السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. البرشامة فى الدراما (1) هل مشاهدة المسلسلات من «صالح الأعمال» فى الشهر الكريم؟

الطريق الثالث.. البرشامة فى الدراما (1) هل مشاهدة المسلسلات من «صالح الأعمال» فى الشهر الكريم؟

أعترف بشجاعة أننى كائن درامى حتى النخاع، أهيم مع تترات المسلسلات.. وأتأهب من المشهد الأول لأحلق فى فضاء الحكاية، أقيم السيناريو وأتذوق الحوار.. أتنقل مع المشاهد بين المشاعر والأماكن.. من دمعة إلى ابتسامة.. ومن حب إلى عنف.. أجلس ساعات صامتًا، مختطفًا فى عالم الحواديت.



لهذا تخطيت الخمسين من عمرى ولا تزال الدراما طقسًا رمضانيًا ثابتًا يصطف مع كوب الخشاف وطبق الطرشى وتلال القطايف وصوانى الكنافة، وقبلها جميعًا «صلاة التراويح» وابتهالات الشيخ النقشبندى.

أقرر قبل كل رمضان أن أنجز شيئًا جديدًا، أنشغل بأى من مجالات اهتماماتى المتنوعة، ومع انطلاق أول حلقة لأول مسلسل، تتساقط الوعود وتتقلص الالتزامات، وأتفرغ تمامًا للدراما، غواص فى بحر مسلسلاتها. 

 صالح الأعمال

لو كنت أملك الفرصة، كنت شاهدت كل المسلسلات فى رمضان، لكنه الشهر الكريم، شهر العبادات وصالح الأعمال، وكلما مر بنا العمر تميل كفة الوقت نحو المزيد من الصلاة والقيام والدعاء وقراءة القرآن والصدقات وصلات الأرحام.

وإن كان فى نفسى فكرة تبلورت عبر السنين، وهى أن حكايات الدراما ربما تدخل فى باب الصالحات، فهى تسرى عن النفس وتنسينا ما يشقينا، وتفتح أمامنا أبواب الفكر، وتنقل لنا تجارب البشر تلهمنا فى حياتنا وترشد من ضاقت به السبل إلى بقعة ضوء، يلمحها فى مشهد مؤثر أبدع مؤلفه وتجلى مخرجه وأخلص ممثله، فوصلت الرسالة وتحقق الهدف المنشود من هذا الفن العظيم.

 دراما المتحدة

ووجبة دراما رمضان هذا العام شهية ومتنوعة، وكعادتها نجحت الشركة «المتحدة» فى خطتها للشهر الكريم وقدمت أفضل باقة درامية ترضى مختلف الأذواق.

وكنت قد استبقت رمضان بأيام وأعلنت قائمة أولية من المسلسلات قررت متابعتها، وانحازت القائمة لما سميته بـ«دراما المؤلف».. وضمت أعمالاً أثق فى مؤلفيها جدًا، يزكيهم إبداعهم الراقى وتاريخهم المتميز فى الدراما المصرية، وهم: عبدالرحيم كمال، باهر دويدار، محمد هشام عبية، محمد سليمان عبدالمالك، وبالطبع جميعهم لم يخيبوا الظن، بل قدموا إبداعًا عظيمًا يضاف إلى قائمة نجاحاتهم السابقة ويتفوق عليها. 

وخارج إنتاج المتحدة، استبقت أيضًا الشهر الكريم، وأعلنت ثقتى الكبيرة فى صديقى المنتج المخضرم عبدالله أبوالفتوح، والذى عرضت له شاشة «إم بى سى مصر» مسلسلين هما «أشغال شقة»، «أعلى نسبة مشاهدة»، وكلاهما حقق نجاحًا كبيرًا، وإشادة نقدية وجماهيرية ملحوظة. 

المشاهد «الفايق»

«الأمان شىء بيخسره الإنسان أول ما يدخل الدنيا»، تظهر هذه الكلمات ملامح شخصية «عمر الخيام» فى مسلسل «الحشاشين»، خلال حوار مهم مع صديقه «نظام الملك» اختتمه الطوسى بسؤاله الفارق: «تفتكر مين فينا احنا التلاتة على حق، أنا ولا أنت ولا حسن الصباح؟»، ويفاجئه الخيام بإجابته الحاسمة: «إحنا التلاتة على باطل». ويكمل موضحا: «أنا عبد خوفى، وأنت عبد سلطة، وحسن عبد نفسه، معركة خسرانة مفيهاش منتصر». 

وأوصى بشدة بمشاهدة هذا المسلسل العظيم الذى يعتبر طفرة فنية تحسب للشركة المتحدة، انتزعت به قمة الدراما العربية فى رمضان 2024، على طريقة النادى الأهلى الشهيرة فى كرة القدم: «القاضية ممكن»، ولكن فى مضمار الفن وصناعة المحتوى الترفيهى.

وأنصح كل مشاهد «فايق»، بأن يستمتع بدراما «الحشاشين» دون أن يشغل باله بالأسئلة (إياها) التى تفسد المشاهدة وتبطل الصيام: هما عاملينه ليه؟، إيه قصدهم باختيار شخصية «حسن الصباح»؟، عايزين يوصلوا لنا إيه من عرض «الشدة المستنصرية»؟، وغيرها من أسئلة تضيع قيمة أى مسلسل، وتحول المشاهد إلى مفتش «كرومبو» يطارد مؤامرة وهمية ويتخيل أنه ينقذ العالم.

أستمتع بـ«أنسنة» الدين على الطريقة «الكمالية» نسبة إلى مولانا عبدالرحيم كمال، وحواديته المختارة من بطون تاريخنا الإسلامى، والمغزولة بمهارة ومكر صوفى بديع، يجعلك تتجرع مآسى الماضى العريق لحضارة المسلمين برضا وصبر وتستمتع بهذا الصراع الفكرى والدموى، والذى يتألق بصريًا مع «أكروبات» بيتر ميمى الإخراجية والتكنيكية وجهده الخارق فى صنع صورة متميزة، يزينها الحضور الطاغى لنجم النجوم الموهوب كريم عبدالعزيز وصحبته من عتاولة التشخيص البارعين وفى مقدمتهم فتحى عبدالوهاب وأحمد عيد. تجرع معهم «حشيش» الفن المفتخر وتسلطن وسترى بعين كاشفة فضاء الخالق، وتتجلى أمامك الحقيقة الإنسانية كما أدركتها بصيرة صناع دراما «الحشاشين».

العجز مش سن

أكدت قبل رمضان بأنه عمل «خارج المنافسة» ووصفته بدراما «أسطوات الشغلانة»، هو مسلسل «عتبات البهجة» المأخوذ عن رواية الأديب الكبير إبراهيم عبدالمجيد وبطولة ملك الدراما العربية الفنان القدير يحيى الفخرانى، وسيناريو الدكتور مدحت العدل وإخراج المخرج الكبير مجدى أبوعميرة.

أعجبتنى كلمات مؤثرة جاءت على لسان شخصية بطل المسلسل: «العجز مش سن.. العجز شيل هم فوق هم لحد ما النفس تشيب»، أعتبرها مدخلاً ملائمًا للحديث بلا حرج عن مسلسل لم يرتق لطموح الجمهور الكبير الذى انتظر عودة النجم يحيى الفخرانى، مدعومًا بنص روائى بديع خذلته تجربة السيناريو (المجمع) تحت إشراف سيناريست كبير وأضعفه فريق تمثيل متواضع المستوى انفلت عياره رغم وجود مخرج صاحب تاريخ مشرف مع الدراما الرمضانية.

  الدراما الحلوة

يحدث توفيق ربانى بأن تكون كل عناصر العمل الفنى، متوهجة إبداعيًا وتكمل بعضها البعض وتخلق فنًا حقيقيًا يتسلل إلى قلبك.. ويجعلك جزءًا من الحدوتة وشريكا فيها.

هذا ما حدث مع مسلسل «مسار إجبارى» الذى ينطبق عليه الحقيقية الإنتاجية المعروفة: «الدراما الحلوة.. ملهاش كتالوج»، فقد غامرت الشركة المنتجة ببطلين من الشباب الصاعدين، ومنحت المخرجة الموهوبة نادين خان حرية كاملة لتبدع، فقدمت وفريق العمل من كل المبدعين واحدًا من أجمل المسلسلات المصرية فى السنوات الأخيرة، مسلسل مصرى «أصلى» استحضر روح المخرج العظيم الراحل محمد خان وعبق أفلامه الخالدة على شريط السينما، بأبطالها من أبناء الطبقة المتوسطة، وتفاصيل حياتهم بين شوارع وحوارى القاهرة المزدحمة التى تراجع وجودها فى دراما هذا الزمان تحت وطأة «دراما الكمبوندات». 

 صلة رحم

فاجأنى مسلسل «صلة رحم» من حلقته الأولى بارتفاع مستوى جميع عناصره الفنية، وأراه أيضًا من أفضل أعمال دراما رمضان هذا العام، جذبنى فى البداية لأن بطله إياد نصار هو ممثلى المفضل فى الدراما، نادرا ما يخطئ فى اختياراته رغم بعض عثراته القليلة، فهو يكفيه فخرًا أنه بطل علامات بارزة فى تاريخ الدراما المصرية منها مسلسلات «الجماعة» و«أفراح القبة» و«موجة حارة» و«هذا المساء».

أبدع نصار فى «صلة رحم» بأريحية فى التمثيل داخل منطقة الأداء المضمون التى برع فيها وأكد بها وجوده، وإن كان لم يتحرر من بعض أكليشيهاته فى الأداء، لكنه اجتهد ليبدو مختلفًا، خاصة فى ظل وجود مخرج متميز، قادر على ضبط إيقاع المسلسل وفرض رؤيته الإبداعية على كل تفاصيل العمل، المخرج تامر نادى.

وكل فريق «صلة رحم» يستحق الإشادة والتحية، وخاصة الممثلين الذين بلغوا حد التفوق، كلهم بلا استثناء، لكنى هنا أود أن أخصص تحية للممثلة المجتهدة أسماء أبو اليزيد التى تمتلك كل ملامح النجومية وهى صاحبة حضور طاغٍ تستحوذ على المتفرج بملامحها المصرية الخالصة وأدائها التلقائى المتقن، وهى فى دور «حنان» تأخذ خطوة مهمة فى مشوارها الفنى ومسيرتها المتنوعة.

وأختم بإشادة مستحقة بصاحب الورق الكاتب المبدع محمد هشام عبية الذى يفاجئنى للعام الثالث على التوالى بوجوده الراسخ كمؤلف قدير، وهذا العام كانت فكرته طازجة من رحم الأيام التى تطحن ثوابتنا وتربك مبادئنا بلا رحمة، كل التحية له على هذا السيناريو المتميز. 

وللحديث بقية الأسبوع القادم

ورمضان كريم