الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. قصف مستشفى المعمدانى نقطة تحول فى الصراع   جرائم الحرب فى غزة دليل هشاشة إسرائيل

حقك.. قصف مستشفى المعمدانى نقطة تحول فى الصراع جرائم الحرب فى غزة دليل هشاشة إسرائيل

أكتوبر هو شهر التحولات الكبرى فى الشرق الأوسط من انتصار الجيش المصرى فى حرب 1973 إلى حادث 7 أكتوبر 2023، فى المرتين فقدت إسرائيل أدوات التحكم واكتشفت هشاشتها وضعفها وسقطت نظرية الأمن الإسرائيلى القائمة على توفير الأمن لمجموعات الصهاينة الهاربين من بلادهم، وانهيار فكرة وجود إسرائيل نفسها كدولة وظيفية تقدم خدماتها للدول الاستعمارية القديمة كوكيل يحفظ مصالحها ويحقق أهدافها.



 

تقوم نظرية الأمن الإسرائيلى بالأساس على محافظة الدولة عبر بناء جيش قوى على الأرض المحتلة، إسرائيل تدرك جيدًا أنها كيان غاصب فهى لا تنتمى إلى تلك الأرض لا تاريخيًا ولا حضاريًا ولا ثقافيًا ومن الصعب للغاية الانصهار مع من حولها ولذلك أمنها قائم على فرض سيطرتها على مكانها بالقوة، وهو ما يجعلها فى مجابهة دائمة بسبب سياساتها العدوانية.

وتقوم «نظرية الأمن القومى الإسرائيلى» على بناء القوة العسكرية، لتكون بمثابة الذراع الضاربة للكيان والعمل على تطويرها بأحدث الأسلحة والمعدات وفرض حظر على جيرانها فى الحصول على معدات مكافئة، ولقلة العدد وضعت إسرائيل كل سكانها كـ«جيش» احتياط، فضلا عن العمل على توسيع الاستيطان، وتخفيف الهجرة المعاكسة إلى الخارج، وتقوية القاعدة الاقتصادية، وتأمين تحرك سياسى دبلوماسى خارجى يُوظَّف لمصلحة تأمين متطلبات الأمن، وتحقيق المناعة القومية وهو ما يمكن أن نراه فى تعامل الإعلام الغربى وتجاهله النتائج الكارثية للقصف الوحشى الذى تقوم به القوات الإسرائيلية على غزة بل والعمل على طمس الحقائق حتى لا تتعرض إسرائيل لانتقادات.

ويمتد مفهوم الأمن الإسرائيلى إلى نشاطه الاستخباراتى خارج حدود إسرائيل وتحديدا فى إقليم الشرق الأوسط والتأثير فى تفاعلاته وتحجيم معارضة إسرائيل بما يسمح بدفع الدول إلى قبول التوسعات الإسرائيلية وقبولها كأمر واقع، لا يمكن تجاوزه أو تغييره.

ويمكن القول أن ذلك المفهوم قائم على محاولة لحل أزمة وجود إسرائيل ذاتها فهى كيان غاصب يعيش فى صراع وجودي مع أصحاب الأرض، وقد عجز طوال السنوات الماضية عن حله بالوسائل السياسية أو العسكرية، ولذلك فهو يسعى أمنيا لأن يستمر فى حالة من اليقظة أو الحرب الكامنة حتى يتغلب على الواقع الأمنى الهش، ولذلك تمنح الحكومات الإسرائيلية للمؤسسة العسكرية وضعًا خاصًا وحرية كبيرة فى العمل وتضع تحت تصرفها إمكانيات غير محدودة لتحقيق الردع وهو العمود الفقرى لنظرية الأمن الإسرائيلى بالأساس. 

ترتكن الحكومات الإسرائيلية إلى الجيش والقدرات الأمنية الكبيرة المتوفرة له وتعتمد عليه بشكل مطلق فى فرض الأمن داخل الدولة وفى محيطها، إلا أن ما تعرضت له من ضربات مفاجئة يوم 7 أكتوبر أسقط النظرية وكشف هشاشة الدولة ودفعها إلى قصف المدنيين فى القطاع لتحصل على انتقام سريع يمكنها من استعادة أمنها سريعًا ومنع تدفق مواطنيها إلى خارج أراضيها بحثًا عن الأمن فى مكان آخر.

دليل آخر على الهشاشة هو اضطرار الولايات المتحدة إلى إرسال حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد ووضعها فى حالة استعداد بجوار شواطئ إسرائيل، وهو تصرف قد يراه البعض نابعًا من التأييد الأمريكى لإسرائيل وتنفيذًا لتعهدها بحمايتها، قد يدلل فى الوقت ذاته على مخاوف أمريكية على قدرة الجيش الإسرائيلى فى الدفاع عن  بلده بعدما ظهر تراجع قدرته العسكرية على التصدى لمنفذى هجوم 7 أكتوبر.

إسرائيل خسرت فى العملية أمنها وهيبة أجهزتها الاستخباراتية عقب فشلها وسقوطها المروع فى اكتشاف ما تخطط له حماس، كما فقد مشروع الجدار الحديدى وجاهته أمام المجتمع الإسرائيلى المنقسم بعدما طار فوقه عناصر حماس واقتحموا المستوطنات الموجوده فى غلاف غزة واحتجزوا منها رهائن.

بل يمكن القول أن المشهد كان فضيحة مدوية للحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو ووضعت حولها الشكوك فى قدرتها على تأمين مقدرات إسرائيل وسكانها. 

فلتت الأمور داخل الكيان المغتصب، ووجد جيش الاحتلال نفسه يزداد ضعفًا فى مواجهة سكان القطاع المتمسكين بآخر أراضى فلسطين وآخر أمل فى إقامة الدولة وخط الدفاع الأخير قبل تصفية القضية وهو ما دفعه إلى ارتكاب مجازر ترقى وفق المعاهدات الدولية لأن تكون جرائم حرب وآخرها قصف مستشفى الأهلى المعمدانى فى غزة والذى راح ضحيته أكثر من ألف شهيد أدمت صورهم القلوب وفضحت إنسانية الغرب المزعومة وحديثه عن حقوق الإنسان بينما يتعرض الشعب الفسطينى على مرأى ومسمع من العالم لجريمة إبادة جماعية بعدما قطعت قوات الاحتلال مصادر المياة والكهرباء ودمرت البنية التحتية والمستشفيات حتى تجبر سكان القطاع على التهجير القسرى وترك أراضيهم وتصدير الأزمة إلى الأراضى المصرية وهو ما اعتبرته مصر تهديدًا مباشرًا لأمنها القومى وتجاوزًا  للخط الأحمر فى تأمين حدودها ومقدراتها.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى، واضحًا فى إعلان رفض مصر لمخطط التهجير القسرى للفلسطينيين وإعادة توطينهم فى سيناء كما يخطط الجانب الإسرائيلى، كشفت مصر الأوراق ووضعت العالم أمام مسئوليته وحذرت من أن ذلك المخطط سيشعل المنطقة، لافتًا إلى أن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر قد يؤدى إلى تهجير من الضفة الغربية إلى الأردن وتصفية القضية الفلسطينية. 

وعلى الرغم من وجود عدد من المعابر الواصلة للقطاع؛ فإن إسرائيل تضغط على معبر رفح تحديدًا من أجل استخدامه فى عمليات التهجير القسرى، وشدد الرئيس على ضرورة السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

هجوم 7 أكتوبر وسقوط نظرية الأمن الإسرائيلى ثم مذبحة مستشفى المعمدانى نقطة تحول واضحة فى مسار الصراع العربى - الإسرائيلى، لن تقبل الشعوب العربية استمرار تهديد الكيان المحتل لأمن دول الجوار وعلى رأسها مصر والأردن كما أن الإسرائليين أدركوا أن قدرة جيشهم وحكوماتهم المتطرفة على حمايتهم مشكوك فيها ليبقى خيار السلام وهو الحل الوحيد أمام الجميع للعودة إلى الهدوء ووقف التصعيد وهو الخيار الذى اختاره الرئيس الشهيد محمد أنور السادات قبل 50 عاما وهو الاختيار الناجح فى وقف الصراع على أساس واضح، أما التلاعب الإسرائيلى بالقضية وعرقلة السلام وتجاهل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ستكون فاتورته باهظة ومخيفة على المواطن الإسرائيلى لأن الفلسطينى لن يترك أرضه مهما طال الزمن.