الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مصر والاتحاد الأوروبى.. اعتراف دولى بالجهود المصرية قادة الاتحاد الأوروبى: مصر ركيزة الاستقرار فى الشرق الأوسط

انطلقت بالقاهرة فعاليات القمة المصرية الأوروبية، حيث استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، الأحد الماضى، بقصر الاتحادية، كلًّا من: «أورسولا فون ديرلاين»، رئيسة المفوضية الأوروبية، و«ألكسندر دى كروو»، رئيس وزراء بلجيكا رئيس الاتحاد الأوروبى، و«كيرياكوس ميتسوتاكيس»، رئيس وزراء اليونان، و«كارل نيهامر»، مستشار النمسا، و«نيكوس خريستودوليدس»، رئيس قبرص، و«جورجيا ميلونى»، رئيسة وزراء إيطاليا.



 شراكة استراتيجية شاملة

وعقد  الرئيس السيسى لقاءات ثنائية منفصلة مع كل من الضيوف، رحب خلالها بترفيع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية والشاملة»، بهدف الارتقاء بمستوى التعاون بين الجانبين، وهو ما يؤكد تفهم الدور المحورى لمصر فى العلاقات الأوروبية الأوسطية، فضلًا عن كونه يعكس العلاقات التاريخية التى تربط بين الجانبين ومصالحهما المشتركة.

وقد تم خلال اللقاءات مناقشة أوجه التعاون الاقتصادى والاستثمارى، وكيفية بلورة خطوات محددة بما يضمن الاستفادة من المزايا النسبية لكلا الطرفين بالشكل الأمثل، حيث تناولت اللقاءات التعاون فى مجالات توطين الصناعة، ونقل التكنولوجيا والتدريب، كما تم تناول التعاون فى مجال الطاقة، خاصةً إنتاج الغاز الطبيعى، والتعاون المصرى القبرصى فى هذا المجال، فضلًا عن الاستفادة من الفرص الواعدة التى تقدمها مصر فى مجالات الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، والعديد من مشروعات التعاون القائمة والجارى دراستها مع اليونان وبلجيكا والنمسا.

كما تمت مناقشة التعاون المشترك بين مصر وإيطاليا فى قطاعات الأمن الغذائى والإنتاج الزراعى واستصلاح الأراضى، حيث تم التوافق على إقامة شراكة بين مصر وإيطاليا فى إطار المشروعات القومية الكبرى، وبحيث يتم نقل التكنولوجيا الإيطالية المتطورة لمصر فى تلك المجالات، بما يعظم العائد ويزيد الصادرات الزراعية والغذائية المصرية لأوروبا.

 الأوضاع الإقليمية والحرب فى غزة

وتناولت اللقاءات على صعيد آخر الأوضاع الإقليمية، وبالأخص الحرب فى غزة، حيث أكد السيد الرئيس خلال المناقشات ضرورة اضطلاع المجتمع الدولى بمسئولياته فى الدفع تجاه الوقف الفورى لإطلاق النار، وإدخال المساعدات بكميات كافية إلى القطاع لحمايته من الكارثة الإنسانية التى يتعرض لها، محذرًا من أن أى عمليات عسكرية فى مدينة رفح الفلسطينية ستكون لها تداعياتها الجسيمة على أمن المنطقة ككل، ومشددًا على ضرورة الالتزام بمسار حل الدولتين.

دور مصر فى استقرار المنطقة

ومن جانبهم، ثمن القادة الأوروبيون الموقف المصرى الحكيم والنشط، الهادف لاستعادة الاستقرار بالمنطقة، وأعربوا عن امتنانهم للجهود المصرية الدؤوبة الرامية لاستعادة الأمن والاستقرار بالإقليم.

علاقات متينة وقوية

ارتبطت مصر بالقارة العجوز منذ أكثر من 200 عام بعلاقات متينة وقوية، كما برزت العلاقات المصرية مع الاتحاد الأوروبى فى عام 1976، كما ترتبط مصر والاتحاد الأوروبى بعلاقات طويلة الأمد لا سيما من خلال اتفاقية الشراكة بينهما التى تم تفعيلها منذ عام 2004، وتلك الشراكة تسمح بمزيد من التعاون والتبادل التجارى والثقافى وكذلك التعاون فى مجالات عديدة تحددها أولويات الشراكة.

شهدت العلاقات المصرية الأوروبية خلال السنوات الماضية، تطورًا على المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والتى تستند على تاريخ طويل من العلاقات، حرصت القيادة السياسية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى على تنميتها وتعزيز أطر التعاون المشترك بين الجانبين فى مختلف المجالات وعلى مختلف الأصعدة، خاصة أنَّ الاتحاد الأوروبى يعد أحد الداعمين الرئيسيين لمصر إقليميًا ودوليًا.

 مصر ركيزة الاستقرار فى الشرق الأوسط

يغلب الطابع الاستراتيجى على العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى، وأهمية التعاون المشترك فى ظل التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة فى الوقت الراهن، خاصة أن مصر تُعد ركيزة للاستقرار فى الشرق الأوسط وبوابة إفريقيا، فيما يتطلع الجانب المصرى إلى تعزيز وتوسيع نطاق التعاون مع الاتحاد الأوروبى خلال المرحلة القادمة فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، وزيادة حجم الاستثمارات الأوروبية فى مصر من خلال الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبيرة التى يُقدمها الاقتصاد المصرى فى ظل عملية الإصلاح الاقتصادى الشاملة التى أُطلقت فى مصر منذ عام 2016.

منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم فى البلاد عام 2014، هناك حالة من الانفتاح الكبير فى السياسة الخارجية وبات لمصر دور مهم على الساحتين الإقليمية والدولية مما جعل الكل يحرص على إعادة وبلورة وتوثيق العلاقات مع الدولة المصرية.

يرى الاتحاد الأوروبى فى مصر القوة التى بيدها تحسين واستقرار الأوضاع فى شرق المتوسط وإفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، لذلك أصبحت مصر قوة عظمى لا غنى عنها لضمان استقرار المنطقة، بالإضافة إلى أن المزايا الاقتصادية والتجارية فى مصر كبيرة وواعدة، والاتحاد الأوروبى يريد أن يكون هناك انطلاق فى العلاقات مع مصر خاصة فى المجال التجارى والصناعى ومجال الطاقة، وذلك سيتم عن طريق تقارب العلاقات التى نشهدها الآن بين مصر وأوروبا.

 تفاصيل الشراكة الجديدة بين مصر والاتحاد الأوروبى

اقترح الاتحاد الأوروبى حزمة دعم مالية واستثمارية بقيمة 8.06 مليار دولار فى المدة من 2024 حتى 2027،  سيتم توزيع الدعم المالى بقيمة 5.45 مليار دولار قروضًا ميسرة، و1.96 مليار دولار استثمارات إضافية فى إطار الخطة الاقتصادية واقتصاد الجوار الجنوبى، و653.7 مليون دولار فى شكل منح منها 217.9 مليون دولار لإدارة الهجرة.

 تعزيز العلاقات السياسية ودعم الاستقرار الاقتصادى

ونصت الشراكة الجديدة بين مصر والاتحاد الأوروبى على 6 أولويات، فى مقدمتها تعزيز العلاقات السياسية عن طريق تكثيف الحوار السياسى من خلال عقد قمة بين الاتحاد الأوروبى ومصر مرة كل عامين، بالإضافة إلى الملتقى السنوى، ويمثل دعم الاستقرار الاقتصادى، أولوية ثانية، عبر تقديم الدعم فى تنفيذ الإصلاحات الكلية والإصلاحات الاقتصادية ذات الأبعاد الاجتماعية بجانب الدعم المالى جنبًا إلى جنب مع الشركاء الدوليين، وتوفير الدعم لجذب استثمارات خاصة للدولة.

ويمثل الاستثمار والتجارة، الأولوية الثالثة عبر تعبئة الاستثمارات لتحديث الاقتصاد، بما فى ذلك التحول الأخضر والرقمى، لا سيما فى إطار الخطة الاقتصادية الاستثمارية للجوار الجنوبى، بالإضافة إلى دعم تنظيم مؤتمر للاستثمار فى القاهرة. وفى محور الطاقة سيتم التركيز على الطاقة، عن طريق استثمار الاتحاد الأوروبى فى الربط بين مشروع «جريجى» وصناعة الهيدروجين المتجدد فى مصر، كما أن الهجرة والتنقل، أولوية رابعة بهدف مكافحة التهريب، والاتجار بالبشر وتعزيز إدارة الحدود ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية، وتسهيل الهجرة القانونية.

 مواجهة التهديدات الأمنية فى المنطقة

وبالنسبة للأمن الذى يعد الأولوية الخامسة فمن المستهدف تقوية مجال مكافحة الإرهاب ومنع التهديدات الأمنية ومواجهتها، بما فى ذلك التهديدات السيبرانية، وإشراك «اليوروبول»، بالإضافة إلى المزيد من التعاون فى إنفاذ القانون، ومكافحة الجريمة المنظمة، وتوفير بناء القدرات والتدريب. وتأتى المهارات وتطوير العنصر البشرى أولية سادسة عبر مواصلة العمل المشترك فى مجال التعليم والتدريب وتعزيز التبادلات فى إطار برنامج «إيراسموس بلس».

وتهدف الشراكة الجديدة أيضا إلى تعزيز التعاون فى مجال البحث والابتكار مع انضمام مصر إلى «هورايزن يوروب» و«كرييتف يوروب»، ويأتى الدعم الأوروبى ضمن حزمة تمويلات بقيمة 20 مليار دولار من المقرر أن تحصل عليها مصر من شركاء التنمية لدعم خططها الإصلاحية، بينها 9.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولى، و3 مليارات دولار من البنك الدولى.

 الشريك التجارى الأكبر لمصر

على صعيد متصل، كشف تقرير للتمثيل التجارى، أن الاتحاد الأوروبى يعد الشريك التجارى الأكبر لمصر حيث تجاوز إجمالى حجم التجارة بين مصر والاتحاد الاوروبى 37 مليار يورو فى عام 2022، إذ بلغت الصادرات المصرية إلى الاتحاد الأوروبى 16.3 مليار يورو، وشهدت زيادة بمعدل سنوى قدره 79% مقارنة بعام 2021، وبلغت الواردات المصرية من الاتحاد الأوروبى فى نفس العام 20.8 مليار يورو، وفى عام 2022 تجاوزت صادرات مصر غير النفطية إلى الاتحاد الأوروبى 9.3 مليار يورو.

 

رسالة دعم قوية لمصر

تمثل الزيارة رسالة دعم قوية وتأكيدا على المكانة المحورية لمصر باعتبارها ركيزة لأمن واستقرار المنطقة وبوابة للقارة الإفريقية، وترفيع العلاقات بين الاتحاد الأوروبى ومصر لمرتبة الشراكة الاستراتيجية الشاملة أمر شديد الأهمية؛ حيث تعتبر مصر الدولة الوحيدة بالمنطقة التى تم اختيارها من الاتحاد الأوروبى لترفيع العلاقات الأوروبية معها، وهو تأكيد على المكانة الخاصة التى توليها أوروبا لمصر.

تأتى زيارة الوفد الأوروبى إلى مصر، فى أعقاب اتفاق مصر والاتحاد الأوروبى على رفع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبى إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، فى يناير 2024، وذلك على هامش مشاركة مصر فى الاجتماع العاشر لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبى، والذى انعقد فى العاصمة البلجيكية بروكسل برئاسة مشتركة مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية «جوزيب بوريل»، وبمشاركة وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولى، وعدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى وكبار مسئولى المفوضية الأوروبية وجهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبى، وقد مثل هذا الإعلان تعبيرًا عن نظرة الاتحاد الأوروبى لمصر ونمط التعامل السائد فى العلاقات الثنائية، باعتبار مصر شريكا موثوقا به ويعتمد عليه للاتحاد الأوروبى فى مختلف مجالات التعاون وفى مواجهة مختلف التحديات المشتركة.

 ثقة الاتحاد الأوروبى فى الاقتصاد المصرى

فى إطار ترفيع العلاقات سيكون هناك حزمة مالية كبيرة ستعلن عنها رئيسة المفوضية من القاهرة، ما يعكس ثقة الاتحاد الأوروبى فى الاقتصاد المصرى وقوته ومكانته، وتتكون حزمة الاتحاد الأوروبى لمصر من ثلاثة مكونات:

1- قروض ميسرة بفائدة منخفضة للغاية وفترة سماح وسداد طويلة لا تقل عن 20 عاما.

2- تشجيع الشركات الأوروبية الكبرى على الاستثمار فى مصر فى مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة والزراعة وتوطين صناعات «الأدوية والسيارات والرقمنة والذكاء الاصطناعى».

3- منح لا تُرد وتشمل دعما فنيا فى مجال التدريب وخلافه. 

 استكمال مسار الإصلاح الاقتصادى

يحظى الملف الاقتصادى بأهمية كبيرة فى إطار التعاون الاستراتيجى المصرى الأوروبى، ولعل أحد الاعتبارات الرئيسية التى تزيد من أهمية زيارة الوفد الأوروبى إلى مصر ترتبط بالتوقيت الذى يشهد إجراءات متسارعة من الدولة المصرية لاستكمال مسار الإصلاح الاقتصادى، خصوصًا فى أعقاب الاتفاق على مشروع رأس الحكمة مع الإمارات، وقرارات البنك المركزى المصرى الأخيرة بخصوص رفع سعر الفائدة بـ 600 نقطة أساس وتحديد سعر الصرف وفقًا لآليات السوق، والاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولى، وهى الإجراءات التى زادت من حجم الثقة فى الاقتصاد المصرى.

ترتبط مصر مع الاتحاد الأوروبى بمجموعة من الاتفاقات الاقتصادية المهمة، فمصر ترتبط مع الاتحاد الأوروبى بعشرات الاتفاقات الاقتصادية، التى تشمل العديد من المجالات التنموية والاقتصادية، كما أن الاتحاد الأوروبى يعد واحدًا من أهم الشركاء التجاريين لمصر، وفى ضوء هذه الاعتبارات يمكن القول إن البعد الاقتصادى على المستوى الثنائى سوف يكون على رأس أولويات هذه الزيارة، على قاعدة تعزيز أوجه التعاون، ودعم جهود التنمية المستدامة.

 أچندة العمل المشتركة

تشكل زيارة الوفد الأوروبى إلى مصر تأكيدًا على تعاظم الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وفى هذا الإطار يمكن القول إن أچندة العمل المشتركة للجانبين خصوصًا على المستوى السياسى والإقليمى، تشمل فى الفترة الراهنة العديد من الملفات والأولويات الملحة.

ينظر الاتحاد الأوروبى إلى مصر باعتباره شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا فى مجال الطاقة، خصوصًا فى ضوء الدور الرئيسى لمصر والمحورى فى منتدى غاز شرق المتوسط والجهود الحالية لتعظيم الدور المصرى كمركز إقليمى ومحورى لتجارة وتداول الغاز الطبيعى فى المنطقة.

تحمل زيارة الوفد الأوروبى إلى مصر أهمية كبيرة فى ضوء السياق الإقليمى الذى تأتى فيه، جنبًا إلى جنب مع كونها تعبيرًا عن حجم الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين على قاعدة تعظيم المصالح المشتركة، ومواجهة التهديدات والتحديات المشتركة فى المنطقة، كما أن الزيارة تمثل فرصة كبيرة لتعزيز أوجه التعاون فى مواجهة حالة الاضطراب الإقليمى الراهنة.