الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حــدود من نار.. الحـــدود الغــربيـــــة عشرات المنظمات المتطرفة وحكومتان ومؤسسات سيادية مُعطلة ليبيـا.. عندما يكون جارك فوهة بركان!

انطلاقاً من «الاحترام المتبادل»، و«رفض التدخل فى الشئون الداخلية للدول واحترام سيادتها واستقلالها»، تتخذ «مصر» على عاتقها هذه المبادئ فى سياستها الخارجية تجاه التعامل مع دول العالم؛ كما أنها لا تحيد عنها فى التعامل مع أزمات الدول، وتحديداً المجاورة، التى تمثل الأمن القومى للدولة المصرية. وفى الوقت الذى تبنى فيه «مصر» الدولة داخلياً، فإنها تسعى أيضاَ لتقديم يد المساعدة للشعوب المجاورة فى مواجهة محناتهم المختلفة، انطلاقاً من إيمانها بالدور العربى، والحفاظ على الأمن الإقليمى.



 

ومن هذا المنطلق، فإن الدولة المصرية- من بين مهامها فى الحفاظ على الأمن القومى- تواجه تحديات من البوابة الغربية عند الحدود مع «ليبيا» المشتعلة داخلياً لأكثر من عقد كامل، بالتزامن مع تقديم يد المساعدة للشعب الليبى. 

فلم تألُ «القاهرة» جهدًا، من أجل وضع نهاية للأزمة الليبية؛ ولطالما شددت «مصر» فى مختلف المحافل الدولية على ضرورة التوصل إلى تسوية شاملة ومستدامة للأزمة فى «ليبيا»، تحافظ على وحدة وسلامة أراضيها؛ مؤكدة دعمها الكامل لكل ما من شأنه تحقيق المصلحة للشعب الليبى، ويحافظ على وحدة وسيادة أراضيها؛ دون التدخل فى الشؤون الداخلية للبلاد بما ينتهك سيادتها.

الجارة «ليبيا»

تشغل «ليبيا» أولوية لدى الدولة المصرية؛ لأنها تشترك معها فى حدود طويلة تصل إلى 1200 كيلومتر، ما يجعلها لا تتجزأ من أمنها القومى، فضلاً عن العلاقات القوية التاريخية بين الجانبين التى تعود لقرون طويلة؛ لذلك، تعد الأزمة الليبية إحدى أولويات السياسة الخارجية المصرية فى الوقت الراهن، حيث تربط البلدين مصالح أمنية واقتصادية، فضلاً عن الروابط الاجتماعية.

وعليه، كان هدف «مصر» الرئيسى خلال تعاملها مع الأزمة الليبية المشتعلة، هو عودة الاستقرار داخل «ليبيا»، دون الانحياز لطرف على حساب الآخر، وتقريب وجهات النظر بينهما؛ مؤكدة أنها لا تنحاز إلا للشعب الليبى فقط؛ رافضة التدخلات الخارجية فى الشأن الداخلى الليبى.

كما حرصت «مصر» طوال السنوات القليلة الماضية على تقديم جميع أوجه الدعم السياسى واللوجيستى، إلى جانب تهيئة المناخ المناسب بكل الطرق والأشكال للأطراف الليبية، من أجل إنجاح خارطة الطريق.

 الدعم السياسى

منذ اندلاع الأزمة الليبية فى عام 2011، حرصت «مصر» على الانخراط فى مسارات الحل، وجهود خفض التصعيد بين الأطراف الليبية؛ ساعية- فى الوقت ذاته- إلى حشد التأييد الدولى نحو موقف إيجابى، من أجل التصدى لخطر التنظيمات الإرهابية، التى اتجهت نحو تحويل «ليبيا» إلى قاعدة عمليات لأنشطتها فى شمال «أفريقيا»؛ دون أن تدخل عسكرياً فيها.

فبادرت «مصر»، التى أبدت اهتماماً كبيراً بالأوضاع فى «ليبيا»، باستضافة العديد من الاجتماعات واللقاءات، التى جمعت قوى سياسية وممثلين ليبيين، فى إطار المحاولات لإيجاد حل للأزمة بأيدى الليبيين أنفسهم، فضلاً عن مشاركة الدولة المصرية فى مؤتمرات دولية حول «ليبيا» سواء على المستوى الإقليمى أو الدولي؛ أكدت خلالها جميعاً الالتزام بالحل السياسى، كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة، وتحقيق المصالحة بين مختلف أطياف الشعب الليبى، ورفض التدخل الخارجى والخيار العسكرى لتسوية الأزمة، وضرورة الحفاظ على كيان ووحدة الدولة الليبية، ومؤسساتها الوطنية؛ بالإضافة إلى التأكيد على على ضرورة أن يكون الحل (ليبى – ليبي) بعيداً عن أى حلول مفروضة من الخارج.

وكان ضمن الجهود السياسية والدبلوماسية للعب دور الوسيط، من أجل حل الأزمة الليبية خلال السنوات العشر الماضية، هى استضافة «القاهرة» الأطراف الليبية فى يوليو 2017، فى سلسلة من الاجتماعات، بهدف تحقيق الوئام السياسى بين أبناء «ليبيا»، حيث تم مناقشة مخرجات الاتفاق السياسى الموقع فى «الصخيرات» بالمملكة المغربية، برعاية الأمم المتحدة.

وقبلها بشهور، استضافت «القاهرة» الاجتماع الوزارى العاشر لوزراء خارجية دول جوار «ليبيا» فى يناير 2017، الذى أكد ضرورة الحفاظ على أمن، واستقرار، ووحدة «ليبيا»، وسيادتها على أراضيها، ورفض أى تدخل أجنبى فى الشئون الداخلية الليبية.

أما فى يونيو 2020، أعلنت القيادة الساسية المصرية عن مبادرة سياسية باسم «إعلان القاهرة»، تمهد لعودة الحياة الطبيعية إلى «ليبيا»؛ محذرة من التمسك بالخيار العسكرى لحل الأزمة الليبية. 

كما انطلقت –أيضاً- فى «القاهرة» اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) فى نهاية أكتوبر 2021، من أجل بحث إخراج المرتزقة، والقوات الأجنبية، والمقاتلين الأجانب من «ليبيا»، بما يساهم فى دعم الحلول السياسية. 

أما على صعيد الجهود الخارجية المصرية، فشاركت الدولة المصرية فى العديد من المؤتمرات والقمم التى تخص الشأن الليبى، ومن بينها، مشاركة «مصر» فى (مؤتمر باريس حول ليبيا)، الذى انعقد على هامش (منتدى باريس للسلام) فى نوفمبر 2021.. حيث وجهت «مصر»- حينها- رسالة واضحة، مفادها أن الوقت قد حان للبدء فى إجراءات محددة للوصول إلى حل سياسى شامل للأزمة الليبية؛ محذرةً من خطورة استمرار الصراع المسلح على الأمن القومى الليبى، وعلى دول جوارها العربى، والأفريقى، والأوروبى عموماً.

على كل، كانت التحركات المصرية فيما يخص «ليبيا»، تهدف إلى حل الأزمة الداخلية، وتقديم جميع سبل الدعم للشعب الليبى، دون التدخل الخارجى والعسكرى فى الشئون الداخلية للبلاد بشكل أو بأخر.

وفى هذا السياق، جدير بالذكر، أنه رغم تفويض مشايخ وأعيان القبائل الليبية -خلال لقائهم مع الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فى «القاهرة» فى يناير 2020- القوات المسلحة المصرية بالتدخل لحماية السيادة الليبية، واتخاذ جميع الإجراءات لتأمين مصالح الأمن القومى للبلدين «ليبيا، ومصر»، فإن الدولة أبت أن تستخدم قوتها العسكرية داخل أراضى جارتها الليبية.

 التدخل المشروع الوحيد

«الانحياز للشعب الليبى».. كان المبدأ الوحيد الذى تدخلت فيه الدولة المصرية بصورة مباشرة فى الشأن الليبى.. وهو التدخل الإنسانى الخالص.

فبعيداً عن إرسال آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية طوال السنوات الماضية إلى الشعب الليبى، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، فى إطار دعم وتضامن «مصر» مع «ليبيا» فى مختلف الظروف، كانت تداعيات العاصفة «دانيال» التى ضربت شرق الأراضى الليبية، وتحديداً مدينة «درنة» المنكوبة، والتى أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا، والجرحى، والمفقودين، خير دليل على دعم «مصر» للشعب الليبى فى محنته.

فحركت الدولة المصرية حاملة المروحيات (ميسترال) - تنفيذاً لتوجيهات الرئيس «السيسى» - إلى «ليبيا»، من أجل عمل مستشفى ميدانى، يدعم متضررى العاصفة العنيفة التى ضربت مدينة «درنة»؛ فيما أكدت القوات المسلحة أنها مستمرة فى تنفيذ توجيهات القيادة السياسية، لدعم جميع جهود الإنقاذ فى «ليبيا» الشقيقة. 

التحركات المصرية لدعم الشعب الليبى فى محنته جراء العاصفة المميتة، دفعت المسئولين فى «ليبيا»، وتحديداً مسؤولى الجيش الوطنى الليبى إلى الإشادة بدور «مصر» فى هذه المحنة؛ موضحين أن الدولة المصرية كانت سباقة فى تقديم المساعدات؛ معربين عن شكرهم للجيش المصرى على تقديم المساعدات لدولة «ليبيا»؛ مؤكدين أنه يمتلك إمكانات كبيرة وساعدتهم فى الأزمة.

 دعم رغم التحديات الاقتصادية

كاد التبادل التجارى بين البلدين - الذى تجاوز قبل 2011 حاجز المليار دولار- أن يصل إلى نقطة الانهيار، بسبب الأحداث المتأزمة الداخلية فى «ليبيا»، وما نتج عن ذلك من تداعيات أمنية خطيرة، أثرت بدورها على حركة التجارة والاستثمارات بين البلدين.. حيث تراجع حجم التبادل التجارى من مليارين و500 مليون دولار عام 2010، إلى نحو 500 مليون دولار فى 2018.

 

ومع ذلك، أصرت الدولة المصرية على إبرام عدد من الاتفاقيات مع الجانب الليبى الشقيق - رغم الأزمات- إيماناً بضرورة نهوض الدولة اقتصادياً، بما يدعم الشعب الليبى. 

وعليه، بدأ التبادل التجارى والاستثمارات بين البلدين فى التعافى عامًا تلو الآخر، حيث بلغت قيمة التبادل التجارى بين «مصر، وليبيا» مليار دولار خلال عام 2021، مقابل 645.9 مليون دولار خلال عام 2020، بنسبة ارتفاع قدرها %60.5؛ بينما بلغت قيمة الاستثمارات الليبية فى «مصر» 8 ملايين و200 مليون دولار خلال الربع الأول من العام المالى (2021-2022)، مقابل 6 ملايين و300 مليون دولار، خلال نفس الفترة من العام المالى (2020-2021)، بنسبة ارتفاع قدرها 30.2 %؛ وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

 نتائج الدور المحورى لمصر فى مساندة ليبيا

أدت الجهود المصرية الحثيثة فى مساندة الجارة الغربية «ليبيا» طوال السنوات الماضية إلى أن يصبح التحرك المصرى مقبولاً ومدعوماً من المكونات الليبية جميعًا، بالإضافة للدول الكبرى الحريصة على سلامة الدولة الليبية؛ وذلك بعد أن وظفت القيادة السياسية المصرية رؤيتها الحيادية للمشهد الليبى، من أجل صياغة إطار فعال، تبنته المحافل الدولية، والبعثة الأممية، من أجل إعادة إطلاق مسارات التسوية، لتصبح «مصر» - فى الوقت الحالي- أكثر الأطراف موثوقيةً من جميع أطراف الأزمة، والقادرة على الاتصال بكل القوى الليبية، من أجل صياغة نسق توافقى، ما جعل الدور المصرى يحظى بمباركة، ومساندة، وتأييد مؤسسات الدولة الليبية، وهو تأييد بالغ الأهمية سمح لمصر بالتحرك على الساحة الليبية بشكل أفضل.

بشكل عام، يعد أهم ما ميز الدولة المصرية عن غيرها من الدول فى تعاملها مع القضية الليبية، هو اتخاذها خطاً مختلفاً فى سياستها الخارجية، تجلى فى العمل على (توفير المناخ المناسب لليبيين)، من أجل التوافق بأنفسهم على إطار التسوية السياسية، ومساعدة الأطراف الليبية على بناء توافق (ليبي- ليبي)، من خلال مجموعة من الجهود والتحركات الدبلوماسية والسياسية؛ دون التدخل بصورة مباشرة فى الصراع الليبى.