الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«الدبلوماسية الإنسانية» محور السياسة المصرية نجاحات الدبلوماسية المصرية فى الأزمات العربية

بذلت وزارة الخارجية خلال عام 2023 جهودًا كبيرة وقطعت شوطًا أكبر دافعت فيه عن الثوابت الوطنية وعززت المصالح الوطنية من خلال نشاط وتحرك خارجى من أجل تعظيم أطر التعاون وحماية الأمن القومى المصرى ورعاية المصريين فى الخارج مما يعكس حجم الإنجازات الداخلية غير المسبوقة على جميع النواحى، وترويجها وتحقيق الأهداف الوطنية المرجوة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.



 

كما دأبت وزارة الخارجية فى حماية أمن مصر القومى من خلال التحركات الدبلوماسية النشطة لصون حقوق مصر المائية والتى كانت على رأس أولويات وزير الخارجية سامح شكرى وجميع المسئولين والدبلوماسيين، فكانت الجهود الرامية للحفاظ على مصالح مصر المائية وزيادة الوعى الدولى بالوضع المائى والتحديات التى تواجهها مصر فى مقدمة الموضوعات التى تتم مناقشتها فى المحافل الدولية ونجحت مصر فى إعادة طرح قضية سد النهضة أمام مجلس الأمن الدولى للتأكيد على ثوابت الموقف المصرى بالحل العادل لقضية سد النهضة، كما تبوأت مصر مكانتها الريادية عربيًّا وإفريقيًّا ودوليًّا فقد شهد العام 2023 مشاركات فاعلة فى العديد من القمم والجولات أثمرت عن تحقيق نجاحات مهمة فى علاقات مصر بعدد من الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبى وإفريقيا.

إفريقيا.. تعاون بلا حدود

ومنذ توليه الحكم فى البلاد.. تواصل مصر تنفيذ توجيهات الرئيس السيسى بتوسيع دائرة التعاون مع الدول الإفريقية الشقيقة ومد جسور التواصل الحضارى مع جميع شعوبها، وكذلك تفعيل القوى المصرية الناعمة بالقارة والانخراط بفاعلية فى صياغة وتطوير مبادئ وآليات العمل الإفريقى المشترك تحقيقًا للمنفعة لجميع الدول الإفريقية فيما يتعلق بالقضايا المحورية التى تمسها، خاصةً الملفات التنموية وملفات صون السلم والأمن فى إفريقيا.

وتؤكد مصر فى جميع الفعاليات الإقليمية وخلال اللقاءات الاستعداد لتسخير إمكاناتها وخبراتها لدفع عجلة العمل الإفريقى المشترك لآفاق أرحب وحرصها على تحقيق مردود ملموس من واقع الاحتياجات الفعلية للدول والشعوب الإفريقية، خاصة من خلال خلق حالة من التوافق حول المهددات الرئيسية للسلم والأمن، وفى مقدمتها مكافحة الإرهاب، وقيادة مسار التنمية المستدامة بالقارة، ونقل التجارب والخبرات الفنية المصرية من خلال تكثيف الدورات والمنح التدريبية المختلفة للأشقاء الأفارقة، وهو الأمر الذى من شأنه أن يرسِّخ الدور المصرى المحورى فى إفريقيا بما لديها من أدوات مؤثرة وخبرات فاعلة ورؤى متوازنة.

وفى هذا الإطار، وضعت مصر من ضمن أولويات رئاستها للاتحاد الإفريقى أهم آليات ومبادرات العمل الجماعى المتفق عليها فى إطار الاتحاد الإفريقى خاصة أچندة التنمية فى إفريقيا 2063، ومختلف مبادرات التكامل الاقتصادى والاندماج الإقليمى وتعزيز التجارة البينية بالقارة، وآليات منع وتسوية النزاعات الإفريقية، وعملية الإصلاح المؤسسى للاتحاد الإفريقى، كما التزمت مصر التزاما كاملا بدعم تنفيذ أچندة 2063 فى شتى المجالات، ولا سيما ما يتصل بها من مشروعات بنية تحتية رائدة تستهدف تحقيق الاندماج والتكامل الإفريقى أكدته على لسان وزير الخارجية سامح شكرى فى مناسبات عديدة حيث أشار إلى أن أچندة 2063 هى رؤية إفريقية خالصة وطموحة ومحددة زمنيًا لتحقيق انطلاقة حقيقية للقارة،  وتؤكد مصر فى جميع المناسبات أن التوجه نحو إفريقيا هو بلا شك منظور ثابت ومستقر لسياسة مصر الخارجية فى عهد الرئيس السيسى، حيث تسعى القاهرة دائمًا لتحقيق المزيد من التضامن الإفريقى وصولاً إلى أهدافنا المشتركة.

أزمات الأشقاء.. الأولوية

أما على مستوى العالم العربى، لم تدخر القاهرة جهدًا لوضع نهاية للأزمة الليبية حيث تؤكد مصر ضرورة التوصل إلى تسوية شاملة ومستدامة للأزمة الليبية تحافظ على وحدة وسلامة الأراضى الليبية، واستعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية ومحاربة الإرهاب وذلك من خلال استضافة الأطراف الليبية والعديد من الاجتماعات واللقاءات بين الأطراف الليبية فضلا عن الحرص على المشاركة فى الفعاليات الدولية والإقليمية الخاصة بليبيا. 

كما كان للخارجية المصرية دور كبير فى إيقاف مخططات ما بعد «طوفان الأقصى» لتصفية القضية الفلسطينية وتشكيل شرق أوسط جديد، وأن إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 هى الحل السياسى الأمثل لوقف الصراع العسكرى فى المنطقة، وأن المجازر التى تعرض إليها الشعب الفلسطينى فى غزة تدل على عجز الجيش الإسرائيلى وضعف أجهزته الأمنية والاستخباراتية وحنكة المقاومة الفلسطينية التى استطاعت الصمود منذ 7 أكتوبر الماضى حتى الآن بأسلحة بسيطة فى مواجهة أحد أكبر جيوش العالم وإسرائيل، كما أن الدبلوماسية المصرية نجحت فى حلحلة الأزمة الراهنة فى قطاع غزة باتخاذ إجراءات بداية بالتواصل مع الأطراف الدولية الفاعلة والدفع نحو اتخاذ قرار وقف إطلاق النار وحماية المدنيين ونفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع والتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين.

ومما لا شك فيه أن الدبلوماسية هى أحد أهم المكتسبات التى يمكن أن تحققها الدول من خلال سياستها الخارجية، ولكن فى ظل الصراعات والحروب، تركز الدول على أهدافها العسكرية والسياسية، وتغفل ما يسمى بـ«الدبلوماسية الإنسانية» التى تستهدف فى المقام الأول حماية الإنسان، وتأمين احتياجاته، وتسهم فى بناء السلام والأمن، إلا أن السياسة الخارجية للدولة المصرية لم تتخل عن هذا النهج، حيث كانت ولا تزال ملتزمة بالنهج السلمى فى تسوية النزاعات، وتحرص على تقديم المساعدات الإنسانية فى أوقات الأزمات، وتسعى لتعزيز التعاون بين الدول من أجل مصلحة الشعوب؛ وأكبر دليل على ذلك منذ 7 أكتوبر 2023 واندلاع «طوفان الأقصى» كانت مصر أكبر مانح دولى للمساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية لقطاع غزة عقب العدوان الإسرائيلى على القطاع، حيث بلغ حجم المساعدات المصرية للأشقاء الفلسطينيين بقطاع غزة أكثر من 85 % من إجمالى المساعدات المقدمة من 31 دولة أخرى عبر مطار العريش الدولى، تمثلت هذه المساعدات فى الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية والمياه المعبأة والمواد الإغاثية الأخرى. 

وفى ليبيا عقب العاصفة «دانيال» التى ضربتها فى سبتمبر 2023 وخلفت كارثة إنسانية كبرى أودت بحياة أكثر من 5 آلاف شخص، وتسببت فى فقدان أكثر من 8500 شخص وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، أعطت القيادة السياسية المصرية توجيهاتها للقوات المسلحة بالبدء فى تنفيذ خطة متعددة المحاور لدعم السلطات الليبية فى مواجهة التحديات الناجمة عن تلك الكارثة تمثلت أولى خطوات تلك الخطة فى زيارة وفد عسكرى رفيع المستوى برئاسة رئيس أركان القوات المسلحة إلى المنطقة الشرقية فى ليبيا للتنسيق على سبل تقديم جميع أوجه الدعم اللوچيستى والإغاثة الإنسانية العاجلة بالتعاون مع الأجهزة والمؤسسات الليبية المختصة. 

وفى السودان، وعقب اندلاع الصراع المسلح بين قوات الجيش السودانى ومرتزقة الدعم السريع فى إبريل 2023 والذى أسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى، وتفاقم الأوضاع الإنسانية سارعت الدولة المصرية لتهدئة الأوضاع وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السودانى بإرسال طائرتى نقل عسكريتين إلى مطار بورتسودان محملتين بأطنان من الشحنات الطبية، وإرسال سفينة إمداد تابعة للقوات البحرية المصرية إلى ميناء بورتسودان لتقديم مئات الأطنان من المواد الغذائية والإعاشية والمستلزمات الطبية مقدمة من وزارتى الدفاع والتضامن الاجتماعى وبعض منظمات المجتمع المدنى المصرية وتم دفعها إلى المناطق الأكثر احتياجًا، هذا إلى جانب المساعدات السنوية التى تقدمها مصر للسودان أثناء أزمة السيول السنوية، حيث تتعرض السودان سنويًا لهطول أمطار غزيرة فى الفترة الممتدة من شهر مايو إلى شهر أكتوبر، مما يسبب حدوث السيول والفيضانات وتدمير الممتلكات والبنى التحتية والمحاصيل الزراعية.

وفى سوريا وعقب الزلزال المدمر الذى ضربها فى فبراير 2023 والذى خلف وراءه عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين وجهت القيادة السياسية بإرسال 3 طائرات عسكرية محملة بأطنان من جميع المساعدات الإغاثية والإنسانية والطبية، وإرسال سفينة إمداد من ميناء العريش البحرى إلى ميناء اللاذقية السورى محملة بنحو 500 طن من المساعدات الإغاثية شملت كميات كبيرة من الخيام والبطاطين والمواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية مقدمة من وزارتى الدفاع والتضامن الاجتماعى وبيت الزكاة المصرى التابع لمؤسسة الأزهر الشريف وجمعية الهلال الأحمر المصرى وصندوق «تحيا مصر»، للمساهمة فى تخفيف الآثار الناجمة عن الزلزال المدمر. 

وفى المغرب، وبعد تعرُّضه لزلزال مدمر فى سبتمبر 2023 أودى بحياة أكثر من ألفي قتيل، وخلف وراءه تدميرًا كبيرًا، قدمت مصر مساعدات إنسانية وإغاثية وطبية عاجلة لمواجهة الآثار المدمرة للزلزال تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بتقديم جميع أشكال الدعم الإنسانى من أطقم إغاثة ومعدات إنقاذ ومعسكرات إيواء للمتضررين بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة والمؤسسات المغربية.

وفى تركيا عقب تعرضها لزلازل مدمرة فى فبراير 2023، وجهت القيادة السياسية بضرورة تقديم جميع أوجه العون والمساعدة الإغاثية الممكنة للحكومة التركية، حيث تم إرسال طائرتين عسكريتين محملتين بأطنان من المواد الإغاثية والطبية، والمساعدات الإنسانية العاجلة إلى الشعب التركى اشتملت على كميات كبيرة من الخيام، والبطاطين، والمواد الغذائية، والأدوية، والمستلزمات، فضلا عن إرسال سفينة إمداد محملة بالمواد الغذائية ومهمات إغاثية.

وتكشف كل هذه التطورات عن 3 مرتكزات رئيسية يرتكز إليها ما يمكن أن تمارسه السياسة الخارجية المصرية من تأثير نوعى خلال الفترة المقبلة. والارتكاز الأول هو إدراك مصر للتغيُّر فى موازين القوى فى منطقة الشرق الأوسط وعدم واقعية تفرد دولة بعينها بقيادة المنطقة، ومرونتها فى تقبل تقاسم وتشارك التأثير مع القوى الإقليمية الأخرى على نحو يسمح لها بتأثير نوعى فى قضايا جزئية فى المنطقة.

أما الثانى فيتعلق بعدم اقتصار السياسة الخارجية للدولة على النشاط الدبلوماسى فى صورته التقليدية كما كان الوضع لأعوام طويلة، واتجاه مصر لاستخدام أدوات اقتصادية تعتمد بشكل كبير على قدرات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى التنموية من أجل التحرك فى مساحات جديدة للتأثير كانت بعيدة عن السياسات المصرية مثل السياسات التنموية وسياسات إعادة الإعمار وغيرها. ويتعلق الارتكاز الثالث بتخليق الأفكار التى تكتسب أهميتها فى تحديد مساحات التأثير الممكنة والتى هى كفيلة بفتح مساحات جديدة للسياسة الخارجية للدولة تستطيع من خلالها أن تعزز أهميتها بالنسبة إلى العديد من القضايا التى يهتم بها المجتمع الدولى.

ولكن يبدو أن العام الجديد 2024 سيشهد انتقال السياسة الخارجية لمصر من مرحلة النشاط المتنامى إلى مرحلة التأثير النوعى فى عدد من القضايا على نحو يؤسس فى حال اكتمال هذا الانتقال لمكانة جديدة لمصر فى إقليم الشرق الأوسط، ويعيد تعريف أهميتها بالنسبة للقوى الكبرى المهتمة بشئون هذا الإقليم.