الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. بعد السقوط الثانى لنظرية الأمن الإسرائيلى ثرثرة على «غلاف غزة» 

الطريق الثالث.. بعد السقوط الثانى لنظرية الأمن الإسرائيلى ثرثرة على «غلاف غزة» 

القدس عربية، وغزة فلسطينية، والجولان سورية، وسيناء مصرية، حقائق لن يطمسها تطرف أو غباء أى حكومة إسرائيلية، ولن يقايضها أى هوان عربى بعد أن لحق أغلب العرب بقطار التطبيع، مسقطين من حساباتهم فواتير الدم والدموع وتضحيات أكثر من سبعة عقود خسرت فيها الأمة العربية مليارات من الدولارات وآلافًا من الشهداء، وفرصًا كثيرة للنهضة والرقى والتقدم وتحسين أحوال الشعوب، دهسها المشروع الصهيونى الذى فرضه الاستعمار بوعد من يملك لمن لا يستحق، وعد بلفور الشهير، ومن بعده كانت الامبراطورية الأمريكية فى كل العهود وفى كل المواقف، حائط الصد الذى يحمى هذا المشروع الاستعمارى من الانهيار أو السقوط. 



 

جحيم غزة وغلافها

وفلسطين قضيتنا، قضية كل المصريين، ولا يحق لأى إنسان فى العالم أن يزايد علينا فى محبة ومساندة ودعم الشعب الفلسطينى، ولا ينافسنا أحد فى حجم التضحيات لتحرير الأرض العربية ومقاومة الجشع الإسرائيلى فى سرقة آمالنا وطموحنا المشروع فى الأرض والسلام، فلم نقاتل- لا مصريين ولا عربًا- هجومًا أو طمعًا بل كانت كل حروبنا دفاعية بهدف استرداد ما سلب، وفى كل الأوقات كنا ولا نزال نرفع أغصان السلام.

وإذا كانت إسرائيل قد اكتوت بنيران غزة، وتريد أن تتخلص من جحيمها المتصاعد، عليها أن تفتش عن أخطائها المكررة التى لا تمل من السقوط فى فخها، كأنها ثور معصوب العينين استدرجه غروره فى الدوران داخل دوائر مفرغة، فانخدع وتخيل نفسه قد وصل إلى هدفه، بينما هو يتحرك فى مكانه، هكذا هى كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تبالغ فى حصونها وتجرم فى عدوانها، حتى تستيقظ فى صباح كالسابع من أكتوبر 2023 على فشل جديد لنظرية الأمن الإسرائيلى، هذا الأمن الذى لن يتحقق إلا بأمان الشعب الفلسطينى واستعادته حقوقه المشروعة وفق المعاهدات والمواثيق الدولية، وطبقا لاتفاق السلام الموقع ببن الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى برعاية دولية.

السابع من أكتوبر

سيبقى هذا التاريخ محل اعتبار، والمقارنة مع المعجزة التى تحققت فى اليوم السابق له قبل خمسين سنة، تلقى بظلالها على كثير مما جرى فى هذا اليوم الفارق فى تاريخ العرب، وهذا لا ينتقص بحال قدر وقيمة السادس من أكتوبر يوم النصر العظيم، بل يزيد من قيمته أنه كان ملهمًا للمقاومة الفلسطينية بعد نصف قرن، وإن كانت المقارنات التى صكتها وسائل إعلام غربية وعربية لا تمنح «طوفان الأقصى» مرتبة الخلود الذى تحقق لنصر أكتوبر سنة 1973، ليس فقط لأن الزمان اختلف، ولكن عوامل كثيرة أحاطت بالمفاجأة الأولى التى أسقطت نظرية الأمن الإسرائيلى لم تحظ بها المفاجأة الثانية، فإذا كانت الدول العربية فى الماضى قد التفت حول مصر فى معركتها واصطف الجميع فى المواجهة، فإن الشعب الفلسطينى اليوم يقف وحيدًا فى مواجهته العالم فى لحظة فارقة ومنعطف خطير من تاريخ قضيته.. قد تنتهى بعده وتختفى إلى الأبد، وقد تبعث من جديد، لا أحد يملك اليقين فى وضع تصور لقادم الأيام، إلا ثقة فى سقوط المزيد من الضحايا وسفك الكثير من الدماء. 

تقاطع المصالح والمشاعر

إن أسوأ ما وضعنا فيه «طوفان الأقصى» هو ارتباك المشاعر والمواقف بسبب تصدر حركة «حماس» الفصيل الأبرز للمقاومة الفلسطينية المسلحة لبطولة هذه العملية، حدث هذا الارتباك فى العديد من الدول العربية التى وضعت تنظيم «الإخوان المسلمين» على قائمة الإرهاب وفى مقدمتها مصر، رغم العلاقة الطيبة التى تجمع قادة الحركة بالدولة المصرية. 

كما أحدثت فيديوهات بثتها الحركة خلال عمليات اقتحام المستوطنات الإسرائيلية فى إثارة جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعى، مما زاد من هذا الارتباك بسبب العنف الذى مارسه رجال المقاومة ضد الإسرائيليين وخاصة كبار السن والنساء، وهو ما استغلته الدعاية الإسرائيلية ضد حماس حول العالم ووظفته لخدمة أهدافها وتشويه المقاومة الفلسطينية ونعتها بالإرهاب، بعد أن جددت بها جراح الغرب وأوجاعه من الإرهاب (الإسلامي) الذى تجرع مرارته أغلب الدول الغربية. 

وأخيرًا تفاقم الارتباك عند الدول العربية (الخليجية) التى لحقت مؤخرًا بركب السلام مع إسرائيل واستملحت البقاء فى عربة التطبيع، فتقاطعت مصالحها مع مشاعرها، وتباطأت مواقفها الداعمة للشعب الفلسطينى، رغم فظاعة الرد الانتقامى الإسرائيلى على طوفان الأقصى والمبالغة فى الوحشية والتنكيل بالشعب الفلسطينى. 

الفكرة الشيطانية

ومارست إسرائيل مع بدء حربها المعلنة على غزة، «لوعًا» إعلاميًًا تحرض فيه الفلسطينيين على النزوح الجماعى إلى سيناء، لينجو بأرواحهم من إبادة جماعية تقوم بها ضدهم ثأرًا لكرامتها المبعثرة وانتقامًا لقتلاها وأسراها ومصابيها الذين سقطوا فى السابع من أكتوبر. 

وفطنت مصر مبكرًا لهذا «اللوع» فأسرعت محذرة من خطورة هذه الفكرة الشيطانية، مؤكدة أن خطورة الأمر لا تخص مصر وحدها سواء باستباحة أراضيها لأن مصر قادرة على حماية حدودها، لكن الهدف الأخطر هو تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائى.

وظهرت فكرة توطين الفلسطينيين فى سيناء بعد نكسة 1967، فيما سمى وقتها بمشروع (إيجال ألون) وزير الخارجية الإسرائيلى والذى دعا إلى تنفيذ الفكرة ومشروعات توسعية أخرى استغلالًا لهزيمة العرب، وعادت الفكرة للظهور مجددا سنة 2000 وطرحها (جيورا أيلاند) مستشار الأمن القومى الإسرائيلى والذى دعا إلى أن تتنازل مصر عن جزء من سيناء لتوطين الفلسطينيين مقابل جزء من صحراء النقب لصالح مصر ومنحها بعض المكاسب الاقتصادية، وعادت الفكرة من جديد عام 2013 فيما عرف بخطة (يوشع بن آريه) والتقطها وقتها الإخوان وتم الحديث عن دولة لحماس فى غزة وبعض أجزاء من سيناء، ثم كان الظهور الأخير للفكرة والذى عرف بـ«صفقة القرن» مع ولاية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.

امبراطورية الأكاذيب

قبل أسابيع ردت الصين على تقرير للخارجية الأمريكية يتهمها بممارسة «التضليل الإعلامى» واصفة الولايات المتحدة بـ«امبراطورية الأكاذيب»، تذكرت هذه المزحة الصينية أثناء متابعة كلمة للرئيس الأمريكى جو بايدن التى كان يعبر فيها عن موقف بلاده مما جرى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وإعلان إسرائيل الحرب بعد عملية «طوفان الأقصى» التى نفذتها المقاومة الفلسطينية، والتى أسقطت نظرية الأمن الإسرائيلى بعد أن نجح رجال المقاومة فى تنفيذ عملية عسكرية غير مسبوقة فاجأت جيش الاحتلال الإسرائيلى وزلزلت حصونه وشلت قدراته. 

وقد وقف الرئيس الأمريكى والذى يستعد لمعركة انتخابية شرسة نحو ولاية ثانية، يروج لنفسه انتخابيًا ويروى بحماس ذكرياته عن لقاء جمعه برئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا فى سبعينات القرن الماضى، معلنا تقديم كل الدعم لإسرائيل لتفعل ما تشاء فى الفلسطينيين، وهى التى بدأت بالفعل تنفيذ مجزرة وحرب إبادة وحصار جماعى للشعب البطل فى أرضه المحتلة مبررا كل ما تفعله إسرائيل، ممارسًا التضليل الإعلامى الذى نعت به الصين قبل أسابيع، ومطلقًا الرصاصة الأخيرة على مشروع السلام الفلسطينى الإسرائيلى، كاشفًا عن وجه أمريكا القبيح، بعد أن ظلت سنوات تخدع العرب بوصفها راعية السلام والوسيط المأمول حياده.