الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بلاد الأرز بين حوارين متزامنين الفراغ الرئاسى يهدد لبنان

ستشهد الأيام المقبلة ضغوطاً مكثفة لتذليل عقبة الاستحقاق الرئاسى الذى أنهك الجميع فى لبنان، ومنذ عام 2006 وطاولات الحوار تنعقد فى لبنان من دون التماس أية نتيجة. فالحوار بين الجدران الأربعة شىء، وعلى أرض الواقع شىء آخر، والنتيجة باستمرار نكثٌ متواصل بالوعود. فما الذى تغيّر اليوم بعد الحوارات المتعدده السابقة؟



 

ما زالت الدعوة للحوار التى أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه برى، والتى تتضمن دعوة القوى السياسية إلى حوار لمدة 7 أيام يُعقد هذا الشهر فى البرلمان، مع وعد بجلسات انتخاب الرئيس مفتوحة بعد ذلك لإنهاء الشغور فى سدة الرئاسة الأولى المستمر منذ نحو 10 أشهر، تشهد ردود فعل متباينة.

فقد عبرت المعارضة متمثلة فى حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، وحزب الكتائب اللبنانية برئاسة سامى جميل، عن عدم استعدادها لاستجابة الدعوة إلا بوضع شروط محددة.

وعلى الرغم من أن هذه الدعوة تجمع بين مواقف الكتل السياسية الرافضة أصلاً للحوار والمؤيدة له، فإنها تسببت بإحراج القوى التى تُسمى نفسها بـ«السيادية» أو قوى المعارضة، من حيث كونها تثبت مطلبها الأساسى بعقد جلسات برلمانية متواصلة حتى يتم انتخاب «الرئيس»، لكنها تضعف حجتها برفض الحوار، لكونه قُيد بفترة زمنية قصيرة، ما قد يضعها فى خانة المعرقلين لانتخاب «الرئيس»، وإطلاق عجلة الإصلاحات، وإنقاذ البلاد من الأزمات التى تعصف بها.

ليس الرئيس برى وحده الذى ينادى بالحوار اليوم. فالموفد الرئاسى الفرنسى جان إيف لودريان سبقه إلى دعوة الكتل النيابية من خلال رسالة مقتصبة لعقد حوار عند زيارته الثالثة المقررة الأسبوع المقبل. إلا أن الجواب هذه المرة سبق العزل. لا قالتها غالبية الكتل النيابية .

وفى السياق يتابع القاضى عريمط: «فلتفتح أبواب المجلس النيابى وتكون هناك جلسات متتالية قبل التسويات الخارجية والحوارات والصفقات وانتظار هذا المبعوث أو ذاك. القادم من وراء البحار، الحل بأيدينا. فلنتقِ الله، ونرحم الناس ونوقف المناكفات والحسابات الضيقة، وندخل جميعا فى الوطن الذى أحبه الآخرون أكثر من المسؤولين المتربعين على عرشه».

جدل سياسى

أثارت هذه المبادرة سجالاً داخلياً، يُنتظر أن يتفاعل أكثر فى الأيام المقبلة، خصوصاً أنها دمجت موضوعَى الحوار بالجلسات المفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية. أما على الجانب الآخر من الصورة، فانتظار لعودة الموفد الرئاسى الفرنسى، جان إيف لودريان، إلى بيروت، والمرجّحة فى 11 من الجارى.

وهو الذى خيّر التناقضات اللبنانية بين أمرين: إما الانخراط فى ما سمّاه «حوار الفرصة الأخيرة» لكسر جدار التعطيل الرئاسى، وإما أن يدخل لبنان مدار التخلّى الدولى عنه. فهل ستحول مبادرة برّى الحواريّة دون توفير فرصة جديّة لنجاح مهمة لودريان فى زيارته المقبلة لبيروت؟

حواران متزامنان

وفى انتظار الخطوة التالية التى سيُقدم عليها برّى فى الأيام المقبلة، ربطاً بتعاطى المكوّنات السياسية مع مبادرته، الذى سيحدّد ماهية هذه الخطوة، أكان فى اتجاه استكمالها أو فرملتها على ما جرى فى مبادرته الحواريّة السابقة، كان لافتاً عدم إشارة رئيس البرلمان إلى المبادرة الفرنسية التى يقودها الموفد الرئاسى الفرنسى، إذ اختار الشهر الجارى توقيتاً لمبادرته، أى بالتزامن مع عودة لودريان مجدّداً إلى لبنان كى يسبر أغوار إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية.

علماً بأن الشكوك ازدادت فى المناخات والأجواء التى تسبق عودة الأخير إلى بيروت، مع ارتسام صورة الانقسامات الواسعة مجدّداً حول مبدأ الحوار وآليته، كممرّ أو شرط أو وسيلة لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، بما طرح الكثير من التساؤلات والشكوك حول الأهداف التى دفعت برّى إلى طرح حوارى جديد، ما دام يعرف سلفاً أن المعارضة، التى رفضت الاستجابة لرسائل لودريان ووضعت مبادرته فى خانة «الترنّح»، لن تكون فى وارد التساهل معه هو.

وفى المحصلة، رفعت بعض أطراف المعارضة من وتيرة التصعيد الكلامى ضدّ مبادرة برّى الحواريّة، من زاوية الرفض، وإن كانت هذه المبادرة حرّكت المياه النيابية الراكدة.

أما على الوجه الآخر من الصورة، فكلام عن أن هذه المبادرة هى بمثابة «قطع الطريق» على مهمّة الموفد الرئاسى الفرنسى، إذ من الصعوبة بمكان التوفيق بين تحرك لودريان ودعوة برى للحوار فى الوقت نفسه. وعليه، ارتفع منسوب التساؤلات المرتبطة بهذا الشأن.

12 جلسة انتخابية

على مدار أكثر من عشرة أشهر، عقد البرلمان اللبنانى 12 جلسة انتخابية، أخفقت كلها فى انتخاب رئيس للجمهورية، على خلفية نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التى منعت أى كتلة برلمانية منفردة من الحصول على أغلبية قادرة على إيصال مرشحها إلى منصب الرئاسة.

ولعل جلسة 14 يونيو الماضي، وهى الأخيرة حتى الآن، أثبتت أن موازين القوى الداخلية القائمة حالياً لن تسمح بإيصال مرشح بعينه من دون توافق وطنى، وبالتالى فإن تمسك قوى المعارضة بالذهاب إلى جلسات انتخابية مفتوحة لن ينتج شيئاً. وهو ما يجعل من الحوار الداخلى ضرورة وطنية لا غنى عنها، للتوافق على مرشح للرئاسة، يفتح الطريق لإنقاذ البلاد.

وليس عبثاً أن المبعوث الفرنسى الذى يفترض أن يعود إلى بيروت أواسط الشهر الحالى، وضع الحوار الداخلى فى صلب حركته السياسية، إدراكاً منه بعد جولتين استطلع خلالهما آراء مختلف القوى السياسية، أنه من دون توافق وطنى، لا يمكن انتخاب «رئيس».

ويرى خبراء أن القضية فى لبنان هى قضية أزمة ثقة بين مكونات المجلس النيابي، والمطلوب الآن انتخاب رئيس للجمهورية قبل أى شىء آخر. فإذا كان لدينا دستور ونظام ارتضيناه على أثر وثيقة الوفاق الوطنى التى أقرّت فى الطائف، وهذا التوافق الوطنى الذى أصبح دستوراً أظهر بمواد واضحة كيفية انتخاب رئيس للجمهورية وكيفية اختيار رئيس لمجلس الوزراء من خلال الاستشارات النيابية الملزمة، وكيفية انتخاب رئيس لمجلس النواب والمجلس النيابى.. وإذا كانت هذه الأمور كلها واضحة بحسب الدستور، فعلى أى أساس نريد عقد جلسة أو جلسات حوار، سواء كانت هذه الحورات لأيام أو لأسابيع وحتى لأشهر ، وما هو هدف هذا الحوار الذى نريده؟ هل هو حوار الطرشان الذى سبق واجرى وكانت مقرراته حبرا على الورق؟