الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية ـ80ـ (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا): المرأة.. بين القصص القرآنى والتاريخ

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



خلق الله الرجلَ والمرأةَ ليكونا شريكين فى الحياة، وأعطى للرجل والمرأة الحرية فى الإيمان أو الكفر، وجاء الخطاب القرآنى لهما فى كل ما يخص العقيدة والعبادات والتشريع والأخلاق.

فى قصص التاريخ عادة لا تجد المرأة تأخذ حقها فيه، كما أن أغلب القصص التاريخى يتحدث عن الرجال؛ لأن مَن يقوم بالتأريخ هو الرجل، ولكن وجدت المرأة التقدير من الله تعالى الذى أنصفها وجعلها متواجدة بجوار الرجل فى القصص القرآنى؛ بل وجعل خير مَثل للعالم امرأتين، وكذلك ضرب بالمَثل السيئ امرأتين.

والمرأة شريكة الرجل فى صناعة الحدث التاريخى، ولكن الرجل حين يقوم بكتابة التاريخ فإنه يتجاهل دورها، ولذلك توجد فجوة بين الروايات التاريخية وأحداث التاريخ الحقيقية، ولكنها إنسانة تملك قدرة السيطرة على الرجل بدهائها، وبذلك تسللت إلى مواقع التأثير فى الرجل صاحب القرار، وأحكمت حوله سيطرتها وحرّكته من وراء ستار.

ولكن تتضح مكانة المرأة فى القصص القرآنى من خلال دورها المؤثر فى التاريخ الإنساني: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)، التحريم 10-12.

أى أن الله تعالى يجعل المَثل السيئ للكافرين الرجال والنساء امرأتين؛ امرأة نوح وامرأة لوط، ويجعل المَثل الحَسَن للذين آمنوا رجالاً ونساء امرأتين؛ امرأة فرعون والسيدة مريم، مما يؤكد أن المرأة فاعل مؤثر فى التاريخ الإنسانى، وهذا ما يوضحه القصص القرآنى حتى فى تاريخ الأنبياء؛ نوح ولوط وموسى وعيسى عليهم السلام.

على أن ذلك التأثير للمرأة قد أشارت إليه سورة التحريم فى بدايتها، وقد جاء فيها عتاب للنبى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، التحريم 1، وجاءت إشارة للموضوع فى قوله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ)، التحريم 3.

لو لم يكن للمرأة تأثير ما جاءت الآيات التى فيها يخاطب تعالى اثنتين من أمهات المؤمنين: (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)، التحريم 4.

يعطى القصص القرآنى الشخصية فى القصة حقها حسب تأثيرها ودورها، إذا كانت شخصية أحد الملوك أو أحد الخدم، ونقارن فى ذلك بين دور الملك فى قصة يوسف ودور الساقى والخباز فى السجن، ونفس الشىء للمرأة أخذت حقها فى القصص القرآنى حسب دورها فى كل قصة، وجاء ذلك متناغمًا مع دورها الحقيقى، ليس فى الأحداث التاريخية للقصص القرآنى فقط؛ وإنما مع دورها فى الحياة الواقعية.

ويرَى البعضُ فى الروايات أن تأثير حواء على آدم فى الأكل من الشجرة هو دليل على خطيئة المرأة، والحقيقة فى القصص القرآنى أن حواء لم تكن هى المسئولة وحدها عن خروج آدم من الجنة؛ لأن آدم كان معها فى كل شىء، جاءت لهما الأوامر معًا وعصيَا الأوامر معًا: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)، البقرة 25 - 26، فالشيطان أزلهما معًا وأخرجهما معًا.

وفى توضيح أخر عنهما معًا: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ. فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِين.َ فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ. قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، الأعراف 19 - 24، جاء التعبير بالمُثَنّى لآدم وحواء معًا. 

حواء تتحمل مع آدم مسئولية الخروج من الجنة. وفى القصص القرآنى توضيح لدور المرأة فى صنع أحداث التاريخ، باعتبارها الأم والزوجة والأخت والبنت، هى نصف البشرية، وإذا كان الرجل قد تجاهلها فى التأريخ فإن الله تعالى أعطاها حقها حتى فى تاريخ الأنبياء.

فى قصة النبى عيسى عليه السلام، بدأ القرآن بقصة جدته امرأة عمران، ثم نشأة أمّه مريم، فى سورتين آل عمران ومريم. وفى قصة النبى يوسف عليه السلام، نرى نموذجًا تمثله امرأة العزيز والنسوة المترفات من أهل المدينة.

وفى قصة النبى موسى عليه السلام، نماذج إنسانية متعددة للمرأة منذ ولادته إلى بعثته، وتبدأ القصة بأم موسى والوحى يأتيها بأنها إذا خافت على ابنها تلقيه فى النيل لتأخذه أم بديلة فى قصر فرعون، ولكن أم موسى يكاد يقتلها القلق على وحيدها. ويظهر دور الأخت التى تتابع أخبار أخيها الرضيع وتعرف أنه يَعرض عن المرضعات، وتدلهم على مرضعة هى أم موسى.

وبعد حادثة القتل يهرب موسى، وعند بئر مدين يساعد فتاتين فى السقيا، وتعود إحداهما إليه تدعوه إلى أبيها ليجزيه أجر شهامته، ويعرض عليه الأب الصالح أن يزوجه إحدى ابنتيه بعد أن قالت إحداهما لأبيها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين)، القصص 26، ويتزوج إحداهما، وبعد أن دفع مهرها عملاً لدى أبيها يعود بها إلى مصر، وفى سيناء تحتاج زوجته إلى نار للتدفئة، ويرى نارًا بجانب شجرة فيذهب إليها فى البقعة المباركة من الشجرة، ويسمع كلام الله تعالى له وتكليفه له بالرسالة.

فى قصة النبى موسى نماذج مختلفة للمرأة؛ الأم والأخت والزوجة وامرأة فرعون والمراضع وأخت الزوجة، وكلهن نماذج سامية وأعلاهن فى السمو امرأة فرعون، ومع ذلك السمو فهن جميعًا نماذج إنسانية واقعية، فيهن حب الأم وعطف الأخت ورقة المَلكة وحنانها، فيهن التى تعمل مَلكة لمصر والتى تعمل مرضعة والتى تعمل لخدمة أبيها الشيخ الكبير، وكل واحدة منهن قامت بدروها الواقعى الذى ذكره القرآن.

نموذج آخر للمَلكة هى مَلكة سبأ، التى تملك وتحكم ولا تخلو من الحكمة والاستنارة مع كونها امرأة. وحديث القرآن عنها يوضح حصافتها: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّى أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ)، النمل 29-31، ثم استشارتهم: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ)، النمل 32، تقرأ الرسالة وتطلب المشورة، ولكن الرجال أهل الشورى يفوضونها فى التصرف: (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ)، النمل 33، أى عرضت عليهم اقتراحًا بإرسال هدية والانتظار لما تسفر عنه تلك البعثة، أى أنها تفضّل السلام وحل الموضوع بالطرُق الدبلوماسية؛ لأنها تعرف أن الملوك الرجال إذا دخلوا قرية أفسدوها كما كانوا يفعلون فى عصرها، لم تغتر بالمستشارين أولى القوة والبأس الشديد وإنما قدرت العواقب: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُون. وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)، النمل 34  - 35، مما يدل على استحقاقها للمُلك، وربما لو كان هناك رجل فى مكانها لأشعل حربًا أضاع فيها مُلكه وشعبه.

والقرآن الكريم لم ينكر وجودها مَلكة وإنما أنكر سجودهم للشمس، ثم أوضح فى نهاية القصة أن المَلكة استجابت للحق وأسلمت مع النبى سليمان لله رب العالمين. 

تناول القصص القرآنى نوعيات مختلفة للمرأة فى سيرة الأنبياء، من الخادمة والمرضعة إلى المَلكة المسيطرة، ومن الزوجة المَلكة المقهورة أمام زوجها الكافر، إلى الزوجة الكافرة المتمردة على زوجها النبى المؤمن، من الزوجة العاقر التى تلد بعد سن اليأس مثل زوجتى إبراهيم وزكريا، إلى زوجات يعقوب أمهات الأولاد، ومن أم إسماعيل المؤمنة ومعها ابنها عند البيت المحرم وقد تركهما زوجها إبراهيم عليهم السلام جميعًا، إلى أم جميل امرأة أبى لهب التى سيكون فى جيدها حبل من مسد.

فى قصص الماضين عبرة، توضح تدرُّج الإنسان فى الرقى والحضارة، من خلال اعتماده على تجارب الماضين، فتلافى ما وقعوا فيه من أخطاء، وعمل على تطوير ما توصلوا إليه من تجارب، تنوع واقعى فى القصص القرآنى أفضل من الروايات التاريخية.