الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ): الإسلام والإيمان.. بين الدين والملة والحنيفية! "90"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

كلمة  دين فى اللغة العربية تأتى بمعنى القانون، ودين الإسلام بمعنى قانون الإسلام، وكلمة الديان بمعنى القاضى الذى يقوم بالحفاظ على الدين والحكم بالقانون.

د. كريمة بولخراص، أكاديمية جزائرية بجامعة وهران، حاصلة على دكتوراه فى الكتاب والسنة عام 2014م، وعلى شهادة التأهيل الجامعى عام 2015م، وهى عضو بالمجلس العلمى واللجنة العلمية لقسم العلوم الإسلامية، وشاركت فى ملتقيات دولية ووطنية.

لها كتابان تحت الطبع: «نظرية المقام تأصيلًا وتنزيلًا»، و«مقامات الخطاب فى القرآن الكريم.. الترغيب والترهيب أنموذجًا». إضافة إلى أبحاث ومقالات منها: «الخطاب القرآنى بين الطبيعة التشريعية العامة والخصوصية التنفيذية»، «آليات تقويم السلوك فى القرآن الكريم: الترغيب والترهيب أنموذجًا»، «أثر العولمة على الثوابت والمعتقدات الدينية»، «الإضافات المنهجية لمالك بن نبى فى التفسير».

وعن جهود المرأة فى تفسير القرآن الكريم، وإن كان غياب المرأة فى جانب التفسير أوضح، هناك عوامل وأسباب منها الظروف الاجتماعية، هذا فضلًا عن عدم وجود مؤسسات تهتم بتكوين المرأة، فلما تغيرت هذه الظروف، ظهرت نساء فسرن القرآن الكريم، تفسيرًا كاملًا أو جزئيًا، مثل عائشة بنت الشاطئ، وزينب الغزالى، وحنان اللحام. 

الدين فى الأصل هو القانون والدستور: (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) يوسف 76، دين الملك هو القانون الدستورى الذى شرعه الملك فى حكمه.

الإسلام فى القرآن هو قانون الله للبشر كشريعة لتنظيم الحياة، والإيمان هو العمل بذلك القانون: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ولكن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ) الحجرات 14.

الدين عقيدة وشريعة وقوانين وأخلاق: (قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّـهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) الزمر 11، ومعنى لله الدين الخالص هو وضوح الفهم الصحيح لدين الله: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) الزمر 3.

الدين عند الله الإسلام يعنى أن الدين عند الله لمن يطبقه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) آل عمران 19، ودين الله هو الإيمان بما أنزل على جميع رسله بلا إضافة على شرع الله: (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) الشورى 21.

وجود شرع واحد فى الدين لم يأذن به الله فى كتابه يخرج الفرد عن دين الله: (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِى السَّماواتِ وَما فِى الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحجرات 16.

ما وصل من الدين عن طريق الأنبياء والرسل وما أوحى الله لهم هو الذى يدين به إبراهيم وبنوه: (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة 132.

الإسلام:

هو الإيمان تسليمًا بوجود الله وباليوم الآخر والعمل صالحًا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة 62.

فالإيمان بالله هو التسليم بوحدانيته والتصديق بالأنبياء والرسل، ولهذا فإن شهادة أن لا إله إلا الله هى باب الدخول إلى دين الإسلام، والإسلام مبنى على العمل الصالح بعد الإيمان تسليمًا بوجود الله وباليوم الآخر.

الإسلام هو التسليم بوجود الله واليوم الآخر مقترنًا بالإحسان والعمل الصالح، وبهذا يكون صاحب التسليم مسلمًا، فالإسلام رسالة سماوية موجهة إلى جميع الأمم والشعوب، ولهذا سمى الدين الإسلامى، ولذلك الدين عند الله الإسلام. 

ومن يبتغى غير الإسلام دينًا لن يقبل منه، والابتغاء هو البحث عن علم ودراية: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) آل عمران 85.

الإيمان:

الإيمان اعتقاد وتصديق بالغيب: (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) الزخرف 69، من شروط الإسلام الإيمان فكل مسلم مؤمن وليس كل مؤمن مسلمًا: (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ) يوسف 106، الإيمان تصديق بالغيب، لأن العقل له حدود فى إدراك الحقائق الموجودة فى الواقع.

والقرآن له مفاهيم تنطبق على السلوك، فهناك المسلم والمؤمن والمتقى والصادق والقانت والصابر والخاشع وكلها مصطلحات تنطبق على السلوك: (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) القصص 53، أى أنهم مؤمنون وكانوا مسلمين وهذا يعنى أنهم كانوا مصدقين لما وصلهم من الوحى والرسل. 

النبى إبراهيم هو الذى أطلق إسم المسلمين: (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج 78،

كما تأتى مسلمين بمعنى مسالم: (أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ) النمل 31، وبمعنى الاستسلام: (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ) النمل 38، أى قبل أن تستسلم. 

التحذير من الله لمن يؤمن بالله وقد يكون مشركًا به أولياء أو شركاء: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران 102، يعنى لاتموتن وانتم مشركين وتدعون أنكم مسلمين لأن الإسلام فكر عن وعى وإدراك ودراية بما يؤمن به الفرد.

الملة:

ملة إبراهيم ملة إنسانية لا تحدها حدود ولا زمن، وهى الملة التى تنتمى إلى منهج إبراهيم فى الحنيفية وهى ملة التوحيد: (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة 4.

وأن النبى إبراهيم والذين معه كفروا باعتقادات قومهم التى تخالف عبادة لله وحده وتزعم تقديس الحجر والأصنام وأولياء وشركاء مع الله ولم ينزل الله بهم من سلطان: (قُلْ إِنَّنِى هَدانِى رَبِّى إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام 161.

سلوك النبى إبراهيم الفكرى هو الحنيفية بالفكر وبالمنطق العقلانى والاستقراء للواقع والتطور الذى يعتمد على التراكم المعرفى: (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّـهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل 120.

دين الآباء قائم على التقليد بدون إستخدام العقل والنقد والشك، وخلط الدين بالأعراف ينتج عنهما صناعة الأصنام التى تمثل بشخصيات تاريخية واحداث بطولية لا دخل لها بدين الله، فيتم بذلك تفريق الدين الواحد إلى شيع وفرق ومذاهب: (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الأنعام 159.

الحنيفية:

تعنى الوصول إلى حقيقة الدين بالمنطق الاستقرائى، فهى رحلة من الشك والظن إلى اليقين فى خطوات فكرية منطقية، المنطق الاستقرائى عند النبى إبراهيم هو تحديد الاحتمالات، ثم إظهار نقاط الضعف والقوة فيها، ثم استبعاد ما لا يتوافق مع الواقع.

الحنيفية هى أعلى مراحل التطور الفكرى الدينى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) الروم 30.

المنهج الحنيفى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم) الأنعام 83، بدأ بالأجرام السماوية لأنها فى مكانة أعلى من الأرض، فرأى فى الكواكب أن ليس فيها القدرة على أن تكون هى الرب لهذا الكون، ثم القمر، ثم الشمس، واستنتج أنها مجرد أجسام تتميز بالكبر والتجسيم، والله ليس كمثله شيء، وعرف أن الله هو خالق كل ما يحتاج إلى غيره، والله لا يحتاج لشيء فهو الغنى. 

ونتيجة للاستنتاج فى هذا المنهج الاستقرائى هو إعادة النظر فى البديهيات التى نشأ عليه الإنسان، ثم عرض النتائج على العقل والمنطق واستبعاد ما لا يطابق المنهج، فالمنهج ضد الشرك بالله، فالشرك يقتضى وجود شركاء لهم سلطة التشريع: (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) الشورى 21.

لقد أوحى تعالى إلى النبى عليه الصلاة والسلام أن يتبع النبى إبراهيم حنيفًا: (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل 123، يتبع المنهج الذى أسس له الله. 

الحنيفية هى المنهج المنطقى للوصول إلى الحقيقة بالدليل وبالفكر الصحيح، ولا تعنى الفهم المطلق، بل تعنى أنه لا وجود لكل ما لم ينزل الله به من سلطانا، وحتى لا يقول الإنسان على الله ما ليس له به علم: (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) الأعراف 33.