الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عامان على رحيله وائل الإبراشى.. الباحث عن الحقيقة

تتفق أو تختلف حول أسلوبه وطريقة تناوله للقضايا.. لكنه يبقى علامة بارزة ومميزة فى عالم الصحافة والتليفزيون بشكل أو بآخر.. إنه ابن مدرسة «روزاليوسف» الصحفية.. وائل الإبراشى الذى يحمل يوم 9 يناير هذا العام الذكرى الثانية لوفاته.



ولأنه شخص غير عادى.. فالكتابة عنه واجبة.. لنتذكر سويًا سيرته ومعاركه التى خاضها منذ اليوم الأول لدخوله عالم صاحبة الجلالة وحتى وفاته (التى لم تكن عادية وصاحبها ضجيج كثير).

كرة القدم والصحافة

ولد يوم 26 أكتوبر عام 1963، بمركز شربين بمحافظة الدقهلية، وعرف بتفوقه الدراسى منذ الصغر وعشقه الشديد لكرة القدم، وكان يلقبه أصدقاؤه بلقب بيبو، ولازمه ذلك التفوق فى حياته المهنية، حيث بدأ حياته المهنية بالعمل فى الصحافة، وتحديدا بمؤسسة روز اليوسف عام 1985، ثم عمل فى جريدة صوت الأمة، وبعد ذلك انتقل إلى العمل فى تقديم البرامج وكان شديد الحرص على تناول القضايا الإنسانية والوقوف بجانب المحتاجين.

وشارك وائل الإبراشى، فى تقدّم عدد من البرامج التليفزيونية، التى حقق من خلالها نجاحًا جماهيريًا كبيرًا فى العالم العربى، وكان من أبرز مُذيعى برامج التوك شو فى مصر، ومن أبرز برامجه العاشرة مساءً، برنامج الحقيقة، برنامج كل يوم، وأخيرًا برنامج التاسعة المذاع عبر القناة الأولى بالتليفزيون المصرى، والتى كانت آخر محطة تليفزيونية له قبل أن يرحل عن دنيانا. وعانى وائل الإبراشى قبل وفاته كثيرًا، بعد إصابته بفيروس كورونا، حيث تحدث الإبراشى خلال مداخلة هاتفية فى برنامج التاسعة، الذى يقدمه الإعلامى يوسف الحسينى، عبر شاشة قناة مصر الأولى، وتعد تلك آخر مداخلة له قبل تدهور حالته الصحية ووفاته.

فيروس كورونا

وقال وائل الإبراشى، خلال المداخلة: أتعامل مع فيروس كورونا، كأنه عدو غامض، والخطر بيكون فى حاجتين نقص الأكسجين والتهاب بالرئتين.. استكمل وائل الإبراشى: حاطط الدوا قدامى زى الكوتشينة، والمرض خلانى أحس إن تذوق طعامى صعب، وبقيت أتعامل مع الأكل بطريقة مختلفة على أساس إنه جزء من الدواء.

وتدهورت الحالة الصحية للإعلامى الراحل وائل الإبراشى، وعاش فترة طويلة من الصراع مع المرض، حيث أصيب من سرطان الحنجرة، وقبل وفاة وائل الإبراشى بـ4 ساعات حرص على نعى المستشارة الراحلة تهانى الجبالى، وذلك عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، وكتب وائل الإبراشى عبر صفحته: «إنا لله وإنا إليه راجعون، توفيت منذ قليل المستشارة تهانى الجبالى»، لتأتى جنازة وائل الإبراشى بعد ساعات من جنازة تهانى الجبالى.

المعارك الصحفية

وما بين الميلاد والوفاة زخم كبير من المعارك الصحفية والإعلامية التى قام بها الإبراشى جعلته فى صفوف الأبرز على مستوى مهنة « البحث عن المتاعب»، فقد بزغ نجمه الأول، وتحديدًا فى شتاء 1992، بحوار مع الفريق سعد الدين الشاذلى، على صفحات مجلة «روزاليوسف» ليعلن ميلاد صحفى دءوب لم يعرف الخطوط الحمراء، وسيصبح بعد سنوات أستاذًا من أساتذة المهنة فى مصر والعالم العربى.. حوارات وانفرادات متتالية جعلت الكاتب الصحفى عادل حمودة يصفه بـ«الموهوب فى الضربات الصحفية المميزة». كان الكثير من القضايا يشغل الرأى العام خلال السنوات الماضية، فحقق وائل الإبراشى سبقا صحفيا فى هذه القضايا، ومنها قضية «غرق عبارة السلام، ولوسى أرتين»، وأيضا الكثير من القضايا المتميزة الذى كان وائل الإبراشى يطرحها ومنها أيضا «مذبحة بنى مزار، أسباب اغتيال السادات، ومقتل المجند سليمان خاطر، ومعاناة مرضى الإيدز فى مصر، وتفجير كنيسة القديسين، وتحقيقات اللاجئين فى الجولان، ومبادلة الجاسوس جبرائيل بـ25 سجينا مصريا».. كما أثار قضية التعذيب فى السجون، بل تعرض للكثير من الاتهامات تصل إلى 66 قضية، فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ولكنه حصل على البراءة، وذلك بعد ثورة 25 يناير.

مدرسة صحفية

وقال عنه الاعلامى إبراهيم عيسى (زميله لسنوات فى روزاليوسف) قال الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى، إن الراحل وائل الإبراشى كان يقدم تحقيقا صحفيًا فى كل حلقاته، فى الوقت الذى يلجأ فيه البعض إلى التقارير الصحفية، فهو واحد من أبرز أستاذة مدرسة التحقيق الصحفى المصرى.

وأضاف «عيسى» أن وائل الإبراشى خاض عدة معارك فى مواجهة المتطرفين والإرهابيين، وكان يقدم الأرقام والإحصائيات للجمهور بشكل بسيط وشديد الجاذبية.

وأكد أن وائل الإبراشى كان لديه القدرة على التحول بالتحقيق من المطبوع الورقى إلى شاشة التليفزيون، مضيفا أنه كان مخلصا للمهنة، ولم يشارك فى مشروعات أخرى حتى لو سبيل التنويع، سواء أعمال درامية أو أدبية أو سينمائية، لكنه بدأ صحافى وقضى أيامه كلها وحياته صحافى بإخلاص شديد لهذه المهنة واعتزاز بها للغاية، وأضاف أن مشروع وائل الإبراشى لا بد أن يقدم فى كتب، لأنه صنع العديد من التحقيقات الصحفية التى يمكن تقديمها لشباب الصحفيين والزملاء الإعلاميين، خاصة أنه قدم قضايا أثرت فى الرأى العام.

المستوى الإنسانى

وقد قال الكاتب والطبيب والإعلامى خالد منتصر إن وائل الإبراشى أفضل محقق صحفى فى جيله على المستوى المهنى، وأكثرهم تصالحًا مع نفسه على المستوى الإنسانى، اقتربت منه وأنا أخطو خطواتى الأولى فى عالم الكتابة الصحفية فى «روزاليوسف» عندما فتح عادل حمودة أبواب النجاح والانطلاق لجيل شاب يحتل الآن معظم مواقع القيادة فى الجرائد والمجلات المصرية، وجدت شابًا هادئًا متأملًا، صمته أكثر وأبلغ من كلامه، لا يميل للثرثرة، من الممكن للوهلة الأولى أن تصفه بالكسل.

وأضاف منتصر فى مقال خاص عن وائل الإبراشي: «لكن تحت هذا القناع الهادئ الأليف الوديع يسكن بركان صحفى هادر يباغتك بالحمم والسبق والانفرادات والخبطات الصحفية من حيث لا تدرى ولا تتوقع، وقضية لوسى آرتين ليست بالبعيدة عن الأذهان حين هز عروش الكبار وخاض حقول الألغام، وبات رأسه مطلوبًا من الشرق والغرب، كان يستقبل ردود فعل هذه التحقيقات الصحفية المتفردة المتمردة دون غرور أو نرجسية، بل كان يستقبلها وهو يعد ويخطط لتحقيق صحفى أكثر تميزًا، فهو سريعًا ما يطوى الصفحة ليرسم أخرى بإبداع أكثر ومهنية أرقى وحرفية أذكى وأمهر».

البحث عن الحقيقة

وأوضح الدكتور خالد منتصر: «المصداقية من خلال الوثائق كانت أهم ما يميز «وائل»، يصبر كصياد السمك حتى تصله الوثائق والمستندات، لا يغريه السبق ولا يسيل لعابه للفرقعة والإثارة بل يفضل أن يقدم الطبخة الصحفية مسبكة وغير مسلوقة، حتى إن لم يهضمها كبار المسؤولين، عملت معه فى جريدة «صوت الأمة» وتركتها حين تركها، وأشهد أنه لم يشطب كلمة واحدة مما أكتب بل كان يتركنى، قائلًا: «إنت رئيس تحرير صفحتك»، حتى العناوين الجانبية كنت أقوم بصياغتها وهى غالبًا مهمة التحرير، ورطته بمقالاتى فى معارك كثيرة وقفنا بسببها أمام القضاء، ولكنه دومًا كان يقابل هذه المطاردات والبلاغات بابتسامته المعهودة المختلطة بلغة الراء المحببة إلى أذنى حين يقول «ضيعتنا يا دكتوغ»!!.

وأضاف: «نقل وائل الإبراشى التحقيق الصحفى الساخن الموثق إلى التليفزيون مع هالة سرحان أولًا، ثم تألق حين انفرد به مذيعًا ومعدًا فى برنامجه المميز «الحقيقة»، الذى نجح فى أن يجتذب الجمهور بالجهد الصادق غير المغرض للبحث عن الحقيقة المجردة وليست الحقيقة الملونة المبهجة كما يريدها المسئول، وأيضًا ليست الحقيقة المداعبة المتمناة المهيجة المثيرة كما يريدها رجل الشارع، وإنما الحقيقة كما هى دون رتوش أو ماكياج».

وقال منتصر: «نجح وائل الإبراشى فى برنامجه على قناة «دريم» بأن يصبح متفردًا لا يقلد أحدًا، ليس شبه برنامج آخر، قضاياه دائمًا طازجة وتناولها مختلف بالرغم من أنه برنامج مسجل وليس على الهواء، يتميز بلقطاته الذكية وعينه الراصدة المتوقعة التى يستحق عليها لقب أفضل مخبر صحفى، ولكن دون بالطو أصفر صوف وعصا وجورنال مخروم!.

كبار الأساتذة

وقد حكت الكاتبة والإعلامية العراقية لينا مظلوم أحد أهم أصدقاء وزملاء الإعلامى الراحل وائل الإبراشى عن مروءته وشهامته طيلة حياته المهنية منذ بدايتها.. وقالت مظلوم: أشعر بجرح عميق لفقدان الأخ والزميل الذى لا يعوض ولا تعوض شهامته ومروءته، وأتذكر يوم دخلنا سويا وفى نفس اليوم مدرسة روزاليوسف الصحفية عام 1985، وكم كانت الرحلة التى قضيناها سويا ممتعة مهنيا مع جيل كامل من الصحفيين المهرة ننهل من علم الأساتذة الكبار.

وقالت: «فى بدايتنا كانت أسعد الصدف ملازمة مكتبى لمكتب الصديق والزميل وائل الإبراشى، حيث تنازلت أستاذتنا الكاتبة الكبيرة مديحة عزت عن مكتبها لوائل وتنازل الأستاذ عاصم حنفى عن مكتبه لى وكان المكتبان متقابلين، وجمعتنا أحلى أوقات العمل والصداقة والحياة الأسرية فقد كان شهمًا عطوفًا حنونًا وصاحب كاريزما خاصة تجمعنا كلنا حوله، فقد كان هادئ الطبع خلوقًا يستمع لهمومنا ومشاكلنا ويستوعبها ويبادر دائمًا فى حلها، وبأخلاق فى منتهى الرقى كان يتدخل فى أى خلاف مهنى يحدث بين الزملاء.

وأضافت لينا مظلوم: سعدت بمشاركة شقيقى وزميلى الإبراشى فى العمل بأبرز المعارك والخبطات الصحفية وكانت كشف عملية فساد وقتها أخدت اسم «لوسى آرتين» فعملنا معا فى هذا الملف وتزاملنا وكنا نعمل كثيرا بشكل ثنائى ومكثف فى ملفات عديدة كان لا يبخل أبدا بأفكاره وجهده، حتى أنه كان يبادر بطرح أفكار للزملاء ولا يبخل على أحد بالمساعدة.

حلم رئاسة تحرير روزاليوسف

وقالت الكاتبة لينا مظلوم: ما زلت أتذكر نبرة صوته الرائع وهو يقول لى بأسلوبه الهادئ الجميل فى مكتبنا: «لينا يا بنتى» هاتغذينا إيه النهارده، وقد أجريت اتصالا به فى بداية مرضه وحكيت له عن رحلة قمت بها إلى العراق واتفقنا على أن يستضيفنى ببرنامجه «التاسعة» للحديث عنها فور عودته لعمله ولتقديم برنامحه بالتليفزيون المصرى ولكن القدر لم يمهله، ولم يمهله أيضا لاستكمال مشواره وأحلامه الكبيرة بالخير لكل من حوله.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

وقد كشفت السيدة سحر، أرملة الإعلامى الراحل وائل الإبراشى، عن أنه كان يتمنى أن يكون رئيسًا لتحرير «روزاليوسف». 

وأضافت السيدة سحر الإبراشى، أن الفقيد كان يحلم أيضا بأن يزوج ابنته الوحيدة ويقيم لها حفل زفاف كبيرًا، لكن الموت كان أسرع من تحقيق رغباته.