الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. تجاهل جرائم نتنياهو يضع مصداقية الجنائية الدولية على المحك فى غزة.. لا قيمة للحق فى الحياة

حقك.. تجاهل جرائم نتنياهو يضع مصداقية الجنائية الدولية على المحك فى غزة.. لا قيمة للحق فى الحياة

ارتكبت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، خلال فترة زمنية وجيزة، عددًا من المجازر والتجاوزات والاختراقات للقوانين الدولية وسط صمت دولى متجاوزة كل مبادئ حقوق الإنسان بشكل فج، إذ تحولت غزة إلى سجن لسكانه وسط مذابح دموية لأطفاله ونسائه ووصف سكانه بالحيوانات دون اكتراث لأى قيم إنسانية أو مراعاة لأهم حق من حقوق الإنسان وهو الحق فى الحياة.



أقل ما يمكن وصف هذه الممارسات بأنها جرائم حرب وإبادة جماعية للمدنيين وتهجير قصرى للسكان وتصفية عرقية عنصرية بحق الشَّعب الفلسطينى فى غزة وفقا لما نصت عليه المواثيق والقوانين الدولية بما فيها اتفاقية جنيف إذ تمارس قوات الاحتلال الإسرائيلى شن الهجمات وقصف المنازل واستهداف المستشفيات ودور العبادة من الكنائس والمساجد، وكذلك المدارس والتى أفضت إلى استشهاد ما يقرب من 9000 شهيد من العزل أغلبهم من الأطفال، بالإضافة إلى النساء وكبار السن وإصابة الآلاف إصابات خطيرة، ومحاصرتهم بقطع سبل الحياة من ماء وغذاء وكهرباء، بالإضافة إلى طمس الحقائق من خلال استهداف المؤسسات الإعلامية وتدميرها وملاحقة الإعلاميين الفلسطينيين وتصفيتهم.

وبالرغم من وجود العديد من التشريعات والاتفاقات والمعاهدات الدولية التى تنظم معاملة المدنيين والجنود وأسرى الحرب فى نظام النزاعات المسلحة فإن قوات الاحتلال الإسرائيلى ما زالت تخترق هذه القوانين وتواصل سلسلة من جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى المحتل ضاربة فى ذلك عرض الحائط بالقانون الإنسانى الدولى وغير مكترثة بالتزاماتها كدولة طرف فى اتفاقيات جنيف الصادرة فى 12 أغسطس 1949المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.

ما يحدث الآن ليس جديدًا، فقد اعتادت قوات الاحتلال الإسرائيلى على مدار الـ70 عامًا الماضية على ارتكاب العديد من الانتهاكات على مدار تاريخها الاستيطانى ضد الفلسطينيين مستفيدة من تواطؤ غربى حيال هذه الانتهاكات الفجة واستطاعت على مدار تاريخها الإفلات من العقاب عقب أعمالها العدائية المستمرة، إذ اعتبرت إغارات منتصف الليل على مخيمات اللاجئين فى غزة والضفة الغربية مألوفة؛ وقد صار من المعتاد أن يُضرَب سكانها، ويعتقل بعضهم عسفاً، وأصبح القتل والمعاملة القاسية والاستيلاء على الممتلكات والمعاملة اللاإنسانية واحتجاز الأفراد بصورة غير قانونية وعدم إخضاعهم لمحاكمات عادلة والتهجير من أماكن سكنهم وإقامة جدار العزل الإسرائيلى وهدم المنازل والعقوبات الجماعية بمثابة نهج سياسى ضد الفلسطينيين دون اكتراث للقانون الدولى الإنسانى ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، بل على العكس يقف المجتمع الدولى مكتوف الأيدى أمام هذه الجرائم ويكتفى بتقديم الإدانات والتبريرات لإفلاتها من العقاب، مما يعكس ازدواجية وخللاً فى منظومة معايير حقوق الإنسان الدولية.

فى مارس الماضى أصدرت الدائرة التمهيدية الثانية فى المحكمة الجنائية الدولية المدعومة من الأمم المتحدة مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بشأن مزاعم جرائم حرب متعلقة بترحيل أطفال و«نقلهم بصورة غير القانونية» من أوكرانيا، وقالت المحكمة لحظة إعلانها عن أوامر الاعتقال إن الأوامر تنص على مسئولية كل من الرئيس بوتين والمفوضة «عن جريمة الحرب المتمثلة فى الترحيل غير القانونى» للأطفال من الأراضى المحتلة فى أوكرانيا إلى روسيا.

المحكمة قالت إنها وجدت أسبابًا معقولة تفيد بأن السيد بوتين يتحمل مسئولية ارتكاب الأفعال بشكل مباشر، بالاشتراك مع آخرين، أو من خلال آخرين، و«لفشله فى ممارسة سيطرته كما ينبغى على مرءوسيه المدنيين والعسكريين الذين ارتكبوا الأفعال، أو سمحوا بارتكابها».

أنشأت المحكمة الجنائية وفق نظام روما الأساسى ويمتد اختصاصها ليشمل جميع الجرائم الدولية الأشد خطورة التى ارتكبت بعد 1 يوليو 2002، وهو تاريخ دخول نظام روما الأساسى حيز التنفيذ واقتصر اختصاص المحكمة على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان.

بالمقارنة مع حالة الرئيس بوتين ألا تعتبر سياسة العقاب الجماعى وقطع المياه والكهرباء ثم قطع الاتصالات واستهداف النساء والأطفال وقصف المستشفى المعمدانى وإخراج الوحدات الطبية عن العمل والحديث علنًا عن عملية ترحيل قسرى لأهالى غزة باتجاه الحدود المصرية بهدف توطينهم فى دولة أخرى من جرائم الحرب، أليست إبادة جماعية جديدة تتم تحت سمع وبصر القوى العظمى فى العالم وتحديدًا الولايات المتحدة، إن ما يتعرض له أهالى غزة هو حرمان أكيد من الحق فى الحياة وهو الحق الأسمى والأعلى فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى تتشدق الولايات المتحدة بأنها تحميه.

إن اتهام رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بارتكاب جرائم حرب تقع تحت طائلة المحكمة الجنائية الدولية أمر لا يقبل الجدل أو التشكيك، لدينا أسماء للضحايا وتصريحات رسمية تتحدث عن الاستهداف والقتل والانتقام، وكل ذلك لم يجد صدى عن الحكومات الغربية التى تحركت ضد بوتين ودعمت نتنياهو، حتى تصريحات المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة فى غزة صوتها خافت وربما صدرت لتخفيف الضغط وتجميل الصورة، ولكنها أكدت أننا أمام نظام دولى مهترئ تتحكم فيه سياسات دول كبرى تتحدث عن عادلة على مقاس حلفائها فقط، أما الآخرون فهم فلسطينيون عرب همجيون وأشرار ولا مانع من قتلهم.

لا يقف نتنياهو وحده فى قفص الاتهام، بل يقف بجانبه الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى دافع عن تصرفات نتنياهو وحرك من أجل إسرائيل حمالات الطائرات وأعاد عشرات الجنود الأمريكيين إلى الشرق الأوسط، وغض الطرف عن حالات قتل الأطفال والنساء، وأجهض أى تحرك فى مجلس الأمن أو فى الجمعية العامة من أجل وقف آلة العدوان الإسرائيلية ضد المدنيين فى قطاع غزة المنكوب.

إذا مرت جرائم نتنياهو والحكومة الإسرائيلية المتطرفة دون عقاب دولى، فيمكننا التوقع بأن العدالة الدولية القائمة على مبادئ حقوق الإنسان قد شارفت على السقوط، فمن قدم بوتين ورؤساء آخرين للجنائية الدولية بمزاعم لم ترقَ إلى حد اليقين وجمد أى تحرك ضد نتنياهو يؤكد أن ذلك النظام متحيز ومزدوج المعايير ويمارس التمييز، ومن ثم يصبح دعوات إسقاطه صوتها أعلى من المحافظة على استمراره، والاستهانة بالعرب لا يخدم سوى أجندة التنظيمات الإرهابية وسيدفع فاتورتها العالم كله وهو ما حذر منه الرئيس عبدالفتاح السيسى مرارًا وتكرارًا وأثبتت الأيام والأحداث صوابه.

إلى ما تبقى من عقل وضمير لدى القوى الكبرى العالم، استمرار نتنياهو والمتطرفين فى الحكومة الإسرائيلية أمر شديد الخطورة على مستقبل الشرق الأوسط، تلك الحكومة هى من صنعت ذلك المشهد المأساوى ووضعت الولايات المتحدة فى موقف حرج أمام حلفائها فى المنطقة، بل إن محاكمة نتنياهو وأركان نظامه عبر آليات العدالة الدولية والأممية يحمى النظام الدولى ومنظومة حقوق الإنسان، توثيق الجرائم وتحديدها وتنفيذ سبل العقاب وتعويض المضرور والشروع فى تنفيذ حل الدولتين يخدم كل الأطراف ويعطل أدوات الإرهاب ويساهم فى تهدئة الأوضاع وعودة الاستقرار ويدعم أصوات السلام.. إذا كان هناك من يبحث عن السلام.