الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. البرشامة فى الدراما (2) كيف وظفت «المتحدة» سلاح الدراما لمواجهة أعداء الوطن؟

الطريق الثالث.. البرشامة فى الدراما (2) كيف وظفت «المتحدة» سلاح الدراما لمواجهة أعداء الوطن؟

يموج العالم حولنا بأحداث شديدة البأس، تسحق العقول بين رحايا الأخبار المتواترة، فدماء ضحايا الشرق لونت مياه النيل بحمرتها الذكية وفى الغرب تحتشد كل الأوجاع فيما تحول الجنوب إلى سرادق عزاء كبير، وفى متسع أكبر من دوائر كوكبنا المثقوب، نلمح مصائر البلاد تتأرجح تأثرا بانتخابات تجرى قبل نهاية العام ما تزال تخدع السذج بديمقراطيتها المصنوعة، لكنها فى كل الأحوال تربك العروش وتحشتد لها الجيوش، وتبقى لأجلها القضايا معلقة انتظارا لانقشاع الضباب.



فى هذه الأوقات الفارقة، تحتاج الشعوب إلى بصيرة ثاقبة، وتستنفر الأوطان أسلحتها كافة للحفاظ على تماسكها ورسوخ صمودها أمام الرياح العاتية، وتنجو البلاد التى تستوعب أهمية «مظلات الحماية الوطنية» التى يعول فيها على الدول أن توفرها لمواطنيها، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو ثقافية، وربما الوعى بضرورة «الحماية» هو ما كان ينقص أنظمة سقطت أمام طوفان المتغيرات التى جرت حولها ولم تستوعبها، فعصفت بها رياح الربيع و«زعابيبه» العاتية، قبل أن تمتد يد الله الحانية إلى بعضها، وتحميها من السقوط. 

سلاح الدراما

 تعد الدراما من أهم «مظلات الحماية الوطنية» تأثيرا، فهى بحسب تعريف المجلة العلمية لبحوث الإذاعة والتليفزيون: «قوة ثقافية مؤثرة فى المجتمع لا يستهان بها وذلك بسبب انتشارها الواسع وقدرتها على الإبهار واستيلائها على أوقات المشاهدين، فالرسالة الدرامية لها قدرة كبيرة على تخطى الحواجز وصولا إلى الجماهير، حيث تنفذ الرسالة الدرامية إلى جماهيرها وتؤثر فيهم بأسلوب غير مباشر».

وأتفق مع ما خلصت إليه الباحثة الإعلامية الدكتورة مى أبو السعود، فى بحثها حول «المسئولية الاجتماعية للدراما التليفزيونية المصرية»، والذى خلصت فيه إلى «أن الدراما التليفزيونية تساهم فى عملية البناء القيمى للإنسان بشرط أن تشتمل على مضمون جيد وهادف يعكس واقع القضايا والمشكلات فى المجتمع الذى تقدم فيه»، وهو ما نجحت فيه الشركة المتحدة عبر تجاربها فى السنوات القليلة الماضية، وتوجته فى رمضان هذا العام من خلال دورها المتميز فى إنتاج الأعمال الدرامية فائقة الجودة، والاستعانة بنخبة من الكتاب المبدعين والمخرجين المتميزين، فأسهم ما عرض خلال الشهر الكريم من مسلسلات «فى نشر الثقافة الرفيعة والارتقاء بمستوى الذوق العام، وتزويد المشاهدين بالفكر الراقى، وبث القيم و السلوكيات الإيجابية المدعمة للمسئولية الاجتماعية للقائمين على العمل الدرامي».

 العدو الأول: التفكك الأسري

 يمثل مسلسل «بابا جه» نموذجًا يحتذى به فى الكوميديا الهادفة والمؤثرة، فقد برع صناع المسلسل بقيادة النجم المتميز أكرم حسنى، فى اقتباس فكرة كورية وتمصيرها بسيناريو رائع لمؤلفيه محمد إسماعيل أمين ووائل حمدى، برع فى إمتاعنا به المخرج خالد مرعى مع تحفظى على استخدام المسلسل لبعض الألفاظ والسلوكيات السلبية، كان يمكن تجنبها، دون التأثير على نجاحه وتصدره للأعمال الكوميديا فى دراما رمضان هذا العام. 

فقد لبى المسلسل احتياجا مجتمعيا واضحا يترجى استعادة دور الأب المفقود، والذى توارى بفعل عوامل كثيرة ليصبح ثانويا فى تأثيره على حياة أبنائه، ووظف المسلسل كل مفردات العصر وأدواته ليتسلل بابتسامة هادئة إلى عقل المشاهد وينقل له كل أعراض التفكك الأسرى الذى يهدد سلامة المجتمع، كاشفا عبر قصص متنوعة عن تضرر الأسرة المصرية (والعربية) بسبب غياب الأب، والمقصود بالطبع غياب تأثيره فى المقام الأول، وتم مناقشة قضايا إنسانية شديدة الأهمية ببراعة ومهارة مكنت صناعه من طرح وجهات نظر مهمة ومؤثرة دون صخب وشعارات تقليدية، فوصلت رسالته ببساطة وذكاء. 

 العدو الثاني: الإخوان الحشاشين

شنت لجان الجماعة المارقة كل أنواع التشويه لإلهاء جمهور المشاهدين عن متابعة  العمل الملحمى العظيم، «الحشاشين» الذى تجلى فى كتابته الكاتب الكبير عبد الرحيم كمال وأخرجه المتألق بيتر ميمى، وحوله النجم الكبير كريم عبد العزيز بأدائه التمثيلى الذهبى إلى علامة فارقة فى تاريخ الدراما العربية، ولعل أبدع ما برع فيه صناع هذا العمل هو النجاة من فخ المذهبية الدينية التى كانت ستضيع أثر العمل وقيمته بالسقوط فى بئر الفتنة الذى ابتلع نصف تاريخنا وسرق جزءا لا يستهان به من حاضره ويسهم بشكل واضح فى رسم ملامح مستقبل غامض ينتظر الأمة الإسلامية، التى لقبت باسم «أمة محمد» توجها خير الخلق أجمعين عليه أفضل الصلوات والتسليم، الذى لم يدع يوما أنه يمتلك مفتاحا للجنة، منحه الله شرف النبوة ومنحنا شرف اتباع رسالته والاقتداء بخلقه الكريم، وكان خاتم المرسلين قد ختم رحلته بخطبة وداع خالدة استهلها قائلًا: «أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا، فى بلدكم هذا». 

صوب كاتبنا الصوفى مؤلف الحشاشين رسائله بشكل مباشر وكأنها سهام أطلقها لتصيب كبد الزيف الذى تأسست عليه جماعات الدين السياسى عبر العصور، والتى أجاد مؤسسوها وصناعها فى تخدير الأتباع والمريدين ليصبحوا عرائس «ماريونيت» تتحرك وفق الهوى السياسى الذى يخضع له كل موهوم بذاته خاضع لشيطانه من «حسن الصباح» إلى «حسن البنا»، مرورا بكل «حسن» قبيح عبر التاريخ ممن امتطوا دابة الدين ليصعدوا بها سلم المجد الشخصى، على حساب الضحايا من الأبرياء.

لقد فضحهم مسلسل درامى، وزلزل عروشهم، لتستثمر الشركة المتحدة الزخم الفكرى الذى أحدثه «الحشاسين»، بتقديم موسم خاص من برنامج «الشاهد» الذى يقدمه الصديق العزيز الدكتور محمد الباز على شاشة «إكسترا نيوز» بعنوان «الإخوان الحشاشين»، لتطرح المزيد من الرسائل التى تستكمل بها معركتها فى الدفاع عن العقل المصرى

 العدو الثالث: إسرائيل

فاجأتنا الشركة المتحدة قلعة الإعلام الوطنى المصرى، وأسعدتنا فى النصف الثانى من الشهر الكريم بحزمة جديدة من الأعمال الدرامية المتميزة من المسلسلات القصيرة التى حققت جاذبية ونجاحا جماهيريا كبيرا هذا العام، وربما يشجع هذا النجاح الشركة على التوقف التدريجى عن المسلسلات الطويلة (30 حلقة) التى كانت سببا رئيسيا فى تراجع مستوى العديد من مسلسلات الدراما المصرية فى سنوات ماضية، لعلنا نعود يوما إلى الشكل الأمثل للإنتاج، والذى يحكمه نص جيد يفرض فيه مؤلفه عدد الحلقات المناسب بحسب طبيعة القصة (وعلى مقاسها)، بعيدا عن (مقاس) النجم بطل العمل.

 كان درة أعمال النصف الثانى من الشهر الكريم، مسلسل «مليحة» الذى تستعيد به الدراما المصرية دورها الريادى فى توثيق القضية الفلسطينية وتجديد الوعى بها، بحسب ما أكدت المؤلفة رشا الجزار موضحة أن مسلسلها «سيحدث فارقا فيما يتعلق بالصورة الذهنية لإسرائيل»، وسبق أن نشرت المؤلفة عبر صفحتها على «فيس بوك» تقريرًا لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، استبقت فيه عرض المسلسل بالتنويه عن قصته التى تستعرض قضية فتاة فلسطينية تُدعى مليحة عاشت فى ليبيا بعد أن تركت فلسطين مع جديها بعد أحداث الانتفاضة، وذلك بسبب تدمير الاحتلال الإسرائيلى لمنزلهم، وتتعرف على الضابط المصرى أدهم خلال رحلة للعودة إلى قطاع غزة عبر الحدود المصرية، وقد علقت المؤلفة عل هذا التقرير بعبارات مؤثرة، أظنها مسك ختام «البرشامة» الثانية: «نعلم أن الفن المصرى ومدى تأثيره على الوجدان العربى يرعبكم.. دمتم مرعوبين ومترقبين.. ودامت مصر وشعبها ومؤسساتها وقوتها الناعمة للحقوق وأصحابها داعمين ومساندين».

وللحديث بقية الأسبوع القادم

ورمضان كريم