الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

استحضار لروح الحرب العالمية الأولى.. حماس أعادت اختراع الحرب السرية وتفوقت على إسرائيل بحرب الأنفاق

أدى استخدام حركة حماس المبتكر لباطن الأرض إلى إعادة تعريف القيمة الاستراتيجية لسطح الأرض، وتغيير المواجهات العسكرية وأخرت انتصارا إسرائيليا وتسببت فى تكاليف دبلوماسية وسياسية لإسرائيل لا يمكن تصورها. ونشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية مقالا للكاتب دافنى ريتشموند باراك يتحدث فيه عن أهمية أنفاق حركة حماس فى قطاع غزة وتأثيرها فى مجرى الحرب.  ويقول الكاتب أنه عندما هاجمت حركة حماس إسرائيل فى 7 أكتوبر جرت إسرائيل إلى واحدة من أسوأ الحروب تحت الأرض على الإطلاق. وأصبح من الواضح تماما الآن أن حجم مجمع حماس تحت الأرض لم يسبق له مثيل، وأن استخدام الأنفاق قد ساهم فى وقوع إصابات فى صفوف الإسرائيليين. والأهم من ذلك، من خلال استمرار العمليات تحت الأرض على مدى أشهر، أخرت حماس انتصارا إسرائيليا وتسببت فى تكاليف دبلوماسية وسياسية لا يمكن تصورها.



وفيما يتعلق بحرب الأنفاق، فإن الحرب الوحيدة التى يمكن مقارنتها بهذه، هى الحرب العالمية الأولى، حيث لقى عدد لا يحصى من الجنود البريطانيين والألمان حتفهم فى محاولة كشف الأنفاق وتلغيمها وحفرها. إن استخدام حماس للأنفاق متقدم للغاية، لدرجة أنه يشبه إلى حد كبير كيفية استخدام الدول للهياكل تحت الأرض لحماية مراكز القيادة والسيطرة أكثر مما هو معتاد بالنسبة إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية. وقد أدى تعزيز حماس لقدراتها تحت الأرض إلى زعزعة تقييم إسرائيل للتهديدات الجوفية. لم تتخيل إسرائيل أبدا أن تتورط فى حرب تحت الأرض بمثل هذه الأبعاد. بل على العكس، كانت إسرائيل تركز على القضاء على أنفاق حماس التى تعبر إلى الأراضى الإسرائيلية. لا شك أن نظام الأنفاق الذى تستخدمه حماس قد لفت انتباه جيوش أخرى وجهات فاعلة غير حكومية، وجميعها تلاحظ مدى فعالية هذه الأنفاق فى بقاء حماس فى غزة.

والآن، بعد أن تغلبت حماس على معظم العقبات الكامنة فى الحرب تحت الأرض الاتصالات، والملاحة، وانخفاض مستويات الأوكسجين، ورهاب الأماكن المغلقة، من بين أمور أخرى هناك كل الأسباب التى تدعو إلى الاعتقاد بأن هذا التكتيك سيستمر فى الانتشار. وقد أدى استخدام حماس المبتكر لباطن الأرض إلى إعادة تعريف القيمة الاستراتيجية لسطح الأرض وتغيير المواجهات العسكرية. ومن الواضح عدد المرات التى خرج فيها مقاتلو حماس من الأنفاق لإعادة الإمداد أو التعافى، لكن الأمر الأوضح هو أن حماس تمكنت من توجيه العمليات العسكرية دون انقطاع. وعلى الرغم من تعرضها للضربات، فقد تمكنت بشكل عام من ضمان استمرار التسلسل القيادى من قاعدتها العسكرية تحت الأرض. إن استخدام حماس للهياكل تحت الأرض أقرب إلى الطريقة التى تستخدم بها الدول، وليس الجهات الفاعلة غير الحكومية، الهياكل تحت الأرض تقليديا. فالدول تعتمد على الهياكل تحت الأرض لإيواء مخابئ دائمة يصعب الوصول إليها وقادرة على العمل كمراكز للقيادة والسيطرة فى أوقات الأزمات. يمكن لهذه المنشآت المدفونة بعمق أن تستضيف القادة، وتحافظ على البنية التحتية لإنتاج الأسلحة، وتضمن استمرار سلسلة القيادة فى حالات الطوارئ.

وقد زادت حماس أيضا من اعتمادها على الأنفاق كجزء من استراتيجيتها، وبالتحديد كيفية استخدامها للأنفاق. فهى ترى حرب الأنفاق كاستثمار استراتيجي طويل الأمد، وليس مجرد تكتيك لمواجهة قدرات إسرائيل الاستخبارية والمراقبة والاستطلاع. لا يمكن للجيوش أن تحارب الأنفاق التكتيكية كما تحارب التهديدات الاستراتيجية تحت الأرض. فالقنابل الخارقة للتحصينات، على سبيل المثال، لن تكون كافية لتدمير مثل هذه الهياكل العميقة والمتينة. لقد أثرت الأنفاق على العمليات فى غزة بطرق لا حصر لها، فهي تقوض احتمال تحقيق نصر إسرائيلى سريع، وتبطئ وتيرة العمليات، وتجعل إنقاذ الأسرى أكثر صعوبة، وتعقد البيئة العسكرية والسياسية لإسرائيل. ولكن، هناك جانب واحد غالبا ما يتم تجاهله فى كثير من الأحيان، وهو يحمل عواقب على الحروب المستقبلية: لقد قللت استراتيجية حماس تحت الأرض من أهمية السطح، فقد اضطر الجيش الإسرائيلى إلى استخدام جميع أنواع الحيل الباطنية لإخراج مقاتلى حماس من تحت الأرض. وهذا لا يعنى أن مقاتلى حماس لم يظهروا أبدا، فقد أطلقوا صواريخ قاتلة مضادة للدبابات على القوات الإسرائيلية ونفذوا أنواعا أخرى من الكمائن. ولكن الطريقة التى تعمل بها حماس تظهر أن استخدامها للأنفاق قد أعاد تعريف ليس فقط البيئة تحت الأرض ولكن أيضا قيمة وطبيعة القتال البرى، فقد أصبحت المواجهات مع الجانب الآخر أقل تواترا، ومثل الأنفاق نفسها يصعب اكتشافها.

إذا كانت الحرب تحت الأرض قد حلت محل الحرب البرية فى غزة، فقد يحدث ذلك فى أماكن أخرى. يجب على الجيوش أن تفكر فى كيفية التعامل مع تضاؤل دور السطح عندما يتحول العدو من الاستخدام التكتيكى إلى الاستخدام الاستراتيجى لباطن الأرض. وقد أظهر القتال فى غزة أيضا أن التقدم فى التكنولوجيا المضادة للأنفاق فشل فى ردع جماعات مثل حماس عن اللجوء إلى حرب الأنفاق. إن التكنولوجيا الإسرائيلية المتفوقة والتدريب المتطور لم يثنيا حماس عن استثمار قدر كبير من الوقت والموارد البشرية فى بناء الأنفاق. وفى الوقت نفسه، دفع التقدم التكنولوجى إسرائيل إلى الاعتقاد بأنها أخمدت مساعى حماس فى العمل تحت الأرض، على الرغم من أن العكس هو الصحيح. وبعبارة بسيطة: كلما تحسنت التكنولوجيا، تكثفت عمليات الحفر.

استخفت إسرائيل بالتداعيات الاستراتيجية لحرب الأنفاق عند استخدامها على نطاق واسع، وبالغت فى تقدير قدرة التكنولوجيا على مواجهتها. فقد ركزت على الجوانب التكتيكية وعلى الأنفاق العابرة للحدود، تاركة لحماس حرية تطوير قدرات تحت الأرض ذات أبعاد غير مسبوقة. إن فهم هذه المفارقة هو الدرس الرئيسى المستفاد من هذه الحرب. فالتكنولوجيا والتفوق العسكرى لا يمكنهما بمفردهما أن يوقفا الاتجاه نحو الأنفاق. فقد فشلت التكنولوجيا في ردع التهديدات الجوفية ومواجهتها على حد سواء. وتدرك حماس تماماً أنّه حتى التكنولوجيا الأكثر تطوراً المتاحة لن تكون كافية لمواجهة هذه القدرات تحت الأرض، ولذلك فهى تثق بشدة فى هذا التكتيك. تدرك حماس أن شبكة أنفاقها الواسعة فى غزة ستؤدى إلى إبطاء الرد الإسرائيلى، وتقلل من الميزة التنافسية لإسرائيل. لقد أتت الحرب منخفضة التقنية ثمارها فى غزة، وهو نجاح سيعزز حرب الأنفاق فى كل مكان.

وأخيرا ينصح الكاتب الجيوش بأنها يجب عليها أن تنتبه إلى هذه الاستخدامات المبتكرة للتكتيكات السرية، التى يمكن أن تصل بالدول إلى حافة الشلل العملياتى والسياسى، حتى تتمكن من توقع كيفية استخدام التكتيكات السرية فى الحروب المستقبلية من قبل خصومها.