الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عرض مسرحى يناقش هموم المرأة بكل صدق: (ودارت الأيام).. الحب هو طوق النجاة

على خلفية صوت «أم كلثوم» الشجى بإمكانك أن تعيش سحرًا من نوع خاص، من خلال أغنياتها الخالدة التى تأخذك فى عالم مختلف، حيث صدق المعانى، وعذوبة الكلمات، وعلى خلفية صوتها أيضًا عاش الجمهور، وعلى مدار ساعة كاملة، مأساة سيدة تعرضت لخديعة قاسية ضاعت معها أجمل سنوات عمرها، وذلك فى العرض المسرحى الرائع (ودارت الأيام) الذى تم عرضه على مسرح الهناجر بنجاح ساحق.



العرض يتناول قصة سيدة فى منتصف العمر، رحل عنها زوجها، لكن المفاجأة التى قلبت كيانها هو أنه رحل فى منزل زوجته الأخرى، حيث اكتشفت البطلة يوم وفاته أنه قد تزوج بأخرى منذ 15 عامًا، لتصبح هذه الواقعة الصادمة فى فعلها وتوقيتها هى نقطة انطلاق لها، تعود من خلالها فى رحلة إلى الوراء، لتستعيد ذكريات أيام فرطت فيها فى أبسط حقوقها كزوجة وأنثى، فضاعت الحقوق مثلما ضاع العمر، وتلاشت الأحلام خلف خديعة كبرى عنوانها الحفاظ على الكيان الأسرى حتى وإن كان هذا الكيان مهترئًا، وآيلًا للسقوط بين الحين والآخر.

الجميل فى هذا العرض المسرحى الجريء هو أنه يسلط الضوء على خبايا العلاقات التى يبرز فيها تسلط الرجل، وإهماله لاحتياجات زوجته النفسية قبل الجسدية، ويتناول المسكوت عنه فى تلك المرحلة والتى تُفاجَأ فيها المرأة بأنها تقضى حياتها وكأنها تؤدى مهمة رسمية فرضت عليها ولا تمتلك خلالها رفاهية الرفض أو القبول، كل هذا دون وجود رجل واحد على المسرح، حيث ينتمى العرض إلى نوعية عروض المونودراما، لتقع المسئولية فى إيصال المشاعر والأحاسيس والمعانى التى يتضمنها النص على عاتق ممثلة واحدة فقط، تؤدى دورها منذ بداية العرض حتى نهايته، وهو أمر فى غاية الصعوبة بكل تأكيد، واختبار للممثلة وكفاءتها ومدى امتلاكها لأدواتها، وهو الاختبار الذى نجحت فيه الفنانة «وفاء الحكيم» بامتياز، حيث استطاعت من خلال أدائها الصادق والمتمكن أن تخلق جسرًا من التواصل بينها وبين المتفرجين داخل قاعة العرض، وتلمس جزءًا شديد العمق داخل أرواحهم، لتدفعهم لا إراديًا أن يضعوا أنفسهم موضع البطلة، فيشاركونها همها، ورغبتها فى تعويض ما فاتها، ويستدعون من ذاكرتهم مشاهد من حياتهم أو خبراتهم كانت المعاناة فيها هى القاسم المشترك بينهم وبين بطلة العرض، والحقيقة أن هذه المسرحية تمثل خير عودة للفنانة «وفاء الحكيم» بعد غياب عامين عن خشبة المسرح، انشغلت خلالهما بمسئولية الإشراف الفنى على فرقة الشمس لدمج ذوى الاحتياجات الخاصة، وهى إحدى فرق البيت الفنى للمسرح.

أما مؤلفة العرض فهى الكاتبة الصحفية «أمل فوزى» وهو العمل المسرحى الأول لها، لكنه فى الحقيقة يبشر بميلاد كاتبة مسرحية لديها قدرة على التعبير عن قضايا مجتمعها، والإشارة إلى مواطن العطب الذى أصابه بوعى شديد، وإحساس مرهف، وخبرات حياتية متراكمة أجادت توظيفها فى شكل عرض مسرحى متناغم، كتبته قبل 13 عامًا، وعادت إليه بعد مرور كل هذا الوقت لتكتشف أنه لا يزال صالحًا للعرض، لأن ما يناقشه من مشكلات لا يزال قائمًا، بل زاد توحشًا بفعل الإيقاع السريع للحياة، ووسائل التواصل الاجتماعى، وغيرها من العوامل التى حولت حياة الزوجين من شريكين إلى شخصين يعيشان سويًا لكنهما فى حقيقة الأمر غريبان لا يعرفان بعضهما جيدًا، وقد استطاعت «أمل فوزى» أن تجعل نهاية العرض المسرحى يحمل من اسمها نصيبًا، اعترافًا منها بأن الأمل هو وقود الحياة، والحب هو طوق النجاة لهذه البطلة التى قررت أن تحقق أحلامها المعطلة، أما ما فاتها من أحلام، فمن الممكن أن تحققه فيمن هم حولها، وهو ما يظهر فى نهاية العرض، حيث تتلقى خبرًا بقبول حفيدها للالتحاق بدار الأوبرا كعازف بيانو، تلك الآلة التى أحبتها وحرمت من ممارسة العزف عليها بفعل فاعل، وفى الخلفية تشدو كوكب الشرق (قولها للطير، للشجر للناس، لكل الدنيا، قول الحب نعمة مش خطية، الله محبة، الخير محبة، النور محبة).

 وقد استطاع المخرج القدير «فادى فوكية» برؤيته الإخراجية توظيف كل عناصر العمل من ديكور، وإضاءة، وموسيقى لخدمة النص، فتحولت خشبة المسرح إلى مكان لتغيير الملابس، وإلى غرفة عمليات فقدت فيها البطلة جزءًا غاليًا من جسدها بفعل السرطان، بل أصبحت قطع الديكور قضباناً تحيط بها لتعبر عن الحصار الذى تشعر به روحها، كل هذا دون أن يشعر المتفرج بحدوث أى ارتباك ولو للحظة واحدة.

العرض مهدى إلى سيدة المسرح العربى، والمرشحة الأولى لبطولته، الفنانة القديرة «سميحة أيوب» حيث قرأت النص فى زمن كتابته الأول قبل 13 عامًا، وأعجبت به، وكانت تنوى تقديمه على خشبة المسرح لكن الظروف حالت دون ذلك، ثم قرأته منقحًا ومزيدًا، وشجعت مؤلفته على طرحه، فكان الإهداء عرفانًا لها بهذا الجميل.