الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. هل يختلف الحزن على الشهيد باختلاف «دين» القاتل؟ «قميص غزة».. و«أكفان» حماس

الطريق الثالث.. هل يختلف الحزن على الشهيد باختلاف «دين» القاتل؟ «قميص غزة».. و«أكفان» حماس

كنت منشغلًا بالبحث عن دوافع التمترس خلف الإسلام لمواجهة خطر الصهيونية، وكيف ومتى بدأ الحشد باسم الدين دفاعًا عن فلسطين؟، ولماذا تنافس حق الدفاع عن الأقصى مع الحق فى الأرض وحقوق إنسانية أخرى، أكثر إلحاحًا؟ ومن له السبق فى تديين الصراع العربى الإسرائيلى، هل هى جماعة الإخوان المسلمين التى شاركت كتائبها المسلحة فى نكبة 1948، جنبًا إلى جنب مع الجيوش العربية النظامية التى خسرت المعركة؟.



 

أم أن الساسة الذين زجوا بجيوش بلادهم الواهنة إلى هذه المعركة وفى كل معارك فلسطين التالية، هم من استملحوا امتطاء فرس البطولة وأشهروا سيف الدين ليضمنوا تجييش الشعوب وتخديرها لتلتهِ بعيدًا عن التفكير فى مصاعب الحياة وقسوة المعيشة التى تسبب فيها فشلهم فى إدارة شئون أغلب البلاد العربية فى كل زمان؟

 

فلسطين أم السودان؟!

 

تقاطع فيض الأسئلة التى يحمل متنها كل الإجابات، فكرة أخرى مهمة ومقارنة أظنها منطقية، رغم تفهمى أسباب التعاطف الكبير مع الأشقاء فى غزة وسائر الأراضى المحتلة، لكن لماذا جفت مشاعرنا وتراجع التفاعل مع ما يجرى للأشقاء فى السودان؟، خاصة مع التصعيد المتزامن فى القتال على الجبهتين.

 

لقد تأججت نيران الحرب تلتهم فى طريقها كل شىء وتحصد الأرواح فى حرب إبادة صريحة ضد شعبين عربيين مسلمين، الفارق الوحيد هو جنسية القاتل وديانته، فهل القتل بأيادٍ صهيونية، يمنح القتيل (الشهيد) ميزة إضافية لا يستحقها المقتول بسلاح عربى مسلم، وينسحب نفس السؤال على الجرحى واللاجئين وجميع ضحايا هذه الحروب اللعينة.

 

فى 15 أكتوبر الماضى، «بلغ عدد القتلى فى السودان نحو 10 آلاف، والمشردين إلى ما يقارب 6 ملايين والخسائر المادية إلى ما أكثر من 60 مليار دولار»، هذا هو حصاد نصف عام من القتال فى البلد العربى الشقيق بحسب موقع «سكاى نيوز عربية»، أعلم أن الأرقام فى غزة تفوقت على السودان ومرشحة للزيادة أكثر، وأقدر حجم تضحيات الشعب الفلسطينى فى صراعه الممتد مع إسرائيل، لكنى أيضًا أدرك تضحيات الشعب السودانى الشقيق الذى عانى ويعانى منذ سنوات طويلة، معاناة تتفوق فى شراستها عن دولة سقطت تحت أقدام الاستعمار الفعلى، فيما كانت الدولة الجنوبية تخضع لاستعمار محلى (حكم البشير وجماعته) نجح فيما فشلت فيه أى محتل لبلاده، ليتم تقسيم السودان بين شمال وجنوب وفى الطريق مزيد من الانقسام والتقسيم، كما ارتكب الرئيس المنقلب عليه فى عام 2019 جرائم حرب فى دارفور استدعت ملاحقته دوليًا، لماذا لم نبك السودان عند تقسيمه؟ ولماذا لم نتبرع لإنقاذ أقاليمه من المجاعات بعد أن فتكت بأبنائها الأوبئة والصراعات المسلحة؟ والأسئلة السابقة يمكن أن نستبدل فيها السودان بدول أخرى (عربية ومسلمة) فى مقدمتها الصومال واليمن، مسلمين وعربًا دمرتهم الحروب والصراعات وتنامت على أرضهم تنظيمات متطرفة دينية تمارس بعضًا من وحشية الصهاينة على أبناء وطنهم ودينهم بدعاوى مختلفة.

خطأ حماس

عدت لأستكمل بحثى فى مسألة «تديين» الصراع العربى الإسرائيلى بين الجذور والمآلات، عندما وصلتنى رسالة على الماسنجر من شخص لا أعرفه، احتوت رابطًا قديمًا لموضوع منشور فى صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية فى إبريل من عام 2009، كانت المفاجأة أن الموضوع يحمل اسمى، وكنت قد نسيت هذه السلسلة المهمة التى عرضت فيها 3 كتب مهمة من المراجعات الفكرية لجماعة الجهاد فى مصر صاغها وكتبها وراجعها مؤسس الجماعة ومنظرها السيد إمام، وقد أثارت حلقاتها جدلاً كبيرًا وقت نشرها. 

 

كانت الرسالة من شاب مصرى يعمل فى مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، أشار فيه موضحًا: «إن الظروف تكاد تكون متطابقة»، ومتسائلاً: «كنت أحب أعرف هل رأى حضرتك اليوم تغير، وهل حماس أخطأت التقدير هذه المرة أيضًا»؟

 

قميص غزة

 

فأجبته برسالة كان هذا نصها: «أولًا الرأى المنشور عام 2009 هو رأى الدكتور فضل منظر جماعة الجهاد، فالمقالة التى أرسلت لى رابطها هى جزء من سلسلة مكونة من خمس حلقات عرضت فيها كتابه «قميص غزة»، وإن كنت اتفقت معه فى الرأى وقتها فإن اليوم الأمر يختلف، حتى موقف حماس نفسه اختلف فى مسألة إجبار أهل غزة على القتال والتضحية بهم فى المعركة.

 

هذا أيضًا لا يعنى اتفاقى الكامل مع ما تفعله حماس اليوم، نحن أمام موقف مركب لا يتشابه مع عملية «الرصاص المصبوب» فى نهاية عام 2008 إلا فى ظاهره، والحكم على ما جرى وما يجرى فى غزة من المكاتب المكيفة (أو حتى من السجون) فى أى بلد فى العالم، هو حكم قاصر وظالم، لأن من يدرك قسوة المعاناة السابقة على 7 أكتوبر ومن يدفع فاتورة ما جرى فى هذا اليوم هم أهل غزة، الذين لن نسمع منهم الآن إلا صرخات الاستغاثة ضد وحشية إسرائيل وما ترتكبه من مجازر بحقهم، أما تقييمهم لطوفان الأقصى، فظنى أن حماس لن تعفى من هذا الدم، وستحاسب أمام الله وأمام التاريخ ولن يعفيها إلا انتصار يوازى حجم التضحية، وهو أمر يصعب تحقيقه فى ظل الأوضاع الحالية داخل القطاع، بعد توغل القوات البرية لجيش الاحتلال الإسرائيلى داخل القطاع ومدنه وأحيائه المختلفة من الشمال إلى الجنوب».

 

أين«الكفن»؟

 

وقبل أن أكمل ردى فى مسألة حماس وأخطائها منذ النشأة وحتى المحطة الأخيرة، من المهم تأمل الخبر الترويجى الذى كتبته بنفسى ونشرته صحيفة «الشرق الأوسط» فى صدر صفحتها الأولى فى عددها 11102 بتاريخ الثلاثـاء 21 أبريل 2009، وكان نصه: «قال الدكتور فضل، المعروف بالسيد إمام عبدالعزيز شريف منظّر جماعة الجهاد المصرية، وأول أمير لتنظيمها، إن مطالبة قادة حماس لأهالى غزة، بالصبر، وعدم الاستسلام حتى ولو تمت إبادة غزة كلها، خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، ليس من الإسلام أو الشريعة فى شىء. وقال فى كتاب جديد تنشره «الشرق الأوسط» على حلقات، «هذا الكلام ليست له أى صلة بدين الإسلام، فلا يجوز إجبار الناس على ما لا طاقة لهم به». وسجل الدكتور فضل انطباعاته عن هذا المشهد خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وكتب من محبسه فى سجن العقرب بليمان طرة (جنوب القاهرة)، خواطره عن المسألة الغزاوية فى كتابه الجديد، الذى اختار له عنوان (قميص غزة). ويقول: إن الباعث على كتابة خواطره، هو ما رآه «من الخلط بين الحق والباطل، فيما اطلعت عليه من وسائل الإعلام، وما رأيته من انسياق الجماهير وراء العواطف والشعارات بغير بصيرة».

 

وشرح الدكتور فضل معنى «القميص»، قائلاً: إنه «كان بداية رفع القمصان فى أمة الإسلام منذ عهد معاوية بن أبى سفيان، عندما رفع قميص عثمان بن عفان»، «ثم تتابعت القُمصان بعد ذلك فى تاريخ الأمة، إلى أن كان آخرها هو قميص غزّة، حتى رفعه فى هذه الأيام بعض ما لا شأن لهم بغزة أو فلسطين، من قريب أو بعيد، لتوزيع الاتهامات والتخوينات هنا وهناك».

 

وهاجم من اعتبرهم متاجرين بالقضية. ونفى الدكتور فضل ما يقال، إن القضية الفلسطينية هى «أم القضايا»، مشيرًا إلى أن قضية فلسطين واحتلال اليهود لها ما هى إلا عرض لمرض، «وهو ضعف المسلمين واختلافهم وتفرقهم، حتى تجرأ عليهم أعداؤهم».

 

وللحديث بقية.