الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رمضانك مصرى مهن تتحدى الزمن وصانعة البهجة فى رمضان على طبلة المسحراتى.. طبق الفول ضيف دائم على مائدة السحور "1"

اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم وقول نويت بكره إن حييت الشهر صايم والفجر قايم اصحى يا نايم وحد الرزاق.. رمضان كريم.. كلمات بسيطة عندما تسمعها للوهلة الأولى تشعر بفرحة حلول أيام مباركة وعلى الفور تأخذك لذكريات من زمن فات فهى من إبداع وتأليف الشاعر الكبير الراحل فؤاد حداد وتلحين وغناء الموسيقار العظيم الراحل سيد مكاوى.



على صوت طبلته نصحى ونتسحر.. نعيش معه أجمل ثلاثين يوما لأجمل شهر من شهور السنة.. مهنته ارتبطت بشكل كبير بشهر رمضان المبارك.. فهو شاهد على أهم الموروثات الثقافية والشعبية الرمضانية التى أحبها المصريون على مدار مختلف الأزمنة والعصور.

 

 المسحراتى شاهد على تاريخ مصر

المسحراتى شخصية أصيلة تحيى ليالى رمضان فى مختلف الأماكن الشعبية وحتى بعض الأماكن والأحياء الراقية حتى الآن.. فلا يكتمل شهر رمضان الفضيل بدونه لاستنهاض الهمم وتحلى القلوب بروح وأخلاق الشهر الكريم.

وقديما كان المسحراتى يقوم بتنبيه المسلمين ببدء موعد السحور، استعدادا للصيام، وكان ينطلق متجولا فى شوارع المحروسة قبل صلاة الفجر بوقت كاف، يحمل فى يده طبلة وعصا، ينقر عليها صائحًا بصوت مرتفع «اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم».

وبدأت قصة المسحراتى مع بدء التاريخ الإسلامى، عندما اعتاد بلال بن رباح أول مؤذن فى الإسلام أن يخرج قبل صلاة الفجر بصحبة ابن أم كلثوم، ليقوما بمهمة إيقاظ الناس، فكان الأول يطوف بالشوارع والطرقات مؤذنا طوال شهر رمضان، فيتناول الناس السحور، فى حين ينادى الثانى، فيمتنع الناس عن تناول الطعام.

وفى مصر، مهنة المسحراتى بدأت منذ ما يقرب من 12 قرنا مضى، وتحديدًا عام 853 ميلادية، فكان إسحاق بن عقبة، أول من طاف شوارع القاهرة، ليلًا فى رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور، فقد كان يذهب سائرًا على قدميه من مدينة العسكر فى الفسطاط، إلى جامع عمرو بن العاص، وينادى الناس بالسحور مرددا «يا عباد الله تسحروا، فإن فى السحور بركة.

أما فى عصر الدولة الفاطمية، أمر الحاكم بأمر الله، الناس أن يناموا مبكرًا بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور، حتى تم تعيين رجل للقيام بتلك المهة، أطلقوا عليم اسم «المسحراتى» فكان يدق الأبواب بعصًا يحملها قائلًا: «يا أهل الله قوموا تسحروا».. ومن هنا ظهرت مهنة المسحراتى بشكل رسمى فى مصر».

وفى العصر المملوكى وتحديدًا فى عهد السلطان المملوكى، الظاهر بيبرس عمل على إحياء مهنة المسحراتى كتراث إسلامى، حيث قام بتعيين صغار علماء الدين بالدق على أبواب البيوت، لإيقاظ أهلها للسحور، وبعد أكثر من نصف قرن، وتحديدا فى عهد الناصر محمد بن قلاوون، ظهرت طائفة أو نقابة المسحراتية، والتى أسسها أبو بكر محمد بن عبدالغنى، الشهير بـ«ابن نقطة»، وهو مخترع فن «القوما»، وهى شكل من أشكال التسابيح، ولها علاقة كبيرو بالتسحير فى شهر رمضان، وظهرت فى بغداد فى بادئ الأمر، قبل أن تنتقل إلى القاهرة. 

والطريف أن المسحراتى قديما كان يقوم بتدوين أسماء كل من يرغب فى النداء عليه لإيقاظه. 

ومع مرور السنوات، بدأت المهنة تأخذ شهرتها بين مختلف الفنانين والشعراء أمثال بيرم التونسى وفؤاد حداد وسيد مكاوى، والذين تولوا مهمة نقل تفاصيل وموروثات تلك المهنة ساحرة القلوب إلى ميكروفون الإذاعة وشاشات التليفزيون، مستخدمين أحدث التقنيات لإيقاظ الناس للسحور.

 بائع الفول بائع السعادة

فى وقت السحور، يتسابق المصريون فى مختلف الأماكن على شرائه، حيث يعد الفول ضيفا أساسيا طوال الشهر الكريم.. أما عن سر صنعته فيعود إلى «القدرة» القديمة المصنوعة من مادة الفخار التى تحافظ على صحة وجودة الطعم المصرى الذى لا يقاوم.

طبق الفول المدمس ملك وجبات السحور وهى أكلة مصرية أصيلة ترجع إلى آلاف السنين حيث يعد الفول من أهم البقوليات التى عرفها الفراعنة المصريين، حيث كان يزرع بالقرب من مصر القديمة وخاصة مدينة منف الفرعونية.

واللافت، أن علماء المصريات اكتشفوا بعض النقوش التى تحتوى على أطباق محملة بالفول، كما تم نحت ذلك على جدران المعابد حول الحاصلات الزراعية التى كان يتم تقديمها للآلهة المصرية القديمة ومنها زكائب الفول المصرى القديم وهذا يعنى أن الفول تراث مصرى قديم توارثته الأجيال.

وفى موسوعة العلامة على الجندى وصف الفول بـ«قرة العين فى رمضان والعيدين»، حيث يشترك فى أكله البسطاء والأغنياء لرخص ثمنه، وقيمته الغذائية الكبيرة، ونطلق عليه «مسمار الضلعة».

واكتسب بائع الفول المدمس، شهرة واسعة، لدرجة أن هناك العديد من القصائد التى كتبت فيه، على سبيل المثال الفقيه بدر الدين بن الصاحب يقول على لسان ابن بائع الفول:

أنا ابن الذى فى الليل تسطع ناره.. كثير رماد القدر العبء يحمل

يدور بأقداح العوافى على الورى.. ويصبح بالخير الكثير يفول

ومن الحكايات الطريفة التى نرويها بين السطور أن إمام أهل مصر الليث بن سعد وهو كان من الأثرياء، فشاهد يومًا بعض الناس خادما له، يحمل صفحة من الفول المدمس، فقال متعجبًا: أيأكل خدم الليث الفول مع هذا الثورة الطائلة والنعيم المقيم؟!

ضحك الغلام، وقال: كلا والله، إنا نأمل اللحم طلبها وسواء وقديدا، وصنوف الأطعمة، وأفانين الحلوى، وهذا الفول للإمام -أطال عمره وأدام نعمته-، وتكشف هذه القصة زهد الإمام الليث وعشقه للفول المدمس.

 الكنفانى صانع البهجة فى ليالى رمضان

ومع قدوم الشهر الكريم، يبدأ صانع البهجة فى نصب فرنه بالطوب الأحمر والأسمنت ليبدأ فى عمل أشهر وأشهى حلوى اعتاد عليها المصريون كل عام فى رمضان لمذاقها اللذيذ.

فعندما تشاهد طوابير الصائمين وهم يقبلون على شرائها تعرف إنك فى انتظار كنافة رمضان اليدوية المميزة والمصنوعة من الدقيق واللبن والمياه والتى اتخذت شهرتها من قديم الزمن فهى زينة الموائد فى كل بيت مصرى خلال الشهر الكريم.

أما عن أصل الكنافة، فاختلفت الروايات التاريخية حول بداية ظهورها ومن صاحب الفضل فى هذا الشأن فالبعض يقول إن صانعى الحلويات فى الشام هم من اخترعوها وقدموها خصيصًا إلى معاوية بن أبى سفيان، وهو أول خلفاء الدولة الأموية، كطعام للسحور لتمنع عنه الجوع الذى كان يشعر به فى نهار رمضان، حيث عرف عنه حبه للطعام، حتى إن اسمها ارتبط به وأصبحت تعرف بـ«كنافة معاوية».

أما البعض الآخر فيروى أن الكنافة صنعت خصيصا لسليمان بن عبدالملك الأموى، حيث قيل إن تاريخ الكنافة يرجع إلى المماليك الذين حكموا مصر فى الفترة من 1250 - 1517م.

وفى الرواية الثالثة، كشف المؤرخون أن تاريخ الكنافة يعود إلى العصر الفاطمى الذى امتد من عام (969 - 1172 م) و(358-567 هـ) وقد شمل حكمهم مصر والمغرب وبلاد الشام، وقد عرفها المصريون قبل أهل بلاد الشام، وذلك عندما تصادف دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمى القاهرة، وكان وقتها شهر رمضان، فخرج الأهالى لاستقباله بعد الإفطار ويتسارعون فى تقديم الهدايا له ومن بين ما قدموه الكنافة على أنها مظهر من مظاهر التكريم، ثم إنها انتقلت بعد ذلك إلى بلاد الشام عن طريق التجار.

ومع مرور الوقت، أصبح طبق الكنافة من أشهى الحلويات الرمضانية حتى انتقل إلى جميع الدول العربية ليصبح جزءا من التراث والموروثات العربية، حتى إن كل بلد ابتدعت طريقة خاصة فى تقديمها.. كما ظهرت الكنافة الشرقية بأنواع مختلفة، سواء الكنافة التقليدية بالعسل، أو المحشوة بالشيكولاته أو الكريمة أو المكسرات وكنافة المانجو والفواكه المختلفة.

  الخيامية لوحة فنية بالإبرة والخيط

وعلى ميعادنا كل يوم طوال شهر رمضان الفضيل فى شارع الغورية أمام باب زويلة، لنلتقى أمهر الصناع والحرفيين.. فنانو صنعة الخيامية وورش المشغولات اليدوية الرمضانية المبهجة التى تملأ الشارع على الجانبين وتخطف أنظار الزوار رغم بساطة المكان.

تعد سوق الخيامية من أشهر الأسواق المصرية واكتسبت اسمها نسبة لاسم الأقمشة التى تصنع منها كسوة الكعبة حتى ستينيات القرن الماضى، وكانت تلك الكسوة تصنع من الحرير المصبوغ باللون الأسود المطرز بخيوط الذهب والفضة. 

عناصر فنية فى تصميمات الخيامية تخطف الأنظار وتشع بالبهجة والجمال والذوق الرفيع حيث يمتزج فيها الفن الإسلامى والقبطى والرومانى والفرعونى كما هناك تصميمات تستند إلى الحكايات والأساطير الشعبية مثل حكاية جحا وابنه وحماره، أو بعض الآيات القرآنية والخط العربى أو فنانين وراقصين من التصميمات الفرعونية وزخارف مستوحاة من العمارة الإسلامية.

فى كتاب «فن الخيامية» للباحث خالد محمد عبدالمجيد الصادر يروى أن المصريين القدماء هم أول من عرف هذا النوع من القماش فى عصر بناة الأهرام، حين كان ذلك القماش يستخدم مظلة لرئيس العمال. 

كما ورد فى كتاب «المومياوات الملكية»، أن هناك سرادقا من الجلد تم اكتشافه فى الأسرة الـ21 وهو من القطع النادرة المصنوعة بطريقة الخيامية أو إضافة قماش على قماش، كما عثر على بعض ملابس الفراعنة الموجودة فى خبيئة الدير البحرى والتى كانت مطرزة بنفس طريقة الخيامية وهى إضافة شرائط وأحزمة منقوشة للرداء مثل رداء توت عنخ آمون الموجود بالمتحف المصرى.

أما بداية صنع الخيامية فى مصر الإسلامية،فقد كانت فى العصرين الفاطمى والمملوكى، حيث كان شارع باب زويلة يغلق ليلا ويفتح نهارا، ويسمح للتجار بالدخول لمزاولة أعمالهم من بيع وشراء، وكان لدى هؤلاء التجار خيام يستخدمونها أثناء سفرهم وترحالهم وكانوا يعملون على ترميمها وتصليحها فى تلك المنطقة، ولأن كل تاجر كان يفضل أن تكون خيمته مختلفة عن باقى الخيام بدأ صناع الخيامية فى ارتجال تصميمات مستوحاة من الحياة والمناطق المحيطة بهم ومن هنا بدأت مهنة الخيامية ونقوشها المصرية التراثية.

وجود الخيامية يعد من أشهر طقوس شهر رمضان المبارك؛ حيث يستخدم باعة الفوانيس والياميش قماش الخيامية لصنع الخيام الكبيرة التى يبيعون فيها منتجاتهم المختلفة، لذا نجد شوارع القاهرة القديمة تمتلئ بتلك الخيام، ومع مرور الوقت أصبح ارتباط الخيامية برمضان بصريا فى أذهان الناس وصنعت منه مفارش وزينات لرمضان حتى أصبح تقليدا مصريا أصيلا وفى كل بيت نرى ألوانها المبهجة لتعلن عن فرحتنا بقدوم شهر الخير والبركات.