
محمد جمال الدين
بعد التحدى الإسرائيلى.. هل فقدت الأمم المتحدة دورها؟!
رغم أن دولة الكيان أنشئت بقرار من منظمة الأمم المتحدة، إلا أنها دأبت على تحدى سيادة هذه المنظمة منذ تأسيسها عام 1948، وهذا ما أكده الهجوم المتتالى على أمينها العام أنطونيو جوتيريش، لمجرد أنه (نطق بالحق).هجوم مسئولى دولة الكيان أعاد إلى الأذهان سلسلة الصدامات بينها وبين أمناء عامين سابقين للمنظمة الدولية، الانقلاب على جوتيريش بدأ منذ قال الرجل فى كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن: إن الهجمات التى شنتها حركة حماس على الإسرائيليين فى 7 أكتوبر لم تحدث من فراغ، وإن الفلسطينيين تعرضوا لـ(احتلال خانق) على مدى 56 عاما، ثم أضاف أنه (يشعر بقلق عميق إزاء الانتهاكات الواضحة للقانون الإنسانى الدولى التى نشهدها فى غزة)، رافضا أوامر إسرائيل للفلسطينيين بالرحيل إلى جنوب القطاع، ومؤكدا فى نفس الوقت عدم تأييده لهجمات حركة حماس. ثم ارتفعت حدة الهجوم عقب إعلانه إدراج دولة الكيان على القائمة السوداء التى تضم الدول التى تنتهك حقوق الأطفال، وهنا فقط خرجت زبانية جهنم عن رشدها موجهين للرجل مجموعة كبيرة من التهم أقلها أنه فاسد أخلاقيا، بل ويعانى من تعفن أخلاقى، وبالتالى لا يستحق منصبه لكونه يشجع الإرهاب، وأن ما يصدر عنه فيه معاداة للسامية (التى صدعونا بها)، وانتهى الهجوم بأن ولاية الرجل لمنصب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة تشكل خطرًا على السلام العالمى، وأن دعوته لوقف إطلاق النار فى غزة ترقى إلى مستوى دعم حماس وهجوم 7 أكتوبر.
سياسة الانتقادات والهجوم تؤكد على طول الخط أن هذا هو النهج الذى تتبعه دولة الكيان مع أى منظمة تخالفها الرأى، حتى ولو كانت منظمة الأمم المتحدة، المنوط بها ووفقا لميثاق تأسيسها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وحفظ حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز التنمية المستدامة، ودعم القانون الدولى، حتى وصل الأمر إلى أن هذا الكيان الإجرامى، يرفض فى أحيان كثيرة تجديد مدة بعض الأمناء الذين تولوا المسئولية عقب إدانتهم لمثل هذه الانتهاكات، التى يرتكبها قادته وعناصر جيشه، وجميعنا مازلنا نتذكر ما حدث مع أمين عام المنظمة السابق الراحل (بطرس غالي) الذى رفضت واشنطن بطلب من إسرائيل التجديد له بعد إدانته لمذبحة قانا فى جنوب لبنان التى راح ضحيتها 106 من المدنيين على يد القوات الإسرائيلية، نفس الأمر تم اتباعه مع (بان كى مون) الأمين العام السابق للمنظمة عندما أدان فى عام 2016 هجمات إسرائيلية ضد الفلسطينيين، كما دخل رئيس الوزراء السابق (أرئيل شارون)، فى أزمة مع (كوفى عنان) الذى أدان تعامله مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وقبل ذلك ارتكب نفس الكيان جريمة أكبر من الانتقاد والتهديد (لكنها أفلتت منها)، وتحديدا عقب اعتماد الأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين عام 1947، قامت مجموعة إسرائيلية باغتيال وسيط الأمم المتحدة آنذاك الكونت برنادوت فى سبتمبر عام 1948، بعد أن حصل على هدنة واقترح تسوية للصراع، على أساس تدويل القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين، ورغم صدمة الاغتيال واعتماد قرار حق العودة (الذى لم يتم حتى الآن)، بفضل ضغط وثقل وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأساسى لدولة الكيان، المناصر والداعم لجميع الانتهاكات التى تقوم بها ضد أبناء الشعب الفلسطينى. ومن أجل تأكيد هذا الدعم تستبعد أمريكا المنظمة المنوط بها حفظ السلام من جميع عمليات السلام التى تتم بين دولة الكيان وجيرانها، ولا تتورع عن استخدام حق الفيتو إذا صدر قرار لم يأت على هوى الحليف المدلل.
ومن هنا يستطيع القاصى والدانى أن يتفهم حقيقة رفض إسرائيل لجميع قرارات المنظمة ولأمنائها السابقين أو حتى اللاحقين، طالما هناك أمريكا التى تدعى الحياد بين جميع أفراد الصراع العربى الإسرائيلى، ويثبت أن دور المنظمة ومجلس أمنها لم يعد لهما وجود على أرض الواقع، عقب فشلهما سويا فى إصدار ولو قرار واحد بوقف حرب الإبادة التى تتم فى حق الشعب الفلسطينى الشقيق.
ملحوظة: قبل نشر المقال صدر قرار من مجلس الأمن بوقف لإطلاق النار تبنته أمريكا، ولكنه غير ملزم، وهذا ما اعترض عليه ممثل روسيا فى المجلس الذى امتنع عن التصويت، لأنه غير متأكد من التزام إسرائيل بتنفيذه، مثله فى ذلك مثل قرارات أخرى صدرت فى هذا الشأن، ولم تنل وقتها قبولا من دولة الكيان.