الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. الذكاء الاصطناعى ثورة تكنولوجية تهز العالم

ع المصطبة.. الذكاء الاصطناعى ثورة تكنولوجية تهز العالم

لطالما مرت البشرية بطفرات حضارية وعلمية وضعتها فى الكثير من الأحيان على شفا هاوية تدميرها، لكن سرعان ما يحاول البشر تدارك الأمر وتصحيح الأوضاع، وكثيرًا ما يأتى هذا التحرك متأخرًا بعدما «تقع الفأس فى الرأس»، وهذه المرة جاءت الثورة التكنولوجية بموجات متلاحقة من الطفرات والقفزات التى يحاول الإنسان استيعابها، محملًا فى عقله وضميره الجمعى بموروثات ومخاوف من تكرار سلبيات الماضى، فالثورة الصناعية لا تزال  تلقى بظلالها القاتمة على الأنظمة البيئية وما نراه الآن من تبعات التغيُّر المناخى وثورة الطبيعة المضادة تجاه التعامل الجائر مع التوازن الطبيعى الذى خلقه الله.



هذه المرة، تتزايد المخاوف من تلاعب التطور التكنولوجى فى مجال ما يعرف بالذكاء الاصطناعى، فى الطبيعة البشرية نفسها وليس فى البيئة المحيطة بها، فبالإضافة إلى مخاوف سيطرة الروبوتات على مجريات الأمور وقضائها على البشرية، ظهرت مخاوف جديدة من محاولات دمج الذكاء الاصطناعى مع الذكاء البشرى عبر شرائح تتم زراعتها فى مخ بشرى.

ولا تزال التساؤلات أكبر بكثير من الإجابات التى  تبدو حتى الآن قاصرة عن طمأنة البشر من تلك التكنولوجيا الجامحة، حتى باتت القضية مطروحة على مائدة النقاش فى الأمم المتحدة، وعلى طاولة حكومات الدول المتقدمة.

لقد تجاوزت التكنولوجيا الخيال العلمى البشرى، وباتت وتيرة الواقع متسارعة أكثر مما يستطيع العقل البشرى استيعابه، فمنذ عقود ساد الجدل حول تقنيات الاستنساخ وكلنا عاصرنا صرعة استسناخ النعجة «دوللي» نهاية القرن العشرين، وما صاحبها من جدل أخلاقى بشأن هذا النوع من التكاثر الذى يلغى مفهوم الأسرة والزواج الطبيعى، إذ أنه وفقًا لهذه التقنيات أصبحت عملية استنساخ إنسان جديد من خلايا شخص دون إخصاب طبيعى بين زوجين أمرًا قابلًا للتطبيق.

ولم تكد البشرية تلتقط أنفاسها من إشكالية الاستنساخ، حتى باغتها التطور التكنولوجى بمآزق الذكاء الاصطناعى، وهى إشكالية يبدو أنها ستكون مثار خلاف وجدل علمى وأخلاقى لفترة ليست بالقليلة، وهى اختبار جديد لما يمكن أن يفعله الإنسان بنفسه، تمامًا مثلما كان اختراع الديناميت فى بدايته من أجل تفجير العوائق الصخرية فى الطرق والمناجم ثم تحول إلى أداة تدمير وقتل، والأمر نفسه بالنسبة لاكتشاف الانشطار الذرى، وغيره من الاكتشافات العلمية، فجميعها سلاح ذو حدين، إما تستعمل لإسعاد البشرية وتقدمها أو تتحول إلى وسائل تدمير وخراب.

ولا ننسى أن خوف البشرية الدائم يكون من المجهول، فالإنسان يخشى ما يجهله، والآن تقف البشرية فى حالة من الخوف والتردد من تبعات تطبيقات الذكاء الاصطناعى، وهى إشكالية قديمة متجددة، لن تنتهى طالما بقى الإنسان وطالما واصل العقل البشرى اكتشاف مناطق جديدة لم يألفها من قبل، ولكن ما يزيد الأزمة تعقيدًا أن التطور التكنولوجى بات أسرع بكثير من قدرة العقل البشرى على الاستيعاب وهضم ما ينتج عن التطبيقات التكنولوجية الحديثة، وهى معادلة صفرية مركبة ستظل ملازمة للإنسان، وجل ما يستطيع أن يفعله حيالها أن يرجئ ووقوعها أو يحاول فرض ولو بعض من السيطرة عليها لكن المؤكد أنه لن يستطيع إيقافها أو الحيلولة دون وقوعها.

وإذا كانت المشكلة بهذا القدر فى المجتمعات المتقدمة، فإنها تزداد تفاقمًا فى المجتمعات النامية، والجاهلة بهذه التكنولوجيا، والتى عليها إما اللحاق بركب العالم المتقدم، أو أن تظل حقل تجارب لا تعرف كيف تحمى نفسها من تكنولوجيا تستهلكها ولا تنتجها ولا تعرف مآلاتها.