الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد تفاقم خطورتها وتأثيرها السلبى على جهود التنمية الحكومة والمجتمع المدنى «إيد واحدة» لمواجهة الزيادة السكانية

تولى الدولة اهتماما كبيرا بقضية الزيادة السكانية لأنها تؤثر على جميع جوانب التنمية والنهوض بالمجتمع وتعمل على تعطيلها، وتعمل الوزارات جاهدة على علاج القضية السكانية سواء بالتوعية أو إتاحة وسائل تنظيم الأسرة أو غيرهما.



كما تشجع وتدعم مؤسسات المجتمع المدنى لمساعدتها فى مواجهة هذه الزيادة السكانية التى تلتهم كافة عوائد التنمية مما يؤثر على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ومستوى معيشتهم وتجعلنا غير قادرين على التقدم بخطى سريعة، لذا تتحد الوزارات المعنية مع مؤسسات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية لوضع خطط وسياسات وبرامج تسهم فى تحقيق أهدافها والحد من الزيادة السكانية وتم وضع الخطة الاستراتيجية 2023-2030.

 قضية مجتمعية

يقول د. طلعت عبدالقوى رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية وعضو مجلس النواب وعضو مجلس أمناء الحوار الوطنى، هناك جدل شديد حول استاتيكية القضية السكانية فتاريخيا بدأ المجلس القومى للسكان برئاسة رئيس الجمهورية وكان يحضره مجلس الوزراء وعدد من السادة الوزراء، وبعد ذلك بدأ رئيس الوزراء يتولى رئاسة المجلس وعدد من السادة الوزراء وتدرج الأمر حتى أصبح المجلس بقيادة وزير الصحة والسكان وعدد من ممثلى الوزراء (18 ممثل وزراء و4 شخصيات عامة)، فى الفترة الأخيرة شعرنا أن هيكلة ومؤسسة القضية السكانية ليست قوية، حيث إن رئيس المجلس هو وزير الصحة والسكان، وهو لا يملك أن يعطى تكليفات لوزير الأوقاف أو وزير التعاون الدولى أو وزير القوى العاملة وكل هؤلاء معنيون بالقضية كما أن ممثلي الوزراء ممن يحضرون الجلسات ليسوا أصحاب قرار، هذا بالإضافة إلى أننا حينما ننسبها لوزير الصحة نقول إن القضية السكانية قضية صحية فقط، والقضية السكانية جزء منها صحى وليست كلها قضية صحية فهناك جزء تنموى وجزء خاص بتوزيع السكان فهى قضية لها أبعاد كثيرة فلا يمكن اختزال القضية فى ارتفاع معدل النمو السكانى فقط، الصحة تقدم خدمة وليست المسئولة عن ارتفاع معدل النمو السكانى فهناك العديد من الأسباب الأخرى، لا بد من وجود القطاع الخاص مع المجتمع المدنى مع الحكومة لمواجهة القضية فهى ليست أيضا قضية حكومية فقط بل هى قضية مجتمعية.

وأضاف عبدالقوى أن الجمعية المصرية لتنظيم الأسرة من أقدم الجمعيات الأهلية فى مصر منذ عام 1958 وأصبحت عضو الاتحاد الدولى لتنظيم الأسرة منذ 1962 وهى جمعية مجانية بها 20 فرعًا فى المحافظات وتقدم خدمات تنظيم الأسرة فلدينا أكثر من 105 عيادات تقدم خدمات تنظيم أسرة للمواطنين وفى محور الشباب لدينا 19 عيادة صديقة للشباب لتوعية الشباب خصوصًا فى سن المراهقة، وسيعقد المؤتمر السنوى للسكان هذا الأسبوع لتناول القضية السكانية.

 المجتمع المدنى 

وأشار عبدالقوى إلى أن المؤتمر العالمى للصحة والسكان والتنمية 2023 خرج بـ 19 توصية منها توصية وهى تفعيل دور المجتمع المدنى فى التصدى للمشكلة السكانية وسيكون عنوانًا للمؤتمر القادم، مؤكدًا على دور المجتمع المدنى فى التوعية من خلال اللقاءات فى كل محافظات مصر، وأيضا التنمية من خلال تمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا، كما أكد على مقولة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى 2017 فى مؤتمر الإسكندرية «أن الزيادة السكانية تحدٍ كبير وأكبر خطرين يواجهان مصر فى تاريخها الإرهاب والزيادة السكانية وهذا التحدى يقلل فرص مصر فى التقدم إلى الأمام». 

والمشكلة السكانية فى مصر تتلخص فى عدم التوازن بين معدل النمو السكانى ومعدل النمو الاقتصادى والاجتماعى وحتى يعيش المواطن حياة كريمة لا بد أن يكون معدل النمو الاقتصادى 3 أضعاف معدل النمو السكانى على الأقل، فى مصر معدل النمو السكانى وصل 2.5 ومعدل النمو الاقتصادى حوالى 4.2 بعد وباء كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية فأصبح لدينا تحدٍ كبير بأننا فى حاجة لزيادة النمو الاقتصادى وتقليل النمو السكانى، مشكلة مصر الارتفاع فى معدل النمو السكانى وتدنى خصائص السكان وسوء توزيع السكان.

 فئة معيلة

وكشف عبدالقوى أن %38 من سكان مصر فئة معيلة سواء أقل من 15 سنة أو أكثر من 65 سنة، وأن عدد سكان مصر عام 1950 كان مساويا لعدد سكان إيطاليا، لكن فى 2022 عدد سكان مصر أصبح مساويا لنصف عدد مواليد قارة أوروبا كلها، كما أن ألمانيا عام 1995 كان عدد مواليدها أعلى من مصر فكانت ألمانيا 83 مليونا بينما مصر 62 مليونًا، وفى عام 2023 أصبحت ألمانيا بنفس العدد 83 مليون بينما زادت مصر 43 مليونًا لتصبح 105 ملايين.

وأوضح عبدالقوى أن ارتفاع معدل المواليد يرجع إلى عدة أسباب منها ارتفاع نسبة البطالة خاصة من الإناث، الفقر وانخفاض دخل الأسرة، العادات والتقاليد مثل الثقافة الذكورية والعزوة، ارتفاع نسبة الأمية، عدم الفهم الصحيح للدين وانتشار المفاهيم المغلوطة، ارتفاع القيمة الاقتصادية والاجتماعية للطفل، تراجع نسبة استخدام وسائل تنظيم الأسرة خاصة طويلة المفعول، ارتفاع نسبة الزواج المبكر والحمل المتكرر، نقص عدد مقدمى الخدمة من المدربين من الأطباء وخاصة الإناث، ارتفاع نسبة الحاجات غير الملباة، عدم التغطية للمناطق النائية والعشوائية وأخيرا زيادة معدلات الزواج وارتباط ذلك بإنجاب الطفل الأول.

 نصيب الفرد 

أما عن بعد خصائص السكان فإننا نجد ارتفاع الأعمار ففى عام 1986 كان عمر الذكور يصل إلى حوالى 60.5 سنة اما الإناث 63.5 سنة، فى حين فى 2021 عمر الذكور يصل إلى حوالى 67.2 سنة بينما الإناث 72.2 سنة، ونسبة الأمية 2.9 % كما أن معدل البطالة 7.2 بالإضافة لتعرض نسبة من الأطفال لسوء تغذية ومعاناة نسبة من السكان من الفقر فوصلت نسبة الفقر إلى 29.7 % عام 2022، هذا كله بالإضافة لسوء توزيع السكان نجد  79 % من السكان يعيشون فى 14 % فقط من مساحة مصر و3 % يعيشون فى الصحارى الثلاثة، والمساحة المزروعة فى الوقت الراهن 9 ملايين فدان لعدد 105 ملايين فنصيب الفرد من الأراضى الزراعية 0.1 فدان ويترتب على ذلك ارتفاع معدل البطالة وزيادة الاستيراد الاستهلاكى فنستورد 45% من القمح و100 % من الشاى و90 % من زيت الطعام و70 % من السمسم 

و60 % من العدس و55 % من الفول، وأيضا تبلغ مواردنا المائية حاليا 65.5 مليار متر مكعب منها 55.5 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل والباقى موارد إضافية (مياه جوفية) فانخفض نصيب الفرد حيث وصل إلى 500 متر فى السنة، والنسبة تنقص سنويا أى بحلول 2100 يصل نصيب الفرد إلى 300 متر فقط، وليس تأثير على الغذاء والمياه فقط بل أيضا على الصحة والتعليم والإسكان والطرق والمواصلات فرغم التطوير المستمر خصوصا فى السنوات الأخيرة فإن لدينا العديد من المشاكل الناجمة عن الزيادة السكانية.

 محور المتابعة

وأكد عبدالقوى أن أهداف السياسة السكانية تتمثل فى خفض معدلات نمو السكان، تحسين ورفع خصائص السكان، معالجة الاختلال فى توزيع السكان بالإضافة إلى تخفيض التباينات بين المناطق الجغرافية المختلفة، وان الاستراتيجية الوطنية للسكان تتركز فى 5 محاور هى تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية ومحور صحة الشباب والمراهقين ومحور التعليم ومحور الاعلام والتواصل الاجتماعى ومحور تمكين المرأة وسيتم إضافة محور اخر هو محور المتابعة، وأشار إلى المادة 41 من الدستور المصرى 2014 التى تنص على أن تلتزم الدولة بتنفيذ برنامج سكانى يهدف إلى تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكانى والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار فى الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، وذلك فى إطار تحقيق التنمية المستدامة.

توجيهات رئاسية

ومن جانبها توضح د. ريهام الشبراوى مقرر مساعد لجنة الأسرة والتماسك المجتمعى فى الحوار الوطنى، أن الزيادة السكانية لها تأثير بالغ الخطورة، فبإمكانها أن تلتهم ثمار التنمية أكثر من أى شيء آخر، بإمكانها أن تحرم الأفراد من مكتسبات الجهود الجبارة التى تبذلها الدولة لرفعة التعليم والصحة والخدمات، فالانفجار السكانى فى أى من بلدان العالم، يؤثر بشكل مباشر على فرص الأفراد فى الحصول على أفضل الفرص للعيش على نحو سليم ومنضبط.

وهناك خطط وإرادة قوية لدى الحكومة بتوجيهات رئاسية واضحة لضبط النمو السكانى، إلا أنه كلما زاد عدد السكان بشكل عشوائى وغير محسوب، فإن ذلك يشكل ضغطا لا يستهان به على الخدمات والمرافق العامة ويؤدى لزيادة ظاهرة البطالة، والانخفاض فى نسبة الأجور فى القطاع الخاص تحديدًا، وارتفاع أسعار الوحدات السكنية، ومزيد من الزحف العمرانى غير المرغوب فيه على الأراضى الزراعية، وتأثر المرافق العامة بشكل سلبى.

 العزوة

وأضافت الشبراوى: هناك عدة أسباب لتفاقم مشكلة الزيادة السكانية، يأتى فى مقدمتها انتشار الأفكار المغلوطة عن مسألة «العزوة»، والمراهنة الخاطئة على أنه كلما زاد عدد الأطفال كلما ساعد ذلك الأب مستقبلاً، وما لا يدركه أنه يدمر حاضره وحاضر أولاده وبلاده من أجل الرهان على حسابات غير منطقية، كما أن حالة الكسل والتراخى عن اللجوء والالتزام الصارم بالوسائل الصحية للسيطرة على الإنجاب وضبطه، يؤدى إلى مزيد من الزيادات السكانية، وهى العادات الخاطئة والتقاليد الفكرية والمجتمعية التى تحتاج إلى تغيير هائل على مستوى الأفراد فى المجتمع. بخلاف وجود ظواهر أخرى شديدة الخطورة، كالزواج المبكر كأحد أهم الأسباب للزيادة السكانية لغياب نضوج الأب والأم، بخلاف مسألة تفضيل إنجاب الذكور أو عدم الاكتفاء بطفلين فى المجمل، وكلها أمور تؤدى للانفجار السكانى.

 الوعى

وأكدت الشبراوى أن من أهم التحديات التى تواجهنا انخفاض مستوى الوعى فى الكثير من الأحيان، وعدم الحصول على التعليم الجيد يخلق ذهنيات من الصعوبة بمكان إقناعهم بتغيير عادات راسخة طوال عقود ماضية، وكلما كان هناك وعى زائد، وإدراك حقيقى للواقع، وتفهم لمسألة الخطورة المباشرة من الزيادة السكانية، أمكننا التغلب على أحد أكثر التحديات التى تواجهنا، والتى تتعلق بعدم الاستجابة للحملات الإعلامية والدينية والتوعوية التى تحول دون الاستجابة لما نتحدث بشأنه حول الزيادة السكانية.

وأضافت الشبراوى أن التعامل مع تلك المشكلة يتطلب مستويات عديدة من الجهود المعمقة التى تصل إلى أكثر النقاط التصاقا وقربا بالمواطنين فى الريف والحضر والمدن والقرى والنجوع، لإيضاح كامل حول مشكلات الزيادة السكانية، وكيف أنها السبب فى الضغط على مقدرات التنمية، وأنها تكون سبب تعاسة الأسرة فى كثير من الأحيان.

 حملات إعلامية

والتعامل مع تلك المسألة يحتاج أيضًا لمزيد من الحملات الإعلامية المبتكرة، التى تبتعد عن الخطاب التقليدى المكرر، المدعومة بأكبر قدر من الرسومات التوضيحية والأرقام والصور والفيديوهات التى تجذب الانتباه، وتساهم فى إيضاح الحقائق الكاملة للمواطنين. فهناك دور أساسى لرجال الدين لتوعية المواطنين بضرورة المساهمة الإيجابية فى الإقبال على وسائل تنظيم الأسرة بدون استبعاد لأى وسيلة، ما يرفع الحواجز الثقافية والنفسية والدينية ويزيل الأفكار المغلوطة فى هذا الشأن.

ماليزيا وبنجلاديش

وأوضحت الشبراوى أن هناك العديد من النماذج الرائدة التى تستحق الاقتداء بها فى دول شرق آسيا، فقد كان تنظيم النسل هو مفتاح ماليزيا لنهوض الاقتصاد، وبجدية شديدة قادت إندونيسيا حملات ناجحة للسيطرة على الزيادة، كما تمكنت بنجلاديش من خفض المواليد من 6.2 لكل سيدة لـ 2.2 مولود، وكلها دول نستطيع السير على نهجها. وهناك خبراء ومسؤولون يملكون الأفكار والجدية والإمكانات التى يمكنهم من خلالها وضع تفصيلى لظروف وملابسات تلك الدول الواعدة، لتبيان الكيفية التى يمكن معها ضبط النمو السكانى، مع وضع هدف أساسى أمام أعيننا، وهو أهمية تحقيق الاستفادة القصوى من المشروعات التنموية ومشروعات البنية التحتية التى دشنها ببراعة الرئيس عبدالفتاح السيسى.

 تحرك حكومى وبرلماني

وأكدت الشبراوى أن هناك اهتماما حقيقيا متناميا من قبل الدولة حول تلك القضية، ووعى رسمى وحكومى لخطورة المسألة أكثر من أى وقت مضى، وهناك تحرك حكومى وبرلمانى متسارع للسيطرة على الزيادة السكانية، القضية اتخذت العديد من الأبعاد الجادة، والتى أتوقع معها توسعة رقعة الوعى، وزيادة درجة الاهتمام الشعبى والإدراك لحجم الأزمة بما يساهم فى حلها فى المستقبل المنظور القريب.

وبخصوص التعديلات التشريعية، فإننى لا أميل فى هذه الحالة للنصوص التى تفرض عقوبات أو تشدد الردع فيما يخص ذلك قبل زيادة مساحات الوعى الفكرى والثقافى والإعلامى، وإنما أشجع فى المقابل التعديلات التشريعية التى تغرى كل من يلتزم بطفلين فقط، وأن يكون هناك قوانين ملزمة بضرورة صرف ما يشبه حوافز الإثابة لهم فى أشكال عديدة تساعدهم فى علاج وتعليم وحسن تنشئة الطفلين.