الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أوكرانيا صراع مستمر مع دخول العملية العسكرية عامها الثالث مراحل تطور الأزمة الروسية - الأوكرانية "1"

مع حلول المناسبات والأعياد الدينية المختلفة، تتمنى كل طائفة حلول السلام للاحتفال بطقوسهم الخاصة فى هدوء وفرح.. ولكن، على أرض الواقع، تأتى المناسبات بما لا تشتهى الأنفس، حيث تشتعل الصراعات فى نقاط مختلفة حول العالم، ومن بينها تواصل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، التى دخلت عامها الثالث منذ أيام. .يأتى شهر رمضان الكريم، بينما يعيش الجانبان الروسى والأوكرانى ـ اللذان يحظيان على نسبة مسلمة بين سكانهما- فى حالة من التوتر، لعدم وجود حل سياسى يلوح فى الأفق لتلك الأزمة، التى لا تزال تداعياتها تؤثر على جميع أنحاء العالم..وعليه، تواصل مجلة «روزاليوسف» -عبر صفحاتها- متابعة آخر تطورات العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» أسبوع تلو الآخر طوال شهر رمضان الكريم؛ كما ستطرق لعدد من القضايا المهمة التى فرضت نفسها على الساحة خلال عامين من اندلاع الأزمة (الروسية-الأوكرانية)، ومنها: صمود «كييف» عبر الدعم الغربى اللا محدود طوال الفترة الماضية أمام «موسكو»؛ مدى تأثير حرب العقوبات الغربية – بقيادة «الولايات المتحدة»- على الاقتصاد الروسى؛ وأبرز أدوات الحرب الحديثة، التى ظهرت خلال المواجهات الروسية الأوكرانية؛ وصولًا لتأثير الأزمة على الأمن الغذائى لـ«روسيا»، و«أوكرنيا»، وتداعياتها على العالم..ولكن، قبل البدء فى هذه القضايا المهمة، التى أثرت -بصورة مباشرة وغير مباشرة- على أغلب دول العالم، يجب التطرق إلى مراحل تطور الحرب الميدانية بين الجانبين، بداية من اليوم الأول للعملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»، والتى بدأت فى 24 فبراير 2022، وصولًا إلى ما يعرف ـ حاليًا - بـ(حرب المسيرات)، لمعرفة أبرز المراحل الفارقة فى تغيير وتطور المشهد على الساحة الروسية الأوكرانية.



 

تدخل العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» عامها الثالث، فى ظل عدم وجود حل سياسى يلوح فى الأفق لتلك الأزمة، التى تؤثر تداعياتها على كل أنحاء العالم. يأتى ذلك فى ظل تواصل التقارير اليومية لوزارتى الدفاع الروسية والأوكرانية التى تشير لاستهداف كل منهما مواقع الآخر، وتؤكد اشتعال المزيد من مناطق الصراع بصورة محتدمة، فى مواجهات أدت إلى مقتل أكثر من 10 آلاف مدنى وإصابة ما يقرب من 20 ألفًا آخرين، لكلا الجانبين معًا. ورغم الخسائر البشرية والمادية المتواصلة، لم تتوقف آلة الحرب بين الطرفين حتى يومنا هذا. ويذكر أن الأزمة الروسية الأوكرانية تطورت ومرت بعدة مراحل فارقة بين الجانبين منذ اشتعالها فى فبراير 2022، بفعل عدد من العوامل الداخلية والخارجية التى طرأت على الأحداث.

 

بدأت الأزمة فى الـ24 من فبراير 2022، عندما أعلنت «روسيا» إطلاق عملية عسكرية فى «أوكرانيا»، نفذت ـ خلالها- القوات الروسية عدة هجمات صاروخية ومدفعية على المدن الكبرى فى جميع أنحاء «أوكرانيا»، وسيطرت على منطقة «خيرسون»؛ بينما فشلت فى السيطرة على العاصمة «كييف»، لتعيد فى نهاية مارس بنفس العام نشر قواتها باتجاه منطقة «دونباس»، وتحديدًا منطقتى «دونيتسك»، و«لوهانسك»؛ كما حاصر الجيش الروسى مدينة «ماريوبل»؛ بينما أتاحت السيطرة الروسية على الميناء الاستراتيجى فى بحر «آزوف» خلق استمرارية لموسكو فى تلك الأراضى.

دفعت النجاحات الروسية المتتالية خلال تلك الفترة، لتحرك أوروبى على عدة جوانب، بدءًا من فتح دول «الاتحاد الأوروبى» و«بريطانيا» أبوابها أمام مئات الآلاف من اللاجئين الذين تدفقوا من «أوكرانيا»؛ وصولًا إلى إعلان أوروبى بدعم لا محدود لأوكرانيا» فى مواجهة «روسيا»، وفرضها -طوال عامين- أكثر من 10 حزم من العقوبات، جاء أولها مباشرة بعد بدء العملية العسكرية الروسية، وشملت –حينها- وقف المعاملات مع البنك المركزى الروسى، وحظر الاستثمارات الجديدة، وتجميد أصول القادة السياسيين ورجال الأعمال الروس، وغير ذلك، بهدف ردع «روسيا» عن مواصلة عمليتها العسكرية.

ومع ذلك، ترددت أصداء موجات الصدمة، الناجمة عن العملية العسكرية الروسية فى جميع أنحاء العالم، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية والطاقة، وما تلى ذلك من ارتفاع مستويات التضخم بنسب غير مسبوقة، ما تسبب فى أزمات عالمية لأغلب دول العالم، وبدأت أولى المخاوف الواضحة بشأن تكاليف المعيشة فى الدول الغربية، فى حين أصبح الأمن الغذائى مصدر قلق فى مساحات شاسعة من دول العالم.

مع حلول يوليو 2022، ازداد التقدم الروسى فى الشرق الأوكرانى ليسيطر على آخر مدينة فى منطقة «لوهانسك»؛ بينما ركزت القوات الأوكرانية المحاصرة على الدفاع عن «دونيتسك»، حيث أصبحت منطقة «دونباس» -هى منطقة صناعية فى شرق الأراضى الأوكرانى- موقعًا لأكبر معركة فى «أوروبا» منذ أجيال.

 

وتزامن ذلك مع وصول نسب التضخم فى الدول الأوروبية لمستويات غير مسبوقة، خاصة مع بدء «روسيا» بإغلاق خطوط أنابيب الغاز (نورد ستريم) بشكل دورى فى محاولة لزيادة الضغط على «أوروبا»، ما دفع الزعماء الأوروبيون للشعور بالفزع بشأن إمكانية توفير الطاقة قبيل فصل الشتاء 2022، خاصة مع إقدام «روسيا» فى 31 أغسطس من نفس العام على إيقاف جميع صادرات الغاز إلى «أوروبا»، بحجة أعمال الصيانة على خط أنابيب (نورد ستريم 1)، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة الأوروبية على الفور.

وفى 30 سبتمبر 2022، أعلنت «روسيا» رسميًا ضم كل من مناطق «دونيتسك، ولوهانسك، وخيرسون، وزابوريجيا» بعد السيطرة عليها، حيث قال -حينها- الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، إن: «المناطق التى تم ضمها، ستكون جزءًا من «روسيا» إلى الأبد». 

ومع حلول يناير 2023، دخلت الأزمة الروسية الأوكرانية مرحلة جديدة مع موافقة «ألمانيا» على تزويد «أوكرانيا» بدبابات من طراز (ليوبارد-2)، مما مهد الطريق أمام «الولايات المتحدة» ودول حلف شمال الأطلسى (ناتو) الآخرين أن تحذو حذوها. 

وظل الغرب يدعم «أوكرانيا» بكل الأسلحة والإمدادات المختلفة التى ترد بها على الهجمات الروسية، شريطة عدم استخدامها داخل الأراضى الروسية، وهى خطوة وصفتها «موسكو» بأنها «استفزاز صارخ». 

وبعدها بأسابيع، أعلنت القوات الأوكرانية إطلاق هجوم مضاد واسع، بهدف استعادة السيطرة على «خيرسون»، وغيرها من الأراضى الأوكرانية، وهو الهجوم الذى أقرت «كييف» بأنه لم يحقق أهدافه، إلا أنه أرغم القوات الروسية على إعادة الانتشار من الشرق نحو الجنوب الأوكرانى. 

وخلال تلك الفترة، واصلت حدة الاتهامات المتبادلة ارتفاعها بين الجانبين، بشأن بقصف متعدد استهدف محطة الطاقة النووية فى «زابوريجيا» الأكبر فى «أوروبا»، والتى سيطرت عليها القوات الروسية خلال عمليتها العسكرية. 

واحتدم القتال المرير بين الجانبين -أيضًا- فى مدينة «باخموت»، خاصة مع تسلم «أوكرانيا» أول دفعة من الدبابات الغربية الثقيلة خلال تلك الفترة، مثل دبابات (تشالنجر) البريطانية، و(ليوبارد) الألمانية، إلى جانب وصول طائرات مقاتلة بولندية، وغيرها من دعم عسكرى غربى. 

وفى هذه الأثتاء، بدأ اسم قوات (فاجنر) الروسية بقيادة «يفجينى بريجوجين» فى الظهور للضوء بوضوح، خاصة مع النجاحات التى بدأت فى تحقيقها داخل الأراضى الأوكرانية.

أما يونيو 2023، فشهد أحداثًا دراماتيكية فى المشهد الروسى الأوكرانى، ومنها: انفجار سد «خيرسون»، وتمرد مجموعة «فاجنر» الروسية.

 

فكان انفجار سد «نوفا كاخوفكا»، الذى يعود إلى الحقبة السوفيتية فى جنوب «أوكرانيا» فاجعة أدت لمقتل العشرات، وإغراق مساحة شاسعة من الأراضى، ما أجبر «أوكرانيا» على تغيير خططها الهجومية المضادة.. وألقى ـ حينها- الرئيس الأوكرانى «فلوديمير زيلينسكى» باللوم على «روسيا»؛ بينما نفت «موسكو» تورطها فى ذلك.

 

أما تمرد «فاجنر» على القيادة الروسية، فكان حدثا لفت أنظار العالم فى ذهول تام، فى قصة درامية استمرت لنحو 36 ساعة، وانتهت بعد توسط الرئيس البيلاروسى «ألكسندر لوكاشينكو» فى التوصل إلى اتفاق بين القيادة الروسية وقائد (فاجنر)، حيث أقنع «لوكاشينكو»، «بريجوجين» بمنع قواته من الذهاب إلى العاصمة الروسية، كما أقنع «بوتين» بالسماح لقائد (فاجنر) وقواته بالعيش فى «بيلاروسيا».

ما لبث أن مرت هذه الأحداث الدراماتيكية، حتى دخلت الأزمة الروسية الأوكرانية مرحلة أخرى، تجلت فيما سُمى على نطاق واسع بـ(حرب المسيرات)، التى صارت المشهد السائد حتى الآن فى المواجهات الروسية الأوكرانية. 

فلا يمر يوم دون إعلان كلا الطرفين عن شن هجمات وصد أخرى بالطائرات دون طيار، وهى أداة الحرب الحديثة التى غيرت شكل المواجهات بين الطرفين.

ورغم تكبد «أوكرانيا» خسائر كبيرة بسبب هجمات عشرات المسيرات الروسية يوميًا، إلا أن «موسكو» اتجهت ـ أيضًا- لتعزيز قدراتها الدفاعية على طول المناطق الحدودية المحاذية لخطوط التماس، فى مواجهة المسيرات القادمة من الجانب الأوكرانى، والتى باتت تستهدف بشكل شبه يومى المدن القريبة من الحدود بين البلدين، بل وفى بعض الأحيان يمتد نطاق ضرباتها ليشمل مناطق داخل العمق الروسى.

فى النهاية.. أظهر التسلسل الزمنى لتطور الأحداث كيف تغير مشهد الأزمة الروسية الأوكرانية بوتيرة سريعة نظرًا للعوامل الداخلية والخارجية التى أثرت –ولا تزال- على الجانبين بصورة كبيرة.. ومع دخول العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا عامها الثالث لا يزال التشبث بالحرب كأداة لتحقيق الأهداف بين الطرفين هو سيد المشهد.