الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد الاثنين الأسود كيف أصبح نتنياهو «خير» عدو لإسرائيل؟

«حققنا إنجازات كبيرة رغم الثمَن الباهظ فى قطاع غزة».. بهذه العبارة جاء أول تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بعد وفاة نحو 21 جنديًا إسرائيليًا فى منطقة خان يونس فى أكبر حصيلة ضحايا للعدو منذ بداية الحرب على غزة.



هذه العملية لم تكن القشة الوحيدة التى وضعت نتنياهو أمام عاصفة انتقاد وغضب سواء من داخل حكومته أو فى شوارع الأراضى المحتلة؛ خصوصًا أنه واصل عدم تحمله للمسئولية عن أخطائه التى وقعت طوال الفترة الماضية، فيما يزيد خصومه السياسيون، وبعض حلفائه فى الداخل والخارج، تصعيد ضغوطهم عليه.

 

نتنياهو بدأ يتعامل مع أزماته فى الداخل أو مع حلفائه؛ وبخاصة الولايات المتحدة التى شهدت الفترة الماضية توترات غير مسبوقة بينه وبين الرئيس چو بايدن، فضلًا عن فشل عملياته العسكرية فى غزة، بصورة شخصية يحاول فقط الهروب من المسئولية والفرار من الحساب والمحاكمة بكل الطرُق والسُبُل، فهو يعلم أن اليوم الذى يعلن فيه الهزيمة أو الاعتراف بالخطأ سيكون آخر أيام مشواره السياسى، فأصبح نتنياهو هو العدو الأكبر الآن لشعبه، وحكومته، وحلفائه.. والنهاية قادمة لا محال..

خطة الهجوم

عقب اندلاع عملية «طوفان الأقصى» سأل أحد الصحفيين نتنياهو عن ما إذا كان يتحمل مسئولية الفشل الذى وقع فى السابع فى أكتوبر الماضى، أجاب بأنه يحارب حركة حماس بينما الصحفيون يحاربونه.

ورغم خبرته الطويلة فى التلاعب السياسى؛ فإن صحيفة «يديعون آحرونوت»، تقول إن نتنياهو يواجه «عاصفة بعد مطالبة مراقب الدولة العام، ماتنياهو إنچلمان، كل القادة العسكريين والأمنيين الإسرائيليين تزويده بمعلومات ووثائق سرية فى إطار تحقيق يجريه حول أحداث السابع من أكتوبر، وما قبلها لتحديد المسئول عن الإخفاق الإسرائيلى..

ووفقًا للتقرير فقد بدأ بعض أعضاء حزب الليكود والائتلاف الحاكم هجومًا على نتنياهو، بما فى ذلك وزير الأمن القومى المتطرف إيتمار بن جفير الذى انتقد طريقة إدارة الحرب، والموافقة على دخول الأدوية لقطاع غزة دون فحصها.

لكن الهجوم الأشد جاء من مجلس الحرب؛ حيث قال عضو المجلس رئيس الأركان السابق جادى أيزينكوت، إن نتنياهو هو المسئول الأول عن كل ما حدث فى السابع من أكتوبر الماضى.

فى الوقت نفسه، يواجه نتنياهو اتهامات من ذوى الأسْرَى الإسرائيليين بعرقلة جهود إطلاق سراح ذويهم لكى يظل متربعًا على كرسى الحُكم.

كما تزايد شعور الولايات المتحدة بالإحباط من رئيس الوزراء، وأصبحوا يعتقدون أنه يدير الحرب وفق مصالحه الشخصية، وبات وقع كلامهم أشد مضاضة عليه.

من جهة أخرى، ومنذ أيام أعلنت حكومة الاحتلال فى تقرير لها عن عدد الخسائر التى وقعت لقوات الجيش منذ عملية «طوفان الأقصى»، التى وصلت إلى وفاة 200 جندى إسرائيلى وفق ما أعلنه متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى، إن «عدد الجنود الذين قُتلوا فى غزة منذ 27 أكتوبر بلغ 200 جندى»، فى المقابل نشرت صحيفة «فورين بولسى» الأمريكية، أن تقارير الحكومة الإسرائيلية «غير دقيق» وأن أعداد قتلى جيش الاحتلال تقدر بأكثر من ذلك بكثير.

الهجوم على حكومة نتنياهو فى الجرائد الأمريكية عكس مدى انقسام الغرب على حرب غزة تحديدًا؛ وبخاصة بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى مؤتمر صحفى عند سؤاله حول قطاع غزة والذى أكد أن الولايات المتحدة تدعم أن تبقى غزة تحت السيطرة الفلسطينية ولا يتم احتلالها.. فى هذا التوقيت خرج نتنياهو فى مؤتمر صحفى ردًا على تصريحات بلينكن معلنًا أن قوات الاحتلال لن تخرج من غزة، وهو الأمر الذى يؤكد مدى الخلاف الواضح بين نتنياهو وبايدن.

 الخروج إلى العلن

وفى السياق نفسه، أكدت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن رقعة الانقسامات ودائرة الخلافات داخل القيادة العسكرية الإسرائيلية، بات يتسع نطاقها وظهرت إلى العلن بعدما دعا رئيس الأركان السابق جادى آيزنكوت لإجراء انتخابات وقال إن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لم تكن صادقة مع الإسرائيليين بشأن أحداث غزة.

وأفادت الصحيفة، أن آيزنكوت رفض، خلال مقابلة تليفزيونية أجراها مؤخرًا، القول إنه يثق برئيس الوزراء نتنياهو، الأمر الذى يعكس انقسامًا آخذًا فى الاتساع داخل إسرائيل حول مسائل حاسمة مثل كيفية تأمين عودة المحتجزين لدى حركة حماس والتخطيط لما بعد الحرب.

وأضاف آيزنكوت، وهو وزير وسطى ومراقب فى حكومة الحرب التى أنشأتها إسرائيل، فى المقابلة: «من الضرورى، فى غضون أشهر قليلة، إعادة الناخب الإسرائيلى إلى صناديق الاقتراع وإجراء انتخابات من أجل تجديد الثقة لأنه فى الوقت الحالى لا توجد ثقة».

وفضلاً عن ترديد دعوة المعارضة لإجراء انتخابات مبكرة، أضاف آيزنكوت، فى المقابلة التى بُثت عبر التليفزيون الإسرائيلى، السبت الماضى، أنه «يجب أن نقول بشجاعة إنه من المستحيل إعادة الرهائن أحياء فى المستقبل القريب دون اتفاق مع حماس». وقال إن إسرائيل يجب أن تفكر فى وقف القتال لفترة كبيرة من الوقت كجزء من اتفاق أوسع من هذا القبيل».

وبحسب «فاينانشيال تايمز»، فإن كلمات آيزنكوت تتناقض بشكل حاد مع كلمات نتنياهو، الذى تعهد فى مؤتمر صحفى عقده فى وقت متأخر من يوم الخميس بأنه «سيواصل القتال بكل قوة حتى النصر الكامل على حماس».

اتفقت عدد من التقارير الإسرائيلية، على أن هناك حالة من الانقسام الكبير داخل المجتمع الاسرائيلى، فضلاً عن رغبة قوية فى الإطاحة بحكومة نتنياهو.

ارحل

ومن جهة أخرى، يواجه نتنياهو موجة غضب شعبية غير مسبوقة لرئيس وزراء، وحذرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، من تزايُد موجات الغضب ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى، معتبرة أن غضب الإسرائيليين من حكومة نتنياهو المنفرجة والفاسدة على وشك الغليان.

وقالت الصحيفة إن ما بين التظاهرات من قبل ذوى المحتجزين لدى حماس والانقسامات السياسية داخل حكومة الحرب، هناك حالة من الغضب داخل إسرائيل.

وقالت الصحيفة، إن إسرائيل تحتاج إلى انتخابات مبكرة- قبل فوات الأوان- لا سيما وقد اقتحم أفراد عائلات المحتجزين اجتماعًا للجنة المالية فى الكنيست وحاول رجال الشرطة، صدهم بالقوة، لكنهم لم يتمكنوا من إيقاف موجة الحزن التى تدفقت إلى الغرفة. 

وقال المتظاهرون خلال اقتحام الكنيست: «اخرجوا من بيوتكم، انهضوا من سُباتكم، انهضوا من مخاوفكم! أنا رونى، فقدت أخًا فى 7 أكتوبر، ولن أستسلم. لن أستسلم حتى يتم طرد الحكومة بأكملها».. وقال متظاهر آخر، وهو نادى شاشار مور، ابن شقيق الرهينة أبراهام موندر: «حلوا الحكومة الآن»!.

وقالت الصحيفة إن هذه الهتافات مثل الحمم البركانية المغليّة، تغلى تحت السطح قبل لحظة من ثوران هائل، ويتزايد الغضب المطلق تدريجيًا فى ضوء الانفصال غير المفهوم والحصانة بين أعضاء الائتلاف الحاكم.

ونوّهت رواتب الوزراء تبلغ نحو 53 ألف شيكل (14 ألف دولار) شهريًا، فى حين أن الشركات تتعثر، والعمال يفقدون وظائفهم، ويجد جنود الاحتياط صعوبة فى شراء الطعام لأطفالهم.

واقع اقتصادى قاتم

أمّا على الجانب الاقتصادى؛ فيرى خبراء أن إسرائيل على شفه منحدر غاية فى الخطورة، وتواجه مستقبلاً قاتمًا فى ظل استمرار الحرب على قطاع غزة؛ حيث وصلت خسائر إسرائيل المباشرة أو غير المباشرة إلى نحو 165 مليار دولار منذ بداية العدوان على غزة.

كما أوضحت صحيفة «فورين بولسى»، أن ما يتم إعلانه من قِبَل حكومة الاحتلال حول الخسائر الواقعة على إسرائيل؛ وبخاصة العسكرية يُعتبر جزءًا بسيطا وليس الحقيقة كاملة، فالكلفة التشغيلية لهذه الحرب وصلت إلى 280 مليون دولار يوميًا، أى ما يعادل 28 مليار دولار فى 100 يوم الأولى من المعركة، فضلًا عن تكلفة الآليات العسكرية التى أعلنت المقاومة عن تدميرها، والتى تزيد على ألف مدرعة ودبابة.. وهذه خسائر عسكرية لم يعلن الاحتلال عنها حتى الآن.

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن خسائر إسرائيل تتمركز فى عدة نقاط منها، إفراغ قطاعات عديدة من العمالة الإسرائيلية؛ ليصبحوا جنودًا احتياط فى الجيش الإسرائيلى، وعددهم يزيد على 300 ألف من الموظفين العاملين فى مختلف القطاعات الحيوية، أهمها قطاع التكنولوچيا الذى يزود إسرائيل بنصف صادراته، وهذا القطاع لحقت به خسائر تفوق 20 مليار دولار.

كذلك الاستثمارات الخارجية أصبحت معطلة نتيجة الحرب على غزة، مما تسبب بخسائر كبيرة، وصلت 15 مليار دولار، وهو ما يحتاج لوقت طويل للتعافى، فضلًا عن توقف عَجلة القطاع السياحى الذى تضرّر- بحسب ما هو معلن- بنسبة 75%، وهذا القطاع كان يدر قرابة 20 مليار دولار على الخزينة الإسرائيلية سنويًا.

وإيواء وتعويض العائلات المهجرة نتيجة الحرب بغلاف غزة، وفى المناطق الحدودية الشمالية مع لبنان، والذين يقدر عددهم بمليون مستوطن، يعيشون حاليًا بـ 280 فندقًا، وهذا ما يحتاج مبالغ طائلة لا تقل عن 10 مليارات دولار، وتعويضهم عن خسائرهم التجارية والصناعية التى لحقت بهم جراء الحرب.

وأضافت الصحيفة: إن إسرائيل على ما يبدو، لم تخطط بأن تمتد حربها على قطاع غزة لما يزيد على 100 يوم؛ لأن الاحتلال تكبّد خسائر فادحة على المستوى الاقتصادى بسبب الحرب، ودخل فى مأزق حقيقى نتيجة ارتفاع الديون التى يحتاجها للإنفاق على العمليات العسكرية، فضلًا عن معاناته من العجز الحاد فى الموازنة بالنظر لانخفاض الإيرادات، مما يعنى أن تصنيفه الائتمانى تراجع من مستقر إلى سلبى، مع توقعات بأن يواجه عجزًا حكوميًا بـ5.3 % خلال عامى 2023 و2024؛ نظرًا إلى الإنفاق الدّفاعى الكبير الذى تفرضه الحرب، كما أن الأضرار الاقتصادية والعسكرية والتكنولوچية التى تكبدها الاحتلال خلال 100 يوم الماضية تجاوزت 100 مليار دولار، وكلما زادت الحرب زادت نسبة الخسارة.

وكان كبير اقتصاديى وزارة المالية بإسرائيل شموئيل أبرامسون، توقّع أن ينكمش الاقتصاد 1.5 % إذا استمرت الحرب على غزة إلى نهاية السنة الحالية، وذلك بعد أن كان يتوقع نموًا بنسبة 2.7% لسنة 2024 قبل بدء الحرب، وفق تقرير نقلته صحيفة «جلوبز» الإسرائيلية الاقتصادية.

 المطرقة والسندان

فى صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية نشرت مقالاً للكاتب الصحفى بن درور بعنوان: «خيار نتنياهو: إمّا المصلحة السياسية وإمّا المصلحة الوطنية»؛ حيث أوضحت أن نتنياهو أمام خيارين للخروج من مازقه؛ إمّا الامتثال للواقع والخروج منهزمًا من الحرب، وهو يعنى نهايته سياسيًا، أو الاستمرار لإنقاذ نفسه.

ويعتبر حل الدولتين أزمة لنتنياهو، وهو المطلب الذى أصبح أكثر إلحاحًا حاليًا لوقف نزيف إسرائيل.. ويوضح التقرير أن هناك عددًا من الأسئلة تشير إلى تخوف الإسرائيليين من إقامة دولة فلسطينية واعتقادهم بأن «أغلبية الفلسطينيين تنحاز إلى حماس»، وكيف يمكن للإسرائيليين «دعم حل الدولتين عندما يكون من الواضح مسبقًا أنها (الدولة) سوف تقع بسرعة تحت سيطرة حماس؟».. وكيف يدعمون كيانًا يعدونه..  وفى ضوء هذه الأسئلة يتعجب الكاتب من ضغط چو بايدن على نتنياهو للموافقة على «حل الدولتين»؟ ويوضح بن درور، إن طرح الاقتراح لا يعنى تنفيذه «غدًا أو بعد عام»، كما أن الفلسطينيين رفضوا من قبل- كما يقول- عدة مقترحات أخرى، ولا يتوقع أن يوافقوا فجأة.

ويضيف الكاتب الإسرائيلى، اليمينى، إن «الولايات المتحدة لا تحتاج إلى دولة فلسطينية، لكنها تحتاج إلى موافقة إسرائيلية على قيام دولة فلسطينية لتسهيل التقدم السعودى نحو الصفقة المطروحة على الطاولة».. مضيفًا إن «حل «الدولتين» فى الولايات المتحدة، حتى فى حالة عدم قيام دولة فلسطينية، «يُعد نهجًا صهيونيًا».

أمّا «الكتلة المناهضة للصهيونية» فتؤيد «دولة واحدة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن». وما تفعله «الكتلة المناهضة للصهيونية من اليمين، التى لا تقتصر على بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن جفير، هو أنها تنفذ تلك الرؤية الرهيبة للدولة الواحدة».

كما أن وقوف نتنياهو فى وجه الحكومة الأمريكية فى هذه المسألة لا يتمتع بالحنكة؛ بل سيفضى إلى فوضى سياسية. إذ إن هناك دعوات فى مجلس الشيوخ الأمريكى إلى «ربط المساعدات المقدمة لإسرائيل بتقرير يوضح بالتفصيل حمايتها لحقوق الإنسان، وربط دعم بعض أعضاء المجلس للاتفاق مع السعودية بموافقة إسرائيل على حل الدولتين».

وثمّة تقارير، وفق بن درور، تفيد بأن «حتى أصدقاء إسرائيل شعروا بالصدمة من رفض نتنياهو إظهار المرونة تجاه الفلسطينيين».

وفى ختام مقاله، يتساءل الكاتب الإسرائيلى: «هل سيتصرف نتنياهو وفقًا للمصالح الاستراتيچية المشتركة لإسرائيل والولايات المتحدة، أمْ أنه سيتبع رؤية الدولة الواحدة بقيادة سموتريش وبن جفير؟ ولا يتوقع «أن يقدم نتنياهو إجابة واضحة»، مضيفًا خشيته من أن يؤدى استرضاء نتنياهو لكتلة اليمين «وهى مصلحة سياسية ضيقة» إلى «طغيانها على المصالح الوطنية لإسرائيل».