الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث .. البرشامة فى الدراما (الأخيرة) جردة حساب «المتحدة» فى خدمة الوعى والتنوير

الطريق الثالث .. البرشامة فى الدراما (الأخيرة) جردة حساب «المتحدة» فى خدمة الوعى والتنوير

البرشامة فى الدراما، هو عنوان واحد من الكتب الجديدة الجاهزة للنشر لمؤلفه العبد لله، وقد تأجل صدوره أعوام لظروف وعوامل مختلفة، لكن ظنى أن العام 2024 سيكون الأنسب لخروجه إلى النور بعد أن اكتملت دائرة النقد وتحقق كثير مما تمناه مؤلفه وطالب به. وتحتشد بين صفحات الكتاب خواطر مشاهد مصرى عن الدراما المصرية والعربية خلال السنوات العشر الأخيرة، قضاها متابعا وناقدا، وفى أحيان كثيرة ناقما وغاضبا، قبل أن يصل فى الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى حالة رضا نسبى واطمئنان على مستقبل الدراما المصرية تحت قيادة الشركة المتحدة، قلعة الترفيه المصرى ورائدة صناعة المحتوى فى العالم العربى.



 

لقد تأنقت «المتحدة» فى رمضان هذا العام وحققت نموذجا يحتذى به فى توفير المظلة الثقافية المنوط بها حماية عقل المواطن المصرى، ورفع كفاءة وعيه وتعمق فهمه لقضايا وهموم وطنه، وإثراء وجدانه، ودعم ترتيب اولوياته العامة، وتنظيم مشاعره فى سياقها الإنسانى الصحيح. ولأن الكمال لله وحده، فإن الأخطاء واردة، وعقب انتهاء العرس الدرامى الرمضانى نحتاج إلى الاشتباك النقدى مع سلبيات يمكن تلافيها فى الأعوام القادمة، فليس مطلوبا أو مفروضا من الحركة النقدية أن تكتفى بالمدح، فظنى أن أبدع ما يطرب مجتهد هو انتقاد بموضوعية لأخطاء يمنع تكرارها.

 متفرج مصرى عنتيل

كنت قد اخترت عنوانا ثانويا لكتابى هو: «هلاوس متفرج مصرى عنتيل»، انطلاقا من قناعة بأن المشاهد المصرى «صعب المراس»، وإرضاءه يستحق أن يضم إلى قائمة المستحيلات الثلاث التى حدثتنا عنها الأساطير، ليصبح الرابع بعد «الغول والعنقاء والخل الوفى»، فقد فشلت شركات الإنتاج فى الحصول على ثقته عبر سنوات متتالية ومنذ انهيار «دولة التليفزيون المصرى» مع قيام ثورة يناير عام 2011، حتى ظهور الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية فى عام 2016، وانطلاق خطتها الوطنية لاستعادة القوة الناعمة المصرية، والتى بدأت بإعادة الانضباط للسوق وهو أمر استلزم عدة أعوام، قبل أن نصل إلى مرحلة تبلورت فيها الرؤية والتى تجلت بصورة متكاملة خلال العامين الأخيرين، وإن كان قد سبقهما نجاحات خالدة ومحطات درامية مؤثرة، فلن ينسى التاريخ ملاحم وطنية مهمة منها «كلبش»، و«الاختيار»، وأعمال درامية مهمة مثل «الفتوة»، و«العائدون»، و«القاهرة- كابول»، و«هجمة مرتدة».

 سقوط دولة الـ30 حلقة

من أبرز التغيرات المهمة والجذرية التى حققتها (المتحدة) للعام الثانى على التوالى وتوسعت فيها بصورة تدريجية مدروسة، إنهاء سطوة مسلسل الـ 30 حلقة، وكنت قد حذرت فى كتابى قائلاً: «فى سياق الصمود على الإيقاع المشدود والرغبة فى الجودة الدرامية كتابة وتمثيلا وإخراجا.. طبعا فيه ناس وقعت من نص الطريق والجدع وصل للأسبوع الثالث بيشحر.. وأغلب المسلسلات سقطت فى فخ المط والتطويل.. عشان توصل للتلاتين حلقة غصب عن الدراما وغصب عن أى حاجة أو أى حد.. إلا المنتج.. صاحب الفلوس، وطظ فى الجمهور». 

بجرأة تحسب لها، تمردت (المتحدة) وأذرعها الإنتاجية على النمط الدرامى السائد لأكثر من ثلاثة عقود، وقدمت علامات بارزة فى تاريخ الدراما المصرية من ذوات الـ (15 حلقة)، فكان «تحت الوصاية» فى رمضان الماضى قنبلة درامية من العيار الثقيل، يضاهيه هذا العام مسلسل «بدون سابق إنذار»، وينافسه «مسار إجبارى» رغم ترهله النسبى فى بعض الحلقات واضطراب إيقاعه، والمسلسل التراثى «جودر»، وعلى صعيد الكوميديا الراقية «الصفارة» لأحمد أمين فى 2023، و«بابا جه» لأكرم حسنى هذا العام، ليستعيدا معا مجد الكوميديا المصرية، من خلال دراما حقيقية وضحك بلا ابتذال يخدم رسالة إنسانية واعية.  

 إعادة الاحترام للمؤلف

وكنت أصرخ حزنا فى السنوات الانتقالية ما بين أعوام (2011: 2020) من تراجع كبير فى قيمة المؤلف، ووصفته وصفا شهيرا استخدمه من بعدى كثيرين، فقد ذكرت قائلاً: «إن طريقة «المؤلف المركوب» فى كتابة مسلسلات هذا العصر، دمرت رأس مال الدراما المصرية وسر قوتها وسبب مجدها التاريخى، المؤلف «الأستاذ».. الكاتب الكبير، فعلى أيادى الأساتذة (الأسطوات) قامت الصناعة بأفكارهم وورقهم المتماسك والمتين فى ظل فقر بصرى وإنتاجى كبير فى زمانهم، أما اليوم والصورة أصبحت لا تقل فى مستواها عما ينتجه العالم، نجد أن مؤلفينا تقزموا وأجبروا ليكونوا ترزية (رغم أن بعضهم أكثر موهبة من الآباء المؤسسين للشغلانة)، يكتبوا وفق ما يملى عليهم منتج أو نجم، والنتيجة طبعا بتبقى (خلطبيطة) دراما».

وفى العامين الأخيرين قامت الشركة المتحدة وأغلب أذرعها الإنتاجية بإعادة الهيبة لـ «الورق»، وإلى صناعه من المؤلفين، وترسخ وجود أسماء لمعت فى فضاء الدراما العربية فى مقدمتها عبد الرحيم كمال ومريم نعوم ومحمد سليمان عبد المالك وباهر دويدار وهانى سرحان ومحمد هشام عبية وأمين جمال وسمر طاهر، وأعادت الشركة دفة العمل إلى يد المخرج فتألق هانى خليفة وبيتر ميمى ومحمد سلامة وإسلام خيرى ونادين خان وحسن المنباوى، وهو ما حقق حضور كبير للنجوم الكبار فى أعمال ذات قيمو فنية عالية، بعيدا عن الدراما المصنوعة للنجم، والتى يمكن أن تكون مسار هامشى ينتج من خلاله عدد محدود من الأعمال مثل «حق عرب» و«المعلم»، لكن لا يصح أبدا أن يكون هو الأصل فى دورة الصناعة.

 دراما تجديد الفكر الديني

فى مداخلة تليفزيونية مؤثرة للرئيس عبد الفتاح السيسى عام 2021، ظهر بشكل واضح قناعته الراسخة بأهمية وقيمة الدراما وتأثيرها السحرى على الجماهير، وقدرتها على تحقيق أهداف الدولة ورؤيتها، وإيصال رسائلها المختلفة إلى قطاعات متنوعة من الشعب المصرى، حيث أكد الرئيس أن «الدراما قادرة على ترجمة الوعى بشكل كبير، كما أنها أكثر تأثيرا على الجمهور»، وتحدث الرئيس فى المداخلة مع الكاتب عبد الرحيم كمال، مؤكدا له أن الدولة داعمة للأعمال الدرامية وخاصة تلك التى تهتم بمناقشة مسألة تجديد الخطاب الدينى، وأشار إلى أهمية الإعلام والدراما فى التوعية، لافتا إلى أن مسلسل «الاختيار» خير دليل على مدى تأثير الدراما.

فيما أوضح سيادته أن تجديد الخطاب الدينى لابد أن يكون مستمرا، وأن تحقيق أهداف التجديد وبناء الوعى لا يمكن تحقيقه فى عام أو اثنين أو ثلاثة، وأضاف الرئيس أن المسلمين الأوائل كانوا يدرسون الدين ضمن مناهج الحياة والعلوم الأخرى، ولكن فهمهم للدين جاء ضمن رؤية شاملة للواقع الذين يعشون فيه، وقدرتهم على الاستنباط وأن يصدروا أحكاما متسقة مع الواقع الذين يعيشونه.

هذا ما ذكرته نصا فى مسودة كتابى (المنتظر)، وقد استجابت الشركة المتحدة وتألقت خلال الأعوام التالية وقدمت أروع ما يمكن تقديمه، تنفيذا للإستراتيجية المؤسسة التى رسخها الرئيس، ففى رمضان 2022 قدمت «جزيرة غمام» ، وفى 2023 عرض مسلسل «الإمام الشافعى»، وهذا العام «الحشاشين»، وثلاثتهم من علامات فارقة فى تاريخ الدراما العربية، وتخطى تأثير «الحشاشين» عالمنا العربى ليحظى باهتمام دولى كبير، فيما يعد «جزيرة غمام» عملا مرجعيا للفكر الدينى القويم.

 مؤسسة وطنية

وتستمر مسيرة الكيان الاعلامى العملاق، فى ظل منافسة شرسة للسيطرة على المشاهد المصرى واختطافه لصالح شاشات آخرى منها ما هو عربى ومنها الغربى، لتبقى المسئولية كبيرة على عاتق شركتنا الوطنية فى أن تواكب العصر، وتسابق الزمن، لتحافظ على ما تحقق من نجاحات، ولا تنسينا الدراما التألق البرامجى فى المنوعات والمستمر طوال العام، والذى ولد إلى جواره نجاح «إخبارى» من خلال قطاع أخبار المتحدة بأذرعه الثلاثة، يصاحبه «قطاع الوثائقيات» بإنتاجه المتميز، وكلاهما حقق قفزة هائلة فى مدة قصيرة، ليؤكدا على قدرة الشركة المتحدة للخدمات الاعلامية ومتانة كوادرها وكفاءة عقولها المدبرة، فهى نموذج لمؤسسة وطنية نفخر بها ونثق فى أمانة ما تنتجه من محتوى يشارك فى بناء مستقبل مصر.