الصين- روسيا – إيران.. ثم العمال البريطانى كيف تؤثر على الانتخابات الأمريكية؟
مروة الوجيه
منذ أن ظهرت المزاعم الخاصة بوجود تدخل روسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، والتى نجح فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، بدا جليًا أن مسألة التدخل فى الانتخابات الأمريكية ومحاولات التأثير فيها تحولت إلى محور رئيسى فى التفاعلات التى تجرى على الساحة السياسية الأمريكية.
وعلى مدار السنوات الثمانية الماضية، تنامت أنشطة قوى عديدة على الساحة الدولية تهدف إلى إعادة توجيه السياسة والرأى العام الأمريكى من خلال التأثير على توجهاتهم، بالإضافة إلى الهجمات السيبرانية المتكررة التى استهدفت العديد من المؤسسات الأمريكية وحملات المرشحين من أجل الحصول على أى معلومات واكتشاف مواطن الضعف فى البنية التحتية الأمريكية على نحو يمكن أن يسهم فى تسهيل عملية الاختراق والتلاعب.
وإلى جانب روسيا، برز الحديث عن أطراف أخرى مثل إيران والصين، التى اتسمت العلاقات بينهما وبين واشنطن بالتوتر المتصاعد وفى الشهور الأخيرة، ظهر اسم إسرائيل بجانب هذه الدول على الرغم من أنها تؤسس علاقة تحالف متينة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها أيضًا تحاول التأثير فى التوجهات الأمريكية لضمان مصالحها فى ترسيخ هذا التحالف واستمرار تدفق شحنات الأسلحة بلا توقف، والتحكم فى الرواية الخاصة عن حرب غزة.
ومن جهة أخرى برز اسم جديد فى قائمة المتهمين بالتدخل فى الانتخابات الأمريكية.. حزب العمال البريطانى، على الرغم من أن بريطانيا تعتبر الشقيقة الصغرى للولايات المتحدة والحليف الأبدى لها
أطراف غير متوقعة
فى خضم حرب الاتهامات المتبادلة بين المرشحين، الجمهورى دونالد ترامب والديمقراطيةِ كامالا هاريس، لا تزال أزمة التدخل الأجنبى فى انتخابات الرئاسة هى القضية التى تؤرق المرشحين والناخبين وحتى الأجهزة الأمنية الأمريكية.
أحدث اتهامات التدخل الأجنبى، تلك التى صرحت بها حملة ترامب، فور تقديم شكوى قانونية إلى لجنة الانتخابات الفيدرالية المستقلة، ضد حزب العمال البريطانى، متهمة إياه بالتدخل بشكل غير قانونى لمساعدة هاريس، عبر إرسال الحزب البريطانى استراتيجيين لمساعدة الحملة الانتخابية للمرشحة الديمقراطية.
من جهة أخرى استشهد محامو حملة ترامب بتقارير إعلامية تفيد بأن مسئولين من حزب العمال البريطانى، سافروا إلى الولايات المتحدة فى الأشهر الأخيرة لتقديم المشورة لحملة هاريس؛ مضيفين أن نحو 100 موظف من حزب العمال الحاليين والسابقين سيسافرون للولايات المتحدة لتقديم الدعم لهاريس.
محامو حملة ترامب اعتبروا -أيضًا- أن هذا الدعم يرقى إلى «مساهمات من جهات أجنبية»، فى انتهاك لقوانين تمويل الحملاتِ الانتخابية الأمريكية، داعين إلى إجراء تحقيق فورى فيما وصفوه بالتدخل الأجنبى الصارخ فى الانتخابات.
بدوره، نفى الجانب البريطانى تورط حزب العمال بشكل مباشر فى دعم حملة هاريس، إلا أنه أوضح -فى الوقتِ ذاتِه- أن هذه التحركاتِ قد تكون فردية من قبل أعضاء الحزب الذين يعملون كمتطوعين، مؤكدًا أنه أمر معتاد.
اتهامات ترامب تأتى فى ظل تواصل تحذيرات أجهزة الأمن الأمريكية المختلفة من خطورة تدخل جهات أجنبية لتزييف نتائج الانتخابات عبر الاختراق السيبرانى، حيث نقلت وسائل إعلام أمريكية عن تقرير استخباراتى تحذيراته من أن خصوم الولايات المتحدة، مثل إيران وروسيا، قد يسعون لتأجيج الاضطرابات عقب الانتخابات الرئاسية.. وذلك بعد اتهامات متواصلة وجهت إلى موسكو بأنها تسعى لفوز ترامب، بينما تدعم طهران فوز هاريس، فى الوقت الذى تعمل فيه بكين على الإضرار بالنتائج الأمريكية، وفقًا للإعلام الأمريكى.
العدو السيبرانى
أعداء واشنطن يعتبرون الأقوى عالميًا فى مجالات الأمن السيبرانى، والتهديد بتغيير الرأى العام يأتى فى ظل تواجد الطفرة العلمية فى هذا المجال، لكن كيف يتعامل أعداء واشنطن للوصول إلى هذا الهدف.
حسابات مزيفة
لم تعد مسألة إنشاء حسابات مزيفة أمرًا سهل الكشف، فالقائمون على إنشاء هذه الحسابات أصبحوا يبذلون جهودًا فى إظهار تلك الحسابات وكأنها لأشخاص حقيقيين لهم حياة ومغامرات وتفاعل حقيقى على منصات التواصل الاجتماعى، وكل ذلك من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعى التى أصبحت قادرة على خلق صور من العدم تبدو حقيقية ويصعب على رجل الشارع العادى كشف زيفها.
وقد أكدت صحيفة «نيويورك تايمز»، فى 5 يونيو 2024، أن وزارة الشتات الإسرائيلية خصصت 2 مليون دولار لصالح شركة تسويق إسرائيلية «ستويك Stoic»، وذلك لشن حملة تستهدف السياسيين ونواب الكونجرس والرأى العام الأمريكى من أجل استدرار التعاطف فى حرب غزة. حيث عملت الشركة على إنشاء حسابات وهمية تنتحل صفة سيدات يهوديات فى منتصف العمر، وينشرن محتوى باستخدام صور مزيفة مصنوعة باستخدام الذكاء الاصطناعى، وقالت الصحيفة إن الحملة ركزت بشكل أساسى على الأعضاء السود فى الكونجرس من الحزب الديمقراطى. كما أسست الشركة الإسرائيلية ثلاثة مواقع إخبارية مزيفة تتحدث باللغة الإنجليزية على موقع X، وعلى إثر هذا، قامت شركة «ميتا Meta» المالكة لشركة «فيس بوك» بمسح مئات من الحسابات الوهمية تلك التى أنشأتها «ستويك».
أما روسيا، فقد وجهت لها اتهامات أمريكية أخرى، حيث نشرت مواقع إخبارية أمريكية عن وجود حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعى تحركها على الأقل ثلاث شركات روسية مدعومة من الحكومة تنشر محتوى يضخم من القضايا الخلافية فى المجتمع الأمريكى، مثل قضايا الهجرة والتظاهرات فى الجامعات الأمريكية والمساعدات العسكرية لأوكرانيا.
الهدف من هذه الحسابات الوهمية هو خلق حالة من الجدل، حيث تقوم هذه الحسابات الوهمية بإثارة رأى أو موقف ما من خلال المنشورات أو التعليقات، يثير حفيظة الناس فيتجادلون مع بعضهم، فيما يطلق عليها «عملية Doppelganger». وقد وضع الأمريكيون تصورًا لطبيعة هذه العملية، يقوم على أنها جهاز إعلامى ضخم مؤثر يضم أجهزة الاستخبارات الروسية، وقراصنة إلكترونيين، وقوالب ساخرة جاهزة تلك التى يتم استخدامها على مواقع التواصل الاجتماعى لتوصيل الفكرة أسرع عن طريق السخرية.
فى المقابل اتخذت إدارة الرئيس جو بايدن فى سبتمبر الماضى، إجراءات قضائية لمواجهة التلاعب الروسى السيبرانى، حيث وجهت النيابة التهم الجنائية ضد اثنين من المواطنين الروس، وفرضت عقوبات على عشر كيانات وأفراد، وصادرت 32 حقلًا على الإنترنت.
وفى إحدى الوثائق التى حصل عليها الادعاء من واحدة من الشركات الثلاث محل الاتهام وتدعى Social Design Agency SDA، ذكرت أن الهدف من الحملة هو دعم المرشح الجمهوري( دونالد ترامب) كما صنعت هذه الشركة محتوى موجهًا خصيصًا للولايات السبع المتأرجحة والتى يلعب على أوتار خسارة البيض لوظائفهم لصالح الدخلاء والمهاجرين من المهاجرين، فضلًا عن تصاعد خطر الجريمة الذى يتسبب فيه الأوكرانيون الذين دخلوا البلاد على أثر الحرب الروسية كما اتهمت وزارة العدل الأمريكية مواطنًا روسيًا آخر يعمل فى شبكة روسيا اليوم RT بإدارة شبكة تعمل على 1000 حساب على مواقع التواصل الاجتماعى لنشر محتوى مغلوط عن الحرب فى أوكرانيا وموضوعات أخرى وكأنهم مواطنون أمريكيون.
وعلى صعيد متسق، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرًا يفيد بأن التدخلات السيبرانية لم تتوقف عند إنشاء حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعى فقط، بل أخذ التلاعب بالرأى العام الأمريكى حيزا آخر حيث أوضحت الصحيفة فى تقريرها أن الأمر امتد إلى تأسيس مواقع إخبارية تعمل على نشر الأخبار والتحليلات المغلوطة تخلط فيها بين الحقيقة والأكاذيب فى محاولة لنسج تصورات فى عقلية الناخب الأمريكى تخدم مصالح هؤلاء الفاعلين. والغرض الأساسى من كل تلك المحاولات هو بناء تصور معين عن النظام الأمريكى وعن الساسة الأمريكيين، هذا التصور يجعل الناخب يتخذ قرارات تصويتية تصب فى مصلحة طرف معين دون غيره، خاصة وأن الانتخابات الأمريكية المقررة فى 5 نوفمبر المقبل تأتى بالتزامن مع انتخابات الكونجرس.
وأوضحت «واشنطن بوست» أن مدير تحرير موقع «جراى زون Grayzone» يتلقى تمويلًا من وكالة أنباء مملوكة لروسيا وإيران. ولطالما كان هذا الموقع مثيرًا للجدل فى نوعية الأخبار والتوجهات التى يتبناها والتى يراها الأمريكيون تخدم المصالح الروسية والإيرانية ومضادة لإسرائيل.
Deep fake
رصدت مايكروسوفت انتشار فيديو دعائى لكامالا هاريس بصوتها على منصة X تتحدث بشكل غير مقبول عن جو بايدن بعد انسحابه من الانتخابات، وفيديو ثانٍ يظهر مؤيدى هاريس يعتدون بالضرب على مؤيدى ترامب وتم نشر هذه المشاهد على موقع إخبارى مزيف مركزه فى سان فرانسيسكو، وآخر انتشر على منصة تليجرام تظهر فيه لوحة دعائية عليها معلومات مغلوطة عن البرنامج الانتخابى لهاريس، وكلها حصدت مئات آلاف المشاهدات.
وأفادت شركة «مانديانت Mandiant» للأمن السيبرانى بأن الصين حاولت ثنى الأمريكيين عن التصويت فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس عام 2022، وذلك بحسب «نيويورك تايمز»، فإن ما حدث خلال فترة الانتخابات الأولية أثار قلق الأجهزة الأمنية. إذ تم رصد تلقى المواطنين الأمريكيين مكالمات هاتفية مزيفة بتقنية الذكاء الاصطناعى «ديب فيك Deep Fake» بصوت الرئيس الحالى بايدن يثنيهم فيها عن الذهاب إلى الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطى، باعتبار أنه لا داعى للذهاب وأن الفارق الحقيقى يصنعه صوتهم يوم الانتخابات العامة فى 5 نوفمبر 2024، وهو ما استدعى الكونجرس الأمريكى لمنع استخدام المكالمات الآلية التى تستخدم الذكاء الاصطناعى فى إنتاج الأصوات.
القرصنة الإيرانية
على مدار الأعوام الأخيرة أثبت الوقائع خطر القرصنة الإيرانية أصبح يفوق خطر أنشطتها السيبرانية الأخرى.
وقد نشرت شبكة سى إن إن الإخبارية تقريرا أوضح فيه أغسطس الماضى، أن مركز مايكروسوفت لتحليلات المخاطر أثبت أن مجموعة قراصنة تابعة للحرس الثورى الإيرانى حاولت اختراق الحملة الانتخابية لأحد المرشحين دون تسميته، وبعد يومين أعلنت الحملة الانتخابية لترامب عن تعرضها للاختراق، تقرير سى إن إن أوضح بصورة مفصلة أن العملية التى تمت على يد مجموعة قراصنة إيرانيين -على صلة بالحكومة- اخترقوا الحملة الانتخابية للمرشح ترامب من خلال خرق البريد الإلكترونى لصديقه ومستشار حملته السابق روجر ستون، وأرسلوا المعلومات الخاصة بالحملة إلى العديد من وكالات الأنباء.
ويعتقد أن تلك المجموعة مازال لديها منفذ وصول إلى موقع الحملة أو البريد الإلكترونى للعاملين حيث أقرت العديد من وكالات الأنباء بتلقيها رسائل إلكترونية من نفس المصدر الذى سرب لهم المعلومات أول مرة ويطلق على نفسه اسم «روبرت»، وعرض عليهم إرسال وثيقة ما بتاريخ 15 سبتمبر 2024. وعليه، صرح مكتب مدير وكالة الاستخبارات الوطنية الأمريكية بأن الإيرانيين فى عملية الاختراق هذه لم يسعوا فقط إلى اختراق حملتى المرشحين الرئاسيين، بل حاولوا أيضًا إرسال وثائق حملة ترامب إلى حملة بايدن الذى لم يكن قد انسحب من السباق الرئاسى وقتها لترجيح كفة المرشح الديمقراطى وتفادى الاصطدام بترامب مرة أخرى، بحثًا عن بعض المرونة الأمريكية إذا ما استؤنفت المفاوضات على البرنامج النووى وقضايا المنطقة بين الجانبين. ومن جانبها نفى المتحدث باسم حملة كامالا هاريس علمها بأى وثائق تم إرسالها إلى الحملة.
وأخيرًا توضح التقارير أن التلاعب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية أصبح يمثل مصدر تهديد لا يمكن تجاهله، بقدر ما تحولت إلى وسيلة انتخابية استخدمها المرشحون الرئاسيون. إذ إنها ورقة انتخابية كان يستخدمها بايدن للفوز بالانتخابات نفسها، حيث يصور للأمريكيين أن أعداء الولايات المتحدة الأمريكية يؤيدون ترامب، لذا فعليهم انتخابه!، أما هاريس فلا يبدو أنها تعير هذا الأمر اهتمامًا، إذ لم تصرح به ولم توجه اتهامات بالتدخل لأى طرف، فى حين أن إدارة بايدن نفسها لازالت تطلق مثل تلك التحذيرات من خلال تصريحات الأجهزة الأمنية والاستخبارية. فى حين أن ترامب يسعى إلى استخدامه أيضًا لتعزيز فرصه، خاصة أن ذلك يتزامن مع الاتهامات التى توجه إلى إيران بمحاولة اغتياله.