الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من آلات صُنِعت لتخفيف الأحمال عن الإنسان إلى نجوم فى السينما والصحافة والتليفزيون صـراع البشـر والـ«AI» على أكل العيش!

ربما لم يفوتك أن تطالع فيديو انتشر مؤخرًا على منصات التواصل الاجتماعى لممرضة صينية فقدت أعصابها بعد أن تم استبدالها وزميلاتها من الممرضات بروبوت فى مستشفى بالصين، فقامت بتحطيم الروبوت كردة فعل على فصلها من العمل واستبدالها بالروبوت.. وتظهر المرأة فى مشهد مصور وهى تمسك بعصاة وتضرب الروبوت بشكل متكرر فى بهو المستشفى.



أثار الفيديو ردود فعل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعى، واعتبر البعض أنه من حقها القيام بما فعلته بعد أن طُردت من عملها بسبب روبوت.

وعارض كثر فكرة «غزو الروبوتات» التى باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا لمئات آلاف الوظائف والقطاعات فى العالم.

هذا المشهد ربما يكون هو إنذار لما سيحدث فى المستقبل القريب جدًا، فالذكاء الاصطناعى يشهد تطورًا مذهلًا ومرعبًا فى نفس الوقت، فهو يساعدك فى إنجاز المهام ويوفر لك الوقت والجهد بل وصل أيضًا إلى حد الإبداع والابتكار. 

إلا أنه استطاع أن ينافس الإنسان فى فرص عمله ليس فقط البدنية والجسدية منها، بل العقلية والفكرية أيضًا، وظهرت مخاوف وتحذيرات من خطورته وما قد يسببه للإنسان، دعنا نتوقف قليلًا لنفكر ما عاد به على الإنسان وما قد يشكل له تهديدًا وخطورة وما يجب عمله للاستفادة منه وتجنب مخاطره.

الأبحاث الميدانية

عن مجال الصحافة، تقول الدكتورة إيمان حسنى أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: «بالنسبة للصحفيين تم عمل العديد من الأبحاث فى الوطن العربى ومصر وبالأكثر الأبحاث الميدانية ويرى المعظم أن الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا يشكلان تهديدًا للصحفيين ولفرص عملهم والكثير يتحدث عن الناحية الأخلاقية وهناك من لديه القدرة على استخدام التقنيات الحديثة والتكنولوجيا وبالنسبة لهم هى وسيلة تيسر لهم عملهم وتعزز جودة وكفاءة العمل الصحفى».

وأضافت إيمان: «يستخدم الذكاء الاصطناعى فى إنتاج النصوص والصور والفيديوهات والأصوات والرسوم الكاريكاتيرية، واستخدمته بعض المواقع الإخبارية والصحف والقنوات المصرية والعربية، والقارة الآسيوية كلها وجنوب آسيا لديهم العديد من الدراسات المهمة فى مجال الذكاء الاصطناعى فهناك تطور ملحوظ فى هذا المجال فى المدرسة الآسيوية، أما فى الدول العربية فحل محل رسام الكاريكاتير والمذيع والمعد والصحفى، ويتيح لك تصميمات مختلفة سواء للبرامج أو الألعاب. ومع وجود بعض الإشكاليات الأخلاقية الناتجة عن استخدامه فنسمع أنه من الممكن تركيب صوت مطرب قديم على كلمات أغنية جديدة وأيضًا الكاتب نأخذ أسلوب الكتابة ونبنى عليه موضوعات، بمعنى أننا نستطيع إعادة أسلوب يوسف السباعى وغيره من الكتَّاب والشعراء السابقين، وهناك ما يسمى الخلود الرقمى بمعنى أن الإنسان لا يموت نأخذ ذاكرة الإنسان ونحفظها ويصبح لدينا أشخاص مخلدون، ويمكن تطبيق ذلك مع طفل يتيم بأن يترك له والده الذاكرة ويبقى متابعًا مع الابن وفى حوار دائم، التحديات كبيرة لمن يفقد وظائفه وفرص العمل تقل، إذن من يعمل هل خريج صحافة وإعلام؟ أم أغلبهم مهندسون وتكنولوجيون وإداريون فقط ومن يستطيع التعامل مع التكنولوجيا.

الصحافة الافتراضية

وحذرت حسنى من قواعد البيانات التى نحصل منها على المعلومات فما مصدرها وأى الدول تتحكم فى البيانات وماذا تصدر لنا من أفكار، وتعرضنا لذلك من قبل مع وكالات الأنباء أصبحت لدينا مفاهيم خاطئة مثل استعمار واستيطان فهى مصطلحات جاءت من الاستعمار أو التوطين بالخبرة الأمريكية ولكن المفهوم الصحيح لنا هو الاحتلال وأيضا مفهوم مثل الدولة هل هى دولة أم كيان، فأصبحت أعمل بقواعد بيانات دول أخرى وتكنولوجيا مملوكة لهم فلابد هنا من وعى الصحفى والإعلامى فيما يأخذه من مفاهيم ومعلومات، والبيانات الاقتصادية التى نأخذها هل هى صحيحة أم مضللة.

ومن جانبه، يقول د. محرز غالى أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: «الذكاء الاصطناعى ما زال يفتقر إلى الإبداع وإلى روح الإنسان والى إمكانيه ربط المحتوى بسياقه وشروط إنتاجه ومعايير المجتمع الذى يصدر به والجمهور الذى تتوجه له الخدمة الإعلامية، ولكن يتعرض المخرجون والمصممون والجرافيك للتهديد وتقل الحاجة لهم، أما عن قواعد البيانات فمن حقى أن أرى وأبحث فى قواعد البيانات المختلفة، ولكن مع وجود قاعدة بيانات وطنية قوية بها حقائق ووثائق ومعلومات وخرائط ويستطيع الصحفى الوصول لها بسهولة والرد على أى أكاذيب مضللة، ولا بد أن تدعم الدولة المؤسسات الصحفية والإعلامية من خلال دعم برامج الذكاء الاصطناعى وتقدم لهم ذلك فى شكل منح لأن هذه المؤسسات جزء من الأمن القومى».

وفى السياق ذاته، تقول د. نرمين إبراهيم مدرس الإذاعة والتليفزيون بالجامعة الكندية: «طل علينا من بعض القنوات مذيعون (روبوت) وهذا أثار مخاوف عديدة لكن هذه مخاوف غير صحيحة فالعنصر البشرى مهم للتأكد من صحة المعلومات ومراجعة المحتوى وأيضًا الإبداع موجود لدى البشر وليس موجود لدى الآلة، الذكاء الاصطناعى يساعد العنصر البشرى ولا يلغيه». 

هوليوود فى خطر!

لطالما تنبأت السينما بغزو الذكاء الاصطناعى وقيامه بمهام البشر ولكن ماذا لو انقلب السحر على الساحر واستولى الذكاء الاصطناعى على صناعة السينما نفسها بمن فيها من كُتاب وممثلين ومنتجين وتصوير وإخراج، وفى المقابل يتم تسريح الآلاف واستبدالهم بآخرين من الذكاء الاصطناعى فيكونون أقل أجرا وأوسع انتشارًا وهو ما يمكن أن يخلق احتكارًا سينمائيًا؟

 مع ظهور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى بقوة فى الأسواق بدأت المخاوف سابقة الذكر فى التحول إلى حقيقة حيث انتشر بشكل ذائع أغنية لاثنين من المطربين المشاهير فى الولايات المتحدة الأمريكية وهما «درايك» و«ذاويكند»، تمت صناعة الأغنية كاملة باستخدام الذكاء الاصطناعى وهو ما أعطى جرس إنذار للعاملين بالصناعة من مخاطر تلك التكنولوجيا على مهنهم بل وعلى حقوق الملكية الفكرية الخاصة بهم وإمكانية استغلال صورهم أو أصواتهم دون أن يكون لهم الحق فى المطالبة بأى حقوق. 

وللمرة الأولى منذ 43 عامًا نفذ ممثلو هوليوود إضرابا واسعا على كل الأصعدة، أدى لتوقف الأعمال السينمائية والتليفزيونية وكانت كلمة السر وراء ذلك هو «الذكاء الاصطناعى AI». 

حيث قام عدد من استديوهات هوليوود بحسب ما ذكره دنكان كرابتري-آيلند كبير المفاوضين فى اتحاد نقابات الممثلين (SAG-AFTRA)، بالتقاط صور رقمية مفصلة لوجوه الكومبارس مقابل أجر يوم واحد، ومن ثم امتلاك تلك الاستديوهات الحق فى استخدام صورهم إلى الأبد دون موافقة أصحاب الصور أو تعويضهم ماديًا.

ضياع المواهب الجديدة

ماجدة موريس الناقدة الفنية السينمائية وصفت استخدام الذكاء الاصطناعى لاستبدال أشخاص أو إعادة اشخاص رحلوا إلى الحياة مرة أخرى دون علمهم لاستغلال شهرتهم وحب الناس لهم بأنه أمر يتعارض مع حقوق الإنسان لأن من حق الإنسان أن يرفض أو يوافق على أن يتم تشغيله دون علمه ولا يتواجد فى أعمال دون رغبته ودون أخذ رأيه. 

 بل ويتعارض أيضا مع حق الفن وحق المشاهدين، فأنا كمشاهد من حقى أن أعرف هل أشاهد فنانى المفضل أم أنها نسخة رقمية منه، فما يتم لا يمكن تصنيفه سوى كونه عملية سرقة وتزوير بشكل مباشر ضد القوانين والإنسانية.

وبالتالى لا بد من وضع قوانين ملزمة تمنع استخدام الذكاء الاصطناعى على أى شخص دون موافقته وأن يكون هناك صيغة فى العقود تتعلق بالاستخدام الاعتبارى للشخصية وأن يوافق الشخص على استغلال شخصه وأن يحصل على حقوقه.

اقتصاديات الذكاء الاصطناعي

على الصعيد الاقتصادى يقول د. أبوبكر الديب مستشار المركز العربى للدراسات والخبير الاقتصادى: « الذكاء الاصطناعى سيحدث ثورة فى صناعة السينما تقارب الثورة الصناعية فى أوروبا فى أعقاب الحرب العالمية الأولى والتى أدخلت الآلة للعمل بجوار البشر وفقد عندها آلاف وظائفهم لصالح الماكينات». 

وحتى وقت قريب كانت تقنيات الذكاء الاصطناعى مكلفة للغاية ولم يكن من السهل استخدامها فى صناعة السينما أما الآن فصارت تكنولوجيا الذكاء أرخص وأكثر توفرا بشكل كبير ما يعنى أننا على أعتاب ثورة فى مجالات الإبداع والسينما بشكل خاص.

 فمن المعروف أن صناعة الترفيه والأفلام فى العالم عام 2021 حققت حوالى 91 مليار دولار، أيضا من المعروف أن أمريكا تستحوذ على حوالى 29 مليار دولار من هذه الاستثمارات. فهناك مدن كاملة فى الولايات المتحدة الأمريكية مثل لوس أنجلوس وكاليفورنيا تعتمد على صناعة السينما بشكل كبير فهى صناعة مهمة بجانب أهدافها الثقافية والسياسية والاجتماعية فهى مهمة اقتصاديًا وتوفر فرص عمل لمخرجين وممثلين وكتاب سيناريو إلخ... 

ولكن علينا أن نوضح أن إضراب الكتاب والفنانين هدد صناعة السينما فى الولايات المتحدة وهز عروشها وهو ما سيفجر مناقشات ساخنة حول تهديد مستقبل العلامة التجارية لهوليوود فيصبح فى إمكان أى دولة تمتلك تقنيات الذكاء أن تنتج أفلامًا كثيرة ومتنوعة وتسيطر على صناعة السينما وعندها لن يكون هناك أى تميز لأمريكا فى صناعة السينما. والتوقعات تقول أنه يمكن خلال سنتين فقط إنتاج فيلم كامل كتابة وتصويرًا واخراجًا وغيره؛ ولكن على كل أرى أن الذكاء الاصطناعى سيكون ذا تأثير إيجابى على الاقتصاد السينمائى لأنه سيكون لدينا إمكانيات أكبر من ممثلين لا يموتون، اختراع مشاهد جديدة، كتابة سيناريوهات خيالية بشكل كبير، وطرح قضايا أكثر حساسية وأكثر جرأة لم تطرح من قبل، وانتشار عالمى واسع. فأعتقد أنه سيزيد من عدد المشاهدين وكذلك سيزيد من الاستثمارات فى السينما وإن كان سيضر ببعض الوظائف فى السينما ولكن كمجمل اقتصاديات السينما ستكون رابحًا كبيرًا من الذكاء الاصطناعى.

حقوق فكرية

تجدر الإشارة إلى أنه فى 23 من أغسطس الحالى قضت محكمة أمريكية فى واشنطن بأن الأعمال الفنية المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعى دون أى تدخل بشرى لا يمكن أن تكون محمية بحقوق الطبع والنشر.