الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

غزة كشفت «حرية الإعلام» الغربى الحقيقة الزائفة

على مدار عقود، يحاول الغرب تصدير مبادئه وإرساء ديمقراطيته إلى جميع بلاد العالم، واضعًا أسسًا وقواعد معينة، ومناديًا بالحقوق الإنسانية للمجتمعات وإعلاء صوت المعارضة والدفاع عن حق المعرفة وإظهار الحقيقة للشعوب تحت أى ظرف.. فى مجمل هذه المبادئ الرائعة والتى يحاول العديد من الخارج إثبات تقدم شعوب الغرب عن الشرق وذلك بعد فهم أسس ومبادئ الديمقراطية.. لكن كل هذه المبادئ كانت قبل السابع من أكتوبر الجارى، وعقب اندلاع الحرب فى غزة «طوفان الأقصى» انكشف لشعوب العالم الوجه الحقيقى لحكومات الغرب وكيفية إتقانهم تزييف الحقائق واستخدام إعلامهم لتضليل الرأى العام..



 

 الإعلام كان سلاح الغرب القوى الذى يعتمد عليه فى جميع مصالحه.. سواء فى أيام الحرب أو السلم.. لكن لم يدرك هذا العالم أن الزمن لم يعد كسابقه وأن هذا السلاح للمرة الأولى سيتوجه لساساتهم.. فمنذ اندلاع حرب غزة وبدأ الإعلام الغربى فى السقوط فى أسفل قاع.. لم تعد شعوبهم تستمع إليهم، بل بدأت المجتمعات الغربية تبحث عن الحقيقة من صفحات أصحاب القضية نفسهم.. للمرة الأولى يفشل الغرب فى استخدام سلاح البروباجندا الإعلامية ويواجه مئات المظاهرات السلمية فى جميع دول العالم مطالبين بوقف مذابح الكيان الصهيونى وأعوانه لأبناء غزة.. للمرة الأولى يتأكد الشارع الغربى من هو المحتل ومن هو صاحب الأرض.

فبركة الأخبار

منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» اتجهت العديد من وسائل الإعلام الغربية خاصة الإعلام الأمريكى والبريطانى لتبنى الرواية الإسرائيلية وما شبهوه بأحداث «11 سبتمبر 2001» متجاوزة فى كثير من الأحيان الضوابط المهنية والحياد وقد ظهر ذلك فى أكثر من مناسبة.

ومن قصة «قطع رءوس أطفال إسرائيليين»، مرورًا بتسمية العدوان نفسه بـ«حرب إسرائيل وحماس»، كذلك اتهام حركات المقاومة الفلسطينية بأنهم السبب وراء مجزرة مستشفى المعمدانى فى غزة، إلا أن وسائل الإعلام الغربية سقطت فى فخ الرواية الإسرائيلية القائمة على الدعاية وليس الحقائق على الأرض.

ويمكن للمتابع أن يلاحظ جوهر وشكل التغطية الصحفية فى واشنطن ولندن وبرلين وغيرها من العواصم التى تؤيد وجهة النظر الإسرائيلية فى تناولها للأحداث بناء على هوية الضحايا وانتمائهم لا على أساس قيمة الحياة الإنسانية بحد ذاتها كما يحاولون الترويج عن إعلامهم.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك أن هيئة الإذاعة البريطانية BBC استخدمت أثناء تغطيتها للحرب كلمة «ماتوا» للإشارة على شهداء الفلسطينيين فى غزة، و«قتلوا» لوصف القتلى الإسرائيليين، وهو ما يمكن وصفه بـ«فضيحة إعلامية»، كما أن نشر روايات مختلقة عن قطع رءوس لم يقع أو اغتصاب نساء لم يحدث، ومن ثم الاعتذار عنها لاحقًا عندما تكتشف يضع الكثير من وسائل الإعلام الغربية فى امتحان مهنى صعب.

يُريد الاحتلال الإسرائيلى وسائل الإعلام أن تصدق روايته دون أدنى فحص، ويتبعه فى ذلك بعض الإعلام الغربى، فالرواية التى أطلقها المتحدث باسم الاحتلال عن مجزرة قصف مستشفى المعمدانى فى غزة، سرعان ما تناقلتها وسائل إعلام عالمية دون كثير من التحقق رغم توفر أدلة تثبت أن رواية الاحتلال كاذبة.

وكان اللافت للنظر أن BBC نشرت، قبل يوم واحد من قصف المستشفى تقريرًا يتساءل: «هل تقوم حماس ببناء الأنفاق تحت المستشفيات والمدارس»؟

ويضيف التقرير أنه «من المرجح أن تتدفق شبكة الأنفاق تحت أحياء مكتظة بالمنازل والمستشفيات والمدارس، مما يمنح الاحتلال الإسرائيلى ميزة الشك عندما يتعلق الأمر بقصف مثل هذه الأهداف».

وجاء الجواب من الاحتلال فى اليوم التالى بارتكاب مجزرة المستشفى وقتل المئات من المرضى وذويهم من النساء والأطفال، فى مجزرة ربما لم يشهد التاريخ مثيلاً لها.

وكررت مراسلة «سى إن إن» الأمريكية ما قاله جيش الاحتلال، وقالت إن «حماس ربما أخطأت فى إطلاق الصواريخ لتسقط على المستشفى فى غزة، وفقا للجيش الإسرائيلى». كما نقل هذه الفرضية أيضًا الرئيس الأمريكى جو بايدن خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو عقب الحاث وأكد أنه يصدق أن جيش الاحتلال لن يقصف المستشفى وأن الجانب الآخر هو الجانى.. دون حتى التحقق من هذه المعلومة قبل أن تخرج على لسان صاحب أكبر قوة دولية. 

الدعاية السوداء

ويتجلى الدعم الإعلامى الغربى الكامل فى تبنى كل الأخبار الواردة من إسرائيل عندما تحدث الرئيس الأمريكى جو بايدن، عن «قطع حماس رءوس أطفال إسرائيليين»، الذى فبركته مصادر إسرائيلية، كما تناقلته وسائل إعلامية غربية مشهورة، ودون التأكد من المعلومة أو إثبات أحقيتها أُفردت لها تغطيات واسعة قبل أن يظهر سريعا أن مصدرها جندى اسمه ديفيد بن زيون، وهو أحد المستوطنين المؤيدين لقتل الفلسطينيين، صرح بها لقناة إسرائيلية وطارت بها الأنباء كحقيقة فى كبرى قنوات التلفزة الغربية وتصدّرت صحفهم.

وذكر تقرير نشره موقع «ميدل إيست آى» البريطانى أن وسائل الإعلام البريطانية هيمنت عليها تقارير عن مذبحة ارتكبها مقاتلو حركة حماس فى المستوطنات فى جنوب إسرائيل، وزُعم على نطاق واسع أنهم قطعوا رءوس الأطفال.

ونشرت العديد من الصحف الرائدة فى بريطانيا -بما فى ذلك «ديلى ميل»، و«ذا صن»، و«ذا تايمز»، و«ديلى تلغراف»- تفاصيل عن عمليات القتل المزعومة لـ40 طفلا، بمن فى ذلك أطفال رضع، وهو الادعاء الذى لم يستطع أحد -بما فى ذلك الاحتلال- إثباته بأى شكل من الأشكال، كما أن حماس نفته، ونشرت عدة مقاطع فيديو تُثبت العكس تمامًا، من خلال تعاملها الإنسانى مع النساء والأطفال.

وقالت صحيفة «ذا صن» البريطانية فى صفحتها الأولى «المتوحشون يقطعون رءوس الأطفال فى مذبحة». وقالت «التايمز» «لقد قطعت حماس حناجر الأطفال فى مذبحة». أما مقدّم الأخبار الشهير بقناة «سى بى إس» الأمريكية جيف جلور فقال إنه شاهد صورًا، ولم يسأله أحد ماذا وأين ومتى؟

وبدت هذه الحملة ممنهجة ضمن ما يُعرفه خبراء الإعلام بـ«الدعاية السوداء» لشيطنة الآخر، وخطورتها أنها «تحضر المتلقى لتقبل قتل من تُشنّ عليه».

وبينما تجاهل بعضهم التصحيح، دفعت شجاعة مهنية من آخرين للتصويب، كمذيعة «سى إن إن» سارة سايدنر التى قالت إنها كانت على الهواء عندما وصلت مزاعم ذبح الرضع، وأنها تسرعت، وكان ينبغى أن تكون أكثر حذرًا، أما الباقون من كبرى وسائل الإعلام العالمية فلم يحدث اعتذار أو تصحيح خطأ مثلما هو متبع فى مواثيق الصحافة المتبعة عالميًا.

كذلك مذيعة «سى. إن. إن» «كلاريسا وورد» التى تلقت درسًا فى تعلم الصحافة والإعلام من الشابة المصرية رحمة زين التى واجهتها بنشر أكاذيب على الرأى العام العالمى ولم يكن أمام المذيعة سوى الإنصات لما تقوله زين ونشره على «سى. إن. إن» بعد فضح أكاذيب القناة على مدار أيام الحرب الأولى.

إسكات بالقوة!

لم يكن غياب الحياد والمهنية عن تغطية كثير من وسائل الإعلام الغربية على الحرب غير المسبوقة التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى على غزة تتوقف عند حد الانحياز للرواية الإسرائيلية، ومحاولة نشر التضليل الإعلامى بشكل -يرى كثيرون- أنه ممنهج، بل وصل إلى «إسكات» بعض الأصوات الإعلامية أو الصحفية وحتى من أبناء الشعوب الغربية بقوة غير عادية.

وأبرز مثال على ذلك، ما فعلته شبكة «إم إس إن بى سى» الأمريكية، حين أوقفت 3 من أبرز مذيعيها المسلمين بعد أيام من اندلاع الحرب على غزة، وهم مهدى حسن وأيمن محيى الدين وعلى فلشى، التى أكدت بعض المصادر الصحفية أنه تم إخراجهم بهدوء من منصبهم كمذيعين منذ بدء عملية طوفان الأقصى.

كذلك تم فصل المراسل الرياضى جاكسون فرانك من موقع «فيلى فويس» الإخبارى الذى انضم إليه أخيرًا بعد أن كتب على موقع إكس، تويتر سابقًا: «أتضامن مع فلسطين دائمًا»، فردّ الموقع بإقالته.

ولم تختلف «بى. بى. سى» البريطانية عن ذلك، بعد أن قررت التحقيق مع 6 من صحفييها العرب فى مكتبى القاهرة وبيروت، بالإضافة إلى وقف التعامل مع صحفية أخرى مستقلة، بدعوى «نشاطهم المتحيز لفلسطين على حساباتهم بمواقع التواصل».

وتضم قائمة الصحفيين المحالين للتحقيق: محمود شليب، سالى نبيل، سلمى الخطاب، بالإضافة إلى الصحفى فى القسم الرياضى بمكتب القاهرة عمرو فكرى، والصحفية المستقلة آية حسام فى القاهرة التى أوقفت «بى. بى. سى» التعامل معها، والصحفيتين سناء الخورى وندى عبدالصمد من لبنان.

وقد أوقفت إدارة «بى. بى. سى» صحفيى مكتب القاهرة عن العمل مؤقتًا لحين انتهاء التحقيقات.

ولا يتوقف الأمر على وسائل الإعلام، فبعض الساسة لا يريدون -فيما يبدو- سوى «إعلام الصوات الواحد»، وقد انبرى المرشح الجمهورى لانتخابات الرئاسة الأمريكية رون ديسانتس محذرًا من مشاهدة القنوات العربية والدولية فى تغطيتها للقصف الإسرائيلى على غزة، بعد أن سُئل عن قصف المبانى السكنية حيث يمكث المواطنون العزل.

أما على مستوى إسرائيل، فالأمر أكبر بكثير، فقد نشر حساب وزارة الدفاع الإسرائيلية على منصة «إكس» معاتبا الإعلام الغربى -على كل ما فيه من انحياز- بسبب أن بعض وسائل الإعلام هذه نسبت قصف مستشفى المعمدانى لجيش الاحتلال، ولم تأخذ الرواية الإسرائيلية للحدث.

وبعد توالى فضائح أبواق الإعلام الغربى كانت المفاجأة أن الشعوب الغربية بدأت تبحث عن معلومات صحيحة حول القضية الفلسطينية وهو الامر الذى أدى إلى نشر وعى قوى لمعرفة حقيقة ملابسات الحرب المستمرة على الأراضى الفلسطينية منذ 1948 وحتى وقتنا الراهن وما يمر به قطاع غزة من حصار غير إنسانى على مدار اكثر من 17 عامًا.. وكانت النتيجة خروج الملايين من الشعوب الغربية مطالبين بوقف القتل الممنهج وإبادة شعب غزة وللمرة الأولى منذ اقتحام الكونجرس عام 2021 دخل المتظاهرون السلميون مبنى الكابيتول هول ليرفعوا علم فلسطين من قلب الكونجرس ووقف دعم الحكومة الأمريكية للجيش الصهيونى.