، تعرض حياة الملايين إلى الهلاك المؤكد، وهو ما يؤكد أن القرار ليس مجرد إجراء عدائى ضد حماس أو المقاومة الفلسطينية؛ بل خطوة فى استراتيجية كبيرة تهدف إلى التطهير العرقى، وابتلاع ما تبقى من أراضى الفلسطينيين.
وتشكل تشريعات الكنيست الأخيرة التى تستهدف حظر الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى) جزءًا من استراتيجية إسرائيل الأوسع التى تهدف إلى نزع الشرعية عن منظمات الإغاثة الدولية، وتشويه دعمها للفلسطينيين، وتقويض الإطار القانونى الدولى الذى يحمى حقوقهم، بما فى ذلك حق العودة، وأن تمرير هذه القوانين يؤثر بشدة على حقوق الفلسطينيين.
قبل طرح الحظر اتهمت إسرائيل الأونروا بسلسلة من الاتهامات التى لا أساس لها من الصحة إلى حد كبير بهدف ربط الأونروا بحماس، بداية من انتهاك الحياد الإنسانى وتورط 12 موظفًا من حوالى 13 ألف موظف لديها فى غزة فى الهجمات التى شنتها حماس فى 7 أكتوبر 2023 على منطقة غلاف غزة، كما اتهم السياسيون الإسرائيليون برامج التعليم التى تقدمها الأونروا بأنها تحريضية، ووصفوا الكتب المدرسية المستخدمة فى مدارس الوكالة بأنها معادية لإسرائيل ومعادية للسامية، كما ادعوا أن الوكالة أصبحت أداة لضمان عدم انتهاء حرب عام 1948 أبدًا من خلال تشجيع القومية الفلسطينية فى المدارس التى تديرها، والتى تركز بشكل فريد على فكرة تدمير الدولة اليهودية، حتى باتت مدارس الأونروا بمثابة القابلة والرحم الذى تولد من خلاله القومية الفلسطينية، وردا على ذلك أطلقت الأمم المتحدة مراجعة داخلية وتحقيقًا خارجيًا بقيادة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا.
لكن الأسباب الحقيقة التى تجعل الوكالة مثيرة للجدل هى أنها أصبحت رمزًا لمحنة اللاجئين الفلسطينيين، حيث أصبح نحو 5.9 مليون شخص مؤهلين للاستفادة من خدمات الأونروا التى تعمل فى غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية والأردن وسوريا ولبنان، بعد أن كان من المفترض أن يكون برنامجًا إنسانيًا مؤقتًا، لكنه تحول إلى مزود خدمات ضخم من شأنه أن يكون متفجرًا سياسيًا، ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل استبداله من الناحية اللوجستية.
وتدير الأونروا أكثر من 700 مدرسة فى المناطق الخمس والبلدان التى تعمل فيها، وتوفر التعليم لأكثر من نصف مليون طفل، ولديها 140 عيادة للرعاية الصحية الأولية تستقبل أكثر من 7 ملايين زيارة مريض سنويا، وهى تقدم الدعم الغذائى الطارئ، وتدير برامج التمويل الأصغر، وتعيد تأهيل المنازل والبنية الأساسية فى مخيمات اللاجئين، وتوظف أكثر من 30 ألف شخص أغلبهم فلسطينيون ومنهم 13 ألف شخص فى غزة، وكل هذه الوظائف تتجاوز بكثير ما تصورته الأمم المتحدة عندما أنشأت الأونروا فى عام 1949.
ورغم أن الأونروا هى منظمة مؤقتة لكنها استمرت للأسف لمدة 75 عامًا وهذه الأعوام الـ 75 ليست سوى تعبير عن فشل المجتمع الدولى فى تعزيز حل سياسى عادل ودائم للصراع الإسرائيلى - الفلسطينى.
تداعيات حظر الأونروا
حظر إسرائيل للأونروا يترتب عليه عدة آثار مدمرة، أولها تتلخص فى ترك الفلسطينيين دون شريان حياة، ما يؤدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية إلى أقصى حد ممكن، كما ستكون له عواقب كارثية على ملايين اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان والأردن وسوريا، حيث تعتبر المساعدات الإنسانية الأساسية أمرًا حاسمًا لكل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة.
ووفقًا للوكالة فقد قتِل ما لا يقل عن 154 موظفًا فى الأونروا منذ السابع من أكتوبر، ودمرت بالفعل العديد من منشآتها فى القصف أو من خلال القصف المتعمد لها، وقد اقترنت هذه الهجمات المباشرة بجهود غير مسبوقة للعلاقات العامة الإسرائيلية لتشويه سمعة المنظمة، وكل هذا بدعم جوهرى من الرئيس الأمريكى.
ومن المفترض أن يجبر الحظر الصريح الذى فرضه الكنيست على الأونروا الولايات المتحدة على تعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل، فالقانون الأمريكى يتطلب وقف نقل الأسلحة إلى أى دولة تعرقل تسليم المساعدات الإنسانية الأمريكية، لكن الولايات المتحدة لم تُفعل هذا القانون فى حالة حرب غزة؛ بل إنها قدمت تفسيرات بعيدة للتحايل على هذا القانون رغم أن إسرائيل هى أكبر متلق للمساعدات العسكرية الممولة من دافعى الضرائب الأمريكيين، وتتجاوز المساعدات ثلاثة مليارات دولار من التمويل العسكرى الأجنبى سنويًا، وربما أكثر من ذلك من خلال تشريعات المساعدات الأجنبية التكميلية المعلقة فى الكونجرس، وتستخدم إسرائيل هذا التمويل بالإضافة إلى أموالها الوطنية لشراء مجموعة من الأسلحة الأمريكية، بما فى ذلك الأسلحة المستخدمة فى حرب غزة.
ردود الفعل العالمية
رفضت جامعة الدول العربية تشريع الكنيست الإسرائيلى لحظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا جملة وتفصيلا، وأكدت أنه تشريع يتجاوز حتى الإجرام الإسرائيلى المعهود، لأنه يمس مستقبل الملايين من الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، ويستهدف تسريع سيناريوهات التهجير والتطهير العرقى الجارية فى قطاع غزة والضفة الغربية.
وعلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن حظر الأونروا سيكون بمثابة كارثة غير مخففة، وأن هذا التشريع من الناحية العملية يشكل ضربة مروعة للاستجابة الإنسانية الدولية، بالإضافة إلى أنه من الناحية السياسية سيكون بمثابة انتكاسة هائلة لجهود السلام المستدام وحل الدولتين، مما سيؤدى إلى المزيد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن.
بينما صرح المفوض العام للأونروا فيليب لازارينى عن إقرار الكنيست لتشريع ضد الأونروا قائلا: التصويت غير المسبوق يشكل سابقة خطيرة، إنه يعارض ميثاق الأمم المتحدة وينتهك التزامات دولة إسرائيل بموجب القانون الدولى، وأضاف أن هذا هو الأحدث فى الحملة المستمرة لتشويه سمعة الأونروا ونزع الشرعية عن دورها فى تقديم مساعدات التنمية البشرية والخدمات للاجئين الفلسطينيين.
وأصدر وزراء خارجية كندا وأستراليا وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة بيانًا مشتركًا أكدوا فيه أن الحظر من شأنه أن يخلف عواقب مدمرة على الوضع الإنسانى الحرج والمتدهور بسرعة وخاصة فى شمال غزة، كما قامت 52 منظمة إنسانية حول العالم بيانًا مشتركًا عاجلًا للدفاع عن الأونروا من الحظر، وطالبوا زعماء العالم باستخدام كافة الوسائل الدبلوماسية لمنع تشريع الكنيست من التقدم والوقوف ضد تصرفات إسرائيل غير القانونية، ودعم مبادئ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية، وأكد البيان إن هذا ليس وقت الصمت؛ بل هو دعوة إلى العمل؛ إذ يتعين على المجتمع الدولى أن يتدخل الآن قبل أن يقنل المزيد من الفلسطينيين، وأنه يجب على العالم أن يتحرك دون تردد.
خطط إسرائيل البديلة
إسرائيل ستكون ملزمة قانونيًا بسد الفجوة فى المساعدات والخدمات التى ستتركها الوكالة وراءها، ولذلك تمهد تل أبيب لخطة بديلة تهدف إلى تعزيز وجود المنظمات الإنسانية الصهيونية فى قطاع غزة والضفة لتولى توزيع المساعدات، الأمر الذى من الممكن أن يحول غزة إلى منطقة بائسة أو معسكرات اعتقال كبيرة، وستكون هذه الخطوة مثيرة للقلق بشكل كبير، فعلى النقيض من الأونروا فإن هذه المنظمات لديها خبرة قليلة فى تقديم المساعدات، ولا تلتزم بالمبادئ الإنسانية للحياد أو النزاهة أو الاستقلال.