الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

(3 ساعات متواصلة) لـ«روبى».. ومحاكم التفتيش!

فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادى، انتشرت فى أوروبا «سلطة قضائية استثنائية» تُعرف «بمحاكم التفتيش»، هذه السلطة كانت تدعى محاربة «الهرطقة» بتهم فضفاضة، وكان غالبًا، كل الذين يتم اتهامهم من قبل هذه السلطة، لا ينجون، ويحكم عليهم بأقصى العقوبة، بشكل غير عادل!



 

ومع اختلاف طرق الاتهام، وطريقة التعامل، فما حدث مع «روبى» والكاتب والملحن «عزيز الشافعى» بعد إصدار أغنية (3 ساعات متواصلة)، يشبه نفس «المنهج» الذى كان يحدث فى أوروبا، بالتفتيش فى نوايا الناس واتهامهم بعبارات فضفاضة وواسعة دون أى دليل من أى نوع.

وفى هذا الصدد سأتحدث عن تجربة شخصية متعلقة بصلب الموضوع، فبعد صدور الأغنية بساعات قليلة، بدأ العديد من زملائى الصحفيين، بالاتصال بى، للتعليق على هذا العمل الفنى، وتكاد تكون نفس الأسئلة مكررة مع كل الزملاء، مثل: «ما رأيك فيما حملته الأغنية من معانٍ جنسية؟»، «هل ستتخذ نقابة المهن الموسيقية موقفًا قويًا بمنع الأغنية للحفاظ على قيم الذوق العام؟»، وما إلى ذلك من الأسئلة «الموجهة» التى تريد أن تسمع إجابات محددة تدعو إلى المصادرة والمنع.

والأمر نفسه تكرر عندما تمت استضافتى فى برنامج مع ناقد زميل، وعندما أبديت رأيى بإعجابى بالعمل، قيل لى من المذيعة والضيف الزميل «لا داعى لذكر أسمائهم»، عبارات من نوعية «أترضاه لأختك، أترضاه لوالدتك»، وبدلًا من أن يتم التعامل مع الإصدار الفنى بالأدوات النقدية، من نقاش وتحليل، تحول الأمر لأحكام أخلاقية، والتفتيش فى نوايا الصناع!

الذين رفعوا شعارات التديُّن والأخلاق حكموا على «عزيز الشافعى» و«روبى» بسبب المقطع الذى يقول: «تعالى نفصل فاصلة 3 ساعات متواصلة، أول ساعة هروقك، تانى ساعه هشوقك، تالت ساعه هدوقك»، وادعوا أن هذه العبارات تحمل إشارات جنسية، ولا يخجلون من أنفسهم بأنهم قاموا بالاجتزاء واقتطاع المعنى من سياقه، مع أن باقى المقطع يقول: «تالت ساعة هدوقك إزاى قلبى بيعشقك»، ومن هنا المفترض أن يغلق الباب، لأن النص واضح لا يحتاج إلى أى تأويل من أى نوع.

نفس الذين يرفعون شعارات التدين والأخلاق، يدعون صناع الأغنية المعاصرين دائما إلى محاكاة الفترة الزمنية التى يطلق عليها «زمن الفن الجميل»، مع أن ما يقدم حاليًا، وفقًا لمعاييرهم الأخلاقية، لا يقارن بأى شكل من الأشكال مع ما كان يقدم فى الماضى.

على سبيل المثال لا الحصر، «أم كلثوم» تحمل لوحدها عددًا لابأس به من الأغانى، التى تحمل إيحاءات «جنسية»، وفقًا لمعايير هؤلاء، مثل «الخلاعة والدلاعة مذهبى من زمان»، من كلمات «يونس القاضى» الذى كتب النشيد الوطنى المصرى، وفى (الأطلال) تقول من كلمات «إبراهيم ناجى»: «لست أنساك وقـد أغريتنـى بفمٍ عذب المناداة رقيق.. ويدٍ تمتد نحـوى كـيـدٍ من خلال الموج مدّت لغريق»، وفى رباعيات الخيام تقول «أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب» وهنا حديث صريح عن القبلة، وقالت أيضًا من كلمات «محمود بيرم التونسى»، «قل لى ولا تخشاشى ملام حلال القبلة ولا حرام؟».

وليست «أم كلثوم» وحدها، بل «سيد درويش» و«يونس القاضى» أيضا صنعا أغنية تقول كلماتها «وأنا مالى هى اللى قالتلى روح اسكر وتعالى عل البهلى»، و«منيرة المهدية» غنت وقالت  لنفس الكاتب ولكن هذه المرة من ألحان «القصبجى»: «انسى اللى فات وتعالا بات.. مستنظراك ليلة التلات بعد العشا»، و«سيد مكاوى» أعاد تقديم أغنية (بهية المحلاوى) وغنى قائلا: «لابس جبة وقفطان وعاملى بتاع نسوان»، و«صالح عبد الحى» هو الآخر قال: «جننتينى يابت يا بيضة وجبتى النبيذ الأحمر وسكرتينى».

قطعًا لست ضد هذه النوعية من الأغانى، بالعكس، أنا مع الغناء عن كل ما يخص حياتنا، حتى لو سنقوم بتقديم أغانٍ جنسية، وليست أغانى يفسرها البعض بأنها تحمل إيحاءات، لأن الجنس ليس عيبًا، وهو سبب تواجدنا فى الحياه، ولكن المشكلة الرئيسية تكمن فى ثقافة الاجتزاء، والادعاء بأن هناك زمنًا بعينه ملائكيًا، ومحاولة شيطنة صناع الأغنية الحالية، والمطالبة المستمرة بالوصايا الأخلاقية والدينية والمصادرة على حق المبدعين فى التعبير عن ما يرونه مناسبًا بكل حرية.

والأهم من كل ذلك، هو الارتباط الذهنى لدى الأغلبية بأن نقابة المهن الموسيقية أصبحت جهة تقييم ومصادرة ومنع بدلًا من أن تقوم بدورها الرئيسى بحماية الفنانين من الهجمات الممنهجة، والوقوف ضد محاولات طمس حرية الرأى والتعبير، وهذا هو الواقع السيئ الذى نعيش فيه حاليًا!