ربط الحقول القبرصية بمحطات الإسالة لإعادة التصدير قريبًا مصر تبدأ استغلال 15 تريليون قدم مكعب غاز بشرق المتوسط لتعويض نقص الإنتاج
سمر العربي
تسعى مصر لاستغلال جميع احتياطيات شرق المتوسط وذلك بعد تراجع إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى 4.5 مليار قدم مكعب يوميًا بسبب التناقص الطبيعي في إنتاج الحقول مما دفعها إلى عقد العديد من الاتفاقيات مع الدول المجاورة لاستغلال بنيتها التحتية حيث تعتبر الدول الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك مصنعين لإسالة الغاز الطبيعي ، إذ تعد محطات إسالة الغاز في دمياط وإدكو من أهم الركائز الرئيسية في التسهيلات والبنية التحتية التي تمتلكها مصر لتجارة وتداول الغاز الطبيعي؛ وتفوق قدراتهما الإنتاجية 12 مليون طن سنويًا.
وبالنظر إلى قرب المسافة بين قبرص ومصر، قد تستفيد الأولى من قدرات الإسالة في مصر، كونها الوحيدة في منطقة شرق المتوسط. حيث يحول فقر البنية التحتية دون تحقيق حلم قبرص نحو إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي، وهو الأمر الذي يدفعها إلى الاعتماد على مصر في تصدير الغاز المكتشف في حقولها البحرية إلى دول الاتحاد الأوروبي.
ويعد الغاز الطبيعي من أهم المدخلات المهمة في البنية التحتية لتوليد الطاقة في مصر، إذ كان يمثل في العام الماضي 2023 نسبة حوالي 51 % من مجموع الطاقة الأولية التي يتم إنتاجها في مصر، وكان يستخدم في إنتاج حوالي 76.8 % من التيار الكهربائي الذي يتم توليده، ولم يكن هذا الاعتماد على الغاز الطبيعي يطرح مشكلة عندما كان هناك فائض في مصر.
وكشفت بيانات حديثة عن عودة إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى الصعود خلال شهر مايو الماضي لكن بنسبة زيادة طفيفة بلغت حوالي 0.6 % لكنه لا يزال متراجعًا عند المقارنة بالشهر نفسه من عام 2023، وسط استمرار ارتفاع استهلاكه محليًا.
لقاءات مكثفة مع الجانب القبرصي
من جانبه بدأ المهندس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية لقاءات مكثفة مع دول الجوار وأولها قبرص التي تربطها علاقة قوية بمصر للإسراع بالاستفادة من الحقول القبرصية سواء بالمساهمة في الاستهلاك المحلي أو إعادة التصدير للخارج.
وتقدر احتياطيات اكتشافات الغاز في قبرص بنحو 15 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي في 5 حقول منفصلة قبالة شاطئ الجزيرة.
وتوجد 4 اكتشافات غاز في قبرص من بين الاكتشافات الـ5، وهي (كاليبسو وكرونوس ودياس في مربع 6، بالإضافة إلى اكتشاف غلافكوس بمربع 10) في مرحلة التقييم حاليًا، كما قام كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية بزيارة نيقوسيا بدعوة من نظيره القبرصي جورج باباناستاسيو لتبادل الرؤى بين الجانبين.
وخلال المباحثات ناقش التطورات الدولية والإقليمية في قطاع الطاقة، مع تأكيد الحاجة إلى تعزيز التعاون بين مصر وقبرص فيما يتعلق بتنفيذ الهدف المشترك المتمثل في إنشاء ممر موثوق للطاقة من شرق المتوسط إلى أوروبا لنقل الغاز والطاقة الخضراء.
وشملت المباحثات خيارات ووسائل الإسراع بتطوير احتياطيات الغاز القبرصي باستعمال البنية التحتية الحالية في مصر، ونقل الغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص إلى مصر، لإسالته وتصديره إلى الأسواق العالمية.
كما التقى المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية الأسبوع الماضي على هامش مؤتمر «جازتك» العالمي للطاقة في هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية، مع جويدو بروسكو، الرئيس التنفيذي لعمليات الموارد الطبيعية بشركة إيني الإيطالية.
وبحث الجانبان خلال اللقاء سبل الإسراع بتنفيذ تطوير حقول الشركة الإيطالية بمنطقة شرق البحر المتوسط بما في ذلك آخر مستجدات ربط حقل كرونوس في قبرص للغاز الطبيعي بالتسهيلات المصرية على ساحل البحر المتوسط وإعادة نقل الغاز بعد ذلك إلى الأسواق الخارجية، وهو ما يعزز من دور مصر كمركز إقليمي لنقل وتجارة الطاقة .
كما تطرق اللقاء إلى التعاون والشراكة الجارية بين الجانبين في مصنع إسالة الغاز الطبيعي بدمياط، التي يتم تشغيلها من خلال الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) وشركة إيني.
خط أنابيب بحري
وتدرس مصر بالتعاون مع قبرص إنشاء خط أنابيب بحري بطول يبلغ نحو 90 كيلو مترًا، وذلك لربط حقل أفروديت بتسهيلات الإنتاج البحرية لحقل ظهر بالمياه الإقليمية المصرية، لضخ الغاز القبرصي بالشبكة القومية للغازات حيث تسعى مصر لاستغلال السعة المتاحة بتسهيلات حقل ظهر من خط أنابيب ومحطة معالجة الغاز البرية، وذلك بعد الانخفاض الطبيعي لإنتاج الحقل لنحو 1.6 مليار قدم مكعب غاز يوميًا مقارنة بنحو 3.2 مليار قدم في عام 2020.
حقل أفروديت
وحقل أفروديت القبرصي يحتوي على ما يقدر بـ 4.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويقع في منطقة بلوك 12، على بعد نحو 170 كم قبالة شاطئ ليماسول بدولة قبرص، التي تخطط لإرسال الغاز الطبيعي المستخرج من حقل أفروديت إلى مصر خلال الفترة من 2027 إلى 2028.
وسيسهم ربط نحو مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا من حقل أفروديت على الشبكة القومية للغاز الطبيعي بمصر في تطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في قبرص باستخدام البنية التحتية الحالية في مصر ونقل الغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص إلى مصر، لتسييله وتصديره إلى الأسواق العالمية ويحول فقر البنية التحتية دون تحقيق حلم قبرص بالتحول إلى مركز للطاقة في شرق المتوسط ما يدفعها إلى الاعتماد على مصر في تصدير الغاز المكتشف في حقولها البحرية إلى أوروبا.
تعزيز مكانة مصر الإقليمية
من جانبه قال دكتور ثروت راغب أستاذ هندسة البترول والطاقة: إنه من المتوقع أن يؤدي تصدير الغاز القبرصي إلى مصر لزيادة الطاقة التصديرية لمصر بشكل كبير، وذلك من خلال تسييل الغاز القبرصي في المحطات المصرية وتصديره إلى الأسواق الأوروبية، وذلك سيعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، وسيساهم في جذب المزيد من الاستثمارات في قطاع الطاقة المصري.
وأشار راغب، إلى أنه من المتوقع زيادة إنتاج مصر من الغاز الطبيعي قبل نهاية العام مع قرب بداية إنتاج حقل نرجس وحقول إكسون موبيل في العامرية، بالإضافة إلى قيام شركة إيني الإيطالية بحفر المزيد من الآبار بحقل ظهر لزيادة إنتاجه مرة أخرى، والذي انخفض إلى 2.1 مليار قدم مكعب غاز ، بالإضافة إلي الاكتشافات التى تم تحقيقها 5 اكتشافات خلال النصف الأول من 2024 والتي أضافت احتياطيات قدرها 1.3 تريليون قدم مكعب غاز و 30 مليون برميل زيت ومتكثفات.
وأوضحت الدراسة التي أعدها دكتور أحمد سلطان رئيس لجنة الطاقة بنقابة المهندسين أن الخيار المفضل لقبرص هو نقل الغاز من حقل أفروديت عبر خط أنابيب تحت البحر إلى منشآت شل في غرب الدلتا البحرية العميقة غير المستغلة قبالة سواحل مصر، حيث سيتم معالجته، ومن شأن هذا الخيار أن يوفر على الشركاء تكاليف بناء منشأة جديدة مخصصة للمعالجة والإنتاج في قبرص، مما يقلل بشكل كبير من تكاليف التطوير.
وسيتم بعد ذلك نقل الغاز المعالج إلى مصنع إدكو للغاز الطبيعي المسال في مصر، والذي تديره شركة شل أيضًا، لتسييله وتصديره أو استخدامه محليًا لتلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي في مصر، ومع كون شل شريكًا في أفروديت، فإن هذا هو الخيار الأكثر جاذبية تجاريًا.
أضاف رئيس لجنة الطاقة بنقابة المهندسين، أن شراكة مصر مع قبرص محور مهم لتحقيق تكامل اقتصادي بين البلدين في مجال الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي، وبوابة استراتيجية لاستثمار المقومات المتاحة من موارد غازية وبنية تحتية متميزة، وصولًا لتحقيق المنافع المشتركة، وتعظيم استغلال تلك المقومات. وتستهدف مصر تعظيم الاستغلال الاقتصادي لبنيتها التحتية في مجال الغاز الطبيعي من خطوط ومجمعات استقبال الغاز الطبيعي وإسالته وتصديره على ساحل البحر المتوسط، واستثمار طاقتها الاستيعابية الكبيرة، خاصة أن مجمعات إسالة الغاز تعد ميزة نسبية تتمتع بها الدولة المصرية.
صادرات مصر
كانت مصر قد احتلت المركز الخامس عالميًا ضمن الدول الأكثر تصديرًا للغاز الطبيعي لأوروبا بعد الحرب الروسية الأوكرانية حيث قفزت صادرات الغاز المسال المصرية إلى مستويات قياسية، لتصل إلى 8 ملايين طن في عام 2022 بزيادة قدرها 12.1% على أساس سنوي، ومع بداية عام 2023 اتجهت مصر لتعزيز صادرات الغاز المسال لتوفير العملات الأجنبية من مبيعات الغاز الفورية، وخلال النصف الأول من عام 2023، انخفضت صادرات الغاز المسال إلى 2.9 مليون طن من 3.9 مليون طن في عام 2022، بانخفاض 25% على أساس سنوي
ويعد انخفاض إنتاج الغاز في مصر وارتفاع الطلب المحلي خلال موسم الصيف من العوامل الرئيسية وراء الانخفاض الكبير في صادرات الغاز المسال.