خلال رئاسته لاجتماع مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان يشيد بمتانة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع مصر
صبحى شبانة
تلعب حالة السلم دورًا مهمًا ورئيسيًا فى ارتفاع معدلات التنمية الاقتصادية، كما أن الحروب ترخى بظلالها القاتمة على الاقتصاد، وعند نشوب الحروب تضطرب النظم الاقتصادية المستقرة التى سبق لها أن تشكلت على مرّ السنين، وتسود حالة من انعدام اليقين الاقتصادى، وترتفع معدلات التضخم والديون الخارجية للدول.
وكلّ هذا يترك أثراً عميقاً على الاقتصاد، ومصر ليست استثناءً، فلاشك وبالتأكيد المطلق فإن الحرب الإســـرائيلية على قطاع غزة وتوابعها الإقليمية، والتى بدأت عامها الثانى، ألقت بظلالهـــا الوخيمة على الاقتصاد المصـــرى، وهو ما يضاف إلى تراكمـــات الآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، ومن قبلهما وباء كورونا الذى أحدث شللا فى اقتصاديات العالم، وزاد الأمر ســـوءا مع العمليات التى تقوم بها جماعة الحوثى من اليمن ضد الملاحة الدولية فى جنوب البحر الأحمـــر، ما أدى إلى خفض حركة التجارة البحرية عبر قناة السويس إلى أكثر من 50 % من مواردها المالية.
ومؤخرا أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائى دراسة قال فيها، إن مصر تشهد تداعيات فى مختلف المجالات وضغوطا اجتماعية واقتصادية نتيجة الحرب الدائرة فى غزة، وأشار إلى تضرر إيرادات مصر من السياحة وقناة السويس.
وألقى البرنامج بمسئولية الحروب والأوبئة على المعاناة التى يشهدها الاقتصاد المصرى الذى كان قد حقق معدلات نمو قياسية قبل تفشى وباء كورونا 2020، والذى لولاه كانت مصر قد استمرت فى تحقيق معدلات نمو قياسية فى التنمية الاقتصادية.
وأشار البرنامج إلى أن الاقتصاد المصرى يعتمد بشكل كبير على السياحة والتحويلات المالية للعاملين المصريين فى الخارج (التى كانت قد تجاوزت حاجز الـ 32 مليار دولار)، وعائدات قناة السويس والديون الخارجية وتدفقات رأس المال.
وقال فى دراسته التقييمية إن تداعيات الحرب تضغط على مسار الإصلاح الاقتصادى والتنمية فى مصر.
وفى إطار ما تقدم حملت زيارة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة آمالا عريضة لدى الشارع المصرى فى أن تمثل حزمة الاستثمارات السعودية التى وعد بها ولى العهد طوق نجاة ورافعة للاقتصاد المصرى الذى يئن تحت ويلات وطأة الحرب الإسرائيلية على غزة، والتى تلقى بآثارها السلبية المباشرة على الاقتصاد المصرى وبالتبعية على المواطن المصرى الذى يعشق بلاد الحرمين وتربطه روابط وشائج القربى مع الشعب السعودى الشقيق، كما يعد ولى العهد الأمير محمد بن سلمان هو الشخصية الأبرز والأهم والمحبوبة لدى جميع قطاعات الشعب المصرى.
ومن جانبها لم تتوانَ المملكة يومًا عن دعم مصر باستمرار فى أزماتها الاقتصادية كلها التى تمر بها جراء التوترات والحروب، لا سيما فى ظل التحديات الحالية التى تؤثر فى تحقيق التنمية البعيدة الأجل، والتى تلقى بتبعاتها على المشهد الاقتصادى المصرى.
ولا شك أن الروابط بين البلدين تُعَد حجر الزاوية الأساس للأمن والاقتصاد العربيين، بل الإقليميين، مما يحتم على البلدين تنسيق الجهود وتكاملها.
فى هذا الساق أعرب مجلس الوزراء السعودى فى اجتماعه الاعتيادى مساء الثلاثاء الماضى، برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولى العهد، رئيس مجلس الوزراء، عن تطلعه أن يسهم تشكيل مجلس التنسيق الأعلى السعودى المصرى برئاسة كل من الرئيس عبد الفتاح السيسى وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، وتوقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين حكومتى البلدين؛ فى تعزيز العلاقات الثنائية ودفعها نحو آفاق أرحب؛ بما يحقق المصالح المشتركة.
وأحاط ولى العهد، مجلس وزرائه، بنتائج الزيارة الرسمية التى قام بها إلى مصر، ومباحثاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، وما أكدته من متانة العلاقات بين البلدين الشقيقين، والرغبة المشتركة لتعزيز التعاون بينهما فى جميع المجالات، ويعد تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصرى السعودى قوة دافعة لعلاقات البلدين وتعزيز للاقتصاد والاستثمارات المشتركة، كما يعكس ازدهار العلاقات بين البلدين خصوصا على المستويين الاقتصادى والسياسى، كما يعكس جهود البلدين المتواصلة لتعزيز العلاقات الثنائية فى شتى المجالات، نحو مزيد من التعاون بما يحقق مصالح الشعبين المصرى والسعودى ، وبما يخدم الاستقرار الإقليمى والتنمية المستدامة فى ظل حرص الدولتين على دعم المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة، إذ تؤدى التجارة والاستثمارات المتبادلة دورًا محوريًا فى تنمية هذه العلاقات وتعزيز دورها على المستويين الإقليمى والدولى، خصوصا أن هناك نحو 7500 شركة مصرية تعمل فى المملكة العربية السعودية تسهم فى توفير 80 ألف فرصة عمل، كما أن السوق المصرية مفتوحة أمام الاستثمارات السعودية فى جميع القطاعات مثل الزراعة والصناعة والسياحة والطاقة الجديدة والمتجددة، والكهرباء وغيرها من المجالات الأخرى، بما يعزز من فرص النمو والازدهار فى المنطقة.
وكان البيان الختامى لزيارة ولى العهد إلى القاهرة قد نوه إلى أهمية رفع وتيرة التكامل الاستثمارى، واستمرار الجهود الحثيثة من أجل تعزيز البيئة الاستثمارية للقطاع الخاص وتذليل التحديات التى تواجه المستثمرين.
وأكدا على أهمية متابعة تنفيذ نتائج اجتماعات الدورة «الثامنة عشرة» لـ «اللجنة السعودية المصرية المشتركة»، والاتفاقيات الناتجة عنها، والتى أسهمت فى توسيع نطاق التعاون وتعزيزه فى عدد من المجالات، ورحب بتوقيع اتفاقية «تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين حكومة المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية» لتمكين وتعزيز الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة فى جميع المجالات بين البلدين، وتوفير بيئة استثمار محفزة وجاذبة للقطاعات الواعدة والاستفادة من الفرص الاستثمارية فى البلدين.
وأكد البيان الختامى على أهميةَ استقرار أسواق النفط العالمية، وأشاد الجانب المصرى بدور المملكة فى دعم توازن أسواق النفط العالمية واستقرارها، وفى موثوقية الإمدادات بصفتها المُصدّر الأكبر للنفط الخام على مستوى العالم. وأشاد بتقدم العمل فى تنفيذ مشروع الربط الكهربائى بين الشبكة السعودية والشبكة المصرية، الذى يعدّ أكبر مشروع ربط كهربائى فى المنطقة، وأكدا أهمية تعزيز التعاون القائم فى مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة وتقنياتها وتطوير مشروعاتها وفرص الشراكة فى هذه المجالات.
وأشاد بالتعاون القائم فيما يتعلق بإمدادات النفط الخام السعودى ومشتقاته والبتروكيماويات والمغذيات الزراعية إلى مصر ، واستمرار بحث فرص التعاون المشترك فى هذه المجالات بما يسهم فى استدامة الطلب على إمدادات الطاقة عالميًّا.
وأشاد الجانب السعودى بالإصلاحات الاقتصادية التى تنتهجها حكومة جمهورية مصر العربية وفق برامجها الإصلاحية، وعبر عن دعمه الدائم للحكومة المصرية من خلال المنظمات والمؤسسات المالية الدولية، بما يحقق الاستقرار الاقتصادى وتشجيع النمو فى جمهورية مصر العربية.
وأشاد البيان الختامى بمتانة الروابط الاقتصادية بين البلدين الشقيقين فى مختلف المجالات، بما فيها قطاعات الطاقة، والنقل والخدمات اللوجستية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والصناعة، والزراعة، والسياحة.
وأكّد أهمية تعزيز الجهود المبذولة لتطوير وتنويع قاعدة التعاون الاقتصادى والاستثمارى، بما يحقق تطلعات قيادتَى البلدين فى ظل الشراكة الاستراتيجية المتميزة بين البلدين.
وأشاد بمستوى التجارة بين البلدين؛ حيث بلغ حجم التبادل التجارى حتى النصف الأول من العام 2024م ما يقارب «8,4» مليار دولار، بمعدل نمو «41 %» مقارنة بنفس الفترة من العام 2023م، وتعدّ المملكة الشريك التجارى الثانى لجمهورية مصر العربية على مستوى العالم، وأكد الجانبان أهمية استمرار العمل المشترك بين البلدين لتنمية حجم التبادل التجارى، وتذليل أى تحديات قد تواجه تنمية العلاقات التجارية، واستمرار عقد مجلس الأعمال المشترك، وتكثيف تبادل الزيارات الرسمية والوفود التجارية والاستثمارية، وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة، وعقد الفعاليات التجارية والاستثمارية؛ لبحث الفرص المتاحة والواعدة فى ضوء «رؤية المملكة 2030» و»رؤية مصر 2030» وتحويلها إلى شراكات ملموسة.