الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مقامرة غير محسوبة هل خسر «ماكرون» الرهــــان؟

«زلزال»، «سقوط مدوّى» «خوف».. هكذا وصفت صحف عالمية نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية؛ أمّا عنوان صحيفة لوفيجارو فكان: «التشريعية مأساة فرنسية»، فى حين رأت لوتان السويسرية أن «الديمقراطية الفرنسية تتحدث وهى مخيفة».



عناوين الصحف عبّرت بصورة قوية مدى خطورة الخطوة التى أقدَم عليها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بعد إعلانه بتطبيق المادة 12 من الدستور الفرنسى وحل الجمعية العمومية فى 9 يونيو الماضى؛ لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة بالاقتراع العام وبشكل مباشر، لاختيار 577 نائبًا، للحصول على ولاية مدتها 5 سنوات قابلة للتجديد، وذلك محاولة منه لتخطى الخسارة المدوية التى لحقت بحزبه فى انتخابات الاتحاد الأوروبى أمام تيار اليمين المتطرف، الذى بات قاب قوسين أو أدنى من إلحاق خسارة أخرى لتكتل ماكرون الحزبى فى الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية.

 انتخابات تاريخية

بعد ثلاثة أسابيع من الزلزال السياسى الذى أحدثه ماكرون بإعلانه حلّ الجمعية الوطنية، صوّت الفرنسيون بكثافة فى الجولة الأولى من الانتخابات التى تثير نتائجها ترقبًا كبيرًا فى الخارج.

وحلّ التجمُّع الوطنى (يمين متطرّف) وحلفاؤه فى طليعة نتائج الجولة الأولى من الاقتراع، بنيله 33,14% من الأصوات (10,6 مليون صوت). وانتُخب 39 نائبًا عن هذا الحزب فى الجولة الأولى.

وبذلك؛ تقدّم على الجبهة الشعبية الجديدة التى تضم اليسار (27,99%)، فيما جاء معسكر ماكرون فى المرتبة الثالثة بفارق كبير (20,8 %).

وطالب اليمين المتطرّف الفرنسيين بمنحه غالبية مطلقة فى الجولة الثانية. وقال رئيسه الشاب جوردان بارديلا إنّ الجولة الثانية ستكون «واحدة من الأكثر حسمًا فى مجمل تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة» التى تأسّست فى العام 1958.

ودان رئيس حزب التجمع الوطنى جوردان بارديلا (28 عامًا) «تحالفات العار» ودعا الناخبين إلى منحه الأغلبية المطلقة للوصول إلى السلطة «فى مواجهة التهديد الوجودى للأمة الفرنسية» الذى يمثله اليسار.

من جهتها؛ أشارت زعيمة اليمين المتطرّف الفرنسى مارين لوبن إلى إمكانية تشكيل حكومة بأغلبية نسبية تبلغ 270 نائبًا، بدعم «على سبيل المثال من بعض اليمين وبعض اليسار وعدد من الجمهوريين (يمين).

وأكد ماكرون الذى فتح الباب أمام موجة اليمين المتطرف من خلال الدعوة إلى هذه الانتخابات المبكرة، لوزرائه، أنه لا ينبغى أن يذهب «صوت واحد» إلى التجمع الوطنى. لكن يبدو أن صوت الرئيس الفرنسى، الذى لم يتحدث علنًا منذ إعلانه فى بروكسل، لم يعد لديه صدى فى معسكره الذى يحمله مسئولية الفشل الذريع فى الدورة الأولى وتراجع إلى المركز الثالث بعد التجمع الوطنى واليسار. وقال رئيس الوزراء جابريل أتال «أنا زعيم الأغلبية، وأنا من يقود هذه الحملة» و«كلمتى هى الأهم». وحذر جابريل من أن «اليمين المتطرّف بات على أبواب السلطة»، داعيًا إلى «منع التجمّع الوطنى من الحصول على أغلبية مطلقة».

 السحق بصناديق الاقتراع

فى مقال للكاتبة ألكسيس بريزيه بصحيفة لوفيجارو، قالت فيه إن فرنسا تجد نفسها فى مواجهة منظور مزدوج بين المغامرة السياسية والانسداد المؤسّسى، فى وضع لا يمكن وصفه إلا بكلمة واحدة هى «الكارثة» بما فى الكلمة من معنى.

ورأت الكاتبة أن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون كان لديه كل شىء تقريبًا: 3 سنوات من الحكم كرئيس يحكم بأغلبية نسبية، ولكنها أغلبية على أية حال، وحزب فى حالة جيدة، وقاعدة انتخابية ضيقة ولكنها قوية بشكل مدهش، وصورة شخصية متضررة ولكنها بسلطة لا جدال فيها.

أمّا الآن فقد خسر كل شىء؛ فقد أراد توحيد الكتلة المركزية وتقسيم اليسار، وعزل حزب التجمع الوطنى، وقد ثبت خطأ كل حساباته، بعد أن كان رهانه فى الأساس هو أن الفرنسيين من انتخابات إلى أخرى سوف يغيرون رأيهم، ولكنهم واصلوا إصرارهم؛ بل إن المستوى الذى وصلت إليه جبهة اليسار أضاف لمسة مثيرة للقلق الشديد إلى اللوحة.

وزعم رئيس الدولة أنه بقراره «يقطع الطريق على التطرف»، فإذا التطرف أعلى من أى وقت مضى، وهكذا تجد فرنسا نفسها فى مواجهة منظور مزدوج من المغامرة السياسية والانسداد المؤسّسى.

 سيناريوهات «الفشل»

فى ظل حيرة وغموض على كل الجبهات، هناك عدة سيناريوهات مطروحة لكن جميعها تؤكد خسارة ماكرون فى رهانه على خطوة حل الجمعية العمومية.

ومع تراجع احتمال قيام «الجبهة الجمهورية» التى كانت تتشكل تقليديًا فى الماضى بمواجهة التجمع الوطنى فى فرنسا، بات من المطروح أن يحصل حزب جوردان بارديلا ومارين لوبن على أغلبية نسبية قوية أو حتى أغلبية مطلقة خلال الجولة الثانية من الانتخابات.

غير أن سيناريو قيام جمعية وطنية معطلة بدون إمكانية تشكيل تحالفات تحظى بالغالبية بين الكتل الثلاث الرئيسية، يبقى فرضية ماثلة أيضًا؛ الا أنه سيناريو من شأنه أن يُغرق فرنسا فى المجهول.

وفى كل الأحوال؛ خسر ماكرون رهانه على حل الجمعية الوطنية بعد هزيمة كتلته فى الانتخابات الأوروبية التى جرت فى التاسع من يونيو.

ومن المحتمل أن تُنتج الانتخابات التشريعية تعايشًا غير مسبوق بين رئيس مناصر للاتحاد الأوروبى وحكومة معادية له، الأمر الذى يمكن أن يطلق شرارة خلافات بشأن صلاحيات رئيسى السلطة التنفيذية؛ خصوصًا فى مسائل الدبلوماسية والدفاع.

وقد أكد العضو اليسارى فى البرلمان الأوروبى رفاييل جلوكسمان أن أمام الكتلة الأوروبية أيام قليلة لتجنب «كارثة فى فرنسا»، داعيًا إلى انسحاب جميع المرشحين الذين حلوا فى المرتبة الثالثة. لكن حليفه حزب «فرنسا الأبية» يرى أن هذه القاعدة لن تطبق إلا فى الدوائر التى حل فيها مرشحو التجمع الوطنى فى المرتبة الأولى بحسب رئيس كتلة اليسار الراديكالى جان لوك ميلانشون.

أمّا فى المعسكر الرئاسى؛ فالخط لا يزال غير واضح. ففى اجتماع لحكومته الأسبوع الماضى، لم يصدر ماكرون تعليمات واضحة، حسبما أفادت عدة مصادر وزارية. لكن أحد المشاركين فى الاجتماع قال إن الرئيس أكد على ضرورة «عدم ذهاب أى صوت لليمين المتطرف». وذكر بأن اليسار دعمه مرتين فى 2017 ثم فى 2022 ليصبح رئيسًا.

ولم يُدل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بأى بتصريحات علنية منذ الجولة الأولى من الانتخابات.

وأعلن العديد من مرشحى معسكره بقاءهم فى الجولة الثانية. لكن تبدى أغلبية المرشحين المنسحبين ترددًا حين يتعلق الأمر بدعم مرشحى فرنسا الأبية؛ خصوصًا أن حزب ميلانشون متهم بمعاداة السامية. ووصفه مسئول نقابى بارز بأنه «الأحمق المفيد لجميع أولئك الذين لا يريدون التنحى».

 خطوات التعرقل

وفى خطوة لمحاولة تعرقل تقدم حزب التجمع الوطنى من الانفراد بالانتخابات، سعى معارضون لتيار اليمين المتطرف إلى بناء جبهة موحدة، وأكد أكثر من 200 مرشح أنهم لن يخوضوا الجولة الثانية لانتخابات الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسى) المؤلف من 577 مقعدا، فى محاولة لمنع حزب التجمع من الوصول إلى السلطة مع اتفاق مزيد من المرشحين على الانسحاب من الجولة الثانية لكن فرص نجاح التجمع الوطنى المناهض للهجرة والمشكك فى جدوى عضوية الاتحاد الأوروبى، تعتمد على مدى نجاح الأحزاب الأخرى فى إلحاق الهزيمة بلوبان بدعم مرشحين منافسين فرص فوزهم أفضل فى مئات الدوائر الانتخابية فى أنحاء فرنسا.

ويحتاج التجمع الوطنى للحصول على 289 مقعدًا على الأقل فى البرلمان ليكون له الأغلبية. وتشير تقديرات استطلاعات الرأى إلى أن الجولة الأولى وضعت الحزب على مسار الحصول على ما بين 250 مقعدًا و300 مقعد، لكن هذا قبل أن تؤدى الانسحابات التكتيكية إلى إعادة تشكيل نوايا الناخبين فى نهاية الأسبوع المقبل.

وقال زعماء الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية وتحالف الوسط الذى ينتمى له ماكرون، إنهم سيسحبون مرشحيهم فى المناطق التى يحظى فيها مرشح آخر بفرصة أفضل للتغلب على حزب التجمع الوطنى فى الجولة الثانية.