الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كتاب و أديب.. «رؤى لوكريثيا» عندما تدمر الأحلام صاحبها الفتاة التى استغلها الكهنة وسجلوا أحلامها وتنبؤاتها "الحلقة 11"

فتاة فقيرة تعيش فى أواخر القرن السادس عشر ترى رؤى وأحلامًا تعلن من خلالها النهاية الكارثية للملكية الإسبانية وحكم الملك «فيليب» الثانى، يتم استغلالها من قبل رجال الدين وعندما ينتهون منها يحكمون بإعدامها بتهمة السحر والشعوذة.



إنها «رؤى لوكريثيا» الرواية التى جسّد فيها الكاتب الإسبانى «خوسيه ماريا ميرينو» معاناة من كانوا يعيشون فى ظل محاكم التفتيش تلك الحقبة المظلمة فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية والتى لا تزال تدفع ثمنها باهظًا حتى هذه اللحظة.

 

ومحاكم التفتيش هى ديوان أو محكمة كاثوليكية نشطت خاصة فى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، مهمتها اكتشاف مخالفى الكنيسة ومعاقبتهم، فقد عرفت بأنها «سلطة قضائية كنسية استثنائية» التى وضعها البابا غريغورى التاسع لقمع جرائم البدع والردة وأعمال السحر فى جميع أنحاء العالم المسيحى من القرن الثالث عشر إلى السادس عشر.

ومحاكم التفتيش، أُنشئت أصلًا لمحاربة الهرطقة وعرفت أنها ضد البدع الأخرى والسحر، كما أنها استُخِدمت فى كثير من الأحيان كأداة سياسية. 

وتكشف الرواية الكثير من الأحداث التاريخية أهمها الانقسام الذى حدث فى كنيسة روما وقام به مارتن لوثر والذى كان بسبب بابا الفاتيكان، وكذلك محاكم التفتيش، وهى الحقبة الأكثر سوادًا فى تاريخ إسبانيا والغرب.

أما الحدث المحورى فيها هو الصراع الذى عاشته إسبانيا فى أواخر القرن السادس عشر والذى كان يدور على أشده بين الملك الإسبانى ومن حوله من فاسدين والكنيسة التى يحلم بعض كهنتها بالانقلاب على الملكية لتحقيق ما اعتبروه وعدًا إلهيًا بوراثة بابوية روما وباستئناف الحروب الصليبية وبهزيمة إنجلترا والقضاء على اللوثريين.

 تتحدث الرواية عن الانقسام السياسى والاجتماعى والتأخر الإسبانى عن مواكبة حركة التنوير المتسارعة التى تشهدها دول أوروبا ولم تكن لوكريثيا سوى واحدة من المتنبئين المنتشرين فى إسبانيا فى ذلك الوقت وكان يبشر بعضهم بنهاية العالم وبعضهم الآخر بالقيامة، ولكنْ تحقُّق الكثير من الأحلام التى تراءت لها خلال فترات متقاربة جعل أمها آنا أوردونيت تفاخر بابنتها فى الكثير من المحافل حيث يبدأ صيتها بالذيوع، لتتعرف إلى الجندى المتنبئ ميغيل دى بدرولا الذى ما لبث أن تعرض للاعتقال على يد محاكم التفتيش بعد أن اتهم بتحضير انقلاب، إلا أن هذا لم يمنعها من متابعة أحلامها ونشرها على الملأ، حتى تمكنت خلال فترة وجيزة من لفت انتباه عدد من رجال الكنيسة الذين رأوا فى أحلامها إشارات إلهية حقيقية باقتراب النهاية وبداية عصر جديد تكون كلمة الفصل فيه للكنيسة.

وتأخذ الرواية اتجاهًا أكثر سودواية عندما بدأت رؤى لوكريثيا تتخذ منحى خطيرًا يتعلق بدمار إسبانيا وبهزيمة أسطول الارمادا العظيم أمام الأسطول الإنجليزى وبموت الملك الوشيك.

ومن هذه النقطة بدأ بعض رجال الكنيسة مثل دون الونسو دى تابيس ومساعده الراهب لوقا وآخرين إلى تدوين أحلام الفتاة وتوزيع نسخ منها على جميع الناقمين على الملك والمنتظرين نهايته.

 وهكذا ارتفع شأن لوكريثيا بين ليلة وضحاها وتمت إحاطتها بالكثير من الرعاية والاهتمام المادى والمعنوى، كما تعرفت فى تلك الفترة إلى الشاب الوسيم دييغو دى فيكتوريس الذى كلفه دون ألونسو بتدوين أحلامها فى غيابه والذى تزوجت وحملت منه فى السر قبل أن ينكشف أمرها لدى محاكم التفتيش وتساق إلى السجن ومن ثم المحاكمة بعد ذلك. ومع أنها نجت من الحكم بالإعدام بتهمة الهرطقة والتجديف فقد آل أمرها أخيرًا إلى السجن ومن ثم التشرد والجوع مع طفلتها الوحيدة.

وهكذا تناول الروائى الإسبانى خوسيه ماريا ميرينو فى روايته قراءة حقبة عصيبة من تاريخ إسبانيا جسد فيها الصراعات الكنسية واستغلال بعض رجالها أى شيء طالما أنه يخدم مبتغاه والذى يسعى إليه حتى إذا ما كان هذا عن طريق طرق ممنوعة من قبل الكنيسة نفسها.

 فبينما كانت محاكم التفتيش تنشر الرعب فى كل الأوساط الاجتماعية، وتصادر الرأى الآخر فى زمن يسهل فيه التكفير والقتل، ويحكم على البريء ليس بما فعل أو ما يمكن أن يفعل فحسب، بل بما يرى فى مناماته وأحلامه أيضًا، كان هناك من رجال الدين ما يوثق أحلام ورؤى تتواءم مع مبتغاهم.

وخوسيه ماريا ميرينو كاتب إسبانى معاصر مولود فى آ كورونيا، اليسيا فى 5 مارس 1941. وكان قد بدأ شاعرًا، لكن روايته «قصة آندرِس تشوث» التى نشرها عام 1976كرسته كروائى على حساب الشاعر.

وتميز بصورة خاصة بمساهمته البارزة فى تطوير فن القصة القصيرة الإسبانية خلال العقود الماضية وقد امتد نشاطه الثقافى إلى مجالات متعددة كالنقد الأدبى والدراسات والمقالات الصحفية. كتب مرينو العديد من المؤلفات، منها: الحَلّة الذهبية، قصص مملكة السّر، المسافر الضائع، ذهب الأحلام، أرض الزمن المفقود، دموع الشمس.

نال جائزة النقد الوطنية عام (1985) كما حصل على الجائزة الوطنية للآداب، ومنح جائزة ميغيل ديلبس عن روايته رؤى لوكريثيا.

ويعد الكاتب خوسيه مارى مرينو أحد أميز الأصوات الروائية الإسبانية، التى تصدرت جيل السبعينيات من القرن العشرين، وقد انضم تاريخيًا إلى باقة الكتَّاب الذين تزامن نتاجهم الأدبى مع الحقبة الأخيرة من دكتاتورية فرانكو، وبداية التحول إلى حقبة الديمقراطية، وأطلق النقاد على تلك المجموعة «جيل 975»، أو «جيل الديمقراطية»، كما أطلق عليهم أحد النقاد «جيل 1968» فى إشارة إلى الأحداث التى عرفت بـ«مايو باريس»، وبدا تأثر مرينو بـ بورخس، وكورتاثار وماركيز جليًا، وسعى مرينو فى أعماله إلى ترجمة العناصر اليومية لتصبح مكونات سردية فانتازية وتخيلية امتزجت برؤية ذاتية ونكهة محلية، فأسس مدرسة جديدة للكتابة الروائية فى إسبانيا، استدعت روح الكلاسيكيات الإسبانية فى العصر الذهبى، ومن أهم أعماله: رواية أندريس تشوث (1976)، والضفة المظلمة (1985)، وأرض الزمن المفقود (1987)، كما ترجمت أعماله إلى غير لغة، وحصل على جوائز عديدة.