الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية 80 (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ):جهاد المرأة.. فى دولة النبى!

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



يَعتبر البعض أن تشريع الجهاد هو لقتال الكافرين وإن كانوا مسالمين، وذلك خطأ؛ لأن الله لا يُشَرّع الاعتداءَ؛ ولكن يأمر بقتال من استخدم أساليب الحرب ليس لكفره كمُخالف للإسلام؛ ولكن لظلمه وعدوانه.  

القتال يكون فى سبيل الله دفاعًا عن الحق: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، النساء 76، كان النبىُّ يُحرض المؤمنين على القتال ليواجهوا الأعداء: (فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ)، النساء 84، وكانوا أحيانًا يتثاقلون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ)، التوبة 38. 

وكان المنافقون أكثر تكاسلًا فى القتال والدفاع حتى أصعب المواقف، وكل ما نزل للنبى بشأنهم هو حرمانهم مستقبلاً من شرف الجهاد (فَإِن رَّجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ)، التوبة 83.

فالاختيارُ هو نفسُه اختبار رسب فيه كثير من الرجال، الذين ارتضوا لأنفسهم القعود مع العجائز وأصحاب الأعذار القهرية الذين يتخلفون فى المدينة، ومنهم المنافقون: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ)، التوبة 87.

 المرأة والجهاد:

المرأة القادرة المؤمنة فى دولة النبى بالمدنية لم تتخلف عن الجهاد بكل أنواعه بالمال والنفس، منها مشاركتها فى الحرب الدعائية بين المسلمين والمشركين من خلال الشِّعْر، ونبغ فى هذا المجال حسّان بن ثابت وشهرته غطت على شاعرات أخريات مؤمنات تطوعن بالرد على المشركين.

بَعد هزيمة قريش فى معركة بدر أخذ اليهودى كعب بن الأشرف ينشئ قصائد شعرية يتباكى فيها على قتلى المشركين فى بدر ويحرض قريش على الانتقام من النبى، فقامت بالرد عليه ميمونة بنت عبدالله.

وثأرت قريش لنفسها فى غزوة أحد، وانطلقت هند بنت عُتبة تعلن بالشِّعر شفاء أحقادها وغليلها من حمزة، فقامت بالرد عليها هند بنت أثاثة.

ومشاركتها فى التمريض والرعاية والسقاية فى المعارك، فى معركة أحد وغيرها من المعارك شاركت المرأة فى الجهاد بالسقاية وصُنع الطعام وإسعاف الجرحى ومداواة المَرضَى ومساعدة المقاتلين بأن اشتركن فى القتال الفعلى.

التعبئة العسكرية فى المدينة والتحفز الحربى لمواجهة الاستئصال من المحيط المشرك كان من عوامل تجهيز فرقة نسائية حربية تكون احتياطيًا للجيش فى الأزمات وتقوم فى الظروف العادية بالإسعاف وخدمة المحاربين.

وفى الروايات التى تم تدوينها فى كتاب «الطبقات الكبرَى» لابن سعد، وكتاب «السيرة» لابن هشام: «أن النبى كان يغزو ومعه أم سليم ونسوة من الأنصار فيسقين الماء ويداوين الجرحى»، وأم سليم هى أم أنس، وقد شهدت غزوة حنين وهى حامل بابنها عبدالله بن أبى طلحة، وكانت تتسلح بخنجر، ووقفت بجانب النبى فى حنين حين انهزم الناس من حوله.

وأيضًا أُمُّ عطية التى قالت: «غزوت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات، أخلفهم فى رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوى الجرحى، وأقوم على المرضى»، وعن الربيع بنت معوذ: «كنا نغزو مع النبى، فنسقى القوم، ونخدمهم، ونرد القتلى، والجرحى إلى المدينة».

وبعضهن أقيمت لها خيمة فى المسجد فى المدينة فى ظروف السلم لمداواة المرضى، وكان منهن رفيدة الأسلمية، وكعيبة، وكلتاهما اشتركت فى مداواة سعد بن معاذ فى حرب الخندق، واشتركت «كعيبة» فى غزوة خيبر ضمن مجاهدات جئن من قبيلة غفار، وقد قابلن النبى فى زحفه نحو خيبر، وقد أعطاهن النبى الغنائم، وكان منهن أم سنان وأم عامر الأسهلية وأمية بنت قيس.

ومن المهاجرات مَن كانت تقوم بمساعدة الجيش كأمِّ أيمن حاضنة النبى، وحمنة بنت جحش، وأم سليط، وعائشة زوجة النبى، وقد حضرن معركة احد.

أمّا أمُّ عمارة فقد كانت إحدى امرأتين فى بيعة العقبة الثانية، وفى غزوة أحد خرجت مع زوجها وابنيها تريد إسعاف الجرحى، ولمّا اشتدت الحرب وانهزم المسلمون من حول النبى تحركت بأولادها وزوجها نحو النبى تفتديه، وكان يقاتل وحيدًا، ومن قريش ابن قميئة يريد قتل النبى، فظلت تحاور ابن قميئة، فضربته وضربها.. وعن النبى قال عنها: «ما التفتُّ يمينًا ولا شمالاً إلاّ وأنا أراها تقاتل دونى».

وخرجت من المعركة بجرح ظل غائرًا فى عاتقها، ثم شهدت المعارك كلها، وكان ابنها رسولًا إلى مسيلمة الكذاب حين ادّعى النبوة، فقتله مسيلمة لأنه رفض الاعتراف بنبوَّته، وعلمت بما جرى لابنها فخرجت مع الجيش إلى حرب مسيلمة، وقاتلت ورأت مصرع مسيلمة، وعادت من المعركة بيد واحدة واثنتى عشرة طعنة.

 الجهاد فى المدينة:

منهج القرآن فى القصص التركيز على ما فيه العبرة من دون الاهتمام بتحديد الزمان والمكان وأسماء الأشخاص؛ أمّا التأريخ فيتتبع الأحداث من البداية إلى النهاية بتحديد الزمان والمكان والأشخاص دون اهتمام بالعبرة.

هناك فجوات من الأحداث لم ترد فى القصص القرآنى عن النبى ومَن معه من المؤمنين والكافرين والمنافقين، المفترض أن يقوم التأريخ بملء هذه الفجوات، وهذا ما لم يحدث بصورة متكاملة.

هناك أحداث ذكرها القرآنُ وأهملها التأريخ ومنها نعلم مشاركة النساء فى القتال، ومع ذلك فإن الروايات عن مشاركة المؤمنات قليلة، وتوجد فترات أشار إليها القرآن وأهملها التأريخ، منها الفترة الأولى فى المدينة بعد الهجرة؛ حيث تابعت قريش المؤمنين بالغارات: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)، البقرة 217.

ومن أسباب الإذْن بالقتال هو تعرض المؤمنين لهجمات دون أن يدافعوا عن أنفسهم: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا)، الحج 39.

فى فترة كف اليد عن القتال، كان هناك تدريب عسكرى للمؤمنين، ومعظمهم كانوا مستضعفين من العبيد والفقراء لا علم لهم بالحروب: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)، الأنفال 60.

بعد فتْح مكة وعَقْد الصلح حدث نقض للعهود واعتداء كانوا فيه على وشك طرد النبى من مكة: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)، التوبة 4.

قبل الإسلام كان مجتمع الجزيرة العربية عبارة عن أقلية هم المَلأ وأغلبهم فى قريش، أقوى قبائل العرب وأعزها مكانة، ثم الأكثرية فى بقية القبائل.

 فرض القتال:

وفى بداية الإسلام وقبل فرض القتال كان المؤمنون أقلية مستضعفة، وحتى حين هاجروا للمدينة ظلوا فيها أقلية مستضعفة تخاف من اعتداء الناس: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،  الأنفال 26.

ثم تَغيَّرَ ميزانُ القوَى؛ بفضل جهد هائل من الاستعداد الحربى والتدريب شاركت فيه المرأة إلى جانب الرجل، وكان هدفهم هو رفع الظلم عن كل المستضعفين داخل وخارج دولة المدينة: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا)، النساء 75.

فرض تعالى الهجرة على كل قادر واستثنى غير القادر من الرجال والنساء والصبيان، كما فرض القتال واستثنى منه المستضعفين وهم الأعمى والأعرج والمريض: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)، الفتح 17.

وآيات سورة التوبة وسورة محمد هى آيات تؤهل المسلمين للحرب عند الاعتداء على أرضهم أو أنفسهم، وليست آيات لتشريع الاعتداء وفرض الإسلام على الناس بالإكراه.

الآيات عن مكة باعتبارها تضم بيت الله، والهدف من الرسالة أن يقام الدين لله وحده، ولا يجوز أن يظل البيت الحرام فى أيدى المشركين وهم يمنعون المسلمين عن البيت الحرام.

لهذا بدأ الأمر بالجهاد ضد مشركى مكة ومَن يصد عن سبيل الله ويمنع المسلمين من أداء الشعائر بإعلام المشركين ببراءة الله ورسوله من العهود مع المشركين من سكان مكة: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِى ٱلنَّارِ هُمْ خَالِدُونَ)، التوبة 17.

والجهاد هنا يساعد المسلمين على التبرؤ من القرابة مع مشركى مكة، الذين يحاربون الله ورسوله: (يَأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ)، التوبة 23. 

ويخاطب تعالى المؤمنين ليخبرهم بالحُكم على مشركى مكة: (يَأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، التوبة 28.

وتبقى الآيات القرآنية التى تنظم صفوف المسلمين أثناء القتال وتحثهم على الوقوف بثبات وثقة فى نصر الله تعالى لهم.