الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. انتبه عند «الفرجة» على هذه القنوات.. فى أوقات الحروب والأزمات  عن فن الحرب.. و«رذيلة» الإعلام

الطريق الثالث.. انتبه عند «الفرجة» على هذه القنوات.. فى أوقات الحروب والأزمات عن فن الحرب.. و«رذيلة» الإعلام

تفهم الجمهور المصرى الواقع الإعلامى الجديد والحرب الإعلامية الشرسة والاستقطاب الواضح فى متابعته لتغطية «الحرب على غزة»، وأدرك بسهولة أن ما تقدمه الفضائيات العربية والأجنبية أصبح عاكسا لجنسية كل قناة ومصدر تمويلها، فالمهنية وأخواتها من (الكليشيهات) القديمة التى تاجر علينا بها الإعلام الغربى سنوات وسنوات، سقطت جميعها فى غزة وتم دفنها تحت أنقاض المدينة المسكينة التى انهارت فوق سكانها الغزاوية المكلومين.



 

لقد تلونت التغطيات الإخبارية الممتدة على جميع القنوات الإخبارية حول العالم، وفق شبكات المصالح والعلاقات التى تدير المحتوى وتتحكم فى اتجاهاته، باختيار أسماء الضيوف وجنسياتهم وطبيعة توجههم الفكرى ومدى ملاءمة آرائهم لأجندة كل قناة، وممارسة الانتقائية فى الأخبار والأحداث وزاوية تناولها، وتكرار أخبار بعينها ومنحها أولوية على مدار الساعة. 

سرديات غزة

ولعلى اتفق مع ما خلصت إليه الدكتورة دينا شحاتة رئيس وحدة الدراسات المصرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى مقالها «كيف نظر الإعلام والرأى العام الغربى لحرب غزة 2023؟»، من أن تناول الإعلام الغربى للأحداث الأخيرة يقوم على عدد من السرديات أو الثيمات Themes التى تروج لها إسرائيل، ويتم تناولها بشكل متكرر فى الإعلام الغربى، فى محاولة لتشكيل خطاب ذى سمات محددة حول الصراع الحالى فى الأراضى المحتلة.

وقد رصد المقال 9 سرديات بنيت عليهم تغطية الإعلام الغربى منذ 7 أكتوبر 2023، وهى: هجوم 7 أكتوبر إرهابى، هجوم حماس غير مبرر، هجوم 11 سبتمبر جديد، معركة واحدة فى إسرائيل وأوكرانيا، حرب بين حماس وإسرائيل، حماس جماعة إسلامية متطرفة، حماس لا تمثل الفلسطينيين أو القضية الفلسطينية، غزة ليست محتلة وحماس كان لديها خيارات أخرى، مصر عرقلت فتح معبر رفح.

وتبنى الإعلام الغربى لهذه السرديات الزائفة، جعله شريكاً فى جريمة إبادة الشعب الفلسطينى فى غزة، وداعما قويا لإسرائيل للتمادى فى وحشيتها وجرائمها التى أدانها قلة من أصحاب الضمائر فى بلاد الغرب المتحضر، وأرى أن مقاطعة هذه القنوات ربما يكون هو أول الطريق للتخلص من تأثيرها الساحر على عقول الناس حول العالم وفى العالم العربى بشكل خاص، ولدى صناع الإعلام أنفسهم.

كتابان

أبعدت بصرى عن شاشة الكمبيوتر المزدحمة بالأخبار الخطيرة والمثيرة، مبحراً فى عناوين الكتب المصفوفة بعناية وترتيب فى مكتبتى الخاصة، توقف بصرى أمام عنوانين ارتبطا بما كنت أتابع من أحداث، أولهما من تأليفى وصدر نهاية عام 2019 وهو كتاب «الصحافة: عندما تصبح المهنة رذيلة»، والثانى كتاب «فن الحرب» للفيلسوف العسكرى الصينى (سو تزو) والصادر قبل 2300 عام، والذى انتشرت مقاطع منه عبر العصور وشكلت إعصاراً من الأفكار والنظريات والسياسات لدول وشعوب بل لأشخاص ناجحين، ورغم مرور السنين ما زال الكتاب مصدراً لإلهام الملايين حول العالم، ومصدراً لاستراتيجيات عسكرية مؤثرة. ورغم الفارق الزمنى الشاسع بين الكتابين إلا أن ظروف الحرب على غزة جمعتهما أمامى واستدعتهما اللحظة لإعادة القراءة والاطلاع.

وهم المهنية

يحكى الكاتب والباحث المغربى د.خالد حجى فى مقال له على موقع الجزيرة القطرى، أن منصات التواصل الاجتماعى تتداول مشهدًا لامرأة بريطانية توبخ ابنتها لتنهاها عن الكذب، وهى تقول: «إذا لم تتجنبى الكذب وأنت صغيرة، فإنك حين تكبرين ستصيرين مذيعة من مذيعات البى بى سى».

تدعم هذه القصة ما ذكرته فى كتاب «الصحافة» تحت عنوان «وهم المهنية فى الإعلام الدولى» والذى فندت فيه بحكم سابق خبرتى المهنية، أسباب هيمنت (البرندات) الدولية الكبرى على سوق (الميديا) فى المجتمعات العربية ومنها مصر، وشرحت موضحا ضعف ما تقدمه من محتوى وزيفه، كاشفا الكثير من أسرار مطابخها الصحفية، وكيف صنعت معادلة التأثير الوهمى، وذكرت موضحاً: «يجب أن نعرف أن مهنية وسائل الإعلام الدولية (أو العالمية) تتأرجح بحسب الدعم المالى والمعنوى الذى توفره لها الأنظمة التى تقف خلفها، ووفقا للدور المرسوم لها مسبقاً، بالطبع لست بحاجة لأن أخبرك بحقائق يعلمها معظم أبناء صاحبة الجلالة، كل وسائل الإعلام فى العالم تقف وراءها أنظمة أو أجهزة، سواء بشكل معلَن وظاهر أو خفى عبر وسطاء وواجهات من رجال المال والأعمال، وهذه المهنية المزعومة أو سمها الموضوعية أو الشفافية، هى كلمات اخترعها أصحاب هذه الوسائل لدغدغة مشاعر الجماهير وخداعهم وإيهامهم بأن ما يقولونه هو الحقيقة المطلقة». 

المقاتل الباسل

«سيكون رهيباً فى هجومه، متأنياً عند اتخاذه لقراراته»، هكذا وصف (تزو) المقاتل الباسل فى كتابه، تأملت صورة الرئيس السيسى أمامى على الكمبيوتر وأنا أستمع لحديثه إلى المصريين وشعوب العالم فى مناسبات متنوعة، ومنها ما قاله فى خطابه التاريخى منتصف أكتوبر الماضى فى حفل تخرج دفعات جديدة من الكليات العسكرية: «إن سعى مصر للسلام، واعتباره خيارها الاستراتيجى، يحتم عليها ألا تترك الأشقاء فى فلسطين الغالية، وأن تحافظ على مقدرات الشعب الفلسطينى الشقيق، وتأمين حصوله على حقوقه الشرعية.. فهذا هو موقفنا الثابت والراسخ، وليس بقرار نتخذه، بل هو عقيدة كامنة فى نفوسنا وضمائرنا».

واسترجعت أيضا كلمات الرئيس وسط جنود الجيش المصرى فى المنطقة الغربية العسكرية فى يونيو 2020، حيث قال: «الجيش المصرى من أقوى جيوش المنطقة ولكنه جيش رشيد.. يحمى ولا يهدد.. يؤمن ولا يعتدي.. تلك هى عقيدتنا وثوابتنا التى لا تتغير.. كونوا مستعدين لتنفيذ أى مهمة داخل حدودنا وإذا تطلب الأمر خارج حدودنا».

إن خروج القوات المسلحة المصرية من أراضيها للدفاع عن أمن الوطن، قرار لا يعرف خطورته ونتائجه إلا قائد الدولة وفريقه الرئاسى والعسكرى، وحكام مصر منذ ثورة يوليو 1952 لم يتخذوا قرار الحرب بحثاً عن مجد أو جرياً وراء شهرة، فكلهم (لسابق خبرته العسكرية) كان مدركاً لقسوة القرار وكلفته، وظنى أن كلها كانت قرارات ضرورية ومصيرية لا مفر منها دون الدخول فى تفاصيل (ومزايدات) حول كل قرار وخلفياته وتبعاته ونتائجه حتى اليوم.

إلا فلسطين

لقد أحالتنى الأحداث فى المنطقة إلى تأمل كتاب «فن الحرب» بتأنى وتركيز، بعد سنوات كثيرة كنت قد نسيته مخفياً بين كتبى، وقبل أن أتركه، توقفت أمام هذه السطور: «إن إحراز مائة انتصار فى مائة معركة ليس هو الأفضل بل إن إخضاع العدو من دون قتال هو أفضل ما يكون».

علينا اليوم أن نساند وطننا وندعم جيشنا، وألا نضيع الوقت فى جدال أو خلاف يضعف وحدة الصف ويشتت الانتباه، يجب أن نتحد فى معركتنا ونتكاتف، ونمنع كل أشكال الدعاية السلبية والأفكار الهدامة، هذا دورنا جميعاً.. الشعب قبل الحكومة، والفرد قبل القيادة.. استقيموا.. يرحمكم الله.. واستووا واعتدلوا.. وسدوا الفرج.

 وندعو الله أن تكون غزة هى مقبرة المشروع الصهيونى الاستعمارى، وأن ينصر أشقاءنا فى فلسطين ويحفظ مصر محروسة إلى قيام الساعة.

واختم مذكرا نفسى وإياكم بكلمات الشاعر الكبير فؤاد حداد فى قصيدته «إلا فلسطين» التى حولها الشيخ سيد مكاوى إلى أيقونة خالدة للمقاومة الفلسطينية: « ولا فى قلبى ولا عينيّ إلا فلسطين/وأنا العطشان ماليش ميّة إلا فلسطين/ولا تشيل أرض رجليّا وتنقل خطوتى الجاية إلا فلسطين/أنا العطشان ماليش ميّة إلا فلسطين».