الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عندما قابلت سقراط وأفلاطون

عندما قابلت سقراط وأفلاطون

قالت ليزا: هل تعلم أن DHL شركة ألمانية؟ هكذا ونحن نمضى بين الطرقات العتيقة والأجواء الباردة لمدينة لم تأخذ من ماضيها إلا كل جميل وذى معنى، أثينا المدينة التى جمعتنى بتلك الجميلة الألمانية، التى كانت تفتخر بكل ما هو ألمانى وامتهنت التاريخ تخصصًا حتى أصبح بالنسبة لها طريقة حياة وأسلوب تفكير ونمط تعلّم لا يتوقف مهما تغيرت الأماكن وتبدلت الأجواء.



ما يدهشك فى تلك المدينة التى ظهرت بين جنباتها البذرات الأولى للتفكير البشرى والكلمات الأولى للمنطق الإنسانى واللحظات الأولى للتجلى الذى أوصلنا كبشر لفهم أجزاء كبيرة من دواخلنا المعقدة وخوارجنا المركبة من مواد لا نفقه ثلاثة أرباعها إلا من خلال ما ورثناه من مفكرين بحجم أمّة وأبناء وطن بحجم حضارة لا تضاهيها إلا تلك الحضارات التى ولِدت ووَلد معها التاريخ.

عندما تزور الأكروبوليس تكتشف أن الأطلال لا توقف الزمان، بل تعيده للحياة فتشعر بأن التاريخ له صوت وله صورة وشكل، وأن تلك السطور التى أخذتك فيها كتب التاريخ برحلاتها الخيالية أصبحت فى لحظة واقعًا حقيقيًا معاشًا، وأنك فى تلك اللحظة التى تقف فيها على رأس التلة المطلة على المدينة العتيقة تستطيع أن تنعم بنعمة استراق السمع فتتمكن من سماع عبارات الحكمة التى ما زالت تطوف فى الأجواء منذ آلاف السنين، حيث كانت عنوانًا للأكاديمية التى درس بها ودرس فيها عظماء هذه الحضارة، تسمعها بكل أحاسيسها وتجلياتها التى تظهر لك كأنها فى لحظات ولادتها الأولى.

قابلت أخيرًا، وبعد طول انتظار، سقراط وأفلاطون، اللذين كانا فى استقبالى وليزا عند مدخل جامعة أثينا، وقفا هناك يحدقان فى الزمان الذى نحن فيه يحاولان الدخول فى عقولنا التى ربما حاولت هى بدورها أن تحاكى شيئا مما قاما به هما فى الماضى، ولكن دون نجاح، فى ذلك المدخل، وحيث المتكأ كان الموعد غير المرتقب وغير المخطط مع عاصفة فكرية مع ليزا حول أسباب انهيار الأمة الإسلامية بعد أن كانت على القمة، لماذا انهارت أمتكم؟ سألتنى، وقد كانت تحكم العالم بالعلم قبل السيف وقد كانت السبب الذى أبقى فلاسفة اليونان بأفكارهم النيرة حية حتى الآن؟ لماذا تنازلتم عن مركز الريادة والقيادة وأصبحتم اليوم أمة لا وصف لها؟، لم أشعر أنى أتخيل عندما أحسست فعليا بأن تمثالى سقراط وأفلاطون اللذين وقفا شامخين بجانبنا يلتفتان نحوى وهما ينتظران سماع دفاعى أو تبريرى أو ربما هروبى من تلك الحقيقة التى أطلقها عقل ليزا المحلل للتاريخ والفاهم له.

كان جوابى شبيهًا بتلك الردود النمطية المبرمجة، جلها شعارات وعبارات حفظناها ورددناها دون وعى، فيها ما هو مضحك لحد البكاء وفيها ما هو مبكٍ لحد الضحك وفيها ما لا يحمل أى معنى أو منطق، وقليل منه قد يلامس الجرح ويثبت بأننا فقدنا المكان لأننا لم نكن أهلاً له بكل بساطة.

فى منطقة بلاكا تشعر بأن بيروت تجسدت أمامك أو قل تكتشف أن بيروت خلقت من رحم بلاكا، حيث المقاهى تفترش الطرقات والنساء الجميلات يتجولن بكامل البهاء والرجال يمارسون بعض الذكورية التقليدية فى الاستكشاف واللعب بتلك المسبحة الهجين مابين الـ(روزارى المسيحى) و(المسبحة الإسلامية)، أما فى موناستيراكى حيث المساء فيتحول إلى احتفالية بوهيمية من صخب المراقص واستعراض الفحولة والأنوثة بكل شفافيتها، تستقبلك الجميلات بالابتسامات والرجال بالتحيات وتبقى الأصوات والأنغام حية حتى يلامس عبقها حدود الصباح.