الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الفن.. بداية طريق المجد: «روزا».. كانت فنانة

«الفن ليس ترفًا، بل هو حاجة إنسانية تعبر عن مشاعرنا.. وتجاربنا»..



 

بتلك الكلمات البسيطة فى مصطلحاتها، والعميقة فى مشاعرها، وضعت السيدة «روزاليوسف» الفن فى حجمه الطبيعى فوق كل مراتب الأوصاف.. وضعته مثلما شعرت به فى مسيرتها الزاخرة، وصفته بما عاشته من تجارب فارقة، لخصته بعد خبرة سنين أصقلتها بزمن الفن الجميل.

وبالحديث عن الطريق الزاخر لتلك الملهمة التى حفرت لنفسها اسما فارقا فى التاريخ الحديث، فيذكر أن بداية طريق المجد الذى صنعته لنفسها بدأ من عالم الفن، الذى حبت فيه أولى خطوات النجاح، بعد أن علمها الجرأة، والصراحة، والإفصاح عن المشاعر. 

 

فقد قدمت «روزا» الفنانة مجموعة من العروض المسرحية التى حققت نجاحًا كبيرًا، ما جعلها تبرز كواحدة من الوجوه الفنية المميزة فى ذلك الوقت؛ خاصة أن الفترة التى لمعت فيها كفنانة –عشرينيات القرن الماضى- كانت تشهد نهضة ثقافية فى مصر، وكانت المسرحيات تُعتبر وسيلة للتعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية.

على كل، تمثل مسيرة «فاطمة» أو «روزاليوسف» الفنية نموذجًا للتحدى والإبداع، حيث تجاوزت العديد من العقبات لتصبح رمزًا للمرأة القوية فى عصرها.

 الخروج من العباءة المحافظة

«ليس من السهل أن تكونى فنانة فى مجتمع محافظ، لكن التحدى هو ما يجعل الفن يستحق العناء»..

جملة قالت فيها «روزاليوسف» خلاصة تجاربها فى الحياة داخل صفحات مذكراتها التى عنونت باسم (ذكريات).

كانت قصة الطفلة «فاطمة» تراجيدية إلى حد كبير تصلح لأن يكتب منها فيلم، أو رواية، فهى طفلة من «لبنان» توفيت والدتها، وتركها والدها عند عائلة مسيحية، أطلقت عليها اسم «روز».. وبعد سنوات تعرف الصغيرة حقيقتها واسمها، وتقرر الذهاب إلى «مصر»... ورغم تأثرها ببيئتها الثقافية والاجتماعية، إلا أنها منذ صغرها، أظهرت ميلًا نحو الفن والأدب، ما دفعها للدخول فى عالم التمثيل، رغم العقبات والتحديات الاجتماعية التى واجهتها.

فكانت مجتمعات تلك الفترة محافظة، ولم يكن من السهل على فتاة أن تدخل مجال الفن. ومع ذلك تمكنت الشابة الجريئة من تجاوز هذه العقبات، وأثبتت قدرتها على النجاح فى بيئة معادية.

صغيرة تتشبث بحلمها فى التمثيل

«الفن هو مرآة المجتمع، يجب أن يعكس الحقائق، ويعبر عن القضايا التى تهم الناس»..

,, كان هذا مبدأ «روزاليوسف» منذ صغرها فى الفن، أى لم يكن التمثيل فى عينها مهنة تتقاضى عليها أجرًا بخسًا، إنما كان فى نظرها أرقى من أن يتم دفع الأموال الطائلة عليه، حيث رأت فيه الهدف والرسالة التى يمكن أن تعبر عن مكنونات الناس والمجتمع.

على كل، بدأت «روزاليوسف» حياتها كممثلة فى المسرح فى عشرينيات القرن الماضى.. حيث كانت تتمتع بموهبة فنية متميزة.. فبعد أن رست الصغيرة فى مدينة الإبداع والفنون «الإسكندرية»، قادمة من الأراضى اللبنانية، بدأت حياتها مع الممثل «إسكندر فرح»، الذى كان يصحبها معه إلى المسرح، من أجل مشاهدة العروض المسرحية. 

لكن، عندما أصبحت فى سن الرابعة عشرة من عمرها دخلت التمثيل المسرحى.. وهنا، بدأت الحياة الفنية وهى لا تزال صغيرة السن، لتشارك فى أكثر من دور فنى لكن كممثلة مساعدة؛ إلى أن اكتشفها الفنان والمخرج «عزيز عيد»، الذى أخذ بيدها إلى دنيا الفن، وكان ضمن أهم المحطات الرئيسية فى حياتها المبكرة. 

فتشير مذكرات «روزاليوسف»، إلى أن أول خطوات الشغف التى بدأت تزهر داخل مخيلة الطفلة تجلت حينما كانت تذهب أحيانًا إلى مسرح كان يدعى «دار التمثيل العربى»، من أجل مشاهدة ما طاب لها من مسرحيات. 

ورغم انبهارها بالمظاهر المزخرفة، والأضواء الساطعة، والثياب التاريخية وشرائط الذهب التى يرتديها الممثلون كأى صغيرة تعجب بهذا العالم الزاخر بكل الأحلام، إلا أنها أشارت -فى الوقت ذاته- إلى عدم إعجابها بالمسرحيات الغنائية، التى سادت المسرح خلال تلك الفترة رغم نجاحها جماهيريًا؛ مؤكدة أن الجمهور -حينها- لم يكن ليعجب بالمسرحيات لولا الطابع الغنائى فيها، حتى وإن كانت الأغانى لا تمت لقصة المسرحية بصلة.

من هنا، نبعت أولى مراحل الشجاعة والجرأة التى تحلت بها «روزاليوسف» من فضولها وشغفها بكواليس المسرح، الذى كانت تتسلل إليه كثيرًا، من أجل تعلم طريقة وأسلوب الممثلين فى أداء الأدوار.

وخلف الكواليس كانت المرة الأولى التى تلتقى فيها المخرج والفنان «عزيز عيد».

 «عزيز».. العزيز

«لا أستطيع أن أجعل من الرصاص ذهبًا.. ولكننى، أستطيع أن أكتشف الذهب، وأجعله لامعًا خلابًا»..  

بتلك الكلمات وصف المخرج والفنان «عزيز عيد»، الفنانة الصغيرة «روزاليوسف»، التى كشف مواهبها الدفينة، وعكف على تدريبها، والزج بها فى عالم الفن، ما ترك أثرًا كبيرًا فى نفس «روز»، حتى اعتبرته والدها الروحى، كما كتبت عنه ومن أجله العديد من الصفحات –فى مذكراتها- سواء فى كتابها، أو مجلتها.

ففى البداية، كانت الصدفة والمغامرة وروح التحدى مفاتيح دخول «روزاليوسف» إلى عالم الفن، حينما سنحت لها الفرصة، واختارها «عزيز عيد» للعب دور سيدة عجوز، فى رواية اسمها (عواطف البنين) التى احتوت على 3 أدوار نسائية (الابنة – الأم – الجدة).. ورفضت حينها كل ممثلات الفرقة الست لعب دور الجدة..

وصرخ «عزيز» -حينها- فى جميع الممثلات اللاتى رفضن هذا الدور؛ قائلًا، وهو يشير إلى «روزاليوسف»: «أتعرفون الفتاة الصغيرة التى تزورنى هنا أحيانًا؟؟ سوف أعطيها دور الجدة!!».

ولم ينظر ليستمع «عزيز» إلى تعليقاتهن، بل توجه فورًا للفتاة الصغيرة يستدعيها، حتى يقترح عليها الوقوف على خشبة المسرح، وكأنه تنبأ بميلاد موهبة جديدة، أصر على تدريبها، فى ظل ملاحظته التوتر الشديد الذى أصاب الصغيرة، ليترك عمله أسبوعًا كاملًا، تفرغ فيه من أجل تدريب تلميذته الجديدة، ويعطيها إكسير حياة الفن، الذى تعلمه طوال سنين عمره من الخبرات المتراكمة.. بداية من طريقة نطق الكلمات بصوت ضعيف مهتز مرتعش يناسب صوت الجدة، وصولًا إلى المشى متثاقلة متكئة على عصا، مرورًا بإخراج مشاعر الجدة التى تحنو على أحفادها، -وفى الوقت ذاته- تقوم بدور الأم التى تلتقى ابنتها، التى تكبرها -فى الواقع- بنحو 30 عامًا!!

وبالفعل، نجحت الفنانة «روزاليوسف» فى دورها، ما جذب الأنظار إليها؛ فيما شعر «عزيز» بالعرفان لرؤيته ثمرة مجهوداته وتعليمه للفتاة الصغيرة، التى أظهرت الفنانة التى تقبع بداخلها، والموهبة التى كبتتها طوال سنوات حياتها، ما شجعه ليكمل تعليمها بكل ما أوتى من قوة، إيمانًا بموهبتها، حيث أكدت «روزا» فى مذكراتها، أن «عزيز» اشترى لها العديد من الكتب لتثقيفها، بل وصل الأمر لإحضار شيخ يعلمها أصول اللغة العربية الفصحى، نظير 50 قرشًا فى الشهر.

وعليه، أُعجبت «روزا» بقدرة «عزيز عيد»، وظلت تسير وراءه كظله، تتلقى وتتلقن منه كل المعلومات التى تصقل مهارتها، إلى أن أصبحت ممثلة مشهورة.

وكان انتماؤها لفرقتى «عزيز عيد» وفرقة «عكاشة»، تمهيدًا جميلًا لكل ما بنته «روزاليوسف» بعد ذلك، خاصة بعد أن أدت أدورًا كبيرة على المسرح الذى تألقت عليه فى لعب العديد من الأدوار.. حيث كانت تُعرف بقوتها فى تقديم الشخصيات النسائية القوية؛ كما كانت تُعبر عن قضايا المرأة، وتسلط الضوء على معاناتها فى المجتمع، ما جعلها محط أنظار النقاد والجمهور. 

ويذكر، أنه بعد وصولها لمراتب عالية من الشهرة، لم تنس عرفان أستاذها «عزيز عيد» حتى بعد أن وافته المنية.. إذ قالت عنه: «لا أعرف فنانًا مصريًا ضحى من أجل الفن، وتشبث بمبادئه الفنية فى جميع الظروف، مثل: الممثل: عزيز عيد.. فلم يكن فنانًا على المسرح فحسب، بل كان فنانًا فى حياته الخاصة، فى علاقته بالناس...»

 العاصمة التى غيرت الكثير

بعد انتقالها إلى القاهرة من الإسكندرية، التحقت «روزاليوسف» بفرقة «جورج أبيض» عندما كونها عام 1912، بل كانت الفرقة المسرحية الوحيدة المتماسكة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وانتشار قوات الإنجليز فى الشوارع المصرية.

وتذكر «روزاليوسف» أن فى هذا الوقت، انتشرت مستعمرات الإنجليز، ما أدى إلى تفاقم الانحلال، وشاعت الكباريهات والحانات حتى قتلت المسارح، وانكمش المصريون على حالهم، تاركين الميدان لهؤلاء الجنود السكارى.

وفى تلك الفترة لم تتبق إلا فرقة «جورج أبيض»، التى كانت تعيش على ثلاثة روايات مترجمة، وهي: (أوديب الملك)، و(عطيل)، و(لويس الحادى عشر).

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قام «جورج أبيض»، و«عزيز عيد» بمحاولات عديدة لإحياء المسرح من جديد، إلا أن التمثيل الجدى كان قد مات مع الحرب بالفعل، مثلما أشارت «روزاليوسف»، ليعلن «أبيض» -فى النهاية- حل الفرقة، باستثناء «عزيز عيد» الذى طولب منه إنشاء فرقة جديدة، وكانت «روزاليوسف» إحدى أعضاء الفرقة القديمة التى أصر «عزيز» على إحضارها للفرقة الجديدة، بعد نقاشات طويلة حادة مع «أبيض» الذى أمر بألا تلعب الشابة سوى أدوار صغيرة، لتصبح الممثلة الناشئة عضوًا فى الفرقة بمرتب شهرى قدره 3 جنيهات ونصف! 

وفى أحد  الأيام، اتفق «أبيض» على أن ينفذ رواية فرنسية شهيرة اسمها (الشعلة) على مسرح الأوبرا، وكان من ضمن مشاهدها، مشهد يدور بين جنرال وزوجته، الذى كان –فى نهاية المطاف- من نصيب «عزيزعيد»، و«روزاليوسف».

وأكدت «روزاليوسف» فى مذكراتها، أن «أبيض» كان رافضًا أن تلعب الممثلة الناشئة هذا الدور الكبير، قائلًا: «إنها (الممثلة الناشئة) زيتونة أمامى..مابتشبعني!». ومع ذلك، واصل «عزيز عيد» تدريب تلميذته لمدة 15 يومًا على هذا الدور.

وفى اليوم الموعود، تذكر «روزاليوسف» أن ستار دار الأوبرا ارتفعت، ودخلت هى إلى خشبة هذا المسرح لأول مرة، وفى الكواليس يوجد «جورج أبيض» وبقية أعضاء الفرقة يضعون أيديهم على قلوبهم منتظرين السقوط الفاحش لتلك الممثلة الناشئة؛ مؤكدة أن انتظارهم لم يدم طويلًا، إذ لمع «عزيز» وتلميذته على المسرح منذ اللحظات الأولى. 

وأكدت «روز» أن أداءهما على المسرح كان درسًا بليغًا فى فن التمثيل؛ موضحة أن الجمهور انهالوا على خشبة المسرح بباقات الزهور، و(طرابيش) المتفرجين -فور انتهاء المشهد- على «الزيتونة الصغيرة».

وبعدها، برعت الفنانة «روزاليوسف» فى جذب المشاهدين، سواء مع فرقة «جورج أبيض» أو انفصالًا عنه.. كما استكملت طريق الفن حتى فى أكثر اللحظات انتقادًا، التى تعرضت لها، ومنها دورها فى مسرحية (يا ست ماتمشيش كده عريانة)، وهى مقتبسة عن مسرحية فرنسية ساخرة للكاتب الفرنسى «فيدو»..  قالت «روزا» فى مذكراتها، إن الصحف وأوساط النقد انهالوا بوابل من الانتقاد اللاذع على «عزيز عيد» باعتباره يخرج عن التقاليد والآداب السائدة، اعتقادًا منهم أن بطلة المسرحية ستظهر عارية أو شبه عارية على خشبة المسرح؛ مؤكدة أنها و«عزيز» لم يلتفتا لتلك الانتقادات، لأن البطلة –التى كانت «روزا» تلعب دورها- ظهرت مكتسية تلبس (روبًا) طويلًا إلى الأرض؛ مضيفة أن تلك الرواية نالت نجاحًا باهرًا.

 «رمسيس».. إحدى المراحل المهمة بالتاريخ المسرحى

«الفنان الحقيقى، لا يتغير ولا يساير.. الفنان الحقيقى لا يعتز بشىء قدر اعتزازه بفنه وكرامته»..

كان هذا رأى الممثلة المسرحية الأولى «روزاليوسف» الذى سارت عليه طوال مشوارها الفنى. 

فبعد عدة سنوات، تألقت «روز اليوسف» أثناء عملها مع الفنان الراحل «يوسف وهبى»، بعد أن كون فرقة «رمسيس» عام 1923، فى حين أصبح المسرح أهم حدث فى عشرينيات القرن الماضى، حينما أنشئ بأحدث الأجهزة وقتها، ومن بينها وضع (الفانوس السحري) أمام باب المسرح الذى كان يعرض صور الفنانين فى سابقة من نوعها، اعتبرت دعاية جذبت أنظار الجماهير. 

وتعاون «يوسف وهبى» مع «عزيز عيد» فى تجهيز جوقة الممثلين والموسيقيين، وأصبح عنده 7 ممثلات و15 ممثلًا، وبدأت البروفات بجدية شديدة، وكانت أهم ممثلة فى الفرقة هى «روزاليوسف» التى كانت تتقاضى أجرًا حينها 25 جنيهًا. 

وخلال تلك الفترة، وصلت «روزاليوسف» إلى المجد، عندما مثلت دور «مرجريت جوتيه» فى مسرحية (غادة الكاميليا)، وبفضل أدائها المبدع للدور الشهير فى عالم المسرح، أطلق عليها أكثر أسمائها شهرة ودلالة، وهو «سارة برنار الشرق». 

ومع ذلك، كان الموسم الثانى لفرقة «رمسيس»، هو آخر موسم لـ«روزاليوسف»، حتى بدأ التدهور يصيب ذلك المشروع، إذ أشارت فى مذكراتها إلى أن إدارة «يوسف وهبى»، وتعاليه لم ينجحا فى استمرار الفرقة بنجاح.

وقالت إن ضربة عنيفة حلت على الفرقة، نتيجة لأن «يوسف» بدأ يتشبث بالرأى، ويصبح ديكتاتورا بالفرقة، يخرج ما يشاء ويدخل ما يشاء، دون استشارة مخرج الفرقة. 

كما أكدت «روزاليوسف» أنها لم تعد راضية عن أدوارها التى يعطيها لها «يوسف» ليختنق مجدها الفنى فيها؛ مضيفة أنها بدأت تشعر أن جدران المسرح تهتز، وأن الأرض تميد تحت الأقدام، إلى أن جاء اليوم الذى دفع الممثلة الأولى للمسرح إلى ترك فرقة «رمسيس»، وهو خلافها مع «يوسف وهبى»، بسبب رواية تسمى (الذبائح)، التى كانت عبارة عن «مناحة.. كل من فيها صارخ باك لاطم»، وفقًا لتعبير الراحل «محمد التابعى» فى مقال نشر فى 2 نوفمبر 1925، أشارت إليه «روزاليوسف» فى مذكراتها.

وعلى أثر الخلاف فى هذه الرواية، كانت الممثلة الأولى بين اختيارين –من وجهة نظرها- إما أن تستسلم لإرادة صاحب الفرقة وتقبل زوال مجدها تدريجيًا، أو تترك الفرقة كلها.

 من أضواء المسرح لبلاط صاحبة الجلالة

«الفنان يجب أن يترك المسرح.. قبل أن يتركه المسرح»..

لم يكن هذا الكلام مجرد رأى الممثلة الأولى لفرقة رمسيس، بقدر ما كان هذا قرارها الحاسم لترك الفرقة، والمسرح لمدة تسع سنوات كاملة، عادت فيها مرة واحدة لتمثيل مسرحية (غادة الكاميليا) مرة أخرى، إلى جانب فريق عمل المسرح –باستثناء «يوسف وهبى»- عام 1934 كعمل تطوعى، يخصص دخله للمساعدة فى إعادة بناء قرية «محلة زياد» التى التهمتها النيران كلها فى فاجعة هزت «مصر»، وطالب -حينها- «مصطفى النحاس»، من الناس التطوع والتبرع لإعادة بناء القرية.

ومنذ حينها، لم تلتفت «روزاليوسف» (الفنانة) إلى الوراء مرة أخرى، لتنهى حقبة مهمة فى تاريخها كممثلة أولى سيطرت على المسرح، لتحول اهتمامها مع تطور حياتها المهنية، التى أصبحت أكثر انشغالًا بالصحافة وتأسيس مجلة «روزاليوسف»، وذلك لرغبتها الشديدة فى التوجه نحو الكتابة، وتحديدًا عن الفن، والنقد الفنى.

فتذكر «روزاليوسف» أن أول حديث عن إصدار المجلة كان داخل محل (حلواني) مع مجموعة من الأصدقاء، الذين تطرقوا إلى حاجاتهم الشديدة لصحافة فنية محترمة، ونقد فنى سليم.، يسهم فى النهوض بالحياة الفنية.. وحينها قالت «روزا» بعد برهة من الصمت: «لماذا لا أصدر مجلة فنية؟».. ليصبح هذا التساؤل هو مهد المجلة.

وبالفعل، فى أكتوبر 1925 اُصدرت مجلة فنية اسمها «روزاليوسف»، تم تكريس صفحاتها للفن، عبر نشر مقالات نقدية للمسرح، وخواطر، وأشعار وأدب، وغيرها.. ومع مرور الأيام دخلت إليها صفحات الكاريكاتير.. إلى أن تحول منهجها بعد سنوات من التحديات إلى السياسة.

 اسم للتاريخ

«كلنا سنموت.. ولكن، هناك فرق بين شخص يموت وينتهى.. وشخص مثلى يموت، ولكن يظل حيًا بسيرته وتاريخه»..  

لا كلمات تعلو فوق إيمان «روزاليوسف» بنفسها وحلمها، ومشوارها الطويل، الذى بدأ بالفن وانتهى بالسياسة، فى مسيرة طويلة مليئة بالتحديات، زاخرة بالتجارب المهنية والحياتية.

وبالفعل، توفيت «فاطمة اليوسف» فى 10 إبريل عام 1958، بعد أن سجلت اسمها فى التاريخ الحديث.. لترحل «فاطمة»، ويبقى اسم «روزاليوسف».