الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بمشاركة نحو أكثر من 30 مصورًا ومصورة من مصر والدول العربية معرض «الأنوثة».. عندما ترصد الكاميرا حكايات النساء الملهمات

«الأنوثة موضوع واسع يمكن تفسيره بعدة طرُق، ويشير إلى جوانب مختلفة من حياة المرأة، تجاربها، علاقتها، نضالاتها وانتصارتها، كما يمكن أيضًا أن يشير إلى الأدوار المختلفة التى تلعبها المرأة فى المجتمع، وكيف ينظر لها الآخرون «تحت هذا المفهوم يحتضن مركز التحرير الثقافى بالجامعة الأمريكية معرض الأنوثة» للصور الفوتوغرافية بمشاركة نحو أكثر من 30 مصورًا ومصورة من مصر والدول العربية.



 

يأتى معرض «الأنوثة –Women Hood» والمستمر حتى السابع والعشرين من أكتوبر الجارى على هامش فاعليات مهرجان «هى الفنون She Arts» الذى يقام تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية فى نسخته الثالثة ويهدف لخلق مساحة تعبير حرة للسيدات والفنانات من جميع أنحاء العالم؛ للمشاركة بقصصهن من خلال الفن!

تجوّلنا بين صور المعرض الذى تناول المصورين/ات فيها مفهوم الأنوثة بشكل مختلف واستعرضوا حكايات وقصصًا متنوعة عن النساء، فأول صورة للمصور محمد أحمد بعنوان «هى.. فى الميدان» لسيدة محمولة على الأعناق تشارك فى إحدى المظاهرات تعبيرًا عن قدرة المصريات على المشاركة فى ممارسة حقوقهن السياسية ومشاركتهن فى الميادين كتفًا بكتف مع الرجال، وكذلك كانت ثلاث صور للفنانة المصرية اللبنانية جوى خورى تصور صورة النساء وكفاحهن فى العمل، وما يتعرضن له من آلام، فالمرأة العاملة مطلوب منها أدوار أخرى بجانب المكتب فهى مسئولة عن الحَمْل والولادة ورعاية المنزل، وهذا ما عبّرت عنه «جوى» فى صورها المشاركة بالمعرض.

«أنوثة قيد الانتظار» عبّرت المصورة تسنيم أحمد من خلال ثلاث صور عن فكرة الأنوثة وتأخر سن الزواج، وعن الشرخ النفسى الذى يصيب المرأة عندما تكبر فى العمر من دون شريك، وعن وصم المجتمع لها؛ حيث تصف مجموعة الصور حالة الترقب لفتاة تعيش تحلم بالخطوبة والفستان الأبيض والزواج، الحلم الذى تتربى عليه الفتيات فى مجتماعتنا الشرقية وكأنه الاعتراف الوحيد بأنوثتهن!

كما اهتم المصور أحمد فليكس بالتعبير عن مفهوم الأنوثة فى صورة بعنوان «الزوجة هى قوة الأسرة» لرصد صورة زوجة فى ريف مدينة البرلس بكفر الشيخ؛ حيث يظهر دورها الواضح بجانب رعايتها للأسرة والبيت وتربية الأطفال، فهى تخرج مع الزوج لمساعدته فى حرفته فى الصيد التى هى مَصدر دخلهم.

كما لفت نظرنا الاهتمام بتوثيق الحِرَف اليدوية الشاقة التى تعمل بها النساء وهو ما يظهر فى عدة صور مثل: «حاصدات البلح» للمصور أحمد صلاح، «اليد العاملة» الذى ترصد عمل النساء فى الفخار لحسين السرناجوى، و«فن الحياة» للمصورة هبة محمد الذى ترصد عمل فنانة نسيج تعمل فى مركز يوصا واصف بالحرانية، وكيف تعتمد هذه السيدة البسيطة على مخيلتها لتنسج لوحات مختلفة على النسيج.

تحدّثنا مع عدد من الفنانين/ات المشاركين فى معرض «الأنوثة» لنقترب أكثر من شغفهم لعالم التصوير وكيفية توثيقهم لحيوات النساء المختلفة.

«سيدة التين الشوكى»

تتصدر صورة سيدة التين الشوكى أحد جنبات المعرض؛ حيث تمشى فلاحة مصرية بثبات وسط زراعات التين الشوكى ونبات الصبار وهى تحمل هرمًا من الأقفاص البلاستيكية فى نهار عمل شاق، تحكى المصورة دعاء عادل عن تفاصيل التقاطها لهذه الصورة قائلة: (صورة «سيدة التين الشوكى» تأتى ضمن مشروع أعكف عليه هو توثيق وتصوير عملية الحصاد بشكل عام فى محافظات الجمهورية، سافرت فجرًا لقرية ميت كنانة بمحافظة القليوبية؛ حتى أتمكن من اللحاق بعملية الحصاد للتين الشوكى التى تنتهى فى السابعة صباحًا، وهو ما عرفت أسبابه من العاملات بالمزرعة، بأهمية سرعة الحصاد قبل بزوغ شمس يوليو وأغسطس الحارقة ومن ثم تطاير شوك التين فى الهواء وهو ما يؤذيهن).

تضيف عادل: «إن السيدة صاحبة الصورة استقبلتها بترحاب شديد، وكانت متعاونة معها فى إنجاز مهمتها لتوثيق عملية الحصاد وتصوير العاملات الزراعيات، اللاتى يشكلن الغالبية من الأيدى العاملة». 

«جذبتنى هيئة السيدة أثناء تصويرى للمزرعة من مكان مرتفع، كانت ذات طلة مميزة، تمشى بثبات أسفل هذه الأقفاص البلاستكية الكثيرة التى تحملها فوق رأسها، وذك التباين اللونى بين جلبابها الفلاحى وهى تسير فى وسط نبات الصبار الملىء بالشوك، شعرتُ بالرضا كثيرًا عن هذه اللقطة المميزة للفلاحة المصرية واعتبرتها صورة اليوم».

وعن المشاركة فى معرض «الأنوثة»، تحكى دعاء: «عندما شاهدت الإعلان لم أفهمه فى البداية، واعتقدت أنهم يقصدون صورًا تعكس الأنوثة بمعاييرها الشائعة التى تم تكريسها منذ سنوات عن السيدات الجميلات بالفساتين الأنيقة، ولكن جذبتنى فكرة المعرض التى ترصد التنوع لمفهوم الأنوثة ونضالات النساء وكفاحهن وليس المعنى التقليدى الجمالى للأنوثة، ومن ثم شعرت أنه لا يوجد أنسب من صورة سيدة التين الشوكى بما تحمل من ملامح مليئة بالإصرار والصمود والصبر مثل مواصفات الصبار وأشواك التين، وهو ما يُعتبر من الزراعات الصعبة، فالفلاحات أو العاملات الزراعيات يعملن بمهن صعبة تمامًا مثل الرجال، وهو ما يكسر الصورة النمطية السائدة بأن هناك مهنًا لا تصلح للنساء، هذه السيدة لم تحمل الأقفاص فقط ولكن تحمل مسئوليات أسرتها واحتياجاتها فوق رأسها أيضًا، ووجدت فى صورة سيدة التين الشوكى نوعًا خاصًا من الأنوثة المليئة بالنضال والعمل.

دعاء عادل هى مصورة فوتوغرافية تخرجت فى كلية الإعلام قسم الصحافة عام 2008، مارست العمل الصحفى والتصوير بعد التخرج فى جريدة الوفد فى تغطية الفاعليات المختلفة، ثم توقفت عن العمل لفترة ولكن لم تنسَ شغفها وعلاقتها بالتصوير، تقول: «أثناء فترة كورونا والحَجْر الصحى، كانت تأسرنى فكرة تصوير الشوارع الفارغة من المارة، وهو ما دفعنى للحصول على تدريبات أونلاين مكثفة فى تعلم فن التصوير، ولكن مع عودة الحياة تدريجيًا والنزول للشارع انطلقت مع مجموعات لرصد الحياة اليومية فى مصر، ثم انطلقت بمفردى لتوثيق وتصوير مشروعات مختلفة أساسها الشارع وحياة الناس؛ فلاحين وعمالاً وغيرهم وعاداتهم فى أماكن مختلفة، توثيق الحِرَف اليدوية التراثية، وحلمى بعد سنوات أن يكون لدىّ كتاب يحمل اسم «مصر بعيونى». 

تختتم «عادل» حديثها لـ«روزاليوسف» بتسجيل إعجابها لفكرة تأسيس مهرجان «هى الفنون» وأهميته فى دعم الفنانات بمختلف المجالات سواء التصوير، الغناء، المسرح والتمثيل، تقول: «المهرجان فرصة جيدة لنا كفنانات للتعبير عن أنفسنا والوصول للجمهور بشكل أكبر، وكذلك توصيل نظرتنا ورؤيتنا عن نساء أخريات، وأتمنى وجود مثل هذه المهرجانات التى تدعم النساء المبدعات فى مجالات الفن المختلفة بكثرة وأن تسافر خارج العاصمة والوصول للجمهور فى محافظات مختلفة».

 جمال الاختلاف

أمّا عن الصورة التى تحمل اسم «جمال الاختلاف» للمصورة دنيا جمال؛ فتقول: «إن هذه الصورة جزء من مشروع تخرجى الذى حمل عنوان «مختلف»، والهدف منه مواجهة التنمر والحكم المسبق على الأشخاص عن طريق تصوير أشخاص مميزة مختلفة؛ لتوصيل الرسالة من المشروع وهى اختلاف معايير الجمال وتقبل ذاتهن، لذا اخترت الصورة لثلاث نساء جمالهن مختلف؛ حيث واحدة لديها بهاق، والثانية لديها عين واحدة، ورأيت أن الصورة مرتبطة بفكرة المعرض الذى يناقش مفهوم الأنوثة بطريقة مختلفة وعدم ارتباطه بمعايير تقليدية للجمال، ولاعتزازى أيضًا بهذا المشروع لتشجيعه لكل شخص مميز ومحاولة من جانبى لتوصيل رساله لهن أنهن لسن بمفردهن».

ترى «جمال» أن الأنوثة كلمة كبيرة تحمل أكثر من معنى، وتضيف: «يمكن التعبير عن مفهوم الأنوثة بأكثر من موضوع، وهو مرتبط بشكل أساسى بتقبل المرأة لذاتها والشعور بتميزها وأهميتها ثم معاملتها مع المجتمع ونظرته لها».

«دنيا جمال» حاصلة على بكالوريوس فنون جميلة، وبدأت علاقتها بالتصوير عام 2014، تحكى: «بدأت التصوير بالموبايل ثم تطورت بمرور الوقت بال (self learning) التعلم الذاتى حتى الوصول للاحتراف كمهنة وهواية من الأساس، ولدى اهتمام خاص بتصوير الفاشون والبورتريه لتوثيق الملامح المختلفة بعدستى ورؤيتى الخاصة».

 الأنثى وحصاد الياسمين

«الأنوثة هى كل شىء وهى الحياة، والحياة امرأة ورجل، والأنوثة مفهومها واسع، فالمرأة هى الأم، الأخت، الزوجة الحبيبة، هى العاملة، الفلاحة، يد المرأة دائمًا تثمر بالخير، هى التى تزرع، وتحصد وتخبز، وتربى الأجيال، فالجميلات هن القويات المناضلات، واهتمامى فى التصوير هو رصد وتوثيق حيوات هؤلاء الجميلات فى كل مكان». تقول المصورة سحر سيف صاحبة مجموعة صور «حصاد الياسمين» المشاركة فى معرض « الأنوثة».

تحكى سحر عن قصة نساء الياسمين التى شاركت صورهن فى المعرض: «وجدت نساء ملهمات ينطلقن مع ساعات الفجر الأولى فى قرية شبرا بلولة بمحافظة الغربية نحو الأراضى المزروعة بزهور الياسمين، يحصدن ما تطاله أيديهن ويعبئن جرادل كبرى مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز العشر جنيهات». 

تضيف سيف: «رغم مشقة العمل التى رصدتها أثناء تصوير عملية الحصاد، وحكاية هذه السيدة العجوز التى ترتدى النظارة فى الصورة وتحمل ابتسامة ساحرة، والتى كانت تخبرنى أنها تحرص على الخروج مبكرًا لجمع الياسمين قبل انتشار حرارة الشمس فى السماء والتى تؤذى عينيها المريضتين والتى خضعت لعمليات من قبل، وأنها تخرج مع زوجة ابنها وحفيدتها للمساعدة على المعيشة الصعبة، فهى ألهمتنى بهذا الكم من الرضا فى حديثها رغم ظروفها الصعبة». 

«سحر سيف» الحاصلة على ليسانس الآداب قسم التاريخ، فُتنت بعالم التصوير قبل خمس سنوات؛ وبخاصة تصوير البورتريهات وتوثيق حياة الناس اليومية، كذلك ساعدها شغفها بالسفر والترحال بين المحافظات المختلفة فى توثيق العادات والتقاليد والأزياء، عادات الطعام، أفراح الناس وأحزانهم، وتسجيل حكاياتهم.

عبّرت «سحر» عن سعادتها بالمشاركة فى معرض «الأنوثة» قائلة: «فكرته مميزة، ومن الأهمية تسليط الضوء على قصص وحيوات النساء المختلفة وإبراز مفهوم متنوع وثرى للأنوثة، وكذلك المعرض والمهرجان فرصة جيدة لتسليط الضوء على أعمالنا كفنانات فى مجالات مختلفة ودعم مشاريعهن الفنية».

 تجاعيد الحياة.. جدتى قصة كفاح

«تجاعيد الحياة» هى صورة تتصدر منتصف أحد جدران المعرض تلفت الأنظار لها بمجرد رؤيتها لسيدة عجوز، رسم الزمن ملامح وجهها عبر خطوط تجاعيده الكثيرة.. يقول دمان نافع المصور الجزائرى صاحب هذا البورتريه: «صاحبة هذا الوجه الجميل هى جدتى، التى أعتبرها قصة كفاح، فهى من أحن وأقرب الناس على قلبى، وكل خط فى تجاعيد وجهها يحكى ألف قصة، فهى عانت فى حياتها، عاصرت الاحتلال الفرنسى بالجزائر، وعانت مرارته من تجويع وفقر ونهب وإهدار حقهن كنساء على التعلم والصحة، ثم عانت كزوجة تزوجت فى سن صغيرة وتحملت مسئولية تربية الأبناء فى ظل ظروف معيشية قاسية ولكنها صمدت وقاومت». 

يضيف نافع: «فخور بمشاركتى بمعرض الأنوثة ببلد كبير مثل مصر، والتابع لمهرجان هو الفنون الذى يُقام تحت رعاية وزارة الثقافة المصرية، وأعجبتنى كثيرًا فلسفة المعرض، ومناقشتها لمفهوم الأنوثة بطريقة مختلفة، ورأيت أن بورتريه جدتى خير مُعَبر عن فكرة الأنوثة من وجهة نظرى، فهى «امرأة حديدية» وأرى أنوثتها فى إصرارها على تربية وتعليم أبنائها رغم الظروف القاسية، فالأنوثة هى الجدة والأم والمرأة الحنون، هى المرأة المكافحة».

«دمان نافع» مصور جزائرى، علاقته بالتصوير بدأت منذ عام ونصف العام، قائلاً: «التصوير هو بالنسبة لى حياة، فلا أستطيع العيش من دونه، وأعتبره وسيلة لإيصال العديد من الرسائل، ووسيلة تجعلنى أخرج من حلقة التفكير السلبى وكل ضغوطات الحياة، التصوير «يعلمك الحياة».