الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لماذا نكتب؟

لماذا نكتب؟

 فى كل مرة أواجه الصفحة البيضاء كهذه التى أجلس أمامها الآن يتبادر لذهنى ذلك السؤال المحير الذى يقول : لماذا تكتب يا صاح ؟ وربما وأنا أكتب حتى هذه الكلمات الآن ما زلت لا أعلم الجواب، إلا أن كل ما أعرفه هو أنى أريد أن أكتب، ولأكون أكثر دقة أقول بأنى أعرف أنى أريد أن أعبر وقد يكون فى داخلى صرخة وقد تكون ابتسامة لم تتحدد ملامحها أو أسبابها أو دوافعها، مجرد كلمات تتسرب منى على صفحة بيضاء فى هدوء محيطى وسط ليل ممتلئ بضجيج التفكير ونزاع الأفكار فى كل شيء وفى اللا شيء.



الكتابة تعنى التحرر والانعتاق من معتقلات الذات، تلك التى تراقب كل فكرة وتعاتب كل شطحة وتبتز كل تمرد على محرمات الأنا، هى التجلى الذى به نخرج من أرواحنا لنراها ماثلة أمامنا دون رتوش الخوف والنفاق والضمير الرقيب، فأنا الحقيقى ليس ما يراه غيرى فيّ بل ما أراه أنا فى ذاتى وأحاول كبته عن التجلى خارجى.

أسأل نفسى دائمًا لماذا يجب أن أعيش واضعًا نصب عينى كلام الناس ورأيهم فىّ، لماذا نحرص أن نظهر كملائكة كاملين ونحن ناقصون لدرجة أننا لا نملك حتى قرار الاعتراف بأنفسنا أمام أنفسنا، نسعى بكل قوتنا فى المزايدة على الغير وشيطنتهم وكأن كمالنا لا ينبع إلا بنقص غيرنا.

نحن ناقصون، كلنا يا رفاق الأرض ناقصون، ليس فينا كامل ولا نصف اكتمال، أفراد يكذبون من أجل لقمة العيش، ومتنمرون يسرقون من أجل جيوب الأقلية، ومتنفذون يبطشون ليستمر الكذب ولتستمر السرقة، هذا هو واقع عالمنا الحقيقى، صحيح أن بإمكان أى واحد منا أن يجمل الصورة ويرسم ملامح العظمة فى فرد أو شعب أو حزب أو دولة أو حتى فى جبل ومبنى وشجرة إن أحب، إلا أن كل ذلك ما هو إلا هروب من مواجهة شاشة بيضاء وكتابة أحرف دون رتوش نصرخ فيها بصدق ونبكى منها بأمانة وقد نضحك عليها أحيانًا وقد نغضب منها أحيانًا لصراحتها المؤلمة.

هل تعلم لماذا نكتب؟ وليكون سؤالى أكثر شمولًا، هل تعلم لماذا نعبر؟ هل تعلم لماذا كتاباتنا وتعابيرنا التى تظهر للعالم لا تشبهنا فى غالب الأحيان؟ الجواب ببساطة لأننا نسعى لقبول الآخر بفعل ما فينا من نفاق شخصى واجتماعى، نبحث عن أن نضمن موقعنا وسط الجماعة، ألم يقل المثل بأن «الموت مع الجماعة رحمة»، نتعطش للتصفيق والثناء لنغذى به نقصنا وكبرياءنا المرضى، نرمى أن يشار لنا بالبنان بكل أوصاف التكريم والتبجيل لنشر بقيمتنا وسط الجموع، فهذا هو العبقرى وذاك هو المثقف والآخر هو الوطنى الحقيقى وطبعًا لا أنسى ذاك الذى يجب أن يوصف بالملهم نعمة الله على عباده، كلها من أجل نوازع أنانية ومصلحة ذاتية وسعى للبقاء، نادرًا من ستجد فينا أحدًا يعبر ليريح نفسه ويظهر للعالم كما هو، يعلن دون خوف بأن ما تسمعه أو ما تراه او ما تقرأه منى هو أنا بلا رتوش، هذا أنا الناقصة بلا حرج وبلا فخر وبلا تواضع كذاب، هذا حقى كإنسان فى أن أكون أنا كما أنا دون أن يكون لك أنت قرار تقرير ما يجب أن أكون.

لا تكترث أيها القارئ الكريم من خزعبلات رجل بدأ الثرثرة بعد أن استيقظ متأخرًا فى حياته، فاكتشافك أن تكون حرًا فيما تقول أو كيف تعيش أو بماذا تؤمن بلا تأنيب الضمير أمور غالبًا لا تتحقق بتلك السهولة، قد تقول عنى سوداوى ومتشائم، لا بأس يا عزيزى قد يكون الأمر كذلك.

هل حقًا أنا حر فى ما أكتب وأقول؟ ولماذا أكتب؟ هل أنا أمامكم الآن بلا رتوش ونفاق اجتماعى مصلحى قاصر من رجل خمسينى ما زال يبحث عن الشىء واللا شىء؟ لا بد لى أن أعترف لك عزيزى القارئ أنى لا أملك الإجابة.