الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من السياسة إلى العمالة وصولا للمرتزقة والحرب بالوكالة .. لماذا تدعم الهند إسرائيل؟

ما بين الماضى والحاضر تبدلت السياسة الهندية تجاه القضية الفلسطينية من النقيض إلى النقيض وتحول دعم نيودلهى لشعب يموت تحت الاحتلال إلى دعم للاحتلال نفسه، دعم لم يكتف بأبعاد سياسية واقتصادية بل وعسكرية أيضا فكيف حدث هذا؟ ولماذا؟ ففى عام 1947 صوتت الهند ضد تقسيم فلسطين فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بـمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا وشرعيا للشعب الفلسطينى فى 1974، كما كانت من أولى الدول التى اعترفت بدولة فلسطين فى 1988 ورغم أن الهند اعترفت بإسرائيل فى 1950، فإنها لم تقم أى علاقات دبلوماسية معها حتى 1992.



 

لكن على خلاف كل ما سبق، سارعت الهند إلى تقديم دعم سياسى سريع وكبير لإسرائيل بمجرد تنفيذ عملية طوفان الأقصى التى شنتها حماس فى السابع من أكتوبر الماضى. وبعد ساعات فقط كان رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى من أوائل زعماء العالم الذين أدانوا هذا الهجوم، وهو موقف تبناه كذلك وزير خارجيته سوبرامانيام جايشانكار زاعما أن الهند قد تواجه المصير نفسه بسبب كشمير إذا لم تقف فى وجه التطرف وفقا لقوله. وتماشيا مع موقف الدعم غير المشروط لإسرائيل امتنعت الهند عن التصويت لصالح وقف إنسانى لإطلاق النار فى غزة فى الأمم المتحدة فى 27 أكتوبر الماضى.

وقد انعكس هذا التأييد الهندى على موقف القوميين الهندوس المتطرفين الذين شنوا حملة لنشر معلومات مضللة على مواقع التواصل حول ما يحدث فى قطاع غزة لصالح الرواية الإسرائيلية وفقا لما كشفه تقرير لموقع «ذا ديبلومات» وذلك بهدف الترويج لخطابات معادية للإسلام تستهدف الأقلية الهندية المسلمة. كما سمحت السلطات الهندية بالتظاهرات الداعمة لإسرائيل فى مختلف أنحاء البلاد فى مقابل قمع الاحتجاجات الداعمة للفلسطينيين. ورغم اشتداد الحرب، مع ما يمثله ذلك من خطر على حياتهم فإن أعداد العمالة الهندية التى تتجه إلى إسرائيل فى ازدياد خاصة فى قطاع البناء بعد أن تسببت الحرب فى رحيل آلاف العمال الآسيويين، وتعبئة كثير من جنود الاحتياط الإسرائيليين، وإلغاء تصاريح العمل لأكثر من 130 ألف عامل فلسطينى. ويشير رئيس مركز لكناو للتدريب الصناعى راج كومار ياداف إلى أن مكاتب التوظيف الإسرائيلية تبحث الآن عن 10 آلاف عامل بناء على الأقل برواتب شهرية تصل إلى 140 ألف روبية أى حوالى 1688 دولارًا، مشيرا إلى أن هذا البرنامج يحظى بدعم السلطات الهندية. 

 

والمثير فى هذه العملية أن خبراء إسرائيليين يشرفون على الاختبارات فى الهند ويختارون المرشحين حسب القائم بأعمال السفارة الهندية فى تل أبيب. ومن الهند، كتبت وزيرة النقل الإسرائيلى ميرى ريجيف على منصة إكس الأسبوع الماضى أن إسرائيل تريد تخفيف اعتمادها على العمالة الفلسطينية. وقبلها بشهر، حث نتنياهو نظيره الهندى على تطبيق اتفاق 2023 الذى يسهل توظيف 40 ألف هندى فى قطاعى البناء والتمريض. وفى ديسمبر الماضى أعلنت ولايتان هنديتان هما هريانا وأوتار براديش فتح 10 آلاف وظيفة أمام بعض التخصصات، فى حملة روج لها على نطاق واسع فى قنوات موالية للحكومة، وتحدث كثير منها عن يد العون التى على الهند مدها للحليف الإسرائيلى. لكن الأهم فى هذه الحملة كان التصريح بأن الهنود المسلمين عليهم ألا يكلفوا أنفسهم عناء التقدم إلى المناصب المعلن عنها، مما يعنى أنه سيجرى استبعادهم. وفى السياق، قالت صحيفة جلوبز الإسرائيلية المتخصصة فى الاقتصاد إن دفعة تقدر بألف عامل من الهند وصلت مؤخرا كتجربة فى طليعة الموجة الأولى من خطة لجلب ما لا يقل عن 65 ألف عامل.

وهنا يؤكد رئيس تحرير صحيفة ملى جازيت الهندية ظفر الإسلام خان، أن هناك حوالى 215 هنديا يقاتلون مع الجيش الإسرائيلى وفقا لتقارير نشرتها الصحافة الهندية. ويوضح خان أن الصور التى تنشرها إسرائيل تظهر أن هؤلاء الهنود من شمالى شرق الهند الذين ادعوا أنهم من قبيلة بنى منشيه اليهودية البائدة وقد تهود آلاف منهم وهاجروا إلى إسرائيل فى السنوات الأخيرة.

ويهود بنى منشيه يقدر عدد أفراد مجتمعهم فى الهند حوالى 10 آلاف و500 شخص، وهم يعدون أنفسهم من نسل منشيه إحدى القبائل العشر التى طردت من فلسطين منذ أكثر من 2700 عام على يد الآشوريين.

 

ويقول آساف وهو أحد أبناء القبيلة إن أبناء منشيه في ولايتى ميزورام ومانيبور يعقدون جلسات صلاة خاصة على ضوء الشموع فى معابدهم اليهودية كل ليلة من أجل الحماية الإلهية لأولئك الموجودين فى إسرائيل.

والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هو ما الذى تغير؟ ولمحاولة فهم أسباب التغير الكبير فى السياسة الهندية تجاه فلسطين فإن أغلب التحليلات تشير إلى عاملين أساسيين، هما أولا صعود القومية الهندوسية، ويقول أشوك سوين رئيس قسم أبحاث السلام والصراع فى جامعة أوبسالا فى السويد إن القومية الهندوسية آخذة فى التنامى منذ وصل مودى إلى الحكم، رغم اعتقاد الباحث أن غالبية الهنود ما زالوا يدعمون النضال الفلسطينى من أجل الاستقلال. كما أن وسائل الإعلام الهندية تتأثر إلى حد كبير بالحكومة القومية الهندوسية ولذلك فإنها تميل إلى تبنى خطاب أكثر عدائية تجاه فلسطين. وثانيا العداء للإسلام ويشير أشوك سوين إلى أن حكومة ناريندرا مودى تعتقد أنه طالما استمرت الحرب فى غزة فسيوجه اهتمام وسائل الإعلام نحو إدانة حماس وهى فرصة لزيادة تأجيج الإسلاموفوبيا داخل المجتمع الهندى. 

 

أما الصحفية والباحثة البارزة والمقيمة فى دلهى باميلا فيليبوز فتوصلت إلى أن الحكومة الهندية تعتقد أنها يمكن أن تستفيد من تصوير حماس ممثلة للإرهاب الإسلامى ودعمها لإسرائيل جزء من توجهها السياسى المناهض للإسلام. ويرى سوين قواسم مشتركة كبيرة بين الصهيونية والقومية الهندوسية، فكلا الأيديولوجيتين تشتركان فى أن أهدافهما توسعية وإقصائية. وتصف كلا الحركتين الهند وإسرائيل بأنهما كانتا فى الأصل حضارتين هندوسية ويهودية على التوالى ولكنهما لوثتا من الغرباء وعلى وجه التحديد المسلمين، ويتلخص طموحهما الآن فى إعادتهما إلى مجدهما السابق كونهما دولتين هندوسية ويهودية على التوالى. وفى هذا السياق تشير صحيفة لوموند الفرنسية إلى أن بعض المتطرفين الهندوس أبدوا استعدادهم لحمل السلاح إلى جانب الإسرائيليين. وأعلن سفير إسرائيل بالهند ناؤور جيلون بفخر أنه قادر على تشكيل جيش من المتطوعين الهنود. وهكذا كان الدين والقومية والعدو المشترك فضلا عن الاقتصاد والشعبوية أسبابا فى تحويل بوصلة الهند تجاه قضية شاركت طويلا فى مناصرتها.

وحاليا، ملايين الهنود يحلمون بالظفر بتأشيرة عمل فى إسرائيل بفضل التحالف الوثيق بين رئيس حكومتهم ناريندرا مودى ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، لكن على حساب القوت اليومى لعشرات آلاف العمال الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل من سوق العمل. هذا الجانب تناولته صحيفة هآرتس العبرية فى تحقيق وقالت أنه وأمام جامعة ماهارشى داياناند فى ولاية هارينا غرب نيودلهى ينتظر عامل البناء فينود دانجى 41 عاما دوره للخضوع لاختبار مهارة. ورغم البرد القارس يصطف مئات تتراوح أعمارهم بين 24 و46 عاما فى طوابير طويلة يلوحون بسيرهم الذاتية وكلهم يأملون فى الفوز بتأشيرة عمل فى إسرائيل.

 

وكانت إسرائيل حظرت دخول 100 ألف عامل فلسطينى إليها فى أعقاب عملية طوفان الأقصى ولتعويض الفجوة بدأت تستجلب اليد العاملة من الهند أساسا ومن عدة دول أخرى وبفضل التحالف الوثيق بين نتنياهو وحكومة مودى كان هناك اتفاق لتسهيل توظيف الهنود.

لم نغادر إلى بلد فى حالة حرب لو كنا وجدنا عملا هنا؟ إننا نخاطر بأنفسنا مخاطرة كبيرة هكذا قال نجار يقف فى الطابور اسمه نارندرا كومار لكن المخاطرة تستحق العناء لأنها ستحول هؤلاء إلى أثرياء حقيقيين بمقاييس الهند، فدانجى الذى يعيش على مرتب لا يتجاوز 360 دولارا بالكاد يكفيه وزوجته وأطفاله الثلاثة وأباه يحلم منذ سنوات بوظيفة فى إسرائيل. وتقول زوجته مينا إنهما سيستطيعان إن ظفر بالوظيفة التخطيط لزواج ابنتهما وربما لشراء بيت. سنويا، يهاجر عشرات الآلاف من الهنود إلى أوروبا لتحسين وضعهم الاقتصادى كثير منهم دون تعليم أو مهارات أو حتى تكوين. وقد أتاحت الحروب فى السنوات الأخيرة فرص عمل فى الخارج للكثير من الهنود وبينها الحرب على غزة وقبلها الحرب الأوكرانية حيث أعلنت روسيا خطة لاستجلاب اليد العاملة الأجنبية لكن بمرتبات تقل عن إسرائيل. وليس فى الهند إجماع على الموضوع، حيث يقول عضو الغرفة العليا فى البرلمان جيرام رامش ألا تسخف المبادرة الادعاء القائل إن اقتصادنا مزدهر ويفتح باب التوظيف للناس! وقد رفضت نقابات هذه الخطة حيث قالت الأمينة العامة للمؤتمر النقابى لعموم الهند أمارجيت كاور: لن نسمح بإرسال عمالنا إلى مناطق الحروب.وتخشى النقابات أيضا استغلال العمال المهاجرين فى إسرائيل بسبب ما تصفه بعملية توظيف متسرعة تتجاهل إجراءات الحماية اللازمة وهى اتهامات سخفها وزير الخارجية راندير جايسوال الذى أكد صرامة قوانين العمل الإسرائيلية. وهناك أيضا معايير السلامة المتدنية نسبيا فى إسرائيل، خاصة فى قطاع البناء حيث تقل مرتين إلى مرتين ونصف عنها فى الاتحاد الأوروبى وفقا لمنظمة إسرائيلية تعنى بالدفاع عن العمال المستضعفين، بالإضافة إلى أن مفتشى العمل لا يزورون مواقع الإنشاءات إلا مرة كل 3 سنوات للتحقق من هذه المقاييس. أما حزب المؤتمر الوطنى المعارض فاعتبر هذا الاتفاق استثمارا فى مأساة الشعب الفلسطينى، وقال القيادى بالحزب والوزير السابق مانى شانكر آيار إن إسرائيل ترتكب حرب إبادة فى قطاع غزة وهذه أسوأ طريقة لكسب المال.