الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ): قارئات القرآن.. بين الصوت والعورة! "74"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



البعضُ أن صوتَ المرأة من العورات التى يجب سترها، والعورة معناها العام يشمل أسرار الإنسان والبيوت، فلكل إنسان عورات وهى من نقاط ضعفه التى يحرص على ألاّ تنكشف للآخرين.  

 

بدأت قارئات القرآن فى الظهور فى مصر منذ أيام محمد على باشا فى بدايات القرن التاسع عشر، ولم يعترض أحد وتقبَّلهم المجتمع، فى عام 1939، قاد بعض رجال الدين دعوة رفض قارئات القرآن الكريم، وأفتى بعض المشايخ بأن صوت المرأة عورة، وقررت الإذاعة المصرية الرسمية منع الشيخة كريمة العدلية والشيخة منيرة عبده من تلاوة القرآن فى الإذاعة، بعد أن اقترب أجر الشيخة منيرة عبده من أجر الشيخ محمد رفعت.

الشيخ الراحل أبو العينين شعيشع الذى تولى منصب نقيب قرّاء القرآن الكريم فى مصر، تقدَّم للإذاعة المصرية عام 2009، بطلب الموافقة على قبول قارئات للقرآن فى الإذاعة، بعد قبول النقابة لعضوية عشرات القارئات.

رفضت الإذاعة المصرية الطلبَ بحجة أن صوت المرأة عورة، وجاء الرفض من رئيسة إذاعة القرآن الكريم وقتها، ورئيسة لجنة اختيار القراء فى الإذاعة، وبررت رفضها بأنه: «إذا كان هناك أصوات رجال فلماذا نلجأ للنساء!»، و«حتى لا يخضع الذى فى قلبه مرض».

 قارئات القرآن

كانت هناك قارئات للقرآن فى الإذاعة المصرية، نافست إحداهن الشيخ محمد رفعت هى السيدة نبوية النحاس التى توفيت عام 1973 وبموتها انتهى الحديث عن قارئات القرآن. 

فى عصر محمد على باشا، بدأت أم محمد احتراف قراءة القرآن الكريم من السيدات فى مصر، وكانت تقوم بإحياء ليالى المآتم فى قصور كبار رجال الدولة، ودُفنت فى مقبرة أنشئت خصيصًا لها فى الإمام الشافعى، وجرت مراسم تشييع الجنازة فى احتفال عظيم.

ولا توجد إلا تسجيلات نادرة لهؤلاء القارئات، وأشهرهن، كريمة العدلية، منيرة عبده، وسكينة حسن، وخوجة إسماعيل، ومنيرة أحمد المصرى، ونبوية النحاس.

انتشار قارئات القرآن فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين جاء طبيعيًا ومقبولاً؛ حيث كانت ليالى المآتم تقام ثلاثة أيام للرجال وثلاثة للنساء، وكان لا بُدّ من وجود قارئات لإحياء ليالى المآتم عند السيدات، منهن الحاجة دربالة، الحاجة خضرة فى المنوفية، والست عزيزة فى الإسكندرية، والست رتيبة فى المنصورة، والشيخة أم زغلول فى السويس.

ولا تزال القارئات المصريات متواجدات وعضوات فى نقابة قراء القرآن الكريم بالعشرات، وحارب من أجلهن آخر رواد دولة تلاوة القرآن فى مصر، الشيخ أبو العينين شعيشع حتى وفاته عام 2011، غير أن الإذاعة المصرية رفضت السماح لهن بالتلاوة.

 صوت المرأة:

فى القرآن الكريم يأتى مشهد عن امرأتين وهما تتحدثان إلى النبى موسى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)، القصص 23، وقول إحداهما للنبى موسى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)، القصص 25.

والمرأة أباح لها الإسلامُ البيعَ والشراءَ والنصيحة والأمرَ بالمعروف والنهى عن المنكر: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، التوبة 71.

العورات فى القرآن:

وفى قوله تعالى: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)، النور 31، جاءت كلمة طفل مع كلمة الذين وليس الذى، وفى كلام العرب يقال على الجارية طفلة وطفل، وعلى الجاريتان طفل، وعلى الجوارى طفل، وعلى الغلام طفل، وعلى الغلمان طفل.

قال تعالى: (ثم يُخْرِجُكم طِفْلاً)، غافر 67، طفلاً هنا جاءت تعبيرًا عن الأطفال، ويكون الطفل واحدًا وجمعًا.

ولذلك فالطفل الذى لا يدرك معنى العورة من النساء مستثنى فى الآية، قد تكون المرأة فى خلوتها بنفسها فى حالة خاصة تشعر معها بالحرج إذا اطلع عليها غرباء إلا أن يكونوا أطفالاً لا يدركون معنى العورة.   

وعورة المكان، مثل قول المنافقين: (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً)، الأحزاب 13.

العورة هنا مكان وهو البيت، وهم يستأذنون بأن بيوتهم عورة، أى أنها معرضة للاعتداء عليها وتجب حمايتها؛ لأن البيت الذى يغلق الإنسان أبوابه عليه ويستره عن الناس يكون كشفه عورة، ويتحرج الفرد من تجول شخص غريب فى بيته بلا إذن.

وعورة الزمان، هى وقت خاص لراحة الناس: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ)، النور 58، والأوقات المحددة فى الآية هى عورات زمانية يجب الاستئذان عندها للدخول على الإنسان رجل كان أو امرأة.

 الصوت والعورة:

الصوت أداة ليس حرامًا أو حلالاً فى ذاته؛ وإنما الحرام والحلال فى طريقة استخدامه، لو استخدم الرجل صوته بكلام رقيق فى الإيقاع بالمرأة، يكون هذا الاستعمال للصوت حرامًا لأنه من مقدمات الزنى، ونفس الحال مع المرأة لو تكلمت بإغراء مع رجل.

وقد نهى الله تعالى كل أمهات المؤمنين عن أن يخضعن بالقول، فلا يتكلمن برِقّة ونعومة حتى لا يطمع فيهن مَن فى قلبه مرض: (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً)، الأحزاب 32.

والله تعالى أمرنا: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)، البقرة 83، جهرًا أمْ خفوتًا، وفى كل الأحوال فهو صوت، لا فارق إن كان صوت رجل أو صوت إمرأة.

لو كان صوت المرأة عورة للرجال؛ فيكون صوت الرجال أيضًا عورة للنساء، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِى مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، الأحزاب 53، صوت نساء النبى ليس بعورة، وكان الحديث معهن من وراء حجاب.

 القراءة والتلاوة:

قال تعالى: (ٱقرْأْ بٱِسْمِ رَبكِّ ٱلَذِّى خلَقَ)، العلق 1، وفعل «قرأ» دلالة على ما يتم تعلم محتواه عن طريق القراءة، وتم استعمال فعل «قرأ»، ولم يتم استعمال فعل «تلا»؛ وذلك لأن لكل كلمة دلالتها الخاصة بها.

فدلالة فعل «قرأ» هى معرفة ما هو مخطوط، وقد يكون حرفًا أو كلمة أو جملة، ولهذا عندما يأمر تعالى بتدبُّر ما جاءت به الرسالة، يستعمل كلمة القرآن: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)، محمد 24، والتى تدل على مضمون الرسالة.

(إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)، مريم 58، تعالى يتكلم عن الإيمان أو الكفر برسالته، وليس معرفة محتواها، ولهذا استعمل فعل «تلا»، يعنى نطق بكلمات أو بآيات متتالية لكى يكون لها معنى ويعلم السامع أنها من عند الله تعالى، وبالتالى ما جاء به الرسول هو قول الله تعالى، ولهذا عندما قال تعالى: (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ)، فقد تابع تعالى قائلاً: (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)، ولذلك لم يقل «تُقرَأ».

فالتلاوة هى السرد المتتالى للأحداث التى يتلو بعضُها بعضًا، كلمة «تلا»، تفيد القراءة المتتابعة لكلام متتابع، كما تفيد مجىء شىء تلو أو بعد شىء سابق.

التلاوة فى القرآن لا تعنى مجرد التتابع اللفظى فقط؛ ولكن التلاوة والترتيل فى القرآن الكريم يعنيان أن تكون طريقة القراءة موضّحة للمعنى القرآنى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، البقرة 121.

 المرأة والمجادلة:

كما أن الله تعالى سمع قول التى تجادل النبى عليه الصلاة والسلام: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، المجادلة 1. وأنزل الآيات استجابة لتساؤلات وهموم وما يهم النساء، دلالة على أهمية الإنصات لصوت النساء، والتعامل معهن باحترام كما حدث من الله تعالى ورسوله، فى زمن نزول الرسالة.

وقد كان النساء يسألن النبى عليه الصلاة والسلام عن أمور الشرع فى وجود الصحابة، ولم ينكر عليهن النبى ذلك، وكن يكلمن الصحابة فى شئون الحياة ويستفتينهم فى الدين، مما يدل على جواز مخاطبة المرأة للرجال فيما تدعو الحاجة إليه، كالبيع والشراء والخصومة والشهادة بكلام طبيعى ليس فيه فتنة ولا ريبة تؤدى إلى الفساد.

والمرأة لم تكن تخاطب النبى عليه الصلاة والسلام وصحابته بنظراتها وسكوتها وإنما بصوتها، ولم يمنعها النبى من ذلك ولم يقل بأن صوتها عورة.