الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حب واحد لملك «الريجى»: بوب مارلى.. الأساطير لا تتكرر مرتين

الابتعاد عن ضجيج الحياة اليومية، رغبةَ فى الاسترخاء قليلًا، أو سعيًا لاستجماع بعض مشاعر الحماسة والحب والأمل، مزاج أبدع فيه ملك موسيقى «ريجى» الذى لم يضاهه أحد، إذ استطاع أن يدخل المرء فى عالمه الخاص، الذى تميزت فيه صوت قيثارته، وألحانه المختلفة، وكلماته التى ليس لها مثيل، إنه ببساطة «بوب مارلى».



 

نجاح الراحل «مارلى» وصل ذروته لدرجة جعلت من موسيقاه أمرًا متوارثًا لأجيال، فيما وصل صداها لجميع بقاع الأرض.. فرغم رحيله إلا أن ألحانه المميزة أبقته على قيد الحياة، فمن لا يعرف أشهر جملة قيلت فى أغانيه حتى الآن، وهى: (No, Woman.. No Cry). 

فى ظل موجة أفلام السير الذاتية عن حياة الفنانين والمشاهير، التى بدأت تتصدر شاشات العرض الكبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، كانت الفرصة ذهبية ليتم عرض فيلم السيرة الذاتية لملك الريجى، بعد أن استغرق البحث عمن يلعب دور «بوب مارلى» أكثر من 30 عاما؛ بينما لم ينجح «مارتن سكورسيزى، وأوليفر ستون» من بين مخرجين آخرين فى صنع وإخراج هذا الفيلم إلى النور لسنوات طويلة.

 «حب واحد».. فى عيد الحب

وفى يوم (عيد الحب) 14 فبراير 2024، أضاءت شاشات العرض الكبيرة فى الولايات المتحدة بفيلم (Bob Marley: One Love)، أو (بوب مارلى: حب واحد)، هو فيلم درامى موسيقى أمريكى عن السيرة الذاتية لـ«مارلى» منذ صعوده إلى الشهرة حتى وفاته فى عام 1981، بعد أن انتظر هذا الفيلم عشاق الموسيقى فى جميع أنحاء العالم بفارغ الصبر.

الفيلم، هو أول تصوير سينمائى على الإطلاق لحياة «بوب مارلى» الذى ولد فى «جامايكا» فى عام 1945، وتوفى بسبب مرض السرطان عام 1981 عن عمر يناهز 36 عاما، وموسيقاه، ذاك الأيقونة التى ألهمت الأجيال من خلال رسالته عن الحب والوحدة، والتى تظهر على الشاشة الكبيرة لأول مرة، حيث يُظهر رحلته عبر الشدائد وولادة موسيقاه الثورية.

ومع بدء العرض، ينتقل المشاهدون إلى عالم «مارلى» الابن لأم تبلغ من العمر 18 عامًا وأب بريطانى أبيض أكبر سنًا بكثير ولا علاقة له بابنه، ينشأ كصبى فى فقر، حيث ينام فى كثير من الأحيان على الأرض الباردة؛ ويتبع المشاهدون أبرز التحديات التى واجهها «مارلى»، والانتصارات التى حققها؛ من بداياته المتواضعة فى «جامايكا» إلى أن أصبح إحساسًا موسيقيًا عالميًا، يتردد صدى رسالة الحب والوحدة فى جميع أنحاء العالم بموسيقته المثيرة للروح.

كما يصور الفيلم الوضع الداخلى لدولة «جامايكا» فى هذا الوقت، التى هى عبارة عن فوضى مزقتها الحرب، حيث تتقاتل الأحزاب السياسية المتنافسة، وزعماء العصابات من أجل النفوذ، حتى أن «بوب مارلى» لم يستطع عزل نفسه عن العنف، إذ يروى الفيلم -أيضًا- المحاولة الفاشلة لقتل «مارلى» فى منزله فى «كينجستون»، عندما اقتحم 7 مسلحين منزله، حينما كان يتدرب مع فرقته، وأصيبت ـ وقتها- زوجته «ريتا مارلى» برصاصة فى رأسها، بينما أصابت الرصاصة ذراع «بوب».. وبأعجوبة، نجا كلاهما؛ وهو الحادث الذى دفع أسطورة الريجى إلى مضاعفة مهمته لتوحيد أمة مقسمة بالموسيقى الثورية.

وتسلط القصة الضوء على أن الاضطراب فى «جامايكا» يلقى بثقله على «مارلى» طوال الفيلم، إذ تظهر صور الحقول المشتعلة بشكل متكرر انعكاسًا لذكرياته، على الرغم من أن معظم أحداث الفيلم تدور أحداثها فى أوروبا، إلا أن الجزء الحقيقى من الفيلم، هو «مارلى» المنشغل بمحنة مواطنيه، وآخرين فى مواقف مماثلة حول العالم؛ وهو ما دفعه ليؤكد مرارًا أن «الموسيقى والرسالة هما نفس الشىء».

 صناعة سيرة «مارلى»

الفيلم الذى بدأ تصويره فى ديسمبر 2022 فى لندن وجامايكا، وانتهى فى أبريل 2023، من إخراج «رينالدو ماركوس جرين»؛ ومن إنتاج زوجته «ريتا مارلى» وأولادهما «زيجى، وسيديلا»، حيث تأمل عائلة «بوب مارلى» أن يساعد الفيلم الجديد عن سيرة المغنى الشهير بألحانه الجذابة وكلماته الروحية والاجتماعية فى إحياء إرثه.

وقال «زيجى مارلى» إنه تم صنع الفيلم بشكل أساسى، من أجل إعادة نشر رسالته بشكل أكبر؛ مؤكدًا -أثناء حضوره العرض الأول للفيلم فى لندن قبل عرضه على شاشات العرض الكبيرة فى الولايات المتحدة- أن الفيلم يهدف للوصول إلى جيل آخر موضحًا أن «حب واحد» هو موضوع «بوب مارلى» ورسالته.

كان «زيجى» قال -فى وقت سابق- إن الجمهور سيشهد تصويرًا حميمًا لحياة والده، فى رحلة ملهمة للتغلب على الشدائد، وإنشاء موسيقاه الثورية؛ معتبرًا أنها فرصة نادرة للتعرف على عبقرية «بوب مارلى» الإبداعية.

يذكر أن عنوان الفيلم (حب واحد)، مأخوذ عن واحدة من أشهر أغانى «بوب مارلى» بنفس الاسم، كان يهدف فيها لتوحيد المنقسمين عبر الحب.

يقوم الممثلان البريطانيان «كينجسلى بن أدير»، و«لاشانا لينش» بتجسيد دورى «بوب، وريتا مارلى». يذكر أنه تم اختيار «كينجسلى» للعب دور «بوب» فى فبراير 2022، فى آخر فرصة للبحث المكثف عمن يجسد الدور.

 شخصية لا تتكرر مرتين

رغم استحواذ بطل الفيلم «كينجسلى» على اهتمام النقاد فى أداء دور «بوب مارلى»، جراء إحساسه الذى برز فى الفيلم، إلا أن النقاد اتفقوا أن «مارلى» لا يزال يصعب تقليده حيث إنه فريد لدرجة ميزته بصورة يصعب تكرارها.

يذكر أن «كينجسلى» أقر بنفسه هذا الأمر، رغم استماعه إلى موسيقاه وخطبه لفترة طويلة لينغمس فى الشخصية، مسلطًا الضوء على أهمية اللغة والمهارات الموسيقية فى تصويره، إذ قال الشاب البالغ من العمر 37 عامًا: «بالنسبة لى، كان تجسيد «بوب مارلى» أمرًا شاقًا.. لا يمكن للمرء تقليده أو تصميم رقصاته، لأنه ببساطة عفوى للغاية. لذلك، عندما سنحت الفرصة لأول مرة، رفضها. كان الثقل والمخاطرة أكبر من اللازم. إنه عبء ثقيل ودور خطير للغاية».

ومع ذلك، أعرب «كينجسلى» عن مدى التحول الذى أحدثه الدور بالنسبة له، على المستويين المهنى والشخصي؛ موضحًا أن عملية الإعداد والتصوير سمحت له بالتواصل بعمق مع موسيقى «مارلى» وتراثه، مما قدم له منظورًا فريدًا حول تأثير الأيقونة فى بلده «جامايكا»، وحول العالم. 

وعليه، لم يكن من المستغرب أن يعلق الناقد السينمائى الأمريكى «جيك كويل» إنه من الأمور التى يصعب مسامحتها فى الفيلم هى العروض الموسيقية الباهتة التى كانت تتخللها طوال الوقت، نظرًا لقوة عروض «بوب مارلى» وشخصيته على المسرح؛ مضيفًا أن هذا يوضح سر عدم غناء «كينجسلى» أغانى «مارلى» إنما اعتمد على تسجيلاته؛ معتبرًا أن هذا كان أمرا جيدا.

من جانبه، اعتبر الناقد السينمائى والكاتب بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكى، «مايكل أوسوليفان» أن الفيلم نافذة ضيقة على حياة نجم موسيقى الريجى الراحل؛ معلقًا أن البطل «كينجسلى» افتقر بعض الأشياء رغم قيامه بعمل جيد فى محاولة تجسيد شخصية «مارلى» الساحرة؛ موضحًا أنه من بين الأشياء المفتقرة، هو ما وصفه بشكل «كينجسلى» كنجم سينمائى خارج من صالة الألعاب الرياضية، بحيث لا يمكن تصديقه تمامًا فى شكل «مارلى» الهزيل والممزق قليلًا.

أما الناقد «ينيث مرفيلد» فرأى صعوبة معرفة أى عناصر حياة بطل الرواية مهمة، وأيها مجرد أحداث عابرة للمشاهدين؛ بينما اعتبر الناقد «إى.جيه مورينو» أنه كان من الممكن أن تؤدى إعادة صياغة السيناريو إلى رفع الفيلم إلى مستويات عالية جديدة؛ فيما قالت الناقدة «كارلا هاى» إن أحداث الفيلم تتناوب بين الجيد والسيئ، ما أسفر عن نتيجة نهائية، هى سيرة ذاتية مخيبة للآمال لقصة حياة أسطورة الموسيقى، واصفة الفيلم بأنه «يبدو كالشعر المستعار المزيف الذى يشتت الانتباه». 

ورغم عدم انبهار النقاد، إلا أن فيلم (Bob Marley: One Love) تفوق على فيلم (Madame Web) فى أولى أيام عرضه بإجمالى متوقع يتراوح بين 30 مليون إلى 35 مليون دولار، مقارنة بإيرادات الفيلم الآخر الذى يتراوح بين 20 مليونا إلى 25 مليون دولار.

فى النهاية، يبدو أن النقاد اتفقوا على أن قصة حياة «بوب مارلى» أكبر من المعروضة، رغم بذل طاقم العمل قصارى جهدهم الواضح، إلا أن «بوب مارلى»، وشخصيته، وألحانه، وطبيعة حياته يبدو أنها كانت أقوى من أن تعاد للحياة مرة أخرى.

فعلى الورق، تعد حياة «بوب مارلى» خصبة بالنسبة لصانعى الأفلام، إلا أنه مع اكتشاف التناقضات التى ميزت حياة «مارلى»، يغوص صانعوه فى دوامة كبيرة، بين كونه المناضل السياسى، والمغنى الغارق فى أحداث فى «جامايكا» بسياستها، وفقرها، وصدماتها، رغم أنه عاش فى «لندن».. وهو رب الأسرة الذى يعتمد على زوجته «ريتا»، ولكنه ليس مخلصًا لها على الإطلاق إذ لديه أطفال من نساء أخريات.. كما يعد –أيضًا- «رستفارى» متدينًا يتمسك بدينه عبر الماريجوانا، وهى القضية التى أثير حولها اعتقاد خاطئ بأنه مدمن، ويحب تدخين الماريجوانا لمزاجه الشخصى، ولكن فى الحقيقة هى من عادات ديانة الرستفارية. 

وعليه، يبدو الفيلم كحياة صاحبة المليئة بالتناقضات، لأنه رغم عدم رضاء النقاد إلا أنه حقق- فى المقابل- إيرادات واسعة فى أولى أيام عرضه. 

ولعل أبرز وصف للفيلم ذلك الذى قاله أحد النقاد بأنه: الفيلم الذى قدم بطله باعتباره شهيدًا معيبًا، لكنه حسن النية للوحدة الجامايكية والسلام العالمى، يشعر بالتسامح المملوء بالماريجوانا.