الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. تبرئة الفاتيكان لليهود من دم المسيح

ع المصطبة.. تبرئة الفاتيكان لليهود من دم المسيح

بعد نشر مقالى الأسبوع الماضى عن الفاتيكان والقضية الفلسطينية، سألنى البعض عن حقيقة تبرئة الكنيسة الكاثوليكية لليهود من دم المسيح.. وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نستند لبعض النقاط الأساسية.



أولًا: الرجوع إلى أصل الوثيقة بعيدًا عمّا قيل عنها أو نسب إليها.

ثانيًا: التفريق بين ما هو دينى وعقائدى وما هو سياسى.

ثالثًا: عدم الخلط بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة نتج عنها عصابات صهيونية اغتصبت الأراضى الفلسطينية.

رابعًا: معرفة الخلفيات التاريخية والدينية التى استند إليها كاثوليك العالم الغربى، والخلفيات السياسية والتاريخية التى استند إليها كاثوليك الشرق فى رفضهم لهذه الوثيقة.

نص الوثيقة طويل لا يمكن نشره بالكامل فى هذه السطور ويمكن لأى قارئ الرجوع إليه عبر البحث على الإنترنت، لكن سوف أذكر بعضًا مما ورد بها وخلفية من تقدم بها للمجمع الفاتيكانى الثانى فى مطلع الستينيات من القرن العشرين.

تقدم بالوثيقة فى شكلها التمهيدى الكاردينال الألمانى بيا، ونصت على تبرئة العنصر اليهودى من صلب المسيح، لكن الوثيقة النهائية الرسمية أقرت بدور اليهود وبرأت الأجيال اليهودية اللاحقة من تولى وزر هذه الجريمة، وحصرت الجريمة فى عدد من الكهنة ورؤساء الشعب اليهودى، إذ جاء فيها «إن ما ارتكب أثناء آلامه، لا يمكن أن يعزى إلى جميع اليهود الذين كانوا عائشين إذ ذاك، ولا إلى يهود أيامنا»، وإذا أخذنا فى الحسبان جنسية مقدمها فى وقت لا تزال أصداء تصرفات هتلر مع اليهود سندرك دوافعه.

وهنا علينا الاستناد لبعض الحقائق:

الحقيقة الأولى: علينا أن نعى أن نظرة المجتمع الغربى تاريخيًا لليهود تختلف كليًا عن نظرتنا كشرقيين، فالغرب محمل بعقدة ذنب دفينة تجاه اليهود، ولعل مسرحية وليم شكسبير (تاجر البندقية) تلخص النظرة الأوروبية التاريخية لليهود؛ حيث جمع شكسبير كل خصائص اليهود وصفاتهم السيئة فى شخصية شيلوك، المشبع بالكبرياء والكراهية، والشح والجشع المفرط.

وظل اليهودى موضع ازدراء المجتمع الأوروبى يمارس ضده كل أساليب الاحتقار لمجرد كونه يهوديًا؛ بل إن من بين صلوات الكنيسة الكاثوليكية ما كان ينعت اليهود بأشد الألفاظ، وبغض النظر عن صحة «الهولوكوست» من عدمه؛ فإن النظام النازى نكل بهم كثيرًا، ما جعل العقل الجمعى الأوروبى محملًا بعقدة ذنب تجاههم، فى المقابل نظرتنا لليهود كمجتمع عربى نابعة مما رأيناه من جرائم العصابات الصهيونية فى فلسطين، فهو مجرم وقاتل ومغتصب للأوطان.

الحقيقة الثانية: عندما تتكلم الوثيقة عن اليهود فهى لا تتكلم عن دولة إسرائيل، ولا علاقة لها بالقراءات السياسية، فهى وثيقة إيمانية، وهذا يتضح من موقف الفاتيكان الرافض لقيام دولة إسرائيل أو سيطرة اليهود على الأراضى المقدسة، قبل وبعد الوثيقة، وهو ما ذكرتُه فى مقالى السابق.

الحقيقة الثالثة: الوثيقة لم تبرئ كل اليهود ولم تدن كل اليهود. فالوثيقة، مثلاً، لم تبرئ قيافا رئيس الكهنة ولم تبرئ من نادَى بموت المسيح أو اشترك فيه أو تآمر عليه.

الحقيقة الرابعة: من برّأ اليهود من دم المسيح هو المسيح نفسه، فهل يعقل أن نتكلم عن «دمه علينا وعلى أولادنا» التى خرجت من أفواه الظلمة والقتلة ولا نتكلم عن «اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون» التى خرجت من فم المسيح ذاته؟ من ثم؛ فإن القراءة الدينية للوثيقة سواء اتفقنا أو اختلفنا معها تؤكد أنها وثيقة تسامح مع اليهودى الذى لم يعاصر أو يشارك فى صلب المسيح، أمّا القراءة السياسية فهى تحملها بما لم تأتِ به.

التفاصيل بشأن الوثيقة كثيرة، وحاولت قدر الإمكان إيجازها فى السطور السابقة.