إعادة الإنتاج.. الملاذ الآمن للمال السريع: هوليوود.. التكرار بدون أفكار
الاء شوقى
أيام قليلة تفصل المشاهدين عن جزء جديد من سلسلة أفلام أحد الأبطال الخارقين المقرر عرضه على شاشات العرض الكبيرة فى 25 أكتوبر الجارى، وهو فيلم (Venom: The Last Dance)، أو (فينوم: الرقصة الأخيرة)، الذى ينضم– فور صدوره- إلى قائمة طويلة من سلسلة أفلام الأبطال الخارقين التى تجتاح السينما العالمية.
ففى السنوات الأخيرة، شهدت هوليوود زيادة ملحوظة فى توجه الشركات لإعادة إنتاج الأفلام الكلاسيكية، أو تقديم أجزاء جديدة من سلاسل قديمة، ما يثير تساؤلات حول جودة الإبداع والمحتوى الفنى.
إن الإجابة عن تلك التساؤلات تتطلب البحث فى أسباب المنتجين وصناع السينما، التى تدفعهم لإعادة الإنتاج، أو تقديم أجزاء تمهيدية أو تكميلية للفيلم الأصلى.. ويعد ضمن الأسباب الجوهرية لهذا الاتجاه: البحث عن المال السريع أو السهل، ورغبة الجمهور، والتكنولوجيا الحديثة.
بصورة أكثر تفصيلًا، يركض صناع السينما والمنتجون إلى هذه النوعية من الأفلام، باعتبارها ملاذا آمنا لتحقيق أموال طائلة، خاصة بعد الخسائر الهائلة التى لحقت بصناعة السينما مع الإغلاق العالمى الناجم عن فيروس كورونا، وتداعياته التى استمرت لقرابة عامين على دور العرض المختلفة حول العالم؛ كما أن تلك الأفلام تحتوى على نسبة مخاطر قليلة، إذ تستند الشركات إلى شعبية الأفلام السابقة لجذب الجمهور، مما يزيد من احتمالية النجاح التجارى، مثل: فيلم (Impossible Mission)، أو (المهمة المستحيلة)، الذى كان- فى الأساس- مسلسل تليفزيونى قديم، إلا أن هوليوود استمرت فى إنتاج أجزاء جديدة بانتظام.. ورغم نجاح الفيلم فى حصد أموال من شباك التذاكر، إلا أنه يواصل الاعتماد على نفس القصة والأفكار، ما يتسبب فى تكرار بعض العناصر.
وفى أحيان أخرى، يكون إنتاج سلسلة جديدة من أفلام قديمة، هى استجابة لرغبات الجمهور، تحديدًا على الشخصيات والقصص المألوفة، ما يعزز من فكرة إعادة الإنتاج، حيث يفضل الجمهور العودة إلى ما يعرفونه، مثل سلسلة أفلام (The Avengers)، أو (المنتقمون).. ورغم أن هذه السلسلة تمثل تجميعًا لشخصيات قديمة، فإن التركيز على تطوير الشخصيات القديمة، وإعادة تقديمها بطرق جديدة يساعد فى تجديد الاهتمام.
هذا، بالإضافة إلى التطورات التكنولوجية والتقنيات الحديثة، مثل المؤثرات الخاصة (CGI)، التى تتيح الفرصة لتقديم القصص الكلاسيكية بشكل أكثر إبهارًا، مما يجعل إعادة الإنتاج جذابة، وهو ما حدث فى فيلم (The Lion King)، أو (الأسد الملك)، حيث أصدرت «ديزنى» فى عام 2019، نسخة جديدة بتقنية (CGI) من الفيلم، الذى صدر عام 1994.. ورغم نجاح الفيلم تجاريًا على نطاق واسع، إلا أن النقاد انتقدوا النسخة الجديدة، بسبب فقدانها للروح والمشاعر الأصلية التى ترعرت عليها أجيال.
2024.. استمرار لأفلام بلا أفكار
كان عام 2024 الذى مر أغلبه مليئا بأفلام (الكسب السريع) بالفعل، ولعل أبز الأمثلة على ذلك، فيلم (Deadpool & Wolverine) الذى عرض على شاشات العرض الكبيرة فى الولايات المتحدة فى 26 يوليو 2024.
فرغم حصول الفيلم على إيرادات وصلت إلى أكثر من مليار و334 مليون دولار حول العالم فى شباك التذاكر، إلا أن بعض النقاد كان لهم رأى آخر، إذ أشاروا إلى أن الفيلم يعتمد بشكل كبير على النكات والمواقف المتكررة من الأفلام السابقة، ما جعل التجربة مملة للبعض؛ فيما انتقد البعض الأخر القصة، لأنها تفتقر إلى العمق أو التطور الجيد للشخصيات؛ ولم يعجب نقاد آخرون- بما وصفوه- بالإفراط فى الفكاهة، مما جعل اللحظات الدرامية أقل تأثيرًا.
الأمر نفسه بالنسبة لفيلم (Kingdom of the Planet of the Apes).. فرغم حصوله على قرابة 400 مليون دولار عالميًا، إلا أنه حظى بآراء مختلطة بين النقاد، إذ أوضح بعضهم أن الفيلم افتقر للابتكار، ولم يقدم أفكارًا جديدة أو مثيرة بالمقارنة مع الأفلام السابقة فى هذه السلسلة؛ بينما اعتبر آخرون أن القصة ضعيفة، والسيناريو يفتقر إلى العمق، مع حبكة تبدو تقليدية أو متوقعة؛ كما انتقد بعض النقاد ضعف تطوير الشخصيات الجديدة، ما يجعل من الصعب على المشاهدين الارتباط بها.
أما فيلم (The Exorcist) النسخة الجديدة التى عرضت فى يونيو 2024، عن الفيلم الكلاسيكى الشهير الذى عرض فى السبعينيات (وكان أحد أكثر الأفلام رعبًا)، فلم يحصل إلا على تقييم تراوح بين 28 % إلى 38 % فقط بين النقاد، والذى قال بعضهم إن الفيلم ذو نمط تقليدى دون تقديم شىء جديد؛ فيما أكد آخرون أن حواره ضعيف، مشيرين إلى حوار غير واقعى أو غير جذاب.
ومع ذلك، يبدو أن المنتجين لن يهتموا كثيرًا بآراء النقاد عن الإبداع، فكان ضمن أعلى 10 أفلام تص درت شباك التذاكر (منذ بداية العام، حتى الآن)، ثمانية أفلام تكميلية وتمهيدية.
فتصدر فيلم (Inside out 2) قائمة شباك التذاكر هذا العام، بحصوله على 1.69 مليار دولار؛ يليه (Deadpool & Wolverine)؛ ثم فيلم (Despicable Me 4)، الذى حصل على أكثر من 961 مليون دولار فى المرتبة الثالثة؛ ليأتى فيلم (Dune: Part Two) فى المرتبة الرابعة؛ يليه فيلمى (Godzilla x Kong: The New Empire)، و(Kung Fu Panda 4) فى المرتبة الخامسة، والسادسة على التوالى؛ ثم فيلمى (Bad Boys: Ride or Die)، و(Kingdom of the Planet of the Apes) فى المرتبتين الثامنة والتاسعة.
وانطلاقًا من تلك الأرباح، فإن سمة التكرار ستظل مستمرة حتى نهاية العام، والعام المقبل أيضًا. فمن المقرر أن يعرض خلال الشهرين المقبلين عدد من الأفلام التمهيدية والتكميلية، مثل: (Gladiator II)، المقرر عرضه فى 15 نوفمبر المقبل، وهو فيلم أكشن تاريخى ملحمى من إخراج وإنتاج «ريدلى سكوت». يعد الفيلم تكملة لفيلم (Gladiator)، الذى عرض عام 2000، حيث تدور القصة حول «لوسيوس»، الوريث السابق للإمبراطورية الرومانية، الذى أصبح مصارعًا بعد غزو منزله من قبل الجيش الرومانى بقيادة الجنرال «ماركوس أكاسيوس»، فى عهد الإمبراطورين «كاراكالا، وجيتا».
وفيلم (Moana 2)، وهو فيلم مغامرات موسيقى متحرك، من المقرر عرضه فى 27 نوفمبر المقبل، من إنتاج استوديوهات «والت ديزنى»، وهو تكملة لفيلم (موانا) الذى عرض لأول مرة فى عام 2016، وتدور أحداث القصة بعد مرور ثلاث سنوات على أحداث الفيلم الأول، حيث تتلقى البطلة نداء غير متوقع من أسلافها، فتقوم بتشكيل طاقمها الخاص، وتلتقى بصديقها، (الإله ماوى)، ليسافرا إلى البحار البعيدة لكسر لعنة (الإله نالو)، فيواجها أعداء قدامى وجددًا!
هذا بالإضافة إلى (Mufasa: The Lion King)، وهو فيلم آخر من إنتاج شركة «ديزنى»، تدور أحداثه بعد أحداث (The Lion King) الذى صدر عام 2019، لكنه يروى أحداثًا قديمة، إذ يحكى القرد (رافيكى) قصة نشأة الأسدين «موفاسا، وتاكا» (المشهور باسم «سكار»)، لـ«كيارا»، حفيدة «موفاسا»، وابنة «سيمبا، ونالا».
وذلك، إلى جانب فيلم (Sonic the Hedgehog 3)، الذى يعد النسخة الثالثة من سلسلة أفلام (سونيك) الكوميدية المفعمة بالمغامرات، والمبنية على سلسلة ألعاب الفيديو، التى نشرتها شركة «سيجا»؛ ومن المقرر عرض الفيلم الجديد فى 25 ديسمبر الماضى.
وبعيدًا عن الميزانيات الضخمة التى تنتج منها هذه الأفلام، والإيرادات الأضخم المتوقعة، إلا أن القصص المذكورة يبدو أنها لا تحمل- كغيرها- أفكارًا مبتكرة خارج الصندوق.
2025.. التوسع الأفقى لإعادة الانتاج
فى الوقت الذى تعد 2024 الجارية سنة غَمر شاشات العرض الكبير بالأفلام التمهيدية، والتكميلية، والمعاد إنتاجها، يبدو أن التوسع فى تسويق تلك الأفكار سيزداد، ولكن بصورة أفقية فى عام 2025، وكأنها ثقب أسود يجذب المشاهدين لدفع المزيد من الأموال الطائلة على أسماء الأفلام القديمة.
فحتى آلان، أكدت أكبر أربع ستوديوهات فى هوليوود، «ديزنى، وارنر براذرز، يونيفيرسال، وسونى» عن قائمتها للأفلام التمهيدية، والتكميلية، والمعاد إنتاجها، ومن بينها على سبيل المثال، ما أعلنته شركة «ديزنى» عن عرض كل من أفلام: (Captain America: Brave New World)، (Snow White)، (Fantastic Four: First Steps)، (Zootopia 2)، (Avatar: Fire and Ash).
كما أكدت شركة «وارنز برذرز» عرض كل من أفلام: (Superman: Legacy)، (The Conjuring: Last Rites)، (Mortal Kombat 2).
من جانبها، قالت شركة «يونيفيرسال» إنها من المقرر أن تعرض كل من أفلام: (Jurassic World: Rebirth)، (Nobody 2)، (The Black Phone 2)، (Wicked: Part II)، (Five Nights at Freddy’s 2).
أما شركة «سونى» فأوضحت أنه من المفترض عرض عدد من الأفلام التمهيدية، مثل: (I Know What You Did Last Summer)، (Insidious)؛ بالإضافة إلى فيلم عن البطل الخارق (Spider Man) أو (الرجل العنكبوت) لكنه لا يزال بدون عنوان بعد.
يبدو من القائمة الطويلة لأفلام الكسب السريع، أن صناع السينما فى هوليوود سيواصلون عملية التسويق على حساب أسماء الأفلام القديمة، واستغلال القصص المعروفة التى أبدعها مؤلفيها منذ عقود، فى محاولة لجذب المزيد من الجماهير، مما يجعلهم أكثر تركزًا على فكرة إعادة الإنتاج، بدلًا من تقديم أفكار جديدة؛ وهو ما أثار مخاوف بين أوساط النقاد من تقليص الابتكار، الذى سيؤثر -بالتبعية- سلبًا على تنوع الأفكار فى دور العرض؛ ويؤدى - أيضًا - إلى شعور الجمهور بالملل مع مرور الأيام، حيث سيبحث الناس –فى النهاية- عن محتوى جديد ومبتكر، بدلًا من تكرار ما سبق.
كما أعرب نقاد آخرين عن قلقهم من تداعيات الإعادة السلبية؛ مشيرين –فى هذا الصدد- إلى أن بعض الأفلام القديمة تحمل رسائل قد تكون غير ملائمة أو مواتية للعصر الحديث، ما قد يؤدى إلى محاولات اختلاق تفسيرات جديدة، تؤدى لتحريف للمعنى الأساسى للعمل الأصلى.
فى النهاية، يمكن القول إنه فى الوقت الذى توفر إعادة إنتاج الأفلام فرصًا مالية كبيرة، وتلبى رغبات المشاهدين الذى يحن أغلبهم لأفلام الماضى بصورة الحاضر، إلا أن هذا الاتجاه يثير مخاوف تمتزج بالشكوك حول مستقبل الإبداع فى هوليوود.