الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من أجل التحصن به: القصر الرئاسى فى الخرطوم تاريخ دمره الدعم السريع

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى صورا تظهر الأضرار الكبيرة التى تعرض لها القصر الرئاسى فى العاصمة السودانية الخرطوم بسبب الحرب الدائرة منذ منتصف أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع التى تحصنت بالقصر الرئاسى فى قصة تختصر الأخطار المحدقة بالمبانى التاريخية بالبلاد. وليس الدمار فى القصر الرئاسى فى الخرطوم سوى عينة تمثل نطاقا أوسع من الدمار الذى لحق بالبنية التحتية والأحياء السكنية والأسواق والمنشآت الصناعية.



يكتسب القصر الأثرى أهميته من كونه جزءا لا يتجزأ من تاريخ البلاد وذاكرتها وخسارته تعنى خسارة صرح تاريخى وأثرى يتجاوز عمره ما يقارب القرنين من الزمان وهو مصنف لدى الهيئة العامة للآثار والمتاحف ضمن المبانى الأثرية التى تشكل جزءا من تاريخ البلاد الحضارى والسياسى وشاهد على التحولات التاريخية ما قبل الثورة المهدية منذ تشييده أول مرة فى مرحلة الحكم الثنائى التركى المصرى للسودان بين 1821 و1885. ظل القصر الرئاسى الأثرى القديم رمزا للسيادة الوطنية ومقرا رسميا لرئاسة جمهورية السودان وهو يضم جميع مكاتب رئيس وأعضاء مجلس السيادة وإدارات الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية قبل أن يتم تشييد القصر الجديد داخل فناء القصر القديم نفسه عام 2015 مجاورا للمبنى التاريخى هدية من جمهورية الصين الشعبية. صورة القصر نقشت على العملات الورقية والطوابع البريدية التذكارية وتصدرت النشرات الإعلامية كرمز سيادى وسياسى فى السودان؛ وسمى الشارع الرئيس المحاذى لمدخله الجنوبى بشارع القصر بعد أن حمل خلال فترة الاستعمار اسم شارع الملكة ڤيكتوريا. كذلك يعد القصر القديم من المعالم المعمارية المهمة فى الخرطوم بإطلالته على الضفة الجنوبية للنيل الأزرق بالقرب من المقرن ويطل عدد من شرفاته عليه بالقرب من ملتقى النيلين الأزرق والأبيض بالإضافة إلى كونه يمثل قلعة تاريخية أثرية من حيث نمط العمارة وطراز التصميم والنوافذ المقوسة رومانية الطابع وبواباته الواسعة وشرفاته ونوافذه البحر متوسطية ذات الملامح الإغريقية على غرار تصاميم المعمار الأوروبى فى القرن الـ17.

أما التاريخ البعيد للقصر القديم فيعود إلى فترة الحكم الثنائى التركى - المصرى للسودان (1821 - 1885م) وذلك عقب تمكن محمد على باشا من ضم السودان عام 1821 تحت ولاية مصر وكان الحاكم حينها يلقب بحكمدار عام السودان وقد قام محمد على بتحويل العاصمة من سنار عاصمة دولة الفونج بعد الانقضاض عليها بين فترة 1504 و1821 إلى مدينة ود مدنى وسط السودان عاصمة ولاية الجزيرة حاليا. بعد عشر سنوات وفى عهد الحكمدار عثمان بك جركس 1824 نقلت عاصمة البلاد إلى الخرطوم لتصبح مقرا للدواوين الحكومية كافة ومقرا للحاكم بعدها بدأ الحكمدار التالى محو بك أُورفلى عام 1825 بوضع اللبنات الأساسية للقصر القديم الذى عرف بقصر الحكمدارية وأيضا السراى سراى الحاكم العام، بنى فى البداية من الطين اللبن على موقع مميز فى العاصمة السودانية ضفة للنيل الأزرق الجنوبية وأنجز عام 1834 خلال عهد خورشيد باشا بعد أن أدخلت عليه بعض الإضافات والتحسينات.

وفى عام 1851، قام الحكمدار عبداللطيف باشا عبدالله بهدم المبنى وأعاد تشييده ببقايا طوب مدينة سوبا الأثرية عاصمة مملكة علوة القديمة شمال شرقى الخرطوم ومن بعض المبانى القديمة فى منطقة أبى حراز على الضفة الشرقية للنيل الأزرق بولاية الجزيرة ليتخذ بعدها شكله الحالى المكون من طابق أرضى وطابقين آخرين. بنى القصر الرئاسى فى عام 1830 ولحقت أضرار كبيرة بالقصر الرئاسى؛ وكان القصر الرئاسى شاهدا على التحولات فى السودان؛ وكان القصر شاهدا على استقلال السودان من الحكم الإنجليزى حيث رفع فيه علم الاستقلال فى الأول من يناير عام 1956 كما شهد عددا من الأحداث المهمة وعاصر 4 انقلابات عسكرية.

يضم القصر مكتب الرئيس ونوابه وفيه تتم استضافة رؤساء الدول الأجنبية الذين يقومون بزيارات رسمية للسودان وتتم فيه معظم المراسم والاحتفالات الرسمية للبلاد. ويعد القصر من المعالم المعمارية الرئيسية فى الخرطوم ويقع فى الضفة الجنوبية لنهر النيل الأزرق بالقرب من مقرن النيلين الأزرق والأبيض وفى واحد من أجمل شوارع العاصمة المثلثة. كما يشكل رمزا سياسيا وتاريخيا للسودان، حيث كان يضم معرضا دائما للطوابع البريدية والعملات الورقية وغيرها من المقتنيات التاريخية. وقد ازدادت المخاوف حول المبانى التاريخية بعد اندلاع الحرب الأخيرة؛ ومع استمرار القتال فى الخرطوم تتسع عمليات الدمار والتخريب التى طالت معظم الأحياء الراقية والتاريخية فى وسط وشرق مدينة الخرطوم والتى تتركز فيها عدد من المبانى التاريخية؛ مما أثار مخاوف كبيرة حول التغيرات التى يمكن أن تحدثها الحرب فى وجه العاصمة. وتعرض أكثر من 20 مبنى ومعلما تاريخيا فى الخرطوم للدمار بسبب القتال؛ وظلت مبانى مثل السرايات القديمة وجامعة الخرطوم والمتاحف والقصر الجمهورى القديم والبريد تشكل أبرز معالم الخرطوم وتعكس تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام. ونظرا لمواقعها الاستراتيچية بالقرب من مناطق القتال فى وسط الخرطوم فإن معظم تلك المبانى ظلت تتعرض خلال الأسابيع الماضية للضربات الأرضية من مرتزقة قوات الدعم السريع وفى أحيان كثيرة استخدم بعضها كثكنة عسكرية.

وإضافة إلى قيمتها التاريخية وطرازها المعمارى الفريد؛ تضم بعض تلك المبانى موجودات ذات قيمة مادية وعلمية وتاريخية كبيرة مثل دار الوثائق والمتاحف ومكتبة السودان التى تحتوى على كل ما كتب عن السودان منذ الفترة الاستعمارية إلى جانب مخطوطات وكتب نادرة. وتتعرض للخطر أيضا فى مدينة أم درمان الواقعة غرب العاصمة الخرطوم مبانٍ لطالما ارتبطت بتاريخ السودان منها الطوابى وبوابة عبد القيوم وملعب دار الرياضة وقبة المهدى وغيرها. كما تشمل قائمة المبانى المعرضة للخطر كنائس ومساجد قديمة يعود تاريخها إلى مئات السنين مثل مسجد فاروق والمسجد الكبير فى قلب الحى التجارى فى منطقة السوق العربية بوسط الخرطوم وكل ذلك يمثل هوية السودان.

ومن ناحية أخرى؛ تواجه المؤسسات المحلية والدولية المعنية بحماية وصون التراث الثقافى صعوبة فى تحديد حجم الأضرار التى لحقت بالمتاحف والآثار والمواقع التراثية فى السودان بسبب الحرب خاصة فى الخرطوم وأم درمان التى تضم أهم المتاحف والمبانى التاريخية.

وقد أدت الحرب فى السودان إلى تدمير العديد من المبانى التاريخية والتى من بينها القصر الرئاسى واستمرار عمليات القتال لم تتح للقائمين على التراث الإنسانى فى البلاد فرصة لحصر أو تحديد الأماكن التراثية والتاريخية المتضررة بشكل دقيق خصوصا ما يتعلق بمنطقة آثار مروى؛ وهناك الكثير من المبانى الأثرية التى تضررت بالفعل فى قلب العاصمة الخرطوم وبعض المناطق الغنية بالآثار والشاهدة على الحقب التاريخية بعيدة بعض الشىء عن ساحة المعارك إلا أنها لم تتضرر كليا فقد تتعرض لعمليات استهداف وتدمير تنفيذا لخطط ليست من الداخل؛ كما أن الأوضاع العسكرية منعت الناس والموظفين من القدرة على التحرك أو الخروج خارج منازلهم أو عمل خطط شعبية مدنية لحماية التراث والأماكن التراثية والتاريخية القريبة جدا أو تقع فى قلب الأحداث وكما حدثت عمليات التدمير للمبانى تحدث أيضا للمتاحف وأماكن الزيارات التاريخية.

وموقع التراث العالمى فى مدينة مروى هو أحد المواقع التاريخية التى تم إدراجها ضمن قائمة التراث الإنسانى العالمى تحت مظلة منظمة اليونسكو ويوجد فى السودان موقعان تم تسجيلهما كتراث عالمى،الموقع الأول هو موقع جبل البركل فى شمال السودان تم تسجيله ضمن التراث العالمى فى عام 2003 والثانى هو موقع جزيرة مروى وتم تسجيله فى عام 2011 حيث كانت تتولى لجنة التراث فى اليونسكو عملية الترويج والرعاية والحفاظ على تلك المواقع إلا أن كلا الموقعين تعرض لتدمير ممنهج من قبل مرتزقة الدعم السريع.