السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حبكة درامية من نوعية الكوميديا السوداء: «فوى.. فوى.. فوى».. إنذار بتمريرة الخصم الذى هو نفسك!

هناك حكمة شهيرة تقول «the grass isn’t always greener on the other side» أى «الحشائش ليست بالضرورة خضراء على الجانب الآخر» والمعنى المقصود أن الحياة ليست دائما أجمل على الجانب الآخر.



هذه الأزمة البشرية يقع فيها معظم الناس عندما يتركون كل النعم فى حياتهم والتى يمكن أن يستثمروها لحياة أفضل وينظرون للجميل فى حياة أخرى، سواء مكان آخر أو شخص آخر، متناسين أن الظاهر من أى شىء هو الأجمل فيه ليس أكثر وأن السيئ فى أى مكان أو شخص دائما مخبأ لن تكتشفه إلا بغوصك فى أعماقه.

 

وتلك قاعدة مهمة من قواعد الحياة بُنيت عليها الفكرة الأساسية والقيمة الأخلاقية التى يريد إيصالها فيلم (ڤوى ڤوى ڤوى) للمؤلف والمخرج «عمر هلال»، وكلمة «ڤوى» هى كلمة إسبانية معناها «قادم» وهى من أهم قواعد اللعب فى كرة القدم للمكفوفين أو كرة الجرس الإسبانية، يستخدمها اللاعب إلزامًا داخل الملعب حتى يُنبّه الخصم فى الفريق الآخر أنه «قادم» حتى لا يصطدم به بما أن حاسة السمع هى المحرك الأساسى لأى كفيف، وكسر تلك القاعدة الكروية تعتبر تعديا على الفريق الآخر، وفى هذا العمل الفنى هى إسقاط بصرى على ما يخطط له ويقوم به «حسن» الذى يتسلل وسط فريق كرة القدم للمكفوفين مدعيا أنه كفيف وهو سليم النظر حتى يصل لأراضى أوروبا هربا من واقعه.. 

حبكة درامية من نوعية الكوميديا السوداء تقوم على حبكة الأزمة والحل، فهناك أزمة ما يواجهها البطل «حسن» وهى الفقر والعمل غير اللائق والحل من وجهة نظره فى الهجرة غير الشرعية والتى حاول إنجاحها أكثر من مرة من خلال الزواج بأجنبية مُسّنة لكن غنية أو بمحاولته السفر عبر قارب لإيطاليا، إلى أن وجد ضالته فى خداع الجميع بأنه كفيف لينضم لفريق كرة الجرس أو كرة القدم للمكفوفين المرشحة للسفر لبولندا فى كأس العالم، ومن هنا تتوالى الأحداث التى تقع لـ«حسن» ولغيره من شخصيات فريق الكرة ومنها «جابر» والمدير الفنى للفريق، وبالطبع تُحكى تلك الأحداث من وجهة نظرهم مقدمين دوافعهم المنطقية بالنسبة إليهم وغير المنطقية بالنسبة لآخرين حتى نصل لنهاية العمل الذى يحكى مبدأ مهما لـ«أرسطو» فى الدراما عن الثواب والعقاب، وتؤكد أن الحياة ليست أجمل على الجانب الآخر.

أما عن الرسم الجسمانى والنفسى للشخصيات فقد خرج قويا مُعبرا عن حالة كل شخصية وخلفيتها البيئية، على سبيل المثال شخصية «حسن» التى يجسدها «محمد فرّاج» شخصية تائهة تهوى الكسل وتفتقد للمسئولية وجانب السعى لتحقيق أى نجاح، فترى ملابسه مهلهلة يطلق لحيته غير نظيفة وشعره كذلك، شخصية سلبية يستغنى عن حبيبته فى يوم وليلة بسبب عدم قدرته على السعى الحقيقى للفوز بها، لا يسعى للعمل بشكل جاد ومستسلم لواقعه ولعمله غير المناسب لشهادته الجامعية وبالتالى يستسهل ويختار الخداع والكذب حتى يصل لمراده وللنجاح السريع، وتلك التيهة مع اقتناع الشخصية بدوافعها المنطقية للخداع جسدها «محمد فرّاج» بشكل احترافى خاصة فى مشهد مواجهته لحبيبته «إنچى» التى تجسد شخصيتها «نيللى كريم» فتستمتع كمُشاهد بدموعه المبررة من وجهة نظره وموقفها الرافض له بعد صدمتها فيه، أما عن شخصية المدير الفنى التى يجسدها «بيومى فؤاد» فهو أيضا له مبرراته المنطقية بالنسبة له فهو يمر به العمر دون تحقيق نجاح حقيقى وبالتالى يسعى للوصول لهدفه بالخداع أيضا، ولكن السؤال الذى يظل يلح عليك كمشاهد، هل هو يستحق ذلك النجاح أم عدم سعيه وراء أحلامه طوال حياته واستسلامه لواقعه هو السبب الرئيسى لفشله، فلكل مجتهد نصيب وهل لغير المجتهد من نصيب؟، وقد جسد «بيومى فؤاد» تلك الشخصية بإبداع فهو المخادع الذى تحبه وتسخر معه من أحداث كثيرة يقع فيها، أما تعاطفك معه من عدمه فذلك يرجع لعوامل كثيرة أهمها اقتناعك بوجهة نظره ودوافعه.

أما عن الموسيقى التصويرية لـ«سارى هانى» فقد جاءت متنوعة تُعزف على حالة الشخصيات وتُعبر عن حالة كل مشهد، فقد استخدم مثلا الآلات الوترية كالجيتار ليعبر عن المغامرة، وآلة العود ليضفى أكثر الطابع المصرى على المشاهد خاصة مشاهد البيوت البسيطة، والدق على الطبول فى مشاهد الإثارة والأكشن، ومن هنا نؤكد أن الموسيقى التصويرية عنصر قوى أضاف للعمل وساهم فى إيصال حالته ورسالته.

إلى جانب الإضاءة التى ظهرت مظلمة فى مشاهد بيوت الشخصيتين «حسن» والمدير الفنى لتعكس حالة التشاؤم داخلهما، واستخدام إضاءة الشمس فى آخر مشاهد العمل لتعبر عن تفاؤل الشخصيات بما حققوه وانتهت بغروبها وسط تيهة «حسن» فى الشوارع مرة أخرى ليؤكد على رسالته الأساسية وهى أن الحياة تصبح أجمل فى المكان الذى تسقيها فيه وليس على الجانب الآخر.