الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مع اقتراب موعد الاجتياح البرى «طوفان الأقصى» هل يتغير الشرق الأوسط؟

على الرغم من النقاشات الداخلية والخلافات مع الإدارة الأمريكية فى موضوع توسيع الحرب على قطاع غزة؛ فإن تل أبيب تؤكد عزمها القيام بعملية الاجتياح البرى «فى الوقت المناسب» لإبادة حركة حماس بأكملها، وفق تصريحاتهم.



وتمهد الأجواء للإسرائيليين بأن الحرب على غير العادة «ستكون طويلة ومحفوفة بخسائر كبيرة فى الأرواح». ولذلك يتم التخطيط لها أن تكون بالتدريج، وقد نشرت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية أن زمن الحرب فى قطاع غزة قد يمتد إلى 18 شهرًا، مما يعكس مدى خطورة هذه الخطوة على جميع الأنظمة السياسية والاقتصادية سواء فى العالم الغربى أو الشرق الأوسط.. فضلًا عن الضغط الأوروبى والأمريكى لزج مصر لقلب الصراع والقيام بعملية تهجير قسرى لسكان القطاع فى سيناء.. كذلك إعلان إيران الصريح بالتدخل فى الحرب لوقف العدوان الإسرائيلى مما يؤكد فتح جميع  الجبهات المدعومة من إيران فى وجه العدو الإسرائيلى من حزب الله فى لبنان إلى جماعة الحوثيين فى اليمن.. الكل مترقب الخطوات التالية للحرب.. والاتجاهات تؤكد أن عملية «طوفان الأقصى» هى فصل جديد لتغيير خريطة القوى الدولية وبداية شرق أوسط جديد.

 

الثمن

مع الوضع الجديد فى غزة وعقب تنفيذ هجمات الفصائل الفلسطينية فى 7 أكتوبر الجارى،  فإن قراءة المشهد السياسى تؤكد وقوع تغيُّرات فى قوة حماس وقطاع غزة بصورة خاصة، الأمر الذى يجب على إسرائيل التعامل معه بخطط وتكتيكات عسكرية جديدة حتى تصل إلى كل قادة حماس. ومهما تكن الخطط الجديدة قوية ومحكمة ويتم فيها استخدام أسلحة جديدة؛ فإن هدف القضاء على حماس «سيكون تحديًا طويلًا ومركبًا»، ويوجد تقدير صريح بأنه سيجبى أيضًا أثمانًا باهظة ولن يكون خاليًا من الإخفاقات والثغرات التى تجعل الثمن أعلى.

يشير الخبراء العسكريون إلى أن الاجتياح يواجه أيضًا بتحديات سياسية وعراقيل غير قليلة. ففى الناحية السياسية هناك الموقف الأمريكى والأوروبى، الذى يعارض أى عملية يمكن أن تؤدى إلى مقتل مدنيين بشكل واسع، ويعتبرون أن الاجتياح سيلحق أضرارًا أيضًا بإسرائيل؛ لأن حماس تقول إنها مستعدة له جيدًا، بل تتمناه حتى توقع أكبر الخسائر من القتلى والأسرى الإسرائيليين.

وينصح الخبراء إسرائيل «بأخذ تهديدات (حماس) بجدية»، وليس كما فى السابق؛ إذ إن الاستهتار بقوة حماس كلف إسرائيل ثمنًا باهظًا لم يعرف سابقة له سوى فى حرب أكتوبر سنة 1973.

ولهذا الغرض شارك وزير الخارجية الأمريكى،  أنتونى بلينكن، فى جلسة طويلة جدًا للقيادة الحربية فى تل أبيب استمرت لمدة 7 ساعات فى مناقشات دون فائدة، وطرح بلينكن العديد من الأسئلة التفصيلية عن الخطة الحربية، ونصح بعدم نسيان «قوانين الحرب والتزام الديمقراطيات العالمية بحقوق الإنسان وحماية السكان المدنيين»!!!.

تهديد مباشر

وفى ظل تصاعد الأوضاع فى غزة أكدت إسرائيل أن الدعم الأمريكى المفتوح سيساندها فى حربها ضد حماس حال فتح جبهات صراع جديدة فى المنطقة.

وأوضح مستشار الأمن القومى الإسرائيلى تساحى هنجبى، أن الولايات  المتحدة  ستتدخل إذا تصاعدت الحرب فى غزة إلى حد دخول إيران و«حزب الله» إلى جانب «حماس».

وفى مؤتمر صحفى لفت تساحى هنجبى إلى مواقف التعبير عن الدعم من جانب الرئيس الأمريكى جو بايدن، والتى تضمنت انتشار البحرية الأمريكية فى البحر المتوسط وتحذيرًا معلنًا للجماعة اللبنانية وطهران كى تبتعدا عن القتال.

وأوضح هنجبى قائلًا: «هذا يوضح لأعدائنا أن هناك تدخلًا أمريكيًا سيحصل بمجرد أن يتخيلوا المشاركة فى الهجوم على مواطنى إسرائيل». متابعًا: «إسرائيل لن تكون وحدها... القوة الأمريكية موجودة هنا وجاهزة».

فى المقابل، أعلنت إيران أنها ستدخل فى حرب غزة حال إقدام إسرائيل بأى خطوة لاجتياح برى فى القطاع المحاصر، وقال وزير الخارجية الإيرانى حسين أمير عبداللهيان فى مقابلة تلفزيونية الإثنين الماضى،  إن «اتخاذ أى إجراء استباقى خلال الساعات المقبلة محتمل»، وذلك فى معرض إشارته للقاء جمعه بالأمين العام لحزب الله اللبنانى حسن نصر الله. وسبق أن حذرت طهران مرارًا الجيش الإسرائيلى من شن غزو برى لقطاع غزة الخاضع لحصار مطبق، مشددة على أن أى عملية من هذا النوع ستقابل برد من جبهات أخرى.

كما حذر الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى،  فى اتصال مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، من أن «هجومًا بريًا» للجيش الإسرائيلى على غزة «سيؤدى إلى حرب طويلة ومتعددة الجبهات»، وفق رسالة نشرها مستشاره السياسى محمد جمشيدى.

وفى المقابلة التلفزيونية، قال وزير الخارجية الإيرانى: «لن يسمح قادة المقاومة للكيان الصهيونى بالقيام بأى إجراء فى المنطقة».

تغيُّر القوى على أرض المعركة

ولطالما  اعتبر الصراع «الفلسطيني - الإسرائيلى» الصراع الرئيسى فى منطقة الشرق الأوسط، وإحدى حلقات الهياكل الچيوسياسية التى تشكلت بالمنطقة ذات الطابع السياسى والمذهبى. ورغم حالة التحول والانشغال الإقليمى والدولى بصراعات أخرى، فإن القضية الفلسطينية أثبتت عبر العملية العسكرية الأخيرة «طوفان الأقصى» وتوابعها أنها لا تزال هى القضية الرئيسية والأساسية فى المنطقة، نظرًا لموجات تأثيرها على العديد من دول الإقليم واستقرار المنطقة بشكل عام.

ووفقًا للأنماط الصراعية التى تحفزها الهياكل الچيوسياسية المحورية التى يطلق عليها «أحزمة التحطم»، بحسب ما أوضحه «فيليب كيلى - Philip L. Kelly»، فى كتاباته بشأن تصاعد الصراع الإقليمى من المنظور الچيوسياسي وكذلك «كولن جراى –Colin Gray» أحد البارزين فى إثارة موضوع الصراع باعتباره متأصلًا فى علم الجيوبوليتيك أو الجغرافيا السياسية، فإنها تشكل إغراءات جذب لتدخل القوى الخارجية الأكبر حجمًا لصالح المتصارعين المحليين، فى إطار توازنات القوى بين الدول الكبرى المتنافسة على المستوى الدولى، وتتشكل مثل هذه التحالفات للأطراف المتصارعة مع أو ضد أصدقائها وخصومها المحليين والاستراتيچيين من خلال خيارات سياسية، وليس من خلال خصائص إقليمية محددة.

وبإسقاط هذا التنميط الصراعى على حالة الصراع «الفلسطيني - الإسرائيلى» نجد أنه متلبس بهذه الحالة النمطية من حيث توفر حواضن دعم إقليمية ودولية للأطراف المتصارعة. 

فمن ناحية، يوفر العالم الغربى (الأمريكي-الأوروبي) الدعم غير المحدود لإسرائيل فى مواجهاتها العسكرية والسياسية. وفى المقابل، نجد حواضن دعم تاريخية للجانب الفلسطينى من الدول العربية المجاورة، وكذلك الدول الإقليمية. بيد أن هذه الحواضن تعرضت لتأثيرات تراجع ملحوظ خلال السنوات الماضية، تحت وطأة ضغط المشروعات الإقليمية التى صاغتها واشنطن على غرار ما عُرف وقتها بمشروع «صفقة القرن»، أو مشروع «السلام الإبراهيمى» الذى تستهدف تل أبيب من ورائه تحييد حالة الخصومة مع الأطراف العربية الداعمة للقضية الفلسطينية، فى مقابل تطبيع العلاقات معها وجنى مكاسب ذلك على مستوى العلاقات الثنائية بين الطرفين دون أن ينسحب إلى المستوى الاستراتيچى المتعلق بالقضية الفلسطينية. 

ووفق تقرير للباحث فى الشئون السياسية مهاب حسن، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيچية، أوضح أن مع انطلاق عملية «طوفان الأقصى» التى باغتت جميع الأطراف الإقليمية والدولية، فقد أوجدت معطيات جديدة للقضية الفلسطينية جعلت حساباته حاضرة كرقم مهم فى أية معادلات إقليمية ودولية خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تشكيلها نقاط جذب لتحفيز مشاركة خصوم الولايات المتحدة على غرار الصين وروسيا، التى برز حضورها خلال التعامل مع تداعيات العملية العسكرية الفلسطينية، على نحو عكس إشارات محتملة بالتدخل لاستغلال ما يحدث من أجل موازنة نفوذ واشنطن  وتضييق  الخناق عليها فى المناطق الچيوسياسية لمصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيچيين على النحو الذى يسهم فى تخفيف الضغط الغربى فى الفضاءات الحيوية لموسكو، وهو المنظور ذاته الذى تتعامل من منطلقه إيران، وإن كانت بقدرة تأثير أكبر من تلك التى تملكها موسكو نظرًا لمراكز نفوذها المنتشرة عبر الوكلاء المحليين فى مناطق التماس الجغرافى لإسرائيل.

وتتجاوز تداعيات العملية العسكرية «طوفان الأقصى» وما يتبعها من آثار لأبعاد الصراع فى ذاته، إلى الصورة الأوسع التى ترسم إطارها حالة احتدام التنافس بين القوى الكبرى المتنافسة فى المنطقة على غرار الولايات المتحدة والصين وروسيا، فتحركات الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية لمواجهة الصعود الصيني-الروسى فى مناطق الإندوباسيفيك، والبلقان وآسيا الوسطى، يجعل منطقة الشرق الأوسط -رغم تراجع أهميتها بالنسبة لواشنطن- أحد مسارح توازن القوى العكسية التى تستخدمها خصوم واشنطن لتقويض وموازنة نفوذها المتزايد فى مناطق سيطرته السابقة وتحالفاته مع العرب على مدار عقود وذلك عبر فرض خريطة صراعات تبرز فيها القوى المناوئة لواشنطن وحليفتها الاستراتيچية تل أبيب، على نحو مكّنها من تطويق الولايات المتحدة عبر بؤر الصراعات بمنطقة الشرق الأوسط بكل من سوريا ولبنان والعراق، فيما بات يُعرف بـ «الهلال الشيعى» الذى تنشط فيه إيران وبشكل جزئى روسيا فى المناطق السورية. 

ويمكن الاستدلال على ذلك بمؤشرات التحرك الأمريكية فى المنطقة، التى تبرز التفاعل غير المسبوق الذى تقوم به الولايات المتحدة لدعم حليفتها تل أبيب بتحريك بعض القطع الحربية لأسطولها البحرى مثل حاملة الطائرات «جيرالد آر. فورد» من أجل إيصال رسائل ردع للأطراف المنخرطة فى مناطق التطويق الاستراتيجى لإسرائيل وذلك ضمن تفاعلات استراتيچية اللعبة الكبرى لموازنة نفوذ خصومها، وعبّر عن ذلك بوضوح الرئيس الأمريكى جو بايدن فى كلمته فى 10 أكتوبر الجارى،  بتحذيره للأطراف الدولية باستغلال التصعيد الراهن، قائلًا: «أحذر أى بلد أو منظمة من استغلال هذا الوضع، وبشكل عام أقول لأى شخص يفكر فى استغلال هذا الوضع، لا تفعل». 

أيضًا، عكست الفترة الماضية تحركات ملحوظة للولايات المتحدة فى مناطق التطويق الاستراتيچى لتل أبيب، فى كل من سوريا والعراق حيث نقلت تقارير صحفية فى أغسطس 2023، عن تحركات القوات الأمريكية الموجودة فى قاعدة «عين الأسد» فى محافظة الأنبار غرب العراق، ونيتها غلق الشريط الحدودى مع سوريا، وهو ما تزامن مع وصول تعزيزات حربية للقوات الأمريكية المتمركزة داخل العمق السورى، فضلًا عن اتجاه الكونجرس الأمريكى فى يوليو 2023، لمناقشة تزويد سلطات كردستان العراق بأنظمة مضادة للصواريخ وبدفاع جوى من أجل حماية الإقليم من القصف الإيرانى بالإضافة إلى خروج بعض التقارير تتحدث عن وجود تحركات عسكرية أمريكية فى المحافظات الشرقية والجنوبية اليمنية وذلك تزامنًا مع وصول عدد من القطع البحرية الأمريكية البريطانية إلى البحر الأحمر.

صراعات القوى العالمية بدأت فى نقل صراعاتها إلى داخل الشرق الأوسط بصورة قوية وقد أثبتت عملية «طوفان الأقصى» أن اللعبة قد بدأت تتجه لنظام جديد وخلق ساحة صراعات جديدة وسط تصاعد القوة العربية خاصة دول الخليج العربى وقوة مصر باعتبارها الجيش النظامى الوحيد فى المنطقة الأمر الذى يؤكد أن كلمة أمريكا وحلفائها لم تعد بقوة عهود سابقة.. وأصبحت غزة بداية لسطر جديد عن مستقبل الشرق الأوسط صاحب القوة لتحديد مصيره المستقبلى.