حالة من الارتياح تعم دول الخليج بعد عودة ترامب إلى «البيت الأبيض» القمة العربية الإسلامية تنعقد فى الرياض فى ظل ظروف مغايرة واحتمالات حرب إقليمية بين إيران وإسرائيل
الرياض: صبحى شبانة
تنعقد القمة العربية الإسلامية التى تستضيفها العاصمة السعودية الرياض بعد غدٍ الاثنين الموافق 11 نوفمبر الجارى، وهى التى تأتى امتدادًا للقمة العربية الإسلامية الطارئة المشتركة التى عقِدت فى الرياض فى نفس التوقيت من العام الماضى، فى ظروف مغايرة وأكثر تعقيدًا بعد اتساع دائرة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والجنوب اللبنانى.
على وقع إعلان فوز وعودة الرئيس دونالد ترامب إلى رئاسة أمريكا مجددًا وهو المعروف بانتهاجه للسياسة البرجماتية التى تسعى إلى تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية من خلال إبرام وعقد تحالفات مباشرة، وممارسة الضغوط الاقتصادية، كما أنه معروف أيضًا بمواقفه المؤيدة والداعمة لإسرائيل، وهو الرئيس الأمريكى الوحيد الذى تجرأ ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، مما أثار توترًا كبيرًا فى ذلك الوقت، ما يعنى أن ذلك سوف يحدث تحولًا وتأثيرًا كبيرًا فى السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصًا فى منطقة الشرق الأوسط، التى تتسم بتعقيداتها السياسية وتنوع الصراعات فيها، وفى مقدمتها القضايا الشائكة مثل العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وجنوب لبنان، والنفوذ الإيرانى فى كل من العراق واليمن ولبنان، والحرب الأهلية الدائرة فى السودان جميعها ستظل تحت الأضواء، إذ ستتجه الأنظار لمعرفة كيف ستتعامل إدارة دونالد ترامب مع هذه التحديات المعقدة.
كل الدلائل تشير إلى أن القمة العربية الإسلامية المقبلة لن تكون كسابقتها التى انعقدت فى بدايات العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وبعد مرور شهر واحد فقط، إذ تأتى القمة المرتقبة فى ظروف مغايرة بعد أن أعيت الحرب الممتدة لأكثر من عام الأطراف المتحاربة، ولم يتمكن أى منهم من تحقيق أهدافه، وتكبد الجميع خسائر بشرية وعسكرية فادحة وغير مسبوقة فى ظل فشل إسرائيلى ذريع فى مواجهة الصمود الفلسطينى والدعم الدولى والعربى الذى نتج عنه جر إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية وإقالة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لوزير دفاعه يوآف جالانت من منصبه، والمظاهرات التى تجتاح الشارع الإسرائيلى للمطالبة بوقف الحرب والدخول فى مفاوضات لتبادل الأسرى الفلسطينيين والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، وتعنت رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى قد يجر المنطقة إلى حرب إقليمية بين إسرائيل وإيران التى من جانبها تتزعم وترفع شعار وحدة الساحات العسكرية فى مواجهة الكيان الإسرائيلى والتى وسّعت من دائرة العنف والمذابح والهدم والتدمير من غزّة إلى لبنان، وأعطت أسبابًا ومبررات فعلية لإطالة أمد حرب الإبادة، وتمدد العدوان الإسرائيلى فى المنطقة وتهديد الأمن الإقليمى والملاحة الدولية فى جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب التى تسيطر عليه ميليشيات الحوثى.
وبعد أن حسم دونالد ترامب المعركة الانتخابية وفاز بالرئاسة الأمريكية فمن المنتظر أن تلعب إدارته دورًا رئيسًا فى دفع وتوجيه اتفاقيات السلام بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، إذ سبق لها أن دعمت اتفاقيات أبراهام، التى شملت السلام بين إسرائيل ودول عربية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، ومن المنتظر أن تدفع باتجاه سلام إضافى أو تعيد تقييم هذا المسار بناء على رؤى جديدة للسلام فى المنطقة بعد العدوان الإسرائيلى على كل من قطاع غزة وجنوب لبنان، وينظر الفلسطينيون إلى دونالد ترامب بقلق نظرًا لمواقفه المعلنة الداعمة والمؤيدة لإسرائيل وينتظر الفلسطينيون موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب من حل الدولتين ومشاريع الاستيطان وهو الذى وعد أثناء السباق الانتخابى بإنهاء الحرب فى الشرق الأوسط وإبرام هدنة فى قطاع غزة، التى تشهد حربًا جاوزت العام، كما يترقب المجتمع الدولى كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع الملف الإيرانى، سواء من حيث مواصلة الضغط على إيران بفرض المزيد من العقوبات، كما يعد الصراع فى اليمن هو أحد الملفات الشائكة، بعد أن أصبح المجتمع الدولى أكثر اقتناعًا بعد حرب غزة بخطر الحوثيين على أمن الممرات المائية الاستراتيجية فى مناطق سيطرتهم فى مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر.
حالة من الارتياح تعم دول الخليج بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فللرئيس الأمريكى وعائلته علاقات ود وصداقة تشكلت خلال فترة إدارته السابقة، وحضر جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومستشاره مطلع يناير 2021، قمة مجلس التعاون الخليجى فى مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية إلى جانب مسئولين أمريكيين آخرين فى الوقت الذى كانت إدارة صهره دونالد ترامب تلملم أوراقها لمغادرة البيت الأبيض بعد فشله فى الانتخابات التى حملت جو بايدن إلى الرئاسة الأمريكية، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا، هل سوف يحضر جاريد كوشنر القمة العربية الإسلامية فى الرياض بعد أن عاد ليسكن مع صهره البيت الأبيض مجددا؟... لذا تنتظر دول الخليج عودة العلاقات الخليجية - الأمريكية إلى سابق عهدها، من حيث استقرار العلاقات والتعاون الدفاعى والتكنولوجى والاقتصادى، وإبرام الاتفاق الدفاعى الذى كان مرتقبًا بين الرياض وواشنطن وهو من بين الملفات على قائمة الانتظار الذى تشترط السعودية لإبرامه إيقاف الحرب الإسرائيلية المدمرة ضد غزة وتقر بحق الشعب الفلسطينى فى دولة مستقلة.
من الأهمية هنا الإشارة إلى أن البيان الختامى للقمة العربية الإسلامية المشتركة التى انعقدت فى الرياض، العام الماضى، طالب بإنهاء ما وصفه بالعدوان الإسرائيلى على غزة، وكذلك جرائم الحرب والمجازر البربرية والوحشية وغير الإنسانية التى ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين فى قطاع غزة، كما أدان العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وجرائم الحرب والمجازر الوحشية واللاإنسانية التى ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعمارى ضد الشعب الفلسطينى، بما فى ذلك فى الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية. وطالب بوقفها على الفور، وقال البيان إن القمة ترفض توصيف هذه الحرب الانتقامية بأنها دفاع عن النفس، وطالب بإنهاء الحصار على غزة ودخول قوافل المساعدات الإنسانية، بما فى ذلك الغذاء والدواء والوقود فورًا، كما طالب بيان القمة العربية الإسلامية السابقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باتخاذ قرار حاسم وملزم يفرض وقف العدوان الإسرائيلى الغاشم، ودعا مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار فورى يدين التدمير الهمجى الإسرائيلى للمستشفيات فى قطاع غزة ومنع دخول الأدوية والغذاء والوقود، ودعا المحكمة الجنائية الدولية إلى إجراء تحقيق فيما وصفها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى فى جميع الأراضى الفلسطينية المحتلة.
وتهدف القمة العربية الإسلامية المرتقبة التى تأتى بعد اجتماع التحالف الدولى لحل الدولتين الذى انعقد فى الرياض نهاية أكتوبر الماضى وشاركت فيه 90 دولة والذى نتج عنه قرارات بالغة الأهمية أهمها ضرورة فرض حل الدولتين الذى أقرته الأمم المتحدة وكل القرارات الدولية، والعمل على وقف العدوان الإسرائيلى، ووضع خاتمة للمجازر اليومية فى كل من قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، وحشد القوى الدولية لمزيد من ممارسة الضغط لتنفيذ حل الدولتين، وجلب المنفعة والسلام للشعبين الفلسطينى واللبنانى ومنطقة الشرق الأوسط ككل، وطالب التحالف الدولى المجتمع الدولى وخصوصًا الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن باستخدام صلاحياتها فى حفظ الأمن والسلم لإرغام إسرائيل على وقف عدوانها، والسماح العاجل بدخول المساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط وحذر من اتساع رقعة الصراع، والمزيد من تعريض أمن واستقرار الإقليم والعالم للخطر، جرّاء استمرار الاحتلال والجرائم ضد الشعبين الفلسطينى واللبنانى.