الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رحلة شاقة.. توقعات اقتصادية أكثر قتامة فى منطقة «اليورو»

بعد خمسة عشر عامًا من الاضطرابات الاقتصادية، بما فى ذلك أزمة الديون الأوروبية، وجائحة كوفيد 19، والغزو الروسى لأوكرانيا، يبدو أن أداء الاقتصاد الأوروبى سيكون دون المستوى فى عام  2024. 



لقد تضررت ألمانيا، التى تعد أكبر قوة اقتصادية فى أوروبا، بصورة خاصة من ارتفاع أسعار الطاقة، ومن التباطؤ المستمر للنمو الاقتصادى فى الصين.  وفضلا عن ذلك، فاقمت ألمانيا مشاكلها الاقتصادية بسبب سياسة التخفيف أو الإلغاء التى انتهجتها إزاء العديد من الإصلاحات التى تدعم السوق، والتى وضعها المستشار السابق جيرهارد شرودر، والتى عززت فى السابق نمو الناتج المحلى الإجمالى القوى للبلاد. 

ورغم أن كبار المتنبئين الألمان يتوقعون أن البلاد ستتجنب الركود بهامش صغير فى عام 2024؛ فإن آفاقها الاقتصادية تنطوى على مخاطر محتملة. وتتمتع فرنسا بأداء اقتصادى أفضل قليلًا؛ بيد أنها عانت من عجز مالى بنسبة 5.5 فى المئة من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2023؛ وتشهد أسعار الفائدة الحقيقية ارتفاعًا على مستوى العالم، مما يعرض الحكومة الفرنسية لضغوطات من أجل تشديد سياستها. ومن ناحية أخرى، بعد سنوات من انخفاض الإنتاجية وقضايا الديون المستمرة، بدأت إيطاليا تنمو مرة أخرى؛ ويبدو أنها تسير على مسار إيجابى ولا تزال اليونان، التى تتمتع بأكبر اقتصاد غير رسمى فى الاتحاد الأوروبى، تواجه بعض التحديات، ويرجع هذا فى المقام الأول إلى انتشار التهرب الضريبى ومع ذلك، هناك العديد من بوادر الأمل. 

أولًا، لطالما تفوقت بلدان أوروبا الوسطى والشرقية على بلدان أوروبا الغربية من حيث الأداء الاقتصادى واستنادًا للمكتب الإحصائى للجماعات الأوروبية، تجاوزت بولندا كلًا من اليونان والبرتغال من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى، وتسير دول مثل رومانيا على المسار الصحيح لتحقيق إنجازات مماثلة فى غضون السنوات الخمس المقبلة. وفى حين واجهت المجر تقلبات أسعار الصرف وانكماشًا بنسبة 0.8 فى المئة فى عام 2023، وهو ما يعكس محاولات رئيس الوزراء فيكتور أوربان الحد من استقلال البنك المركزى، فمن المتوقع أن تعود البلاد إلى النمو القوى خلال عامى 2024 و2025. 

ومن المؤكد أن بلدان أوروبا الوسطى والشرقية تعانى أيضًا من شيخوخة سكانية سريعة، شأنها فى ذلك شأن نظيراتها فى أوروبا الغربية. ومع ذلك، فى الوقت الراهن، سوف تواصل دول شرق أوروبا التى تشهد نموًا سريعًا فى رفع معدل النمو الإجمالى فى أوروبا. وفى حين أن المراقبين الأمريكيين غالبًا ما لا يُقدرون التقدم الذى تحرزه هذه البلدان حق تقديره، فلا ينبغى أن يُستهان بقدرة الاتحاد الأوروبى على مساعدة الدول الأعضاء الجديدة فى التغلب على المشاكل المؤسسية التى طال أمدها، وعلى الفساد.

 ثانيًا، تنمو بلدان جنوب أوروبا أيضًا بوتيرة أسرع مقارنة مع بلدان شمال أوروبا، حيث تتفوق إسبانيا، والبرتغال، بل حتى اليونان على ألمانيا من حيث النمو بهامش كبير منذ عام 2020. ويعزى هذا جزئيًا إلى الجهود التى بُذلت لسد فجوة النمو الذى كان هزيلًا فى السنوات التى أعقبت الأزمة المالية العالمية؛ ولكن نظرًا لكون هذه الاقتصادات تتمتع بقطاع سياحى قوى، وتعتمد بقدر أقل على التصنيع، فمن الممكن أن يستمر هذا التفوق. ثالثًا، لن يكون من الحكمة عدم المراهنة على انتعاش طويل الأمد للاقتصاد الألمانى. 

فعندما كنت طالب دراسات عليا فى أواخر السبعينيات من القرن العشرين، قدم أحد زملائى ورقة بحثية توضح كيف تفوقت ألمانيا الشرقية على اقتصادات الكتلة السوفيتية الأخرى. وقال مازحًا: «إنهم لم يخترعوا بعد نظامًا يتسم فيه الاقتصاد الألمانى بعدم الفعالية». ورغم أن تحول ألمانيا الأخير نحو سياسات اليسار ربما يثبت فى نهاية المطاف أن هذه الفرضية خاطئة، فمن المرجح أن تتمكن البلاد من تصحيح المسار والعودة إلى بناء بنية تحتية عالية الجودة. رابعًا، قد تخلق الانتخابات فى مختلف أنحاء أوروبا قيادات فعّالة تشتد الحاجة إليها. إن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الذى كان يعتبر فيما مضى خليفة المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، باعتبارها أكثر زعماء أوروبا نيلا للاحترام، ناضل من أجل معالجة التحديات الاقتصادية العديدة التى تواجهها بلاده؛ وقد تعرض لانتقادات بسبب سذاجته فى التعامل مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. 

ويواجه خليفة ميركل الفعلى فى منصب المستشار الألمانى، أولاف شولتز، معدلات تأييد هزيلة تجعل الرئيس الأمريكى جو بايدن يبدو أكثر شعبية بالمقارنة معه. ومع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية فى ألمانيا المرتقبة عام 2025، هناك احتمال حقيقى أن شولتز سيُستعاض عنه. وعلى الرغم من تحقيق الاستقرار فى المملكة المتحدة، فإن رئيس الوزراء ريشى سوناك يواجه عراقيل بسبب تصور واسع النطاق بأنه زعيم عاجز. وفى استطلاعات الرأى، حاليا يتخلف حزب المحافظين بزعامة سوناك بفارق كبير وراء حزب العمال الذى أعيد تنشيطه، والذى نجح فى أن يكون وسطيًا فيما يتعلق بالاقتصاد. وفى المقابل، أصبحت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلونى، واحدة من أكثر الزعماء فعالية وشعبية فى أوروبا، ولم يكن ذلك متوقعًا. 

وأخيرًا، إن التهديد الذى يلوح فى الأفق بانتصار روسيا فى أوكرانيا يمكن أن يحفز التكامل المالى فى أوروباـ وهو الاحتمال الذى لم يكن من الممكن تصوره منذ زمن ليس ببعيد.  ومن ناحية أخرى، وكما زعمتُ فى الآونة الأخيرة، من غير المرجح أن تنجح الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر المقبل فى تخفيف الاضطرابات السياسية المستمرة فى أمريكا، مهما كانت نتائجها. 

وكل هذا يشير إلى أن أوروبا لا يزال بوسعها أن تتدارك الوضع إذ من الممكن أن تكرر أسواق الأسهم الأوروبية بسهولة الأداء القوى غير المتوقع الذى شهدته العام الماضى، مع الأخذ فى الاعتبار أن التقييمات فى أوروبا، قياسًا على نسب السعر إلى الأرباح، أقل كثيرًا من نظيراتها فى الولايات المتحدة. ومع أن سوق الأسهم الأمريكية تفوقت لسنوات على سوق الأسهم الأوروبية من حيث الأداء، إلا أن الأمور قد تختلف فى عام 2024. ومع أن أداء الاقتصادات الأوروبية طالما كان دون المستوى، إلا أنه لا يوجد اتجاه يدوم إلى الأبد. ورغم أن التوقعات الاقتصادية لأوروبا تبدو قاتمة فى الوقت الحالى، فإن آفاقها الاقتصادية قد تبدو أفضل قليلًا فى وقت لاحق من هذا العام.

مستويات التضخم

قال كبير الاقتصاديين فى أوروبا «فيليب ر. لان»، إن انخفاض التضخم فى منطقة اليورو نحو المستوى المستهدف البالغ 2%، يمكن أن يوفر أساسا لخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر.

وأشار إلى ضرورة ضمان استمرار تراجع التضخم وعدم بقائه أعلى من المستهدف، قبل القيام بعمليات الخفض المتتالية للفائدة من قِبل المركزى الأوروبى.

 

 

 

وقالت رئيسة البنك المركزى الأوروبى، كريستين لاجارد، إن خفض الفائدة الأسبوع الماضى، لا يعنى بالضرورة القيام بمزيد من عمليات الخفض السريعة فى الاجتماعات المقبلة.

وذكرت لاجارد، أنه قد تكون هناك فترات يثبت فيها المركزى أسعار الفائدة مرة أخرى، وأشارت إلى ضرورة توخى الحذر وإعادة تقييم البيانات الاقتصادية قبل اتخاذ أى قرار بشأن السياسة النقدية.

وكان معدل التضخم فى أوروبا قد تسارع بأكثر من المتوقع إلى 2.6 % فى مايو مع ارتفاع أسعار الخدمات.

وذكرت لاجارد فى وقت سابق، أن الطريق ما زال طويلًا أمام المؤسسة المالية لضبط التضخم، بعد الإعلان عن بدء خفض معدلات الفائدة الرئيسية للمرة الأولى منذ عام 2019.

وقالت لاجارد إن التضخم «تباطأ بشكل كبير» ويتوقع أن يبلغ الهدف المحدد 2 % بحلول السنة المقبلة.

لكنها حذرت من أنه «لا يزال أمامنا طريق طويل لإبعاد التضخم عن الاقتصاد. لن تكون رحلة سلسة تمامًا».

اعتراف عالمى

هناك  الآن اعتراف عالمى بالمشاكل الاقتصادية التى تواجهها أوروبا. تظهر أحدث بيانات صندوق النقد الدولى أن نمو اقتصادات الدول الأوروبية، فى العام 2023، لم يكن أبطأ من الاقتصاد الروسى فحسب، بل أبطأ من اقتصاد أى منطقة كبرى أخرى. ومن المتوقع حدوث وضع مماثل فى العام 2024.

كان محرك الاقتصاد الأوروبى ألمانيا، التى استفادت من السوق المشتركة والعملة الموحدة، وتدفق العمالة الرخيصة من أوروبا الشرقية والغاز الروسى الرخيص لبناء صناعة قوية ذات تكنولوجيا عالية موجهة نحو التصدير، فتحولت بقية دول الاتحاد الأوروبى إلى سوق مثالية. وجرى توريد السلع الاستهلاكية الرخيصة بكثرة من الصين، ما أدى إلى تخفيف الضغوط التضخمية. ومع ذلك، تبين أن هذا النموذج لم يدم طويلا.

أولاً، أدى انضمام 12 عضوًا جديدًا فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين إلى اختلالات هائلة داخل أوروبا الموحدة.

ثانيا، بدأ الاتحاد الأوروبى يتخلف عن الولايات المتحدة والصين فى السباق التكنولوجي؛ وثالثا، فى قلب الاتحاد الأوروبى (ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا) تتراكم المشاكل الاقتصادية فى معظم البلدان المتقدمة: البنية التحتية المادية القديمة، وشيخوخة السكان، والعبء الديموجرافى المتزايد.

وفى هذه الظروف، قررت النخب الأوروبية قطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، الأمر الذى أدى إلى تفاقم الوضع، وتبين أن ثمن التخلى عن موارد الطاقة الروسية مؤلم للغاية.

وعلى الصعيد الاقتصادى، يواجه الاتحاد الأوروبى حتمية الاختيار بين التحول إلى مجتمع من الدول المستقلة حقا، والتحول إلى شبه دولة، أشبه بولايات متحدة أوروبية، بميزانية واحدة وقدرة على توحيد الإنفاق الحكومى وتوجيهه بشكل فعّال.

 توقعات قاتمة

خفضت المفوضية الأوروبية توقعاتها للنمو والتضخم فى منطقة اليورو فى عام 2024، حيث حذرت من أن التوترات الجيوسياسية أدت إلى زيادة حالة عدم اليقين بالنسبة لاقتصاد منطقة العملة الموحدة.

وتظهر توقعات الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبى تأثير حملة البنك المركزى الأوروبى لرفع أسعار الفائدة فى العام الماضى، والذى سيتمثل فى انخفاض مرحب به فى التضخم إلى نحو 2.7 بالمئة، ولكن أيضًا تباطؤ النمو المثير للقلق، حيث من المتوقع أن يصل النمو إلى 0.8 بالمئة فقط.

وعلى الرغم من أن البنك المركزى الأوروبى، ومقره فرانكفورت، قد أبقى أسعار الفائدة ثابتة حتى الآن فى عام 2024، فمن المتوقع على نطاق واسع أن يبدأ فى خفض أسعار الفائدة فى وقت لاحق من هذا العام، فى مواجهة تباطؤ أسعار المستهلكين وضعف اقتصاد منطقة اليورو.

وارتفع التضخم بعد اندلاع الحرب فى أوكرانيا فى عام 2022، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، بالتزامن مع سعى أوروبا لإيجاد مصادر بديلة للطاقة عن روسيا.

وانعكاسًا لانخفاض أسعار الطاقة، عدلت المفوضية توقعاتها للتضخم إلى 2.7 بالمئة فى 2024، انخفاضًا من 3.2 بالمئة.

ولا تزال التوقعات أعلى من هدف البنك المركزى الأوروبى البالغ 2 بالمئة.

وقال البنك فى بيان إن «انخفاض أسعار الطاقة وضعف الزخم الاقتصادى وضعا التضخم على مسار نزولى أكثر حدة مما كان متوقعا فى توقعات الخريف».

وتمثل توقعات المفوضية لنمو منطقة اليورو لعام 2024، عند 0.8 بالمئة، تعديلًا هبوطيًا حادًا عن التوقعات السابقة البالغة 1.2 بالمئة.

وقالت المفوضية: «بعد تجنب الركود الفنى بصعوبة فى النصف الثانى من العام الماضى، تظل آفاق اقتصاد الاتحاد الأوروبى فى الربع الأول من عام 2024 ضعيفة».

وتتوقع بروكسل أن يصل النمو إلى 1.5 بالمئة العام المقبل.

ولكن نائب الرئيس التنفيذى للمفوضية، فالديس دومبروفسكيس، حذر من أن «المشهد العالمى لا يزال غير مؤكد إلى حد كبير» وسط مخاوف من أن الصراع فى الشرق الأوسط قد يتسع لمناطق أبعد من إسرائيل وغزة.

وقال: «إننا نتابع عن كثب التوترات الجيوسياسية التى قد يكون لها تأثير سلبى على النمو والتضخم».

وأعربت اللجنة أيضًا عن تفاؤلها بأنه على الرغم من انتهاء إجراءات دعم الطاقة والاضطرابات التجارية فى البحر الأحمر، فإن هذه القضايا لن تعرقل انخفاض التضخم على المدى الطويل.

وقال المفوض الاقتصادى للاتحاد الأوروبى باولو جنتيلوني: «لقد ترك الاقتصاد الأوروبى وراءه عامًا مليئًا بالتحديات للغاية، حيث اختبرت مجموعة من العوامل مرونتنا بشدة».

وأضاف: «من المتوقع أن يكون الانتعاش المتوقع فى عام 2024 أكثر تواضعًا مما كان متوقعا قبل ثلاثة أشهر، لكنه سيتسارع تدريجيا على خلفية تباطؤ ارتفاع الأسعار، وتزايد الأجور الحقيقية، وسوق العمل القوى بشكل ملحوظ».

وخفضت المفوضية توقعاتها لألمانيا بشكل كبير، وتوقعت نموًا بنسبة 0.3 بالمئة فقط فى عام 2024، انخفاضًا من توقعاتها فى الخريف البالغة 0.8 بالمئة.

وقالت عن ألمانيا فى تقرير: «من المتوقع أن يظل نمو الاستثمار منخفضا مقارنة بقيم ما قبل الوباء، متأثرًا بمعنويات المستثمرين المتشائمة التى تدخل العام. ولا يزال نقص العمالة يشكل عنق الزجاجة أمام النشاط».

لكن المفوضية لا تزال تتوقع أن ينمو الاقتصاد الألمانى بنسبة 1.2 بالمئة فى عام 2025.

وأداء فرنسا، ثانى أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى، أفضل من أداء ألمانيا، لكن المفوضية خفضت أيضا توقعاتها للنمو فى فرنسا إلى 0.9 بالمئة من 1.2 بالمئة.

وخفضت بشكل طفيف توقعاتها للاقتصاد الفرنسى فى عام 2025، متوقعة نموًا بنسبة 1.3 فى المئة، انخفاضا من 1.4 فى المئة فى توقعات الخريف.