الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. القضية الفلسطينية ليست صراعًا دينيًا

ع المصطبة.. القضية الفلسطينية ليست صراعًا دينيًا

فى عام 1989 عندما كنت طالبًا بالجامعة، أقمنا معرضًا فى الذكرى الأولى لاغتيال المناضل الفلسطينى خليل الوزير (أبو جهاد)، أحد المحركين للانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكان المعرض بعنوان «فلسطين عربية»، وفوجئت بعدد من أعضاء الجماعة الإسلامية التى كانت لا تزال تملك بعض السيطرة على جامعة أسيوط فى ذلك الوقت، وكل منهم لديه لحية تلامس صدره، وقد حاوطونى من كل جانب معترضين على عنوان المعرض، قلت لهم لماذا؟ أجابوا بأن فلسطين إسلامية ولابد أن يكون هذا عنوان المعرض!



مع أمثال هؤلاء لا يجدى النقاش، فهم لا يعرفون سوى لغة العنف، وبينما أنا فى حيرة من أمرى، أرسل لى الله من أنقذنى من بين أيديهم، وهى أسماء ابنة الدكتور أحمد ياسين نصار، وهو أحد أبرز أساتذة الجامعة وصاحب تاريخ نضالى نقى، وكانت وقتها أسماء فى الفرقة الأولى بقسم العلوم السياسية بكلية التجارة.

دخلت أسماء على خط النقاش وتصدت لهم لتعطينى الفرصة للهروب من بين أيديهم، فهم لا يعرفون غير لغة الجنازير التى لا تفارق أيديهم طوال الوقت.

مشكلة هؤلاء وغيرهم، أنهم يفرغون القضية الفلسطينية من جوهرها ومعناها، فعندما تختزل القضية فى كونها صراعًا دينيًا بين المسلمين واليهود، تضيع ملامحها وتفقد ركيزتها الأساسية، فهى فى الأساس قضية اغتصاب أرض من سكانها الأصليين ليستوطنها آخرون أتوا من بلاد شتى، لم يكن لهم على مدار قرون طويلة مضت موطئ قدم على هذه الأرض.

كما أن تحويل القضية إلى صراع دينى يدخلنا فى حلقة مفرغة وسجال بلا نتائج، بل أستطيع القول إن اليهودى يستطيع أن يستند فى مثل هذا الصراع الدينى إلى النصوص الدينية التى تؤيدهم، وهو ما يفعله القادة الإسرائيليون حاليًا.

ومن دروس التاريخ تعلمنا دائمًا أن الباب الواسع لتفريغ أى قضية من مضمونها يكون من خلال إلباسها مسوح الدين، وكلنا نعلم كيف صنعت المخابرات البريطانية جماعة الإخوان الإرهابية، من أجل إضعاف التيارات الوطنية المدنية وفى القلب منها حزب الوفد القديم، وكيف رأينا دعم الإخوان للملك بهتافات «الله مع الملك»، مقابل هتافات «الشعب مع الوفد» المؤيدة للوفد.

إن تديين القضايا السياسية، حق يراد به باطل، بل ودس للسم فى العسل، ففى فلسطين بدلاً من أن تصبح «حماس» رافدًا إضافيًا لقوى النضال الفلسطينى ومنظمة التحرير الفلسطينية، فإننا نجدها على النقيض، عملت على تقويض المنظمة، وهنا أستشهد بكلام الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، فى حوار صحفى لمجلة آخر ساعة بتاريخ 13/1/1993، حيث قال: «المشكلة أنه لا يوجد قرار فى قيادتهم، لأن قيادة حماس تتبع قيادة الإخوان المسلمين فى الأردن، وكانت هناك ضغوط عليهم لكى لا يذهبوا إلى تونس ولا يذهبوا إلى اجتماع الخرطوم، وقيادة الإخوان فى الأردن لهم موقف من المنظمة وموقف من المفاوضات بالإضافة إلى التحريض الإيرانى».

وأضاف «أما بالنسبة للاختراق (يقصد الاختراق الإيراني) فإنه لم يحدث إلا فى حماس وجزء من حركة الجهاد الإسلامى ويتزعمه واحد اسمه فتحى الشقاقى وهو عميل للمخابرات الإيرانية، وليس أمرًا خافيًا عن قيادة المنظمة أن إيران تقوم بتمويل بعض الفصائل الفلسطينية لكى تنشق عن المنظمة، وما دفعته مؤخرًا لهم يبلغ 30 مليون دولار، ومثل هذه السياسة الإيرانية تضر بالقضية الفلسطينية، والأكثر من ذلك أن إيران تقوم بتدريب عناصر منشقة من حماس والجهاد لاختراقهم وهو نفس ما تفعله مع منظمات يسارية أخرى».

بالتأكيد، إننا نقف بجانب الشعب الفلسطينى فى محنته الحالية، وستظل القضية الفلسطينية على رأس أولويات الدولة المصرية، وهذه ثوابت لا غبار عليها، لكن ما أخشاه أن تكون «حماس»، ذريعة لجعل القضية الفلسطينية مجرد صراع دينى مع اليهود، ويضيع جوهرها كقضية وجود، ودفاع عن أرض مغتصبة من قبل عصابات صهيونية استوطنت أرضاً ليست أرضها.